3. التصور العلمي للذرة

دخلت الذرة في العصور الحديثة في النظريات والأنساق الفلسفية الحديثة مع فلاسفة العصر الحديث(ديكارت،ومالبرانش،جاسيندي ،ليبنتز) ،ولكنها بقيت عند هؤلاء مثل التصور الكلاسيكي القديم كونها بقيت خاضعة لاعتبارات ميتافيزيقية بعيدة عن التجارب العلمية.

  ومن بين هؤلاء نجد نجد جاسنديGassendi(1592-1655) حيث قدّم وجهة نظره حول الذرة وأعطاها طابعا علميا،حيث اعتبر الذرات جسيمات ذات كتلة تتحرك،ولقد زود نظريته في الذرة بنظرة دينية معتبرا أن حركة الذرات ترعاها العناية الإلهية،وأن الذرات في الأجسام الصلبة توجد في نظام صارم ،وأنه في السوائل تتحرك عشوائيا رغم أنها معبأة بإحكام[1].

  مع بداية القرن التاسع عشر دخلت الذرة في الأبحاث الكيمياوية كفرضية عالمية مكنت من تفسير بعض الظواهر تفسيرا بسيطا ومعقولا،ويُعتبر العالم الإنجليزي دالتونDalton  أول من طرح مسألة الذرة طرحا علميا عام 1808،حيث أدخل مفهوم الون الذري معتبرا أن لكل عنصر بسيط كالهيدروجين مثلا ذرة نوعية خاصة به،لزم أن يكون لكل ذرة نوعية وزن خاص بها،لأن الأجسام وهي تتركب من الذرات تختلف في الوزن،ولزم كذلك أن يتم اتحاد الذرات كيمياويا حسب علاقات محددة ومضبوطة،وبالتالي يصبح من الممكن استخلاص الأوزان الذرية كمقارنة العناصر البسيطة بعضها مع بعض،كما يفسح المجال للبرهنة علميا مع فرضية الذرة[2]،ومن هنا أصبح العلماء ينسبون إلى ذرة كل عنصر وزنا خاصا به،فأعطوا للأوكسجين مثلا العدد 16،لأنه أثقل 16 مرة من الهيدروجين،وأعطوا للكربون وزن 12 لأنه أثقل 12 مرة،وهكذا دواليك.

  ثم جاء العالم الروسي ماندلييف Mandeliev(1834-1907) الذي توصّل إلى تصنيف العناصر الكيمياوية تصنيفا ظل يشكل أحد الأسس التي قامت عليه النظريات الحديثة حول تركيب المادة،لقد لاحظ ماندلييف عام 1869 أن بعض خصائص العناصر البسيطة تظهر دوريا كخصائص لكتلتها الذرية،فرتب مختلف العناصر المعروفة يومئذ حسب كتلتها الذرية ترتيبا تصاعديا،ولاحظ وجود عناصر متشابهة مع بعضها البعض،فأقام تصنيفه المشهور على مبدأين هما :الوزن الذري والتكافؤ الكيماوي[3].

  ورغم هذه التطورات بقيت فرضية الذرة شيئا مجهولا ،حتى أن البعض رفض القول بفرضية الذرة،معتبرين إياها:فرضية ميتافيزيقية،ورفضوا اعتبارها وجودا واقعيا بدعوى أن التجربة لم تثبت وجودها،لكن مع تقدم العلم تم إثبات وجود الذرة،ولكن عن طريق النظرية الحركية للغازات.



 عبد الفتاح غنيمة:فلسفة العلوم الطبيعية،مرجع سابق،ص60.[1]

 محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم،مرجع سابق،ص319.[2]

[3]  المرجع السابق نفسه،ص220.