محتوى المحاضرة 5

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: الفلسفة العربية الإسلامية
Livre: محتوى المحاضرة 5
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Saturday 23 November 2024, 03:02

1. المبحث 1

موقف أئمة وعلماء الإسلام من الفلسفة:

    إنّه من خلال الترجمة والنقل من اللاّتينية والهندية والصينية والفارسية، عـرف علماء الإسلام الفلسفة، وشكّل دخول الفلسفة اليونانية إلى الفكر الإسلامي، حـدثاً فكريـاً هائلا، جُوبِهَ بردود فعل متفاوتة من علماء المسلمين. لأنّ تلـك الفلسـفة حملـت آراء ونظريات متعارضة مع الفكر الإسلامي، لاسيّما في مجال العقيدة، مع أنّها رفدت الفكر الإسلامي بمنهج جديد حول طرق الاستدلال والبرهان.

       ولقد هاجم علماء وأئمة الإسلام الفلسفة اليونانية كما هاجموا ما يسمى بالفلسفة الإسلامية، وذهبوا إلى تحريم الاشتغال بها وتعلمها وتعليمها، وحكموا بضلال أو بكفـر وإلحاد رؤسائها أمثال: الفارابي وابن سينا، ومن سلك نهجهم. ومن هؤلاء العلماء: الإمـام الشافعي، وأبو حامد الغزالي، وابن الصلاح، وابن الجوزي، وابن تيمي ة، وتلميـذه ابـن القيم، والذهبي والإمام النووي، والسـيوطي، وعبـد الـرحمن بـن خلـدون وغيـرهم كثير.ونذكر هنا نماذج من تلك المواقف.

1- يقول الإمام الشافعي: ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب إلى لسان أرسطاطاليس.

2 - وقال الإمام الذهبي:"ذم علماء السلف النظر في علم الأوائل فإن علم الكلام مولـد من علم الحكماء الدهرية فمن رام الجمع بين علم الأنبياء عليهم السلام وبين علم الفلاسفة بذكائه لابد وأن يخالف هؤلاء وهؤلاء ومن كف ومشى خلف ما جاءت به الرسل مـن إطلاق ما أطلقوا ولم يتحذلق ولا عمق فإنهم صلوات الله عليهم أطلقوا وما عمقـوا فقـد سلك طريق السلف الصالح وسلم له دينه ويقينه نسأل الله السلامة في الدين.

3 - أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي:ألّف الغزالي كتابين في مهاجمة الفلسفة والفلاسـفة،وهما ) مقاصـد الفلاسـفة،وتهافت الفلاسفة (، أبان في"مقاصد الفلاسفة" آراءهم وكلامهم، وقد حكى الغزالي قصـة هذا الكتاب في مقدمته،حيث يقول:"أما بعد فإنّي التمست كلاماً شافياً فـي الكشـف عـن تهافت الفلاسفة، وتناقض آرائهم، ومكامن تلبيسهم وإغوائهم، ولا مطمع في إسـعافك إلا بعد تعريفك مذهبهم وإعلامك معتقده...من غير تطويل بذكر ما يجري الحشو والزوائد الخارجة عن المقاص...وأورده على سبيل الاقتصاص والحكاية، مقروناً بما اعتقدوه أدلة لهم، ومقصود الكتاب حكاية مقاصد الفلاسفة".ثمّ يذكر الغزالي أوجه الانحراف والزلل والمخالفة من الفلاسفة للدين فيقول:"إنّ مجموع ما غلطوا فيه يرجع إلى عشرين أصلاً، يجب تكفيرهم في ثلاثة من ها، وتبعيـدهم في سبعة عشر، ولإبطال مذهبهم في هذه المسائل العشرين، صنفنا كتـاب التهافـت. حيث يرى الغزالي في(تهافت الفلاسفة)  أنّ الفلسفة ابتعدت كثيرا عـن حقيقـة الـنص الشرعي، فوقع الفلاسفة الإسلاميون في مغالطات جوهرية لعقائد الإسلام، وأخذ أبو حامد الغزالي يتتبع هذه المغالطات ويرد عليها واحدة واحدة، بداية قدم العالم وحقيقة الألوهية، وعلم الله تعالى، وانتهاء بالنفس الإنسانية، والبعث وحشر الأجساد.

