1. انواع نقد المصدر التاريخي

نقد المصدر (أو تقييم المعلومات): هو عملية تقييم مصدر المعلومات، أي مستند أو شخص أو خطاب أو بصمة أو صورة أو ملاحظة أو أي شيء يستخدم من أجل الحصول على المعرفة، بالنسبة لغرض معين، قد يكون مصدر المعلومات المعين صحيحًا أو موثوقًا أو مناسبًا إلى حد ما، على نطاق واسع ، "نقد المصدر" هو دراسة متعددة التخصصات لكيفية تقييم مصادر المعلومات لمهام معينة.

ان أي وثيقة تاريخية مصدرية يجب علينا معرفة صاحبها أو مؤلفها والعصر أو الزمان الذي عاشه وألف فيه هذا المصدر التاريخي أو كتب فيه هذه الوثيقة التاريخية، كما يجب علينا التعرف على موقع هذا المؤلف من الأحداث التي جرت بطرح التساؤل التالي:-هل شاهد المؤلف هذا الحدث التاريخي وعايشه؟ أم فقط سمعه وتناقله من الرواة الذين تحدثوا عنه؟ وهل صاحب هذه الوثيقة كان قريبا من الحدث مكانيا وزمانيا ام كان بعيدا عليه؟.

    وإضافة الى ذلك وجب علينا التعرف على بيئة المؤلف ومعارفه وعلومه ونزعته السياسية والدينية والإيديولوجية من خلال معرفة شخصيته المؤلف، لأن كل هذه العوامل تلعب دورا هاما في صياغته للحدث التاريخي، من حيث فهمه لأحداث وتأثرها بها وما مدى تأثير الظروف والعوامل عليه في الكتابة، كما يجب علينا توخي الحذر لما قد يدخل على الوثيقة التاريخية من اضافات وتعديلات لا تنسب الى صاحبها بل الى من عدلها بقصد اخفاء حقيقة الحدث التاريخي أو توضيحه؟.

  ان عدم تحديدنا لصاحب المصدر والوثيقة التاريخية قد لا تفيدنا في فهم ظروف صاحب الوثيقة ودوافع كتابته لها، ومكان وزمان مؤلفها وقربه وبعده عن الحادثة التاريخية، لكننا نأخذ بما فيها من وقائع وننسبها الى مصدر مجهول، مثلا: المجهول، السلوة في أخبار كلوة، تحقيق محمد علي الصليبي، وزارة التراث والثقافة بعمان، مسقط، 1985م، أو المجهول، تاريخ بلاد الأندلس، تحقيق عبد القادر بوباية، دار الكتب العلمية، بيروت، 2007.

    وللتفصيل أكثر سنقوم بقراءة سطحية لهذا المصدر مثلا: المجهول، غزوات خير الدين بربروس، تحقيق نور الدين عبد القادر، المطبعة الثعالبية والمكتبة الأدبية للنشر، الجزائر، 1934، ويعتبر هذا المصدر موردا لا غنى للباحث عنه لغزارة معلوماته ومادته الدسمة، وفي هذا الملخص نشير إلى أصل هذا الكتاب ومحتوياته.مؤلف الكتاب مجهول الإسم، عاش في القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، أما الكتاب فقد كُتب باللغة التركية في الأصل ثم تُرجم إلى اللغة العربية، كما يذكر المحقق في مطلع هذا الكتاب، ويضيف أن النسخة الخطية باللغة التركية محفوظة بخزانة السراية القديمة بالأستانة منسوبة لسنان شاوش، ويعتقد أنها هي الأصل لهذا المصدر، أما النسخة التي اعتمد عليها المحقق فهي باللغة العربية محفوظة بالخزانة الدولية بالجزائر تحت عدد (1622).

