مقاربة مفهوم القيم وعلاقتها بالتعددية الثقافية
الموقع: | Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2 |
المقرر: | فلسفة القيم ،مصادر القيم |
كتاب: | مقاربة مفهوم القيم وعلاقتها بالتعددية الثقافية |
طبع بواسطة: | Visiteur anonyme |
التاريخ: | Saturday، 23 November 2024، 3:33 AM |
الوصف
هذا المحتوى : محاضرة تبيّن:
- علاقة الإنتماء الثقافي والتعدد اللّغوي في التاسيس لمفهوم القيم .
- علاقة تعدد المداخل في بناء مقاربة مفهوم القيم وتحديد طبيعة القيم .( المدخل الديني ، الفلسفي، الإجتماعي ، النفسي )
مقدمة :
السلوك البشري ومرجعياته القيمية : عدم خلو سلوك الإنسان مهما كانت انتماءاته الحضارية ومستواه الفكري من وجود مرجعية أو منطلق يكون بمثابة دافع يدفعه إلى الفعل أو الامتناع ، قبول أمر أو رفضه ، مرجعية من خلالها يزن الأشياء و ألأفعال ويحدد لها قيمة معينة . لقد أثبتت الدراسات الانثروبولوجية أن الإنسان كائن أخلاقي بامتياز عبر مختلف العصور لكن كذلك أكدت اختلافها وتعددها وتنوعها .
تعريفات :ما هو مفهوم القيمة وعلى أي أساس تبنى منظومة القيم؟
القيمة لغةً : في اللغة العربية يختلف معناها باختلاف الزاوية التي ننظر من خلالها إلى هذا المصطلح ، في كل الأحوال لا يوجد تعارض جوهري في المدلول كون كل المعاني تصب في مضمون واحد ،وهو التحلي بصفات معنوية وسلوكية على مستوى حياة الفرد أو الجماعة وفق مرجعية قيمية معينة أي وفق مجوعة من القواعد والضوابط .
لهذا نجد مصطلح القيمة في اللغة العربية :
مشتق من القيام والعزم وكذلك الوقوف والثبات،أ, من القوام وهو العدل وهي خصائص ممدوحة أمّا فعل التقويم فيعني جعل الشيء يستقيم حتّى يصبح قويماً .
أمّا في اللغة الأجنبية في تعني ما هو ثمين أو جدير بالثقة.
اصطلاحاً : القيم هي جملة من القواعد والمبادئ التي نعتمدها للحكم على أمر ما سلبا أو إيجابا أي هي جملة من المعايير بواسطتها نزن الأشياء ونحكم عليها .
-1:أنواع القيم : كون القيم جملة من المبادئ أو القواعد التي نرجع إليها للحكم على الأشياء وكانت حياة الإنسان متعددة الابعاد والمستويات فذلك يؤدي إلى وجود تعدد وتنوع على مستوى تلك القواعد أو القيم .
القيم
الصحيح والخطأ الجميل والقبيح الخير والشر
المنطـــــق الفن والجمال القيــــــــــم
- على ماذا يدل هذا التعدد والتنوع في القيم ؟
1 -الانسان كائن أخلاقي :يبيّن أنّ القيم لصيقة بالحياة والوجود البشري وتاريخ الإنسانية في مختلف الحقب الزمنية والمكانية حيث نجد شواهد مادية( آثار مثل التحف والأواني ، العمران ،رموز للعدل والشرف والشجاعة ...) وهي تؤكد الرجوع الدائم للإنسان إلى قيم معينة في اتخاذ مواقفه و أفعاله كون القيم عبارة عن جملة من القواعد التي تقوم عليها الحياة الإنسانية وتختلف بها عن الحياة الحيوانية كما تختلف الحضارات بحسب تصورها لها .
2-:حركية القيم :كون القيم ذات طابع مجرّد لا يعني انها نهائية بل تتبدل وتتعرض إلى الإضافة والإثراء وكذلك التجاوز والإلغاء ، والأمر يرتبط بالواقع النظري والمادي للإنسان فرداً كان أو جماعة . هذا التطور والتنوع وليد تفاعل بين الفرد والجماعة وكذلك بين الحياة الفكرية والمادية للمجتمع ، فالحياة المادية هي ميدان تجسيد القيم والحياة الفكرية هي ميدان تحليل ونقد وتطوير القيم (( الأخلاق قيم تفكير حي متطور لأنه دائب الاتصال بنشاطي الفكر والنظر والعمل ، القول والفعل ))(1) فالقول بأن الأخلاق ظاهرة إنسانية حاضرة في كل محطات تاريخ البشرية لا يتعارض مع الإقرار بتعددها وطورها وإن شبهنا القيم بذلك الغربال الذي بواسطته يغربل الإنسان سلوكا ته ويصنفها فإن هذا الغربال بحاجة ماسة ودائمة إلى الصيانة والإصلاح والتعديل ، الأمر الذي أدى إلى ظهور علم الأخلاق وفلسفة القيم.
نتيجة :تعدد القيم والجوهر واحد : رغم تعدد وتنوع المفاهيم حول القيم لكنها تلتقي في نقطة أساسية لها علاقة بجوهر القيم والمتمثل في كونها بمثابة مستوى أو مقياس أو معيار نحكم بمقتضاه ونقيس به نحدد على أساسه المرغوب فيه أو المرغوب عنه ، هذا المقياس الذي تفرع ويحضر في كل جوانب الحياة العلمية والعملية والفنية والروحية وهي تحمل صفة الانتقائية .
2 - لماذا حدث الاختلاف في الوضعية السابقة في الأحكام القيمية ؟
الاختلاف في بناء الأحكام القيمية راجع إلى المشارب والمرجعيات الثقافية والحضارية التي عاد إليها كل من (أ) و (ب) وهذا يدل على تعدد المداخل التي من خلالها نبني مفهومنا للقيم : المدخل الديني، الفلسفي ،الاجتماعي ، النفسي .
1-2المدخل الديني :
أ- الدين كمصطلح باللغة العربية أو الأجنبية (Religion) يعني رابط يرتبط به الانسان ويعتمد عليه في حياته ، أي يدين إليه , هناك دين وضعي من ابتداع الإنسان في ظل ظروف معينة لهدف تنظيم سلوك الإنسان وفق نسق معين ، يشمل جملة من التوجيهات والتعليمات تهدف إلى تحقيق سعادة وارتقاء الإنسان على سبيل المثال البوذية . االدين السماوي : مصدره مفارق للإنسان إلهي يحمل نصوصا دينية تحدّد معيار القيم والإنسان مطالب بالالتزام بها ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلام ) .
نص فلسفي يقول ((الكسيس كاريل)) :(( لا تصبح الأفكار المجرّدة عاملاً فعالاً إلاّ إذا تضمنت عنصراً دينياً ، وهذا هو السبب في أنّ الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية إلى حدّ يستحيل معه المقارنة ،ولذلك لا يتحمّس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق ، إلاّ إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية ))(2)هذه النص الفلسفي يبين أن للدين أهمية كبيرة في توجيه الحياة القيمية للإنسان فلمسيحية دور كبير في بناء المنظومة القيمية للمجتمع المسيحي سواء تعلق الأمر بالحياة الأخلاقية أو السياسية أو الاقتصادية ، فرغم الثورة العلمية والنزعة العلمانية اللاّئكية في تقويض صلاحيات الكنيسة والدين لكن يبقى هذا الأخير مصدر إلهام أخلاقي وقيمي وفقه تبنى المشاريع الاجتماعية والسياسية عند الغرب وفي هذا الصدد نجد(( ماكس فيبر )) في كتابه الجذور المسيحية للرأسمالية يؤكد أنّ الإصلاحات التي قام بها ((مارتن لوثر كينغ))التي ادت إلى ظهور المذهب البروتستانتي قد ساهمت في تغيير نظرة الإنسان الأوروبي إلى العالم الخارجي وعالم القيم وكذلك إلى قدراته و واجبه في هذا الوجود وحدوده المعرفية والسلوكية من حيث إعادة الاعتبار إلى الفرد من حيث قيمته ككائن فاعل وكذلك رد الاعتبار إلى قيمة العمل كعبادة و واجب ومنه ظهور قيم المنافسة والحرية والتعاون والتسامح .