2. المبحث2

قد يظنّ أنّ المسلمين رفضوا الفلسفة اليونانية لمجرد اشتغال الأمم الكافرة بهـا وهذا ظنّ خاطئ لأنّه يستلزم أن يرفض المسلمون كل ما أتى من غيـرهم مـن علـوم صحيحة كالطب والحساب والهندسة ونحوها.وإنّما رفض المسلمون الفلسـفة اليونانيـة لأسباب شرعية وعقلية، نذكر منها

2.1. المطلب1

أولا:الأسباب الشرعية لرفض الفلسفة اليونانية

1- إنّه لم يؤثر عن الصحابة والتابعين الاشتغال بالفلسفة، ثم إنّ الشريعة الإسلامية ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً، وإن كانت طريقاً صحيحاً، فكيـف إذا كانت فاسدة أو متضمنة للفساد، بل متضمنة الكفر والإلحاد .

2- إنّ الفلسفة نشأت في بيئة وثنية، كان أصحابها أهل شرك وإلحاد، بل ما عند مشرك ي العرب من الكفر والشـرك خيـر ممـا عنـد الفلاسـفة .قـال ابـن تيميـة فـي الفلاسفة: "وضلالهم في الإلهيات ظاهر لأكثر الناس، ولهذا كفرهم فيها نظـار المسـلمين قاطبة". ولهذا كان أبو القاسم السهيلي وغيره يقول:" نعوذ بالله من قياس فلسفي وخيال صوفي".

 3- قصور البرهان الفلسفي عن الوصول بالإنسان إلى اليقين، وذلك عند تطبيقه فـي الإلهيات، يقول الغزالي:"لهم نوع من الظلم في هذا العلم، وهو أ نّهم يجمعون للبرهـان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين لا محالة، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينيــة مـا أمكنهم الوفاء بتلك الشروط، بل تساهلوا غاية التساهل".

 4- لقد سببت الفلسفة اليونانية التفرق والاختلاف والتنابذ، وما زال أهلها والمشتغلون بها على هذه الحال، بل لا تكاد تجد اثنين منهم يتفقان على مسألة، حتى فـي البديهيات أو اليقينيات. وقد صدق الملك النصراني على قبرص -زمن الدولة العباسية لمّا طلب من العباسي المأمون كتب الفلاسفة -عندما قال: فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلاّ أفسدتها، وأوقعت بين علمائها.

 5- يلزم عن الاشتغال بالفلسفة عدة لوازم فاسدة، تناقض العلم والإيمان، وتفضي إلـى أنواع من الجهل والكفر والضلال. ومن ذلك:

أ -القول بقدم العالم، وذلك لأن الإله لا يسبق العالم في الوجود الزمني، وإن كان يسـبقه في الوجود الفكري، مثلما تسبق المقدمة النتيجة في الوجود الفكري وهذا مما أنكـره الغزالي على الفلاسفة وكفرهم به في كتابه: تهافت الفلاسفة.

ب- إنكار هم الصفـات الثبوتيـة لله تعالـى، بل يصفونه بالسلوب المحض، أو بمـا لا يتضمن إلا السلب، ولهذا قالوا:الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، لأنّه لو صدر عنه اثنـان لكان ذلك ً مخالفا للوحدة، وبهذا نفوا أن يكون الله فاعلاً مختاراً فنفـوا الصفات عـن الله تعالى هروباً من تشبيهه بالنفوس الفلكية أو الإنسانية، ثم شبهوه بالجمادات.

ج - إنكار علم الله تعالى بالجزئيات، وهذا هو المشهور عنهم، وهو مما أنكـره علـيهم العلماء، ومنهم الغزالي في بعض كتبه. وذلك لأنّ هذه الجزئيات في تغير، فلو تعلـق علم الله تعالى بها للزمه التغير بتغير المعلوم، فيلزم من ذلك التغير في ذات الله تعـالى، وهو الواحد الأحد. وهذا تكذيب للقرآن الكريم و لصريح العقل، وفيه فتح لباب الزندقة،والخروج على الشريعة جملة وتفصيلاً، وأعظم منه إساءة الظن برب العـالمين .ومـن المعلوم أن من يعتقد عدم علم الله بالجزيئات فقد أضاف إلى إليه تعالى معرفـة ناقصـة بالعالم، وأبطل عنايته وتدبيره بأفراد المخلوقات والموجودات.

