3. النظريات الإجتماعية

النظريات الاجتماعية في مجال دراسة السكان

ومن أهم رواد هذا الاتجاه نذكر كل من: كارل ماركس، دوركهايم، ، أرسين ديمون وآخرون غيرهم.

1- نظرية كارل ماركس: يعتبر كارل ماركس Karl marx  رجل اقتصاد وسياسة واجتماع في المقام الأول، اشتهر بكتاباته وأرائه المناهضة للنظام الرأسمالي لم يتعرض ماركس بشكل مباشر لقضية أسباب زيادة السكان، وإنما قام بصياغة مجموعة من المبادئ الأساسية، التي اعتبر أنها تحدد المشكلة السكانية والعوامل السوسيواقتصادية المتعلقة به، وذلك ضمن الإطار الواسع للمادية التاريخية.وقامت أراء ماركس في تناوله لهذا المسألة، على التشكيك في صحة القوانين التي صاغها مالتوس ، والقائلة بأن الموارد لا يمكنها أن تنمو بنفس القدر الذي ينمو به السكان، وأن فقر وشقاء الإنسان يعود إلى ميله الطبيعي لإنجاب عدد من الأطفال، يزيدون على نطاق قدرته على إعالتهم.

ولم يرى أي داعي للتشكيك في قدرة كل من العلم والتكنولوجيا، على زيادة الكمية المتاحة من الغذاء والسلع الأخرى، بل على العكس من ذلك تماما، فإن النتيجة الطبيعية للنمو السكاني هي الزيادة الجوهرية في الإنتاج، ذلك أن كل عامل ينتج كمية من الإنتاج أكبر مما يحتاجه، ومن ثمة فإنه في المجتمع المنظم تنظيما جيدا تؤدي زيادة السكان إلى ثروة أكبر و يرجع ماركس حالة الفقر التي تعتري المجتمعات الرأسمالية إلى النظام السائد فيها، معتبرا أنه لا يوجد ما يساهم به هذا النظام من إتاحة الفرص لتشغيل كل أفراد المجتمع، طالما أن الآلات تتزايد بسرعة تفوق تزايد العمال، فيحدث فائض في السكان نتيجة لمعدل التشغيل المتناقص، واختصار النفقات وتراكم رأس المال في صورة سلع إنتاجية، مما يؤدي إلى نقص الحاجة إلى العمال، ويصبح وجودهم في الإنتاج زائدا عن الحاجة نسبيا، مما يسهم في تكوين جيش احتياطي من العمال، يكفل لهم الحفاظ على الأجور عند حد الكفاف، من خلال التنافس على الوظائف بين العمال، بل أكثر من ذلك فإن وجود هذا الفائض من العمال، سوف يدفع بالعمال إلى زيادة إنتاجياتهم حتى يحافظوا على وظائفهم. وهي الأوضاع التي تنبأ ماركس بأنها سوف تتحول تدريجيا إلى عامل مدمر للمجتمع الرأسمالي، وذلك من خلال إثارة حالة من السخط العام ثم الثورة ضد هذه الأوضاع، تنتهي بإقامة نظام إنتاج اشتراكي تتلاشى فيه مشكلة الزيادة السكانية، والتي سوف يتم استيعابها بواسطة الاقتصاد دون إحداث آثار جانبية، وذلك من خلال التشغيل الكامل والمتوازن بين رأس المال والعمال. كما يرى أنه لا يوجد قانون طبيعي عام للسكان، وأن لكل عصر ولكل أسلوب في الإنتاج على مر التاريخ قانون السكان الخاص به، والذي يتناسب مع الظروف الخاصة السائدة فيه

  • الانتقادات التي وجهت إلى أفكار ماركس: تعرض الإسهام الماركسي في مجال النمو السكاني إلى جملة من التحفظات التي أحيطت به حتى من قبل أشد المتحمسين له، وذلك بفعل العيوب التي اعترت عملية الالتزام بإعماله على أرض الواقع، والتي من أبرزها نذكر ما يلي:

أ. أعاب ماركس على مناوئه في الرأي من شاكلة روبرت مالتوس وغيرهم، تحيزهم الفاضح ودفاعهم المستميت عن مصالح الطبقات الحاكمة، إلا أنه كرر الخطأ نفسه من خلال تحيزه العلني لطبقة العمال، وهو ما أثر في طريقة أبحاثه وفي النتائج التي خلص إليها.

ب . اعتقد ماركس أن الاشتراكية هي النظام الوحيد الذي يستطيع أن يجنب المجتمعات الإنسانية ويلات التزايد السكاني، مهملا في ذلك أثر العديد من العوامل الأخرى كالحرية الشخصية فيما يتعلق بالزوج والانسلال، وهو ما لا يتفق مع طبيعة البشر وطبيعة الحياة الاجتماعية للسكان

ت . لم يتفق كافة الماركسيين مع الأفكار الأصلية لماركس حول السكان، حيث اصطدمت الدول التي أخذت بالفلسفة الماركسية كمشروع سياسي واقتصادي، مشكلات ناجمة من أن النظرية الأصلية لم تقدم شرحا وافيا، حول القسم الخاص بكون كل مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي، تنتج علاقات مختلفة بين النمو السكاني والتنمية الاقتصادية.

ث . يرى ماركس أن قانون السكان الاشتراكي  يقف على وجه النقيض من قانون السكان6 الرأسمالي، فإذا كان معدل المواليد منخفضا في ظل النظام الرأسمالي ، فإنه سيكون مرتفعا في ظل النظام الاشتراكي، وٕإذا كان الإجهاض أمرا سيئا في الأول فإنه أمر جيد بالنسبة للمجتمع الاشتراكي وهكذا، وهو ما يعني أن الاتجاهات الديموغرافية في الدول الاشتراكية سوف تختلف كلية عن غيرها في البلاد الرأسمالي، غير أن واقع الحال كان يقول عكس ذلك تماما، حيث لم تختلف هذه الاتجاهات في المجتمعات الاشتراكية عن نظيرتها في المجتمعات الرأسمالية، ومن شواهد ذلك أن الحكومة الصينية وأمام حتمية التعامل مع اكبر حجم سكاني في العالم، قد وجدت نفسها مجبرة على هجر الايدولوجيا الماركسية في مجال السكان، حيث قامت منذ سنوات السبعينات بإعادة تنظيم الجهود من أجل السيطرة على نمو السكان، من خلال تبني واحد من أكثر البرامج الحكومية شدة في التعامل مع مشكلة النمو السكاني، بهدف تقليل الخصوبة من خلال فرض قيود على الزواج أي تبني الحل المالتوسي) ومنع الحمل (الحل الذي قدمه المالتوسيون الجدد والإجهاض، بل أكثر من ذلك فإن الاشتراكية السوفيتية مثلا لم تستطع القضاء على أسوء الأمور التي ألصقها ماركس بالرأسمالية، وهي ارتفاع معدلات الوفيات بين الطبقات العاملة مقارنة بمعدلات الوفيات بين الطبقات الأخرى، كما أن معدلات المواليد قبل 1990 انخفضت إلى مستوياتها الدنيا، لدرجة أنه لم يعد من الممكن الإدعاء بأن ذلك مرتبط بالبرجوازية مثلما ذهب إلى ذلك ماركس .

2- نظرية إميل دوركايم: هو أحد أبرز علماء الاجتماع الفرنسيين، اشتهر بنظريته حول تقسيم العمل، والتي جرى إسقاطها في حقل الدراسات السكانية، و يذهب دوركايم إلى أن زيادة السكان في المدن تتم وفق آلية تختلف عن الآلية التي تتم بها زيادة لدى سكان القرى والأرياف، ففي هذه المناطق يزداد السكان بفعل النمو الطبيعي، بينما تتحقق زيادة السكان في المدن بفعل عامل أخر وهو الهجرة، ففي المدن يعيش السكان في شكل كتل متراصة  بعضهم إلى جانب بعض، لا يحتاجون غلى مساحات كما في الأرياف لاسيما في إنتاج قوتهم.

ليس من الضروري أن يكون سكان المدن كبيرا ومعدل نموهم عاليا دائما، بل أن طبيعة الحياة وما تفرضه عليهم تكفي لأن يدخل الأفراد في علاقات وروابط حميمة وقوية لتسهيل عملية تبادل الأعمال والأفعال بينهم.

وأكد على أن عملية تقسيم العمل الاجتماعي تكون أكثر سهولة وأوسع نطاقا كلما أزداد عدد أفراد المجتمع، إذ تزداد حالات الاحتكاك والتفاعل بينهم، الأمر الذي يساعد على رفع قدرتهم في تبادل الأفعال والأعمال،4كما أن سكان المجتمع يتجهون دوما نحو التكيف بعضهم مع البعض الأخر، من خلال مرورهم بم ا رحل اجتماعية واقتصادية حددها بمرحلة الصيد، ثم الرعي، فالزراعة، والصناعة، وهكذا تزداد الكثافة تبعا للانتقال من مرحلة لأخرى، ويزداد التركيز والاكتظاظ ويتولد من خلال ذلك تيار من تبادل الأفعال وردود الأفعال، وتبعا لزيادة حجم السكان وكثافته وجد دوركايم بأنهما يؤديان إلى تطور تقسيم العمل الاجتماعي، وهذا يؤدي بدوره إلى سلسلة من التطورات الأخرى في مختلف مجالات الحياة.

  • أهم الاعتراضات التي صاحبت نظرية دوركايم: لم يختلف عن سابقيه من المنظرين، أين وقع هو الأخر في بعض الهفوات، والتي يمكن حصرها إجمالا فيما يلي:

أ. اهتم بجانب واحد وهو تقسيم العمل الاجتماعي في تفسيره لقضايا السكان، مع طغيان المسحة النفسية والاجتماعية على نظريته.

ب . تميزت نظريته بطابع إحصائي فقير، أغفل التغيرات التي تواجه المجتمع وسكانه، والناتجة عن التقدم التكنولوجي وانعكاساته على الأوضاع الخدماتية والثقافية. فضلا عن ذلك فليس من السهل تحديد طاقة أي مجتمع ما في قدرته على استيعابه لأفراد هذه الطاقة، كانت ولازالت موضع شك لاسيما في المجتمعات الصناعية والتكنولوجية.

3- نظرية أرسين ديمون(1840- 1902): أﺴــــﺘﺎذ ﺒﺠﺎﻤﻌـــﺔ ﺴﺘراﺴـــﺒورغ، أﻫـــﺘم بالقضايا الاجتماعية المؤثرة في السكان، وذلك انطلاقا من الدراسة التي قام بها عن نمو السكان في أواخر القرن 19 بفرنسا، والتي ضمنها في كتابه الصادر في سنة 1890 تحت عنوان تناقص سكان المدينة، والذي تضمن نظريته بشأن الارتقاء الاجتماعي والتي عرفت باسم العزلة الاجتماعية و يؤيد ديمون أن الفرد يميل إلى البحث عن الصعود  إلى مستويات أعلى في بيئته الاجتماعية، وأنه في عملية الارتقاء هذه يصبح أقل قدرة من الناحية الاجتماعية على التناسل، وذلك لأنه يبتعد شيئا فشيئا عن وسطه الطبيعي وعن أسرته، ويفقد نتيجة ذلك اهتمامه بالأسرة إذ لا يجد الوقت الكافي لتكوينها، وهو ما دفعه إلى التسليم بأن عدد السكان في المجتمع يتناسب عكسيا مع تكوين الفرد لنفسه، كما يرى بأن للمدن الكبيرة في المجتمع  الديمقراطي جاذبية هائلة، ذات تأثير على الذين يعيشون قريبا منها وقد بني ديمون نظريته هذه نتيجة دراسته  للخصوبة في أقاليم فرنسا، وذهب إلى هناك تفاوت كبيرا بين المجتمعات المتقدمة مثل فرنسا والنامية مثل الهند، ففي فرنسا حيث استقرت الديمقراطية كان الانتقال من طبقة إلى طبقة أخرى سريعا، أي تكون الشعيرية الاجتماعية أشد مفعولا مما ترتب عليه خفض معدل المواليد إلى درجة كبيرة، بالإضافة إلى ذلك فإن المدن الكبرى في المجتمعات الديمقراطية تفرض جاذبية قوية على الذين يعيشون بالقرب منها، وبهذا تزيد من قوة الجاذبية الشعيرية على الناس وتسرع بالعمل على تخفيض معدل المواليد في المجتمع، أما الذين يبعدون عن مراكز الجاذبية ويعملون في حرف لا يجد الطموح الفردي فيها سوى فرص ضئيلة للنمو، لا يجتذبون بمثل هذه السرعة إلى الحركة الشعيرية، ومن هنا لا يحتمل أن يقللوا معدل المواليد بنفس الدرجة بل يواصلون التزايد.

  • الانتقادات التي وجهت لأفكار ديمون: المتتبع لأفكار نظرية ديمون، يجد أنه حرر نظرية سبنسر من التنافر بين الفرد والجنس، وأن نظريته كان للطابع النفسي والاجتماعي الأثر الغالب فيها مقارنة بسبنسر غير أن ما يعاب عليه هو أنه لم يعطي تفسيرا كاملا لأسباب هبوط نسبة المواليد في فرنسا، وغيرها من الدول التي تشهد انخفاضا في معدل المواليد، وذلك رغم الأهمية التي تحوزها في مجال توجيه الاهتمام إلى دور العوامل الاجتماعية في تزايد السكان أو تناقصه.