هـــــــــــــام : ينظر الانسان الى القيم النابعة من الدين ، نظرة تقديس واجلال ممّا يضفي عليها صفة الثبات والاستمرارية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - جاكلين روس ،الفكر الأخلاقي المعاصر ، تر عادل العوا ، عويدات للنشر والطباعة ((بيروت )) ط01 ، 2001، ص 06.
(2)- الكسيس كاريل ، تأملات في سلوك الإنسان ، تلر محمد القصاص ،ص 140.
2: الدين الإسلامي :كذلك اهتم بموضوع القيم لحساسيته ودوره في التأسيس لمجتمع جديد لذلك كانت نصوصه الدينية الشرعية قرآن وسنه قوليه وفعلية وتقريرية تؤكد أن هذا الدين الجديد جاء ليتمّممكارم الأخلاق , فقد كان الإسلام مصدراً أساسيا في توجيه المسلمين للمبادئ التي من خلالها يحكم على الفعل بالخيرية أو الشرّانية وغيره من القيم الجمالية والمعرفية وذلك في قالب من التوجيهات والأحكام الشرعية حلال ، حرام ، مباح فرائض واجبات . لقد أعطى الإسلام للقيم مكانة عالية لدرجة أنه رفع من مقامها لدرجة العبادة والعاداة في آن واحد محفزا ومشجعا الملتزمين بها بالوعد ومحذرا المخالفين لها بالوعيد .
من خصائص القيم في الإسلام : تعبدية يتقرب بها المسلم إلى الله كعبادة خالصة ، عملية نفعية لها علاقة بمصلحة الإنسان في كل زمان ومكان قابلة للتجسيد ، غاية و وسيلة في آن واحد يهدف إليها ويصل بها إلى مرتبة اعلي أخلاقيا ، مطلقة وثابتة جاءت واضحة ، إنسانية ممكنة ...
هام هل القول بأن الإسلام مصدر مطلق للقيم يلغي قدرة الإنسان على إبداع القيم وأنّ القيم المستمدة من الإسلام مقدسة لا يمكن تجاوزها؟
الإسلام يقر بالحرية والمسؤولية ويحث على الاجتهاد ومنه هناك مجال للاجتهاد وإعادة النظر في بعض القيم وفهومنا لمبادئ الإسلام ونصوصه الشّرعية.
اختلف مفكري وعلماء الإسلام في هذه المسألة من مقر بضرورة الإتباع الحرفي للنص الشرعي لمطلقتيه وكماله وعجز الإنسان عن معرفة الخير والشر كون القيم قد فصل فيها الإسلام بشكل نهائي(الاشاعرة) ، إلى من يقر بوجود إمكانية بشرية لمعرفة الخير والشر (المعتزلة ) مع وجود طرف ثالث مؤكد لدور الإسلام وكذلك الإنسان في تحديد القيم وذلك يعود إلى مرونة هذا الدين و كونيته ، تمتع الإنسان بالقدرة العقلية والنفسية للإدراك وتطور الحياة و مستجداتها ومسؤولية الإنسان وما ينتظره من جزاء .
نتيــجة
القيم مثل عليا على الإنسان الإلتزام بها ، فيها ما هو ثابت وفيها ما هو متغير
روح الإسلام لا تقصي الإنسان في بناء المنظومة الأخلاقية
2: المدخل الاجتماعي : كيف ينظر علماء الاجتماع إلى القيم ؟
علم الاجتماع يعتبر القيم ظاهرة اجتماعية يتقبل الفهم والدراسة الموضوعية ، هذا الطرح الذي قال به ابن خلدون الذي اعتبر الفرد ابن بيئته أكثر ممّا هو ابن ابيه وامه وجعل من العمران والظروف الاقتصادية والثقافية والسياسية في المجتمع فاعلا مهما في بناء المنظومة القيمية داخل المجتمع وتوريثها إلى الفرد عن طريق مختلف المؤسسات المكونة لذلك المجتمع دينية كانت أو اقتصادية أو سياسية وبه تكون القيم بمثابة وسيلة يعتمدها المجتمع للحفاظ على تماسكه وقوته ومنه تكون القيم بمثابة قواعد اجتماعية يضعها المجتمع وهي قابلة للتبديل والتعديل حسب المتغيرات الاجتماعية .
