مملكتي الكانم والبورنو

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: افريقيا جنوب الصحراء
Livre: مملكتي الكانم والبورنو
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 12:15

Description

سنقوم بتعريف هاته المملكة التي قامت على في الجهة الشمالية الشرقية لبحيرة تشاد وكيفة توحدت مع مملكة البورنو

1. التعريف بالمملكة

تقع بلاد الكانم في الشمال الشرقي لبحيرة تشاد وتبلغ مساحتها270000كلم، ويبدأ تاريخ هذه المملكة في الفترة الممتدة مابين سبعمائة وخمسين وثمانمائة ميلادي، وتنسب المملكة التي قامت في إقليم كانم إلى قبيلة الزغاوة وموطنهم الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى بالسودان الوسط، وجاء عن "العمري" أن حدود كانم تبدأ من حدود مصر شرقاً وتنتهى حدودها عند بلدة " كاكا " في مالى غرباً وتستغرق رحلتها من الشرق إلى الغرب ثلاثة شهور ويؤكد لنا " المقريزى" على مدى اتساع هذه الدولة ويقول:" واعلم أن على ضفة النيل أيضاً الكانم وملكها مسلم... وقاعدة ملكه بلدة اسمها "جيمى" وأول مملكته من جهة مصر بلدة اسمها " زالا " وآخرها بلدة يقال لها " كاكا" وبينها ثلاثة أشهر(14(
 وبهذا كانت كانم أقوى دولة، بل أكبر دولة حظيت بمكانة خاصة جعلتها صاحبة مكانة بارزة في إفريقيا منها موقعها الذي كان ملتقى عدة طرق ثم تأثرها بحضارات النيل، بالإضافة إلى الهجرات العربية التى كان لها أكبر الأثر في المد الإسلامي في المنطقة.

       بسطت قبيلة الزغاوة نفوذها في كامل المنطقة وأسست عاصمة لمملكتها تسمى جيمي، والمعروف أن زغاوة قدموا من الشرق واستقروا في السودان الأوسط وذكر ذلك اليعقوبي:عندما تفرق ولد نوح من أرض بابل إلى المغرب انقسم ولد كوش بن حام وهم الحبشة والسودان الأوسط ولما عبروا واد النيل انقسموا إلى فرقتين، فرقة استقرت بين المشرق والمغرب وهم النوبة والحبشة والزنج وفرقة قصدت المغرب وهم الزغاوة والفقاو والمريون ،وإلى الزغاوة يرجع تأسيس مملكة الكانم.

2. ذخول الاسلام إلى المنطقة

     أما عن اتصال العرب بهذه المملكة فيرجع إلى القرن التاسع الميلادي9م أي بعد تأسيسها بقرن. إن اتصال العرب بكانم أمر محقق حيث تزاوج العرب بكانم، وكثرت المصاهرات بينهم واستمرت إلى العصر الحديث فمثلا الشيخ محمد الأمين الكانمي ت1835م أبوه كانمي وأمه عربية ، ونذكر من هذه القبائل على المثال لا الحصر قبائل حزام وراشد بني بدر وأولاد سالمة ومنها من ينتسب إلى قريش ومنهم من بني هلال وبني سعد وبني فزاره.

       ولقد دخل الإسلام في هذه البلاد منذ القرن الأول الهجري ، ويرجع الفضل في ذلك إلى رحلات العلماء والتجار العرب من الشرق والغرب ، فقد كان التاجر المسلم داعية لدينه يجمع بين دعوته وتجارته، بالكلمة والسلوك وحسن الصلة بمن يتعامل معهم، فيثقون به ثقة تنفي عنه أي اتهام له بدوافع استغلالية أو شريرة. إذ كثيرا ما يحاط الأجنبي بالشك والريبة، لكن الخلق الإسلامي للتاجر المسلم، يوفر له القبول الحسن، إذ كان يلفت الأنظار بصدقه وكثرة وضوئه وانتظام أو قات صلاته وعبادته، التي يبدو فيها خاشعا يناجي ربه وخالقه، ومنظره في سجوده وسكينته يضفي عليه من المهابة والجلال ما يحرك فطرة الإفريقي الوثني، ويجذبهم إلى الإقتداء به وتقليده. وهناك روايات تقول أن الإسلام جاء على يد المالكية الذين فروا من مصر على يد الظاهر بيبرس ودخلوا في ارض كانم ونشروا التعاليم الإسلامية بها وهذا الرأي يرجحه البعض بسبب تمسك البلاد بالمذهب المالكي.

           إن معظم المصادر تميل إلى أن "محمد بن جبل بن عبد الله (1085-1097م) هو أول ملك       مسلم في كانم، وكان في وثنيته يعرف باسم "هومية جيلمة" وكان ملك كانم يتخذ لقب "ماي" وظل هذا اللقب مستعملا مع الملوك بعد إسلامهم، إلا أن هذه الأسرة المالكة اتخذت لنفسها اسم "السفية" نسبة إلى سيف بن ذي يزن العربي اليمني. تولى الحكم بعد "هومية" ابنه "دونما بن هومه"(1097-1150م) وكان هو أول من حج من ملوك الكانم، وهي ميزة اتبعها الحكام الزنوج خلال المراحل الأولى لاعتناقهم الإسلام، وكان دونما طموحا جدا دفع بحدود بلاده الشرقية إلى شواطئ النيل الوسطى، وكان له الإشراف المطلق على مسالك التجارة إلى الشمال حتى صحراء فزان، وفي أيامه تأزمت روابط الأسرة الحاكمة، وبدأ التفكك، فشبت حرب أهلية أشعلها أبناؤه، وبالرغم من ذلك كله انتصر دونما بن هومه عليهم. خلف دونما ابنه "بري الاول"(1150-1176م)، ثم تولى الحكم بعده "بكوروا"(1176-1193م) ويعرف أحيانا عبد الله بكورو، ثم جاء من  بعدها "ابنه عبد الجليل" (1194-1221م) وقد لقب هذا الحاكم باسم سلمة لشدة سواده، وكانت له غلبة على القبائل المجاورة، وفي عهده نقلت العاصمة من مدينة "منان" إلى مدينة " نجيمي" .

         خلف عبد الجليل ولده "دوناما ديباليمي"، وكان ميلا إلى المشاحنات فكثرت المنازعات والحروب في أيامه، لكنه حافظ على الحلف القائم بين مملكته وبين الحفصيين في تونس الذين وقفوا معه في منازعاته مع جيرانه من الوثنيين ، حيث قام بإعادة الإسلام الصحيح إلى البلاد ، بعد فترة من التساهل مع معتقدات الوثنيين قام بها الحكام الذين سبقوه . ومن الأعمال التي قام بها أيضا، تأسيس مدرسة إسلامية في القاهرة ونزل لسكان كانم الذين يعيشون في مصر أو يمرون بها في طريقهم إلى مكة.

حل الضعف والوهن في المملكة بعد وفاة"دونما ديباليمي" لعدة أسباب منها: انتشار الفقر في أوقات الحروب واندلاع الثورات التي يقوم بها الوثنيون  ، لكن الخطر الأكبر كان من قبائل البولالا التي بدأت تهاجم مملكة الكانم بين عامي 1387-1400م ، فاضطر الملك عمر بن إدريس إلى تغيير قاعدة بلاده إلى غربي تشاد وأقام في بلاد البرنو وأصبحت المملكة تسمى بمملكة كانم برنو.

3. النظام السياسي والاجتماعي للمملكة

تتكون مملكة الكانم من أربع ولايات كبيرة وهي كوارا وبرنو وباقومي ووادي، ولكل ولاية والي يحكمها باسم الملك الكانمي ويتلقى الولاة الأوامر والتوجيهات من الماي –آي الملك- الكانمي، ويساعد الوالي عدد من الموظفين كالقاضي والمفتي وأمين سر الوالي  ورئيس الخدمة وأمين بيت المال وقائد الجيش، وتنقسم كل ولاية إداريا إلى كور ومناطق ودوائر ويرأس كل منها أمين أو عقيد ، وينفذ الأوامر التي يرسلها إليه والي الولاية.

        وعلى الرغم من أن الماي الكانمي يتمتع برئاسة مجلس الوزراء ومجلس الشورى  والمجلس العسكري ،إلا انه لم يكن حاكما مطلقا ومستبدا بأوامره وإحكامه. إنما يرجع دائما إلى الشريعة الإسلامية، فقبل أتحاذ أي قرار يرجع إلى مفتي المملكة ،لان تصريح المفتي بان الماي الكانمي لا يحترم الإسلام كفيلا بالتمهيد لخلعه وإثارة الناس ضده ، فهيئة كبار العلماء التي يرأسها المفتي هي هيئة مستقلة وليس لها الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بشؤون المملكة ،لكنها تلزم السلطان والأمراء والوزراء والولاة وعامة الناس عدم مخالفة الشريعة الإسلامية، وهذا ما أدى إلى استتباب الأمن والرقابة المعنوية.

