3. النظام السياسي والاجتماعي للمملكة

تتكون مملكة الكانم من أربع ولايات كبيرة وهي كوارا وبرنو وباقومي ووادي، ولكل ولاية والي يحكمها باسم الملك الكانمي ويتلقى الولاة الأوامر والتوجيهات من الماي –آي الملك- الكانمي، ويساعد الوالي عدد من الموظفين كالقاضي والمفتي وأمين سر الوالي  ورئيس الخدمة وأمين بيت المال وقائد الجيش، وتنقسم كل ولاية إداريا إلى كور ومناطق ودوائر ويرأس كل منها أمين أو عقيد ، وينفذ الأوامر التي يرسلها إليه والي الولاية.

        وعلى الرغم من أن الماي الكانمي يتمتع برئاسة مجلس الوزراء ومجلس الشورى  والمجلس العسكري ،إلا انه لم يكن حاكما مطلقا ومستبدا بأوامره وإحكامه. إنما يرجع دائما إلى الشريعة الإسلامية، فقبل أتحاذ أي قرار يرجع إلى مفتي المملكة ،لان تصريح المفتي بان الماي الكانمي لا يحترم الإسلام كفيلا بالتمهيد لخلعه وإثارة الناس ضده ، فهيئة كبار العلماء التي يرأسها المفتي هي هيئة مستقلة وليس لها الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون المملكة ،لكنها تلزم السلطان والأمراء والوزراء والولاة وعامة الناس عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، وهذا ما أدى إلى استتباب الأمن والرقابة المعنوية.

        أما فيما يتعلق بالعمران فقد ظهر البناء بالطوب الأحمر في قصور السلاطين والأمراء وكبار التجار والأعيان وفي المساجد منذ القرن الثالث الهجري3ه والتسع الميلادي9م ويمكن أن نسمي الأسلوب المعماري بالطراز المغربي وهو يمتاز باتساع الفناء وكثرة الأعمدة والدهاليز. ويبدوا أن تأثير الحضارة الإسلامية واضح في الحواضر التي نظمت لتلائم حياة المجتمع الإسلامي . ودائما المسجد يكون وسط المساكن وتنظم المتاجر والمخازن حوله . وسقف قصر الملك يغطى بأغصان الأشجار وجريد النخيل، وتفرش الممرات والغرف بالزرابي الثمينة والنادرة المستوردة من القيروان وطرابلس وتلمسان. ويرتدي السلطان عباءة وبرنسا مزركشا من الوبر الجيد ويلف عمامة كبيرة ويتلثم بجزء منها ، وعند خروجه من القصر لصلاة الجمعة أو العيد يلبس عدة الحرب ويصطف الحرس على الطريق ، ويظل الحرس واقفين إلى حين عودته من الصلاة      ويتجلى دور المرأة في مملكة الكانم في أنها كانت تقضي اغلب وقتها في البيت ترعى صغارها وتطحن الدقيق وتطبخ الطعام، وتجلب الماء والحطب في بعض الأحيان وفي كثير من الأحوال تعين زوجها وأولادها في الحقل وتقوم ببيع المنتجات الزراعية والحيوانية في الأسواق، ولقد جرت العادة أن زوج السلطان ووالدته لهما دور كبير في إدارة الحكم خاصة عند غياب السلطان.

           وبصفة عامة كان للإسلام الدور الواضح في تغيير الأعراف الاجتماعية والسياسية المعروفة والسائدة ،فقد كان سلاطين كانم وحكامها يتوارثون الحكم عن طريق الأمهات شأنهم شأن الكثير من المناطق الإفريقية الأخرى وكان يطلق على هؤلاء السلاطين المايات ، فعرفت المنطقة العديد هؤلاء السلاطين الذين نسبوا إلى أمهاتهم أمثال عثمان بن زينب  وداوود بن فاطمة ودومة بن ديالا  وإدريس ألومة بن عائشة ، ولكن بانتشار الإسلام وتعاليمه بينهم أصبحت المايات يتوارثون الحكم عن آبائهم ، كما أخذ في عين الاعتبار أصلح الأبناء وليس أكبرهم سنا كما أخذت الشورى طريقها إلى الحياة السياسية ،حيث وجد في نظامها إلى جانب السلطان مجلس الشورى عرف باسم مجلس الأكابر أو مجلس أرباب الدولة الذي يتكون اثنتي عشر عضوا وكان يناقش أمور الدولة أثناء السلم والحرب ، كما كان للإسلام تأثيره الواضح على سلوكيات الأفراد من حيث الآداب والملبس والمأكل والاحترام المتبادل وحثهم على مساعدة الفقراء والمحتاجين وأداء الزكاة ، كما ألغى الأعراف الموروثة في التبادل والتعامل التجاري مثل الربا وظاهرة الغش وغيرها من المظاهر السيئة المعروفة في مثل هذه المجتمعات التي كانت وثنية قبل الإسلام.

     بلغت مملكة ذروة مجدها في مختلف المجالات في الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر الميلادي11م إلى القرن الثالث عشر الميلادي 13م فقد بسطت نفوذها في المنطقة، وسيطرت على الطرق التجارية التي تربط بحيرة تشاد بدول حوض البحر المتوسط ووادي النيل، وامتد نفوذها إلى كفرة شمالا، وسنار شرقا، ونهر النيجر غربا، ودار سارا جنوبا.