1. المنظور الإسلامي لحقوق الطفل

الحمد لله المتفضل بالنعم الذي جعل ]المال والبنون زينة الحياة الدنيا[، والصلاة والسلام على النبي الأكرم أعظم والد وأفضل جد سيدنا ونبينا محمد e القائل: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم فإن أولادكم هدية إليكم"([1]).

المقدمة:

فإنه من أهم ما يطمح إليه الإنسان في دنياه، ومن أعز الأمنيات على قلبه، وأجمل الرغبات في نفسه: أن يرزقه الله ذرية طيبة وولداً صالحاً؛ وقد وصف الله عزَّ وجلَّ عباده بأنهم يدعونه أن يهب لهم ذرية نقية صالحة تسعدهم، يقول الله تعالى: ]والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً[[الفرقان: 74].

فالأطفال نعمة كبرى على الناس؛ تملأ حياتهم بهجة وسروراً، وتزيدها أنساً وحبوراً، وتمنحهم راحة واستقراراً، ويعيشون سعادة وأماناً.

وهم مصابيح البيوت، وقرة العيون، وفلذات الأكباد، وبهجة الأعياد، ونبض المجتمعات، وهم أحباب الرحمن، وهم زهرة اليوم وثمرة الغد وأمل المستقبل، ويقاس بنضجهم وتقدمهم ونجاحهم تقدم الأمم ونجاحها، قال الله تعالى: ]المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً[[الكهف: 46].

والعالم بأسره اليوم يعيش مرحلة تاريخية حافلة بالاهتمام العالمي على صعيد الدول والشعوب بالطفل والطفولة؛ حيث عقدت عدة مؤتمرات دولية، وصدرت إعلانات وصُدقِّت عهود ووُقِّعت اتفاقيات تتعلق بالأطفال وحقوقهم والعناية بهم.

ويدور الحديث في الأوساط الثقافية عالمياً عن حق الطفل في الحياة والمسكن والعلم والعلاج والوقاية والترويح والغذاء والكساء، وتنشر صور أطفال فقراء في العالم أجمع لضحايا الفقر والجوع والمرض والجهل، فهناك أفواه جائعة، وأجساد عارية مريضة، وعقول خاوية، وأرض مجدبة في كثير من أنحاء العالم.

ولا يخفى أن هذا الاهتمام العالمي بالأطفال لم يكن ليحصل لولا ما أصاب شعوب العالم من ويلات حروب القرن العشرين، وما يعقب الحروب من ضحايا، وتشريد، وتهجير؛ حيث وجدت نسبة كبيرة من الأطفال الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم وذويهم، وأصبحوا في ضياع وجوع وعُرْى وحرمان، واحتاجوا إلى أيد رحيمة تنقذهم مما هم فيه من تعاسة؛ فالطفولة في العالم واقعة في مأزق؛ فهي تعانى من التشرد، والتعسف، والقهر، والتهجير، والاستبداد.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سعت الأنظمة الحديثة إلى وضع نظام يخص حقوق الطفل في العالم، حيث وافقت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة فى20/11/1959م على إعلان حقوق الطفل، وتضمن عشرة مبادئ منها:

حق التسمية.

والأمن الاجتماعي.

والرعاية.

والعلاج.

ومسئولية الوالدين.

وحق التعليم الإجباري.

وحق اللعب والرياضة.

والوقاية من الأمراض.

والوقاية من القسوة.

والوقاية من الفساد.

وخصصت لها هيئة خاصة هي "اليونيسيف".

وإذا كان العالم اليوم يسعى إلى رفع مستوى الطفولة وعلاج مشكلاتها بالأقوال؛ فإن الشريعة الإسلامية قد عنيت بالطفولة أيما اعتناء، وعملت على حمايتها وحل مشكلاتها بالأفعال والأعمال التي ستظل خالدة على مر الزمان.

ومما نفخر ونعتز به أن الإسلام له أياديه البيضاء على الأطفال والطفولة، حيث حفلت آيات الكتاب العزيز، وسيرة النبي e وأحاديثه الشريفة بالاهتمام البالغ بالأطفال والعناية بهم.

فللأطفال في الشريعة الإسلامية حقوق على ذويهم، وحقوق على مجتمعهم، وحقوق على الدولة التي يعيشون في كنفها وعلى أرضها.

هذه الحقوق تنبع من غرائزهم وحاجاتهم الفطرية؛ كحاجتهم إلى الغذاء والكساء، وحاجتهم إلى الأمن والاطمئنان، وحاجتهم إلى العطف والحنان، وهذه الحاجات لا يستغنى عن إشباعها أي طفل من أطفال العالم، في كل الظروف والأحوال، وفى كل العصور والدهور.

وهناك حاجات تتجدد بتجدد العصور وتغير الدهور، واختلاف الأمكنة وتنوع البيئات، وعلى سبيل المثال نشأت في هذا العصر من علوم ومعارف على اختلاف مستوياتها الفكرية ووسائلها المتطورة؛ كظهور الحاسب الآلي (الكمبيوتر)، وشبكة المعلومات العالمية (الإنترنت) والمخترعات الحديثة الأخرى، فمن حق الأطفال أن يتعلموها ويتقنوا استخدامها.

وقبل الحديث عن مقاصد الشريعة وأثره في الحفاظ على حقوق الطفل، أبين تعريف الطفل:

تعريف الطفل([2]):

الطفل بكسر الطاء: الصغير من كل شيء عيناً كان أو حدثاً، يقال: هو يسعى لي في أطفال الحوائج أي صغارها، ويقال: أتيته والليل طفل أي في أوله، وأطفلت الأنثى: صارت ذات طفل، والمصدر: الطَفَل (بفتح الطاء والفاء)، والطفالة والطفولة والطفولية، والطفل المولود ما دام ناعماً، والولد حتى البلوغ، وهو للمفرد المذكر، وفي التنـزيل العزيز: ]وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا[[النور: 59]، وقد يستوي في المذكر والمؤنث والجمع، قال الله تعالى: ]ثم نخرجكم طفلاً[[الحج: 5]، وقال الله تعالى: ]أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء[[النور: 31].

وفيما يأتي بيان حقوق الطفل في الإسلام من خلال مقاصد الشريعة الإسلامية، والأهداف العامة التي يصبو المسلمون لتحقيقها.




([1]) رواه ابن ماجه.

([2]) معجم ألفاظ القرآن، 1/747، المعجم الوسيط، 2/566.