علم الاجتماع الحديث : يرى رواد المدرسة الاجتماعية من بينهم(( دوركايم وهالفاكس وكذلك فيري)) أن الفرد يولد غير حامل للقيم بكل أنواعها بما فيها القيم الأخلاقية لكن انخراط الفرد داخل المجتمع ورغبته في احتلال مكانته بداخله تجعله ملزم على إتباع تلك القيم السائدة والتي قام المجتمع بوضع معالمها الأساسية التي يتمتع هو وحده بسلطة تغييرها وتعويضها بمبادئ جديدة ودلك لسبب من الأسباب له علاقة ب استقرار المجتمع لذلك قي أن ضمير الفرد إذا تكلم فإنّ ضمير المجتمع هو الذي يتكلم ومنه تكون القيم إنسانية الطبيعة اجتماعية المصدر تعسس روح المجتمع وفق عقد أخلاقي اجتماعي نسبي لكنه ملزم .
نتيجة
3: المدخل الفلسفي : تعد مسألة القيم مبحثا أساسياً من مباحث الفلسفة وهذا يؤكد أهمية الموضوع ألقيمي بالنسبة للدراسة الفلسفية بمختلف اتجاهاتها المذهبية المختلفة ، لذلك توجه الاهتمام الفلسفي بالموضوع إلى تحديد طبيعة المصر الذي منه يؤسس الإنسان للقيم من حيثاتصاله بالذات الإنسانية أو مفارقته لها ، هذا التوجه الذي من شأنه التأثير على في نظرة الإنسان إلى القيم من حيث المفهوم والطبيعة والوظيفة والأهمية وكذلك إلى مكانة الإنسان ككائن عاقل في عالم القيم ، ومن دون شك لا يمكن تجاهل دور المدخل الفلسفي في اختلاف نظرة الإنسان إلى القيم من حيث مدى كونها مجرد وسيلة لتحقيق غايات بشرية تاريخا نية أم هي غاية في حد ذاتها مطلقة وثابة ملزمة للإنسان حتّى يرتقي بوجوده إلى الكمال .
هام : الطرح الفلسفي يربط القيم بالانسان وقوته العقلية والشعورية مما يجعل القيم ؟؟؟؟
-1-3السوفسطائية:الحديث عن هذه الفرقة يستدعي حضور مسلمتهم الفكرية وهي أنّ الإنسان هو مقياس كل شيء وهي مقولة تنسب إلى (بروتاغوراس) الذي أراد أن يعيد الاعتبار للإنسان ويؤكد على أنه قادر علة امتلاك الحقيقة وإدراك القيم وصناعتها. تولد عن هذا الطرح تعدد وتنوع الحقيقة والقيم وفرديتها .
-2-3: ثورة سقراط :رفض سقراط تعدد واختلاف الحقيقة وكذلك القيم فالخير واحد والحق واحد لا يتغيّر ونسبة إدراك الإنسان لهذ القيم هو المتغير لذلك يجب اعتماد طريق التأمل لامتلاك المطلق ،تأمل الوجود البشري والوجود الخارجي مع تجاوز المظاهر الخادعة .
3-3: ميثالية أفلاطون: القيم بالنسبة لأفلاطون ثابتة مطلقة مصدرها مفارق للوجود الطبيعي لها علاقة الذات الإنسانية يمكن أن يطّلع عليها عند التحرّر من ظلال العالم المادي عن طريق التأمل للوصول إلى ادراك عالم المثل حينها سيتذكر القيم ويحاكيها في هذا الوجود المتغير ومنه تكون القيم مطلقة في ذاتها ونسبية في الذات البشرية ولا يمتلكها كاملة إلاّ الحكماء
الذين عرفوا حقيقة الخير والعدل ويملكون القدرة على إسقاطه على ارض الواقع .