    ويتطرق هذا الكتاب لأسباب دخول الأتراك العثمانيين الى الجزائر، والحروب التي خاضوها لرد هجمات النصارى عن بلاد المسلمين، ومجمل الأحداث التي شهدتها المنطقة خلال القرن السادس عشر الميلادي، حيث يشير في البداية إلى خبر قدوم الإخوة عروج وخير الدين بربروس إلى الحوض الغربي للمتوسط، ونشاطاتهما في المنطقة قبل إلحاق الجزائر رسميا بالإيالة العثمانية، و يذكر كيف اتصلا بالسلطان الحفصي في تونس، وحررا جيجل من الاستعمار الجنوي سنة 1513، وحاولا تحرير بجاية عدة مرات منذ 1512 إلى عام 1515م، أين كانت سواحل شمال إفريقيا تتعرض باستمرار لهجمات النصارى بذريعة إيواء المغاربة للأندلسيين المغضوب عليهم، ليتدخل الأخوة بربروس لنصرة وإنقاذ سكان الأندلس حماية منطقة المغرب الاسلامي، مما دفع بالسكان للتمسك بهما، وطلبوا من السلطان العثماني إلحاق الجزائر رسميا بالإيالة العثمانية، فتوحدت الجهود لصد العدوان المشترك.ويستمر المؤلف في سرد الأحداث بأسلوبه البسيط الذي يعرض به أدق التفاصيل حتى كأنك ترى الأحداث ولا تطالعها، ومن ذلك وصفه لحصار سلطان تلمسان للجزائر، وحال الأسرى بالجزائر، وخبر تولية خير الدين على الجزائر بعد مقتل أخيه عروج سنة 1518م، وكيف أن الأمور لم تستتب له بسهولة، وما لقيه من معارضة والمصادمة مع شيوخ القبائل الذين خافوا على سلطانهم من الزوال بمجيء العثمانيين.
  ويتحدث هذا المصدر عن خبر محاولات خير الدين لدخول تونس، وتحالف السلطان الحفصي التونسي مع الإسبان ضده ويتعرض ايضا لأحداث الحملة الإسبانية على الجزائر سنة 1541م، وكيف تصدى لها حسن بن خير الدين وغيرها من أخبار الغزوات والحروب والسجالات في هذه المرحلة، الكتاب بحق مصدر مهم لدراسة تاريخ الجزائر، إذ يصور حلقة من حلقات صراعها مع الغرب المسيحي، وفصول إلحاقها بالدولة العثمانية، ودورها في حوض المتوسط.

   فتحقيق الوثيقة المصدرية من طرف المؤرخ والباحث يزيل العديد من التساؤلات المطروحة سابقا ويبعد الغموض عنها وعن حقيقة وجودها من عدمه، والأمر الأكثر أهمية هو قيمة هذه الوثيقة المصدرية في تحديد الحوادث التاريخية الماضية، وحتى يتحقق ذلك يطلب من المحقق أو الباحث تصحيح الوثيقة والأخطاء التي قد ترد فيها، وفحصها للتعرف على نوعية الورق في حالة امتلاكه للنسخة الأصلية منها، ونوعية الورق تساعد الباحث في تحديد زمان ومكان الوثيقة، مع تحديد نوعية الخط والأختام المستعملة في الوثيقة والتوقيعات كذلك وتحليل اللغة والأسلوب ومعاني الكلمات التي تعكس روح العصر، دون أن نهمل دلالة الألفاظ الغوية والجغرافية والتاريخية والدينية لأنها توضح الصلة الموجود بين الوثيقة والمصدر وصاحبها وبالتالي تأكد أو تنفي صحتها.

  ومن خلال ما سبق لي ذكره يتضح لنا جليا بأن عملية النقد الظاهري والخارجي لا تهتم بنقد الوثيقة والمصدر فقط، بل على نقد ظاهر الوثيقة للتأكد من صحت نسبها لصاحبها لهذا فان اهمال الباحث للتاريخ أو المحقق لهذه المرحلة الأساسية قد تدفعه للإعتماد على أصول تاريخية مزوة، تؤدي به لا محالة الى الوصول الى نتائج واستنتاجات خاطئة لا تمت الى الحقيقة التاريخية بأي صلة.