2 - لماذا حدث الاختلاف في الوضعية السابقة في الأحكام القيمية ؟

الاختلاف في بناء الأحكام القيمية راجع إلى المشارب والمرجعيات الثقافية والحضارية التي عاد إليها كل من (أ) و (ب) وهذا يدل على تعدد المداخل التي من خلالها نبني مفهومنا للقيم : المدخل الديني، الفلسفي ،الاجتماعي ، النفسي .

1-2المدخل الديني :

أ-  الدين كمصطلح باللغة العربية أو الأجنبية (Religion) يعني رابط يرتبط به الانسان ويعتمد عليه في حياته ، أي يدين إليه , هناك دين وضعي من ابتداع الإنسان في ظل ظروف معينة لهدف تنظيم سلوك الإنسان وفق نسق معين ، يشمل جملة من التوجيهات والتعليمات تهدف إلى تحقيق سعادة وارتقاء الإنسان على سبيل المثال البوذية .  االدين السماوي : مصدره مفارق للإنسان إلهي يحمل نصوصا دينية تحدّد معيار القيم  والإنسان مطالب بالالتزام بها ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلام )   .

نص فلسفي يقول ((الكسيس كاريل)) :(( لا تصبح الأفكار المجرّدة عاملاً فعالاً إلاّ إذا تضمنت عنصراً دينياً ، وهذا هو السبب في أنّ الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية إلى حدّ يستحيل معه المقارنة ،ولذلك لا يتحمّس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق ، إلاّ إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية ))(2)هذه النص الفلسفي يبين أن للدين أهمية كبيرة في توجيه الحياة القيمية للإنسان فلمسيحية دور كبير في بناء المنظومة القيمية للمجتمع المسيحي سواء تعلق الأمر بالحياة الأخلاقية أو السياسية أو الاقتصادية ، فرغم الثورة العلمية والنزعة العلمانية اللاّئكية في تقويض صلاحيات الكنيسة والدين لكن يبقى هذا الأخير مصدر إلهام أخلاقي وقيمي وفقه تبنى المشاريع الاجتماعية والسياسية عند الغرب وفي هذا الصدد نجد(( ماكس فيبر )) في كتابه الجذور المسيحية للرأسمالية يؤكد أنّ الإصلاحات التي قام بها ((مارتن لوثر كينغ))التي ادت إلى ظهور المذهب البروتستانتي قد ساهمت في تغيير نظرة الإنسان الأوروبي إلى العالم الخارجي وعالم القيم وكذلك إلى قدراته و واجبه في هذا الوجود وحدوده المعرفية والسلوكية  من حيث إعادة الاعتبار إلى الفرد من حيث قيمته ككائن فاعل وكذلك رد الاعتبار إلى قيمة العمل كعبادة و واجب ومنه ظهور قيم المنافسة والحرية والتعاون والتسامح .

هـــــــــــــام : ينظر الانسان الى القيم النابعة من الدين ، نظرة تقديس واجلال ممّا يضفي عليها صفة الثبات والاستمرارية .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) - جاكلين روس ،الفكر الأخلاقي المعاصر ، تر عادل العوا ، عويدات للنشر والطباعة ((بيروت )) ط01 ، 2001، ص 06.

(2)- الكسيس كاريل ، تأملات في سلوك الإنسان ، تلر محمد القصاص ،ص 140.



 

2: الدين الإسلامي :كذلك اهتم بموضوع القيم لحساسيته ودوره في التأسيس لمجتمع جديد لذلك كانت نصوصه الدينية الشرعية قرآن وسنه قوليه وفعلية وتقريرية تؤكد أن هذا الدين الجديد جاء ليتمّممكارم الأخلاق , فقد كان الإسلام مصدراً أساسيا في توجيه المسلمين للمبادئ التي من خلالها يحكم على الفعل بالخيرية أو الشرّانية وغيره من القيم الجمالية والمعرفية وذلك في قالب من التوجيهات والأحكام الشرعية حلال ، حرام ، مباح  فرائض واجبات . لقد أعطى الإسلام للقيم مكانة عالية لدرجة أنه رفع من مقامها لدرجة العبادة والعاداة في آن واحد محفزا ومشجعا الملتزمين بها بالوعد ومحذرا المخالفين لها بالوعيد .

من خصائص القيم في الإسلام : تعبدية يتقرب بها المسلم إلى الله كعبادة خالصة ، عملية نفعية لها علاقة بمصلحة الإنسان في كل زمان ومكان قابلة للتجسيد ، غاية و وسيلة في آن واحد يهدف إليها ويصل بها إلى مرتبة اعلي أخلاقيا ، مطلقة وثابتة جاءت واضحة ، إنسانية ممكنة  ...

هام هل القول بأن الإسلام مصدر مطلق للقيم يلغي قدرة الإنسان على إبداع القيم وأنّ القيم المستمدة من الإسلام مقدسة لا يمكن تجاوزها؟

الإسلام يقر بالحرية والمسؤولية ويحث على الاجتهاد ومنه هناك مجال للاجتهاد وإعادة النظر في بعض القيم وفهومنا لمبادئ الإسلام ونصوصه الشّرعية.

اختلف مفكري وعلماء الإسلام في هذه المسألة من مقر بضرورة الإتباع الحرفي للنص الشرعي لمطلقتيه وكماله وعجز الإنسان عن معرفة الخير والشر كون القيم قد فصل فيها الإسلام بشكل نهائي(الاشاعرة) ، إلى من يقر بوجود إمكانية بشرية لمعرفة الخير والشر (المعتزلة ) مع وجود طرف ثالث مؤكد لدور  الإسلام وكذلك الإنسان في تحديد القيم وذلك يعود إلى مرونة هذا الدين و كونيته ، تمتع الإنسان بالقدرة العقلية والنفسية للإدراك وتطور الحياة و مستجداتها ومسؤولية الإنسان وما ينتظره من جزاء .

نتيــجة

القيم مثل عليا على الإنسان الإلتزام بها ، فيها ما هو ثابت وفيها ما هو متغير

روح الإسلام لا تقصي الإنسان في بناء المنظومة الأخلاقية