د- إنكار الوحي والنبوة ومعجزات الأنبياء:لمّا رأى الفلاسفة اشتراك النفوس في كثيـر من الأحوال عادة، جعلوا ذلك أمراً عاماً وكلياً وملزماً لكل النفوس، ورأوا لبعض النفوس قوة حدسية، وتأثيراً في بعض الأمور، وأموراً متخيلة، فلما بلغهـم مـن أمـر الأنبيـاء كالمعجزات ونزول الوحي ورؤية الملائكة وغير ذلك، جعلوا ما يحدث للأنبياء على نحو ما يكون لتلك النفوس، فليست النبوة هبة الله، ومنته على بعض عباده، بـل هـي أمـر مكتسب تستعد له النفوس بأنواع الرياضات، والمجاهدة.

هـ- إنكارهم عالم الغيب مثل: الحشر والنشر، والصراط والميزان، والجنة وما فيها من نعيم مقيم، والنّار وما فيها من عذاب وشقاء مقيم، حيث يعدونها رموزا وأخيلـة، بغرض تفهيم العوام وتقريب الأمر الروحي إلى الأذهان بضرب الأمثلة من المحسوسات.

2.2. المطلب2

. ثانيا:الأسباب العقلية لرفض الفلسفة اليونانية:

1- الفلسفة اليونانية تجريدية، لا صلة لها بالواقع، فهي تبحث في عالم الكليـات، وهـذا العالم ليس له وجود في الخارج، بل وجوده في الذهن، فالفلسفة تتجاهـل البحـث فـي الجزئيات والأعيان المشخصة  .

2- أننا نرى كثيرا من العلوم - كالهندسة والطب والفلك - تتقدم تقـ دماً كبيـرا دون أن يكون كبار الباحثين فيها ممن تخرجوا على الفلسفة اليونانية، يقول ابن تيمية :" إننا لا نجد أحداً من أهل الأرض حقق علماً من العلوم وصار إماما فيه بفضل الفلسفة، لا مـن العلوم الدينية ولا غيرها، فالأطباء والمهندسون وغيرهم يحققون ما يحققون من علـومهم بغير صناعة الفلسفة، وقد صنف في الإسلام علوم النحو والعروض والفقه وأصوله وغير ذلك، وليس في أئمة هذه الفنون من كان يلتفت إلى الفلسـفة، بل عامتهم كانـوا قبـل أن تُعرَف الفلسفة اليونانية. وإخفاق الفلسفة راجع لجهلهم بالدين والوحي الإلهي الـذي يمدنا بحقائق عالم الغيب التي تريح العقل عنت ومؤنة تكلف البحث فيها، وتبعـده عـن الخرافات والأساطير.

3- إنّ هذه الفلسفة كان لها أكبر الأثر في تخلف اليونان عن ركب المدنية، حيث انزوت بالفكر والجهود العلمية نحو عالم الميتافيزيقا-عالم ما وراء الطبيعة -معرضةً عن الحياة المدنية، والعلوم التطبيقية الواقعية. يقول الأستاذ علي أبو لبن:"يكاد يتفق مؤرخو الفلسفة على أن العلم لم ينهض في مطلع العصر الأوربي الحديث إلا بعد الثورة المزدوجة على السلطة العلميـة ممثلـة في المنطق الأرسطي، والسلطة الدينية ممثلة في رجال الكنيسة".

4- طرق هؤلاء الفلاسفة فيها فسـاد كثير من جهة المقاصد والوسائل:أمّا المقاصد:فإنّ الحاصل منها بعد التعب والمشقة خير قليل، فهي "كلحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل". "وأما الوسائل: فطريقها كثير المقـدمات، طويلـة المسالك، يتكلفون فيها العبارات البعيدة والطرق الوعرة، وليس فيها مـن فائـدة سـوى تضييع الأزمان وإتعاب الأذهان، وكثرة الهذيان، ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان