5. النظرية الإيكولوجية

يعتبر هذا الاتجاه حديث العهد نسبيا في الدراسات الثقافية المعاصرة ومن أقطابه جوليان ستيوار ت و فريدريك بارث، وماكس جلوكمان، وهم يركزون على العلاقة الدينامية المتبادلة بين الإنسان ومكونات البيئة الطبيعية التي يعيش فيها، فمن ثم فهم يبحثون عن عمليات التكيف التي تؤدي إلى ظهور صيغ ثقافية متباينة ، هذه النظرية ترى أن الناس كانوا طوال تاريخهم الطويل في صراع مستمر مع البيئة من أجل التكيف معها وحماية أنفسهم من أخطارها من خلال اختراع العديد من الوسائل التكنولوجيا مثل المعادن واللدائن ونمو أشكال الوقود والطاقة النووية للحفاظ على الثقافة التي طوروها(يحي مرسي ، أصول علم الانسان ،ص374 ).

فالإنسان في تعامله مع الطبيعة يحاول دائما أن يتكيف معها حتى وإن كان يسعى للسيطرة عليها وتطويعها لإشباع حاجاته ، إلا أن عجز الإنسان في كثير من الأحيان يجعله يكتسب صفات بيولوجية وثقافية تمكنه من التواؤم والتوافق مع ظروف بيئته، فحتى اللغة التي تعتبر وعاء الثقافة نجدها تتأثر بالبيئة.

ولعلنا نجد أفكار من هذا النوع عند ابن خلدون حينما يتحدث عن المعتدل من الأقاليم والمنحرف وتأثير الهواء في ألوان البشر والكثير من أحوالهم وفي حديثه كذلك عن أثر الهواء في أخلاق البشر "ولهذا كانت العلوم والصنائع والمباني والملابس والأقوات والفواكه بل والحيوانات وجميع ما يتكون في هذه الأقاليم) يقصد الأقاليم المعتدلة الحر و البرد(الثلاثة المتوسطة مخصوصة بالاعتدال وسكانها من البشر أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا وأديانا " .(عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، ص90.) وفي حديثه عن أثر الهواء في أخلاق البشر يقول ابن خلدون "قد رأينا من خلق السودان على العموم الخفة والطيش وكثرة الطرب فنجدهم مولعين بالرقص على كل توقيع موصوفين بالحمق في كل قطر والسبب الصحيح في ذلك أنه لا تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح والسرور هي انتشار الروح الحيواني وتفشيه وطبيعة الحزن بالعكس وهو انقباضه وتكاثفه، وتقرر أن الحرارة مفشية للهواء والبخار مخلخلة له زائدة في كميته...الخ" ولما كان السودانببن ساكنين في الإقليم الحار استولى الحر على أمزجتهم وفي أصل تكوينهم... " .(عبد الرحمن ابن خلدون، المقدمة، ص95.)

فهذه النظرية ترى أن للواقع الإيكولوجي دور أساسي في صياغة وبناء الثقافة ويظهر بذلك في سماتها الثقافية وأنماط سلوكها وأنظمتها الاجتماعية وفنونها وتقاليدها ودياناتها...الخ ورغم المبالغات التي قد نجد ها عند ابن خلدون أو حتى عند الإيكو لوجيين الثقافيين إلا انه لا يمكن تعميم هذه الآراء بشكل جزافي كما لا يمكن إهمالها أو اعتبارها نظريات عنصرية ، الغرض منها تفضيل عنصر من البشر على عنصر آخر، ففعلا للظروف الطبيعية المحيطة بالإنسان سلطان قاهر لتكييف الإنسان وصياغة طباعه وأمزجته ويصبح كل منتوجه الثقافي مرتبط بتلك العوامل المحيطة به.