1. المبحث 1
موقف أئمة وعلماء الإسلام من الفلسفة:
إنّه من خلال الترجمة والنقل من اللاّتينية والهندية والصينية والفارسية، عـرف علماء الإسلام الفلسفة، وشكّل دخول الفلسفة اليونانية إلى الفكر الإسلامي، حـدثاً فكريـاً هائلا، جُوبِهَ بردود فعل متفاوتة من علماء المسلمين. لأنّ تلـك الفلسـفة حملـت آراء ونظريات متعارضة مع الفكر الإسلامي، لاسيّما في مجال العقيدة، مع أنّها رفدت الفكر الإسلامي بمنهج جديد حول طرق الاستدلال والبرهان.
ولقد هاجم علماء وأئمة الإسلام الفلسفة اليونانية كما هاجموا ما يسمى بالفلسفة الإسلامية، وذهبوا إلى تحريم الاشتغال بها وتعلمها وتعليمها، وحكموا بضلال أو بكفـر وإلحاد رؤسائها أمثال: الفارابي وابن سينا، ومن سلك نهجهم. ومن هؤلاء العلماء: الإمـام الشافعي، وأبو حامد الغزالي، وابن الصلاح، وابن الجوزي، وابن تيمي ة، وتلميـذه ابـن القيم، والذهبي والإمام النووي، والسـيوطي، وعبـد الـرحمن بـن خلـدون وغيـرهم كثير.ونذكر هنا نماذج من تلك المواقف.
1- يقول الإمام الشافعي: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب إلى لسان أرسطاطاليس.
2 - وقال الإمام الذهبي:"ذم علماء السلف النظر في علم الأوائل فإن علم الكلام مولـد من علم الحكماء الدهرية فمن رام الجمع بين علم الأنبياء عليهم السلام وبين علم الفلاسفة بذكائه لابد وأن يخالف هؤلاء وهؤلاء ومن كف ومشى خلف ما جاءت به الرسل مـن إطلاق ما أطلقوا ولم يتحذلق ولا عمق فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقـوا فقـد سلك طريق السلف الصالح وسلم له دينه ويقينه نسأل الله السلامة في الدين.
3 - أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي:ألّف الغزالي كتابين في مهاجمة الفلسفة والفلاسـفة،وهما ) مقاصـد الفلاسـفة،وتهافت الفلاسفة (، أبان في"مقاصد الفلاسفة" آراءهم وكلامهم، وقد حكى الغزالي قصـة هذا الكتاب في مقدمته،حيث يقول:"أما بعد فإنّي التمست كلاماً شافياً فـي الكشـف عـن تهافت الفلاسفة، وتناقض آرائهم، ومكامن تلبيسهم وإغوائهم، ولا مطمع في إسـعافك إلا بعد تعريفك مذهبهم وإعلامك معتقده...من غير تطويل بذكر ما يجري الحشو والزوائد الخارجة عن المقاص...وأورده على سبيل الاقتصاص والحكاية، مقروناً بما اعتقدوه أدلة لهم، ومقصود الكتاب حكاية مقاصد الفلاسفة".ثمّ يذكر الغزالي أوجه الانحراف والزلل والمخالفة من الفلاسفة للدين فيقول:"إنّ مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلاً، يجب تكفيرهم في ثلاثة من ها، وتبعيـدهم في سبعة عشر، ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين، صنفنا كتـاب التهافـت. حيث يرى الغزالي في(تهافت الفلاسفة) أنّ الفلسفة ابتعدت كثيرا عـن حقيقـة الـنص الشرعي، فوقع الفلاسفة الإسلاميون في مغالطات جوهرية لعقائد الإسلام، وأخذ أبو حامد الغزالي يتتبع هذه المغالطات ويرد عليها واحدة واحدة، بداية قدم العالم وحقيقة الألوهية، وعلم الله تعالى، وانتهاء بالنفس الإنسانية، والبعث وحشر الأجساد.