        أما فيما يتعلق بالعمران فقد ظهر البناء بالطوب الأحمر في قصور السلاطين والأمراء وكبار التجار والأعيان وفي المساجد منذ القرن الثالث الهجري3ه والتسع الميلادي9م ويمكن أن نسمي الأسلوب المعماري بالطراز المغربي وهو يمتاز باتساع الفناء وكثرة الأعمدة والدهاليز. ويبدوا أن تأثير الحضارة الإسلامية واضح في الحواضر التي نظمت لتلائم حياة المجتمع الإسلامي . ودائما المسجد يكون وسط المساكن وتنظم المتاجر والمخازن حوله . وسقف قصر الملك يغطى بأغصان الأشجار وجريد النخيل، وتفرش الممرات والغرف بالزرابي الثمينة والنادرة المستوردة من القيروان وطرابلس وتلمسان. ويرتدي السلطان عباءة وبرنسا مزركشا من الوبر الجيد ويلف عمامة كبيرة ويتلثم بجزء منها ، وعند خروجه من القصر لصلاة الجمعة أو العيد يلبس عدة الحرب ويصطف الحرس على الطريق ، ويظل الحرس واقفين إلى حين عودته من الصلاة      ويتجلى دور المرأة في مملكة الكانم في أنها كانت تقضي اغلب وقتها في البيت ترعى صغارها وتطحن الدقيق وتطبخ الطعام، وتجلب الماء والحطب في بعض الأحيان وفي كثير من الأحوال تعين زوجها وأولادها في الحقل وتقوم ببيع المنتجات الزراعية والحيوانية في الأسواق، ولقد جرت العادة أن زوج السلطان ووالدته لهما دور كبير في إدارة الحكم خاصة عند غياب السلطان.

           وبصفة عامة كان للإسلام الدور الواضح في تغيير الأعراف الاجتماعية والسياسية المعروفة والسائدة ،فقد كان سلاطين كانم وحكامها يتوارثون الحكم عن طريق الأمهات شأنهم شأن الكثير من المناطق الإفريقية الأخرى وكان يطلق على هؤلاء السلاطين المايات ، فعرفت المنطقة العديد هؤلاء السلاطين الذين نسبوا إلى أمهاتهم أمثال عثمان بن زينب  وداوود بن فاطمة ودومة بن ديالا  وإدريس ألومة بن عائشة ، ولكن بانتشار الإسلام وتعاليمه بينهم أصبحت المايات يتوارثون الحكم عن آبائهم ، كما أخذ في عين الاعتبار أصلح الأبناء وليس أكبرهم سنا كما أخذت الشورى طريقها إلى الحياة السياسية ،حيث وجد في نظامها إلى جانب السلطان مجلس الشورى عرف باسم مجلس الأكابر أو مجلس أرباب الدولة الذي يتكون اثنتي عشر عضوا وكان يناقش أمور الدولة أثناء السلم والحرب ، كما كان للإسلام تأثيره الواضح على سلوكيات الأفراد من حيث الآداب والملبس والمأكل والاحترام المتبادل وحثهم على مساعدة الفقراء والمحتاجين وأداء الزكاة ، كما ألغى الأعراف الموروثة في التبادل والتعامل التجاري مثل الربا وظاهرة الغش وغيرها من المظاهر السيئة المعروفة في مثل هذه المجتمعات التي كانت وثنية قبل الإسلام.

     بلغت مملكة ذروة مجدها في مختلف المجالات في الفترة الممتدة من القرن الحادي عشر الميلادي11م إلى القرن الثالث عشر الميلادي 13م فقد بسطت نفوذها في المنطقة، وسيطرت على الطرق التجارية التي تربط بحيرة تشاد بدول حوض البحر المتوسط ووادي النيل، وامتد نفوذها إلى كفرة شمالا، وسنار شرقا، ونهر النيجر غربا، ودار سارا جنوبا.

4. الحياة الثقافية في المملكة

         بعد دخول الإسلام إلى السودان الأوسط وتأسيس مملكة الكانم في القرن الثالث الهجري، التاسع الميلادي 3ه/9م، اتجه الكانميون إلى التعليم وجدوا في طلبه لأن الإسلام يلزم المسلمين بمعرفة شيء من القرآن الكريم وفقه أداء الفرائض مثل الصلاة والزكاة والصوم وغيرها ما أدى بالكانميين إلى التوجه إلى طلب العلم وأصبح من بين شروط تولي المناصب العليا في المملكة التفقه في الدين. فشهدت مملكة الكانم نظاما تعليميا على غرار الذي كان سائدا في المشرق والمغرب ، فأنشئت دور التعليم في مملكة الكانم وغيرها من الممالك الإسلامية في السودان الأوسط والغربي . وتنوعت مصادر التعليم بالكانم وسنورد ما وجد منها في تلك الفترة:

-أولا- المسجد:وهو من أهم دور التعليم في مملكة الكانم وغيرها من الممالك الإسلامية في العصور الوسطى

-ثانيا-المسيج: وهو المسجد الصغير في القرى والأحياء والمضارب.

