9. خلاصة

من كل ما سبق يمكن أن نستنتج بأنه يمكن دراسة الثقافة وفق مقاربات متنوعة ، ولكل منها محددات وتداعيات . المقاربة الأولى : المقارية الانثروبولوجية : وفيها يمكن الاستنتاج أن التعريفات ومنذ محاولة الانجليزي ادوارد تايلور(1823-1917) كانت تتطور تبعا لتطور الاتجاهات والمناهج والنظريات ، ويمكن في هذا المجال رصد اربعة اتجاهات:

الاول : يقدم مقاربته من زاوية التاريخ الثقافي رسمه بواز وهرسكو فيتش الذي الح على الاستمرارية التاريخية ودرس خصوصا عملية المثاقفة.

الثاني : يقوم بمقاربة الثقافة من خلال علاقتها بالشخصية ، وهو اتجاه رسمه سابير ، وتتصل أعمال روث بنديكت ومارغريت ميد ولينتون بهذا الاتجاه الذي يعنى بمجموعة القيم التي يتوق مجتمع حصين إلى ترسيخها في الأفراد المنتمين إليه .

الثالث : يعمد إلى مقاربة الثقافة إلى نظريات الاتصال الحديثة منطلقا أساسا من النموذج اللساني ، وأحسن تعبير عنه هي أعمال كولد ليفي شتراوس.

الرابع: استند الى التحليل الوظيفي في مقاربة الثقافة والذي برز على يد رائده مالينو فسكي.

أما المقاربة الانثروبولوجية الجديدة يشكل عام فتركز على ظاهرة التثاقف ، والتي شغلت العديد من الانثروبولوجيين ، ومهدت أفكارهم إلى نشوء الإيثنولوجيا الثقافية التي تفسر التباين بين الثقافات في إطار التنوع البيئي ، كذلك فتحت الطريق نحو الانثروبولوجيا الرمزية مع غيلفورد غيرتز الذي يقول إنه بدلا من الاهتمام بما يقوله الأفراد عن ثقافتهم ، يجب الاهتمام بالمعنى أو الرمز المصاحب للممارسات الثقافية ، لأنها منفصلة عن القواعد والعواطف والمعتقدات التي يتناقض بعضها مع بعض في كثير من الأحيان.

المقاربة الثانية : المقاربة الايديولوجية : ولا شك في أن مفهوم الايديولوجيا من أكثر المفاهيم شيوعا ، وهو من أقل المفاهيم ثباتا ، فهو عند البعض مفهوم علمي ، وعند آخرين مبهم. منذ ماركس تطور مفهوم الايديولوجيات حتى وسط الماركسيين ، وبخاصة مع لويس ألتوسير الذي حاول التمييز بين الايديولوجيات الكلية والايديولوجيات الجزئية ، وقدم أيضا الإيطالي أنطونيو غرامشي آراء تجديدية هامة ، ويعتبر صاحب مساهمة طليعية في التنظير الماركسي للبنى الفوقية وآليات اشتغالها .

ويذهب الكتاب إلى تفكيك مفهوم الإيديولوجيا إلى ثلاثة معان ومجالات :

  • مجال الطرح السياسي .
  • مجال الاجتماعيات .
  • مجال الإبستمولوجيا أو نظرية المعرفة.

والهدف من هذا التمييز هو التخفيف من حدة الغموض والالتباس والتي يعمل عليها أيضا غي روشيه ، حيث خلص إلى أن الإيديولوجيات ليست كل الثقافة بقدر ماهي عنصر من عناصرها ، وهي ليست بالضرورة مرتبطة بالمجتمع الشامل ، كما أراد ذلك ماركس جاعلا من الإيديولوجيا نتاج الطبقة الاجتماعية المسيطرة ، بل أصبح بالإمكان الحديث عن إيديولوجية جماعة جزئية ، وبهذا شاعت كتابة " النهايات" والتي أول ما طالت مفهوم الإيديولوجيات.

المقاربة الثالثة : هي المقاربة السوسيولوجية : وقد قام العديد من السوسيولوجيين بتفتيت الكليات الكبرى للثقافة إلى وحدات أطلق عليها " السمات الثقافية " وهي تعمل ككليات متشكلة من اعتمادات كبرى متفاعلة فيما بينها يطلق عليها " الأنماط الثقافية " ، فالسمات لا توجد في حالة عزلة بعضها عن بعض ، بل تتحدد مع غيرها لتشكل نمطا يعمل ككل متضامن . ويرى مالينوفسكي أن أحسن وصف لأي ثقافة يجب أن يقوم على معرفة نظمها الاجتماعية ، ويمكن تحديدها بتسعة نظم (الأسرية – التربوية – الدينية – الأخلاقية – الجمالية – اللغوية – الاقتصادية – القانونية – السياسية ) ، وفي كل مجتمع هناك نظم اجتماعية أساسية وفرعية ، تشكل مجتمعة ما يمكن أن نسميه التكامل الثقافي ، وفقدان هذا التكامل يؤدي إلى الاضطراب والفوضى .

وبارسونز ترك بصمات واضحة في سوسيولوجيا الثقافة ، جراء تحليلاته حول الفعل وأنساقه .

وتبقى الاختلافات بين الأمم كما هي الاختلافات داخل الأمة الواحدة ، لا تزال البؤرة المركزية لإشكالية الثقافة وعموما يمكن أن نخلص إلى ما يلي :

  • إن النسبية الثقافية هي إحدى أبرز السمات التي تميز الثقافات .
  • إن التنوع الثقافي هو حقيقة سوسيولوجية سواء كان بين مجال ثقافي وآخر ، أو بين الثقافات الفرعية.
  • إن مفهوم التثاقف الذي استخدمته المدرسة الثقافية الأمريكية على نطاق واسع أصبح من الحقائق والديناميات الثابتة في المجالات الثقافية .

لذلك يعمد التحليل السوسيوثقافي إلى تفكيك الموقف وإعادته إلى جذوره من جهة ، وتبيان آلية اشتغال العناصر الثقافية المتعددة وتفاعلها ، والمفضية إلى كشف العناصر المستورة ، وعلى أهمية إثبات العلاقة بين الإنتاج الفكري والواقع الاجتماعي ، إلا أن الأهم هو تحليل أشكال هذه العلاقة وآليات اشتغالها ، فضلا عن إبراز الوظيفة الاجتماعية لهذا الانتاج .