4-3: أرسطو: يرى أنّ القيم ليست طبيعية بل هي وليدة العادة والشيم ، فالإنسان يملك الاستعداد الطبيعي لحمل هذه القيم فقط ، لكنه يكتسبها عن طريق الممارسات الحياتية عبر الزمن أو مراحل الحياة (التجربة والزمن ) وفي هذا الصدد يقول : (( فالفضائل ليست فينا بفعل الطبع وحده ، وليست فينا كذلك ضد إرادة الطبع ، ولكن الطبع قد جعلنا قابلين لها و أن العادةلتنمّيها وتتمّها فينا))(1) من هذا النص الأرسطي ندرك أهمية التربية عنده كون الفضيلة لا يولد بها الفرد جاهزة كاملة و لا يستقبلها من عالم ما ورائي دفعة واحدة وإنما يكتسبها عن طريق التربية فالفضيلة تتعلّم مثلما يتعلّم أي فن تكتسب (( بإتيان افعال مطابقة لكمال ذلك الفن ، وتفقد باتيان افعال مضادة ، والأفعال المطابقة تخلق ملكات أو قوى فعلية تجعلنا أقدر على إتيانها ))(2)فاكتساب الفضائل لا يتم إلاّ بالممارسة العملية لها على أرض الواقع وهي وسط بين طرفين كلاهما رذيلة وهو وسط اعتباري يتغير بتغيّر الأفراد والظروف التي تحيط بهم والعقل وحده هو الذي يعيّن هذا الوسط والفضيلة ليست غاية لسلوك الإنسان وإنما هي وسيلة لغاية هي السعادة ومنه تكون الفضائل إرادية . الانسان هو الذي يقرر ويدرك القيم المرتبطة بالوجود .
الرواقية : تقر كذلك بارتباط القيم بالوجود الإنساني وهي تتحقق بواسطة التناغم مع الطبيعة ( الوفاق مع الطبيعة ).
الأبيقورية : كذلك تقر بارتباط القيم والوجود البشري وأنها مرتبطة بمتطلباته الفطرية التي تحدد الخير والشر .
القيم بين المطلقية والنسبية الميتافيزيقية والموضوعية
2-4 : الفلسفة الحديثة : عرفت الفلسفة الحديثة اتجاهين متعارضين ( العقلانية ، التجريبية ) لكن القاسم المشترك بين هاتين النزعتين ومختلف الاتجاهات الفلسفية هو ربط القيم بالإنسان وتطلعاته وهي بين الإلزام والأمل ، في تطور دائم مبدع مرتبطة بحياة الفرد روحيا عند برغسون وعقلانية المصدر عند كانت .
3-4 : الفلسفة المعاصرة :هذه الفلسفة التي جاءت لرد الاعتبار للحياة الوجودية الشعورية للإنسان جعلت من الإنسان صانع القيم متمردا على القيم السابقة ورافضا أن تكون هناك جهة خارجية وصية على تعليمه الخير والشر(*).هناك نزعات فلسفية معاصرة تفكر في أخلاق العصر التي يجب أن تساير التطور العلمي والتقني ، أخلاق وقيم يمكن أن توظف في جميع مناحي الحياة ( البيئة ، البيولوجيا ، السياسة ....) وذلك يقتضي ضرورة وجود مصدر كلي كوني قادر على أن يلهم الإنسان لما يحتاجه من قيم ويخرجه من العدمية والتيه والعزلة.
(1) المرجع السابق ، ص 142.
(2) المرجع نفسه ،ص142.
تنبيه *سنعود الى هذا في القسم الخاص بالرؤية الفلسفيةللقيم .
2 - لماذا حدث الاختلاف في الوضعية السابقة في الأحكام القيمية ؟
الاختلاف في بناء الأحكام القيمية راجع إلى المشارب والمرجعيات الثقافية والحضارية التي عاد إليها كل من (أ) و (ب) وهذا يدل على تعدد المداخل التي من خلالها نبني مفهومنا للقيم : المدخل الديني، الفلسفي ،الاجتماعي ، النفسي .
1-2المدخل الديني :
أ- الدين كمصطلح باللغة العربية أو الأجنبية (Religion) يعني رابط يرتبط به الانسان ويعتمد عليه في حياته ، أي يدين إليه , هناك دين وضعي من ابتداع الإنسان في ظل ظروف معينة لهدف تنظيم سلوك الإنسان وفق نسق معين ، يشمل جملة من التوجيهات والتعليمات تهدف إلى تحقيق سعادة وارتقاء الإنسان على سبيل المثال البوذية . االدين السماوي : مصدره مفارق للإنسان إلهي يحمل نصوصا دينية تحدّد معيار القيم والإنسان مطالب بالالتزام بها ( اليهودية ، المسيحية ، الإسلام ) .
نص فلسفي يقول ((الكسيس كاريل)) :(( لا تصبح الأفكار المجرّدة عاملاً فعالاً إلاّ إذا تضمنت عنصراً دينياً ، وهذا هو السبب في أنّ الأخلاق الدينية أقوى من الأخلاق المدنية إلى حدّ يستحيل معه المقارنة ،ولذلك لا يتحمّس الإنسان في الخضوع لقواعد السلوك القائم على المنطق ، إلاّ إذا نظر إلى قوانين الحياة على أنها أوامر منزلة من الذات الإلهية ))(2)هذه النص الفلسفي يبين أن للدين أهمية كبيرة في توجيه الحياة القيمية للإنسان فلمسيحية دور كبير في بناء المنظومة القيمية للمجتمع المسيحي سواء تعلق الأمر بالحياة الأخلاقية أو السياسية أو الاقتصادية ، فرغم الثورة العلمية والنزعة العلمانية اللاّئكية في تقويض صلاحيات الكنيسة والدين لكن يبقى هذا الأخير مصدر إلهام أخلاقي وقيمي وفقه تبنى المشاريع الاجتماعية والسياسية عند الغرب وفي هذا الصدد نجد(( ماكس فيبر )) في كتابه الجذور المسيحية للرأسمالية يؤكد أنّ الإصلاحات التي قام بها ((مارتن لوثر كينغ))التي ادت إلى ظهور المذهب البروتستانتي قد ساهمت في تغيير نظرة الإنسان الأوروبي إلى العالم الخارجي وعالم القيم وكذلك إلى قدراته و واجبه في هذا الوجود وحدوده المعرفية والسلوكية من حيث إعادة الاعتبار إلى الفرد من حيث قيمته ككائن فاعل وكذلك رد الاعتبار إلى قيمة العمل كعبادة و واجب ومنه ظهور قيم المنافسة والحرية والتعاون والتسامح .
هـــــــــــــام : ينظر الانسان الى القيم النابعة من الدين ، نظرة تقديس واجلال ممّا يضفي عليها صفة الثبات والاستمرارية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - جاكلين روس ،الفكر الأخلاقي المعاصر ، تر عادل العوا ، عويدات للنشر والطباعة ((بيروت )) ط01 ، 2001، ص 06.
(2)- الكسيس كاريل ، تأملات في سلوك الإنسان ، تلر محمد القصاص ،ص 140.
2: الدين الإسلامي :كذلك اهتم بموضوع القيم لحساسيته ودوره في التأسيس لمجتمع جديد لذلك كانت نصوصه الدينية الشرعية قرآن وسنه قوليه وفعلية وتقريرية تؤكد أن هذا الدين الجديد جاء ليتمّممكارم الأخلاق , فقد كان الإسلام مصدراً أساسيا في توجيه المسلمين للمبادئ التي من خلالها يحكم على الفعل بالخيرية أو الشرّانية وغيره من القيم الجمالية والمعرفية وذلك في قالب من التوجيهات والأحكام الشرعية حلال ، حرام ، مباح فرائض واجبات . لقد أعطى الإسلام للقيم مكانة عالية لدرجة أنه رفع من مقامها لدرجة العبادة والعاداة في آن واحد محفزا ومشجعا الملتزمين بها بالوعد ومحذرا المخالفين لها بالوعيد .
من خصائص القيم في الإسلام : تعبدية يتقرب بها المسلم إلى الله كعبادة خالصة ، عملية نفعية لها علاقة بمصلحة الإنسان في كل زمان ومكان قابلة للتجسيد ، غاية و وسيلة في آن واحد يهدف إليها ويصل بها إلى مرتبة اعلي أخلاقيا ، مطلقة وثابتة جاءت واضحة ، إنسانية ممكنة ...
هام هل القول بأن الإسلام مصدر مطلق للقيم يلغي قدرة الإنسان على إبداع القيم وأنّ القيم المستمدة من الإسلام مقدسة لا يمكن تجاوزها؟
الإسلام يقر بالحرية والمسؤولية ويحث على الاجتهاد ومنه هناك مجال للاجتهاد وإعادة النظر في بعض القيم وفهومنا لمبادئ الإسلام ونصوصه الشّرعية.
اختلف مفكري وعلماء الإسلام في هذه المسألة من مقر بضرورة الإتباع الحرفي للنص الشرعي لمطلقتيه وكماله وعجز الإنسان عن معرفة الخير والشر كون القيم قد فصل فيها الإسلام بشكل نهائي(الاشاعرة) ، إلى من يقر بوجود إمكانية بشرية لمعرفة الخير والشر (المعتزلة ) مع وجود طرف ثالث مؤكد لدور الإسلام وكذلك الإنسان في تحديد القيم وذلك يعود إلى مرونة هذا الدين و كونيته ، تمتع الإنسان بالقدرة العقلية والنفسية للإدراك وتطور الحياة و مستجداتها ومسؤولية الإنسان وما ينتظره من جزاء .
نتيــجة
القيم مثل عليا على الإنسان الإلتزام بها ، فيها ما هو ثابت وفيها ما هو متغير
روح الإسلام لا تقصي الإنسان في بناء المنظومة الأخلاقية
: المدخل النفسي :
عند الرّجوع الى مختلف المدارس التي تؤسس لعلم النفس وكذلك لعلم النفس الاجتماعي نجد المكانة التي تحتلها مسألة القيم كموضوع أساسي بسبب العلاقة الموجودة بين السلوك الإنساني فردا أو جماعة ومراحل تكوين خصية الفرد داخل المجتمع في ظل ما يحمله داخل ذاته ( الحياة النفسية ) شعورية كانت أو لاشعورية ، فالقيم بكل أنواعها لا توجد بذاتها بل هي نتاج احوال مختلفة من التصعيد (*)الداخلي بين مختلف الرغباتالكامنة داخل الحياة النفسية والتي يطلق عليها العالم والطبيب النفسي (فرويد ) اسم المكبوتات و الميل الأعلى أو القيم التي يعتنقها "الأنا " فالقيم ما هي إلاّ نتيجة لدفعة طفولية أو تشبث طفولي معاً ، إن الفاعلية الفنية مثلاً هي تفريغ وتخفيف عن الطاقة الانفعالية الكامنة ، فهي مغرضة أي تهدف إلى هدف آخر لا يكمن في قيمة الفن في حد ذاته ، فهي ليست هدفاً مثاليا ولا تخضع لمعايير مثالية وإنما تحدث على وجه الدقة أثراً علاجيا في صورة تنفيس وفي هذا الصدد يقول( فرويد ): (( إن الناس ما كبتول غرائزهم دجلاً إلاّ وهم يظهرون غير ما يبطنون ويستترون وراء رداء كثيف من المين في المسائل الجنسية ، كما يلبس أحدهم الرداء الكثيف حين تسوء حال الطقس وتنذر العاصفة ...)) (1) وهذا يبين أن القيم ابتكار إنساني يختلف من فرد إلى آخر يهدف من خلاله إلى تغيير الواقع الراهن الذي يعيشه تجاه ما يجب أن يكون ومنه تكون القيم المختلفة في تسلسل يرقى بالميول والرغبات والحاجات والدوافع والاهتمامات من ألأدنى نحو الأعلى فالقيم مرتبطة بالحياة النفسية والفروق الفردية وارتقائها عبر مراحل العمر المختلفة وبذلك .ومنه تكون القيم مرتبطة أساسا بالأنا لها نفس القيمة ولا مجال للتفاضل بينها .
انتبه: :
إذا كانت القيم نابعة من الحياة النفسية للشخصية وكانت الشخصية تختلف بواسطة الفروق الفردية فإن هذا يجعل من القيم بكل أنواعها بما فيها الأخلاقية ؟؟؟ |
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) التصعيد تعني وجود تسلسل في اهداف يعلو بعضها بعضاَ .
(1) فرويد ، مستقبل وهم ،ص 63, انظر عادل العوا ، عمدة القيم ص633.
- انظر عبد اللطيف محمد خليفة ، ارتقاء القيم ، دراسة نفسية سلسلة عالم المعرفة 1992.