-ثالثا: منازل العلماء وقصور السلاطين والأمراء وكبار التجار.

-رابعا-الكتاب: وهو مكان تدريس الصبية القرآن الكريم.

          أما منهج الدراسة وأساليب التدريس ولغة التدريس والإجازات العلمية فتلخص في التلقين والتحفيظ و التسميع، والمذاكرة الفردية والجماعية ، واللغة العربية الفصحى كانت هي السائدة في عملية التدريس، كما أن التعليم في المساجد يبدأ بدراسة القرآن الكريم و العقيدة والأحاديث النبوية المطهرة والفقه والنحو والصرف والأدب والتاريخ والحساب والجغرافيا الفلكية وغير ذلك من العلوم، ومن بين العلماء الكانميين ما يلي:

- محمد البكري الذي اشتهر بالعمل في مجال التدريس بالكانم وتوفي905ه. وخلف العديد من المؤلفات والتلاميذ الذين حملوا رسالته العلمية ،ومن أشهر تلميذته  الشيخ محمد بن سليمان والشيخ الطاهر بن إبراهيم والشيخ عبد الله البكاوي.

- أبو بكر الباركوم الذي ترك العديد من الكتب والمؤلفات الإسلامية منها الدور اللامع ومنار الجوامع في علم الصرف ، ونظم الحكم ،وله مجموعة من القصائد الشعرية.

         وقد توفرت عدة عوامل ساعدت على ازدهار حركة القوافل التجارية بين مملكة الكانم وشمال إفريقيا، خاصة المغرب الأدنى وطرابلس منها:

_ عدم وجود حواجز طبيعية كالجبال العالية والأنهار.

- اختلاط العناصر السكانية فيما بينها ، حيث أن كثير من القبائل المستقرة في منطقة بحيرة تشاد أصولها الأولى من الشمال، كما استقرت في المغرب الأدنى ومنطقة فزان كثير من قبائل بحيرة تشاد الإفريقية

- القرب الجغرافي، حيث أن منطقة ليبيا والمغرب الأدنى هي الأقرب لمملكة الكانم من المغرب الأوسط والمغرب الأدنى، فكونت معها علاقات اقتصادية كبيرة.

5. توحد مملكة الكانم والبورنو وسقوطها

ينقسم تاريخ مملكة كانم- برنو إلى عصرين بارزين، ويمتد من قيام مملكة الكانم من حوالي800م إلى نهاية القرن الرابع عشر حوالي سنة 1380م، ومن هذا التاريخ يبدأ العصر البرنوي إلى غاية تعرضها للاستعمار الأوروبي أواخر القرن التسع عشر . ويعود سبب توحد مملكة الكانم مع البرنو مملكة كانم –برنو إلى الهجمات التي تعرضت لها من قبائل الساو التي كانت تتحكم في منطقة بحيرة تشاد قديما، لكن قضت عليهم  مملكة الكانم ، ثم ما لبثت أن دخلت في نضال آخر مع قبائل البولالا وهو ما اضطر إلى تغيير قاعدة المملكة إلى منطقة البرنو، وهو العصر البرنوي عندما اضطر ملوك كانم إلى ترك عاصمتهم نجيمي بكانم، والانتقال إلى أرض البرنو في إمبراطورية واحدة، ويعتبر علي غازي بن دوناما (1476- 1503م) المؤسس الحقيقي للدولة الجديدة، فقد استطاع أن يقضي على الحروب الداخلية وان ينشئ نظاما إداريا مستقلا ، ومد نفوذه إلى بعض دول الهوسا. وخلف علي غازي ابنه "إدريس "(1503_1526م) ، وبعد إدريس اعتلى الحكم ابنه " إدريس علومة"(1570-1602م) وفي عهده عرفت الأسرة السيفية قمة المجد.

     ومع بداية القرن 17م بدأ التدهور والانحطاط يدب في المملكة، وواجهة خطرا جديدا وهو خطر الفولانيين بزعامة الشيخ دان عثمان فوديو ، الذي قام بحركته القوية. غير أن ظهور الشيخ الأمين الكانمي في تلك الفترة أنقذ المملكة من السقوط في أيدي الفولانيين وأحفاده وأصبح يطلق على الحاكم صفة الشيخ بدلا من الماي، وفي نهاية القرن19 بدأت طلائع الاستعمار وتزامن ذلك مع حركة الأمير رابح بن فضل الله الذي قدم من السودان الشرقي وغزا مملكة كانم-برنو عام 1893مما دفع سلطانها عقد تحالفات مع القوى الغازية، وفي عام1884 انتهى الأمر إلى تقسيم مملكة كانم برنو بين فرنسا وانجلترا وألمانيا بعد حوالي 12قرنا من الزمن.