2. الافتراضات الاساسية للنظرية البنائية

   تركز النظرية البنائية على دور الثقافة والقيم والأفكار في العلاقات الدولية، وتتناول بالتحليل قضايا الهوية والمصالح والأفضليات والمعايير (Norms) .

     فهي نظرية نظامية (نسقية) تعتمد في جوهرها على علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وفيها تعتبر الهويات والمصالح المتغير التابع الذي ينبغي دراسته وفهمه، ويرى أنصار هذا الطرح أن الاعتبارات المادية وحدها لا تقدم تفسيرا مقنعا للعديد من الحالات في السياسات الدولية، فهي يعكس الواقعية والليبرالية الجديدتين التي تركزان على البعد المادي للسياسة الدولية بالنظر لبيئة المنظومة الدولية على أنها تتحدد بتوزيع القوى المادية، والليبراليون الجدد يضيعون دور المؤسسات الدولية لتلك القاعدة المادية، فوندت يجادل بأن الأفكار والثقافة المشتركة هي التي تعكي معنى ودلالة ومحتوى للعوامل المادية، أي أن بنية النسق الدوليين حسب البنائيين "تتحدد بتوزيع الأفكار بين الفاعلين ثم يأتي دور القوى المادية وليس العكس".

ولذلك نجد أن البنية حسب البنائيين تتشكل من:

- المعتقدات المشتركة.

- الموارد المادية، والتي لا تتخذ شكلا  أو صيغة إلا من خلال تأويلات الفاعلين التي تنعكس على ممارستهم.

- ممارسات الفاعلين.

    فالهياكل الاجتماعية حسب البنائية تعرف وتتشكل في جزء منها، من خلال التفاهمات المشتركة والتوقعات أو المعرفة المشتركة (Intersubjective) تذاتانية المعرفة.

لذلك تعد البنائية توجه إنتقائي من النظريات الاجتماعية، ويتميز بشكل أكثر تحديدا بواسطة المثالية لها، وهذه المثالية وفقا لوندت تعني أنه:

- يتم تحديد وتشكيل أبنية الوجود البشري في المقام الأول  عن طريق الأفكار المشتركة وليس فقط عن طريق القوى المادية البحتة.

- إن هويات ومصالح الجهات الفاعلة تم بناؤها بواسطة هذه الأفكار المشتركة، ولا يمكن  اعتبارها  أمورا معطاة بشكل طبيعي.

          فالبنائية تركز بصفة عامة على ما يسميه جيون سيارل (John Searle) بـ "الوقائع الاجتماعية" أي الأشياء مثل: النفوذ، السيادة، الحقوق... التي لها حقيقة مادية ولكنها لا توجد إلا في مجموع أشخاص يؤمنون بوجودها ويعملون بموجبها فهي "مقاربة نظريا تأتي من الدراسة التجريبية للعلاقات الدولية" وتتألف من "منظور إجتماعي للسياسة العالمية"، وبالتركيز على السياق الاجتماعي تذاتانية والطبيعة التأسيسية للقواعد والمعايير وتركز بالأخص على أهمية التركيبات المعيارية لكل ما هو مادي، دور الهوية في تكوين اهتمامات وسلوكات الفاعلين، وكذا التكوين المتبادل للفاعلين والهياكل.

      كما تطرح الاهتمامات البحثية التالية: التغيير في السياسة الدولية، مفهوم الفوضى، كيف تؤثر الأفكار والثقافة والهويات في السياسة الدولية، بالإضافة إلى قضية الوكيل الهيكل (structure / Agent).

     وعليه ومما سبق يمكن القول أن البنائية نظرية مميزة للعلاقات الدولية تشدد على البعد الاجتماعي أو الذاتي المشترك للسياسة العالمية، فهي تحدد العلاقات الدولية وفق نظرية (Intersubjective) بتركيزها على الأفكار، كما تعتبر أن دور القواعد والمعايير (Norms) مهم في توجيه سلوك الفاعلين الدوليين وهيكل الحياة الدولية بصفة عامة إضافة إلى تركيزها على عنصر الهوية بخلاف الاتجاهات النظرية التقليدية والتي تعتبر الهوية مسألة جوهرية في عالم ما بعد الحرب الباردة، وتؤكد على كيفية تعامل الهويات مع الطريقة التي تستوعبها الوحدات السياسية الدول وتستجيب لمطالبها ولمؤسساتها.

    وعموما فإن البنائية كمنظور عام في العلاقات الدولية واعتمادا على تصور وإدراك ألكسندر وندت تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية:

- الدول هي الوحدات الأساسية للتحليل.

- تذاتانية (Intersubjective) البنى الأساسية للنظام القائم على الدول.

- تتشكل هويات ومصالح الدول في إطار نسق مترابط بفعل البنى الاجتماعية ضمن النظام.

   فبالنسبة للبنائيين الفوضى ليست معطى مسبق، وإنما هي نتاج ما تصنعه الدول حيث اعتبر وندت أن الفوضى مبنية اجتماعيا فيما بين الدول، وبهذا أعطى تصورا جديدا لفهم سلوك الدول بتبنيه لتركيب نظري يقوم على:

- دور الأفكار الذي يتعدى دور القوى المادية.

- كيفية تحديد الفواعل لهويات البنيات المادية.

- النظام تذاتاني للبنيات والذي يتكون من انسجام لمفاهيم والتنبؤات.

- الهويات هي التي تحدد المصالح والسلوكيات فالهويات هي أساس وقاعدة المصالح.

فالبنائية وانطلاقا من هذه الافتراضات تحاول أن تبني نظرة أو تصور أكثر اجتماعية وأكثر إرادية أي عكسي المفