1. انواع نقد المصدر التاريخي

1.7. نقد الأصول

و-نقد الأصول:

 ان التاريخ يدرس بواسطة الأصول كالوثائق وآثار ومخلفات الإنسان من الزمن الماضي، وحوادث التاريخ يمكن أن تعرف عن طريقين: عن طريق مباشر بملاحظة ومشاهدة الحوادث أثناء وقوعها، أو عن طريق غير مباشر بدراسة الآثار المتنوعة التي خلفتها هذه الحوادث، فالمعلومات عن حادث زلزال مثلاً يمكن معرفتها بطريق مباشر من بعض شاهدي العيان، أو بطريق غير مباشر بملاحظة آثار التدمير التي خلفتها الهزة الأرضية، أو بقراء وصف كتابي سجله أحد الناس عنها سواء بطريق المشاهدة أو بطريق الرواية. وهذا ينطبق تماماً على حوادث التاريخ. والحوادث والأوصاف التي يسجلها الرحالة المعاصر مثلاً تمتاز بإعطائها دقائق وتفاصيل، وبتصويرها روح العصر، وذلك ما لا يتاح للكاتب المتأخر، ولكنا نلاحظ أن وجود الكاتب في العصر الذي يسجل حوادثه ليس معناه أنه يمكنه الإحاطة بجميع نواحيه وإجادة الكتابة عنه، وذلك لعدة عوامل، لاحتمال تحيزه للتيارات المتنوعة التي تسيطر على الفكر الإنساني، أو لتأثره في كتابته باتباع المصلحة لوصول إلى أغراض شخصية أو لتجنب الاضطهاد في بعض الأحيان، وكذلك لعدم إمكان حصوله على جميع الأصول التاريخية، بالرغم من عيشه في العصر الذي يدرسه، والتي تظل خافية وممنوعة من التداول سنوات عديدة سواء لدوافع سياسية، أو للرغبة في عدم إذاعة الأسرار الخاصة في حياة بعض الناس، فالأفضل دائماً أن يكون المؤرخ بعيداً عن العصر الذي يكتب عنه لكي تظهر الأصول والأسرار والخفايا بعد أن تتبلور حوادث التاريخ خلال الزمن الغابر.

فحوادث التاريخ تعرف بصفة أساسية عن طريق غير مباشر بدراسة آثار الإنسان المختلفة التي تحفظ من الضياع، والمؤرخ في أغلب الأحوال لا يرى الحوادث نفسها، وإنما يرى ويدرس آثارها، فآثار ومخلفات الإنسان المتنوعة هي نقطة البدء، والحقيقة التاريخية هي الهدف الذي يتوخى المؤرخ الوصول إليه، وبين نقطة البدء والهدف يوجد طريق معقد متشابك تعتريه الأخطاء والمصاعب والعقبات العديدة، والتي قد تبعد الباحث عن الهدف وعن الحقيقة التاريخية، والمؤرخ لا يجد غير هذا الطريق للوصول إلى غرضه، ودراسة وتحليل الأصول التاريخية في هذه المرحلة من أهم أدوار طريقة البحث، وهي عبارة عن ميدان نقد الأصول التاريخية.

وكما عرفنا نجد أن آثار الإنسان قد تكون أبنية وتماثيل ومصنوعات مادية ملموسة، أو قد تكون آثاراً كتابية سجلها الإنسان عن مختلف الحوادث، فالنوع الأول أسهل في الدراسة لأنه توجد علاقة واضحة بين الآثار الماثلة أمام المؤرخ، والتي يلمسها بحواسه، وبين أسباب وجودها وارتباط ذلك بحوادث التاريخ، ولكن الكتابات التي يدونها الإنسان عن حوادث تاريخية معينة هي أثر عقلي سيكولوجي وليست الحادث التاريخي في ذاته، فهي لا تزيد عن أنها رمز وتعبير عن أثر تلك الحوادث في ذهن الإنسان، فالآثار الكتابية تنحصر قيمتها في أنها عمليات سيكولوجية معقدة وصعبة التفسير، لأن الإنسان نفسه على وجه العموم معقد مركب متضارب وصعب الفهم، فلا ريب في أن تكون حوادثه والتعبير عنها على ذلك الغرار، وللوصول من الأصل التاريخي المكتوب إلى الحوادث ينبغي تعقب سلسلة العوامل التي أدت إلى كتابته، فلا بد من أن يحي المؤرخ في خياله سلسلة الحوادث التي قام بها كاتب الأصل التاريخي منذ أن شاهد وجمع معلوماته عن تلك الوقائع المعينة حتى دونها في الأصل المكتوب والماثل أمام المؤرخ، لكي يصل إلى الحوادث الأصلية، ويلاحظ المؤرخ قبل البدء في نقد الأصل التاريخي وخاصة إذا كان مخطوطاً هل هو نفس الحالة التي وجد عليها من قبل؟ ألم يبل ويتآكل وتضيع بعض أجزائه؟ لكي يرممه ويجعله أقوى على البقاء والحفظ.