3. الحداثــــــة

يحتل مفهوم الحداثة  في الفكر المعاصر مكانا بارزا، فهو يشير بوجه عام إلى سيرورة الأشياء بعد أن كان يشير إلى جوهرها، ويفرض صورة جديدة للإنسان والعقل والهوية ، تتناقض جذريا مع ما كان سائدا في القرون الوسطى، بالنسبة للمجتمعات الغربية ، لقد أطلقت الحداثة في البداية على التحولات التي حصلت في الآداب والفنون في العصر الذي تلا النهضة الأوربية وتحديدا بعد الثورة الفرنسية، وسمي بالعصر الحديث، وكان من أول نتائج هذه الثورة إقصاء الدين عن الحياة نهائياً في الغرب كله ، وحذف مفاهيمه وقيمه من القلوب والعقول.

بعد ذلك شملت مجموعة من التغييرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، "و مع أن مصطلح ما بعد الحداثة أخذ يستخدم باضطراد لوصف التغيرات التي تمت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ،إلا أن هناك بعض المفكرين الذين يــرون أن الحداثة مازالت قائمة ومستمرة." (جوردون مارشال ، موسوعة علم الاجتماع ،2007 ، ص519). لقد أخذت الحداثة تظهر كنتيجة مباشرة لتكاثر الأفكار الجديدة ، وتصارع مختلف الفلسفات والآراء وحركات التمرد على الأوضاع القائمة ، إلى أن ظهرت ما أصبح يطلق عليه فلسفة التنوير التي قادت التطبيقات العملية لبعض جوانبها إلى التحديث المادي ، و لم تعد هوية الغرب هوية دينية أو لغوية أو جغرافية ، لم تعد هوية الإنسان الأوربي تحدد من عناصر المسيحية و اللغة اللاتينية و الوطن الأوربي، فهويته أصبحت هوية معرفية مرتبطة بالإنتاج الفكري و المادي و التقني و التكنولوجي، وأضحت العناصر التقليدية للهوية وفي مقدمتها الدين أمام تحديات خطيرة ومصيرية وظهرت الانحرافات السلوكية في الممارسات الدينية واللغوية و الفكرية.

إجمالا الحداثة تعني عملية تحول من نمط معرفي يعتمد على احترام التقاليد والأفكار القديمة ، والتفسيرات الغيبية والأسطورية ، للقضايا والمشكلات التي تعترض الإنسان في حياته اليومية ، إلى نمط معرفي يوظف العقلانية توظيفا واسعا ، ويستعين بنتائج المعرفة العلمية وتوظيفاتها الثقافية في التعامل مع القضايا.

كما يرى البعض أن الحداثة أدت إلى انفصال أهداف الفرد وعلاقته بالجماعة فخلقت انفصالا بين المفاهيم القومية والجذور الثقافية للمجتمع، ولم يعد هناك ذات اجتماعية واحدة داخل الحدود الجغرافية بل تعددت الذوات وأُعيد إنتاجها تحت تضارب المفاهيم الطبقية. وتحول المجتمع الواحد إلى ساحات للتملك والاستهلاك ، لا للإنتاج والتطوير، ونتج إحساس عام لدى الأفراد بكونهم محكومين بنظام العالم الحديث ،لا بحداثتهم الخاصة ، أي أنهم يعتبرون أنفسهم ليسوا ذوي موضوع في الحداثة ، إلا أنهم متأثرين بها، مما جعلهم مستهلكين لكل ملامح الحداثة.