6. القصة الأدبية والقصة الخبرية

       أثار الخبر الصحفي أو ما يعرف بالقصة الخبرية مع بدايات القرن التاسع عشر زمن تطور الصحف جدلا واسعا بين الباحثين والإعلاميين، ومن بين النقاط التي أثيرت الجدل، الفرق بين القصة الخبرية والقصة الأدبية، بالرغم من أنهما يختلفان لغة وبناء ومعالجة، وإذا كانت كتابات الأديب تنبع من ذاته ووجدانه وتنقل أحاسيسه وعواطفه وخياله ومرجعيته الثقافية، فإن كتابات الصحفي تنبع من ذات المجتمع وتعبر عن أحاسيس وعواطف غيره، فالأديب تمتاز لغته بالغموض الفني، والصحفي بمرجعيتها القاموسية المستمدة من الواقع المعيش".

(عبد العالي رزاقي، المقال والمقالي في الصحافة الإذاعة والتلفزيون والانترنت، دار هومة للنشر والطباعة، 2008، ص08).

ويرى الدكتور "عبد اللطيف حمزة" بأن الفرق عظيم جدا بين القصة الأدبية والقصة الخبرية، وهو فرق يتضح في جانبين: جانب "العقدة أولا، وجانب "الأسلوب" ثانيا" (عبد اللطيف حمزة، مرجع سابق، ص 155).

 ويقدم الدكتور "محمد سيد محمد" مقارنة بين القصة الأدبية والقصة الخبرية، فيرى "بأن الخروج من المألوف يمثل بابا تدخل منه القصة الخبرية، وأن الدراما الإنسانية تمثل بابا تدخل منه القصة بوجه عام" و"أن القصة الخبرية تعد تعبيرا موضوعيا عن واقعة، أما القصة الأدبية فهي تعبير ذاتي".

(محمد سيد محمد، الصحافة بين التاريخ والأدب، دار الفكر العربي، ط1، القاهرة، ص 54).

إن معظم من حاولوا المقارنة بين القصة الأدبية والقصة الخبرية لجأوا إلى "التنظير" أكثر مما استندوا إلى الحقائق الأدبية والصحفية، فعلى مستوى اللغة تختلف لغة الأديب عن لغة الصحفي، وعلى مستوى الكتابة، ينطلق الأديب من ذاته بينما ينطلق الصحفي من الواقع الاجتماعي.

وعلى مستوى البناء فإنهما يختلفان، فالقصة الأدبية تختلف من أديب لآخر، وتخضع لثقافة القاص، أما القصة الخبرية، فهي تخضع لشروط محددة مسبقا وهي:

أولا: توفر خبر يحمل عناصر القص بمعنى وجود حدث أو واقعة ليس من صنع الخيال كما هو الحال بالنسبة للأديب.

ثانيا: أن القالب الفني لكتاب القصة الخبرية هو الهرم المعتدل.

وهذا التقصي يكون على مستوى سياسة الصحيفة هي التي تحدد زاوية المعالجة إلى جانب القراء الموجهة لهم.

مثال توضيحي:

"أصدرت محكمة الجزائر حكما بالإعدام في حق طفلة لم تتجاوز سن العاشرة، بسبب قتلها إماما داخل المسجد، بسلاح ابيض ليلة العيد" فإن هذا الخبر يمكن التقصي فيه، وروايته بعدة طرق:

- عبر التحري في أسباب اتفاق قضاة المحكمة على إصدار حكم بالإعدام،في حق قاصر،وهذه القصة الخبرية تصلح للجريدة ذات الشأن القانوني.

- عبر التحري عن الدوافع الحقيقية التي أدت بطفلة قاصر إلى القتل، وهذا يكون في القصة التي تنشر في مجلة إنسانية.

- عبر التحري عن أسباب اختيار المسجد وليلة عيد الأضحى لارتكاب هذه الجريمة وهذه القصة تصلح للصحف ذات المضامين الدينية.

   ويتساءل الدكتور "نصر الدين لعياضي": هل يمكن القول أن في كل نص صحفي يوجد نص أدبي؟، ويشير إلى أن "الكتاب والأدباء هم الأوائل الذين احتضنوا الصحافة وطوروها وأن العلاقة بين الصحافة والأدب لا زالت قوية ومؤثرة في بعض الأنواع التي يقال أنها تعبيرية الصورة الصحفية...".

(نصر الدين لعياضي، مساءلة الإعلام، المؤسسة الجزائرية للطباعة، الجزائر، 1991، ص 154).