2. الذرة في الفكر الإسلامي

لقد خاض علماء الكلام في الإسلام في مسألة الذرة وسمّوها بالجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ،وسواء استقوا آراءهم من الفلسفة اليونانية أو بعض المذاهب الهندية،فإنهم قد صاغوا كذلك مذهبا ذريا يختلف عن بعض الآراء السابقة،وهذا لمواءمة طرحهم مع الاعتبارات الدينية والكلامية للبيئة الإسلامية أنذاك.

  من بين المفكرين المسلمين الذين بحثوا في الذرة نجد فرقة المعتزلة ورائدها أبو الهذيل العلاف الذي يعتبر أول من قال بالجزء الذي لا يتجزأ في الإسلام أ الجوهر الفرد ،ومن مميزاته :أنه لا طول له ولا عرض ولا عمق وبسيطا ليس مركبا،وغير منقسم ،وإنه يتبع مع غيره أو يفارقه،ومن بين خصائص هذا الجوهر نجد السكون والحركة والتماس،وعندما تجتمع الأجزاء تشكل جسما[1].

  وانفرد النظام المعتزلي بالقول أنه لا جزء إلا وله جزء ولا بعض إلا وله بعض،ولا نصف إلا وله نصف،وأن الجزء جائز تجزئته أبدا ولا نهاية له من التجزؤ ،ومن النتائج المترتبة على إنكار النظام للجزء الذي لا يتجزأ استحالة الحركة وقطع المسافة،ولكنه تغلب على ذلك بالقول بالطفرة ،ومعناه أن الجسم قد يكون في مكان ما ثم يقفز(يطفر)منه إلى المكان الثامن أو العاشر دون المضي بالأماكن المتوسطة[2].

   رغم الجهود المبذولة من طرف المعتزلة ومن جاء بعدهم من المتكلمين،إلا أنها ستبقى آراء فلسفية كلامية ذات طابع ديني لا علمي،لكن هناك بعض الأفكار التي كان لها عظيم الصدى والأثر في الفكر الذري الحديث مثل:فكرة الطفرة التي ستتبناها فيما بعد نظرية الكوانتم.



محمد عابد الجابري:مدخل إلى فلسفة العلوم:مرجع سابق،ص318.[1]

 المرجع السابق نفسه،ص 318.[2]