1. مقدمة :
يرى ابن خلدون أن العصبية هي المحرك للتاريخ الاجتماعي للمجتمعات ، وهي وراء عملية التغير الاجتماعي بشكل عام ، منطلقا في تفكيره من مبدأ العلاقات الجدلية بين العمران البدوي والعمران الحضري ، مفسرا نشأة الدول وانحلالها بناء على آلية العصبية ، فهي التي تؤدي إلى الملك ، وهي نفسها التي تؤدي إلى زواله ، ونعتقد أن نظريته هذه لا تقل في الأهمية عن اكتشافه لعلم العمران البشري والاجتماع الإنساني (علم الاجتماع).
وهو يرى أن العصبية ظاهرة اجتماعية ملتحمة بالعمران البدوي على الخصوص ، وتظهر بشكل أقل حدة في العمران الحضري ، وهي تحمل معنى وظيفيا ، نظرا لما يترتب عليها من آثار في قيام الدول وانهيارها في العمران الحضري ، وتنظيم حياة الأفراد في العمران البدوي ، وهي الوعاء الذي يحفظ حياة المجتمع الإنساني وأساس بقائه وصيرورته ، أي إن لها وظائف اجتماعية وسياسية مهمة في المجتمع بدويا كان أم حضريا.
ولا شك أن نظرة ابن خلدون للعصبية ووظيفتها الاجتماعية والسياسية ، كانت مشتقة من بيئته الخاصة ، وهي بيئة كانت الصلة فيها قوية بين الحياة البدوية بمجتمعاتها القبلي من جهة ، والحياة الحضرية بمجتمعها السياسي من جهة أخرى ، وكان التأثير قويا ومستمرا بينهما ، إلا أن طابع الحياة القبلية غالبا كان هو المسيطر ، حيث كانت الدول تقوم وتنهار من جراء تآلب القبائل أو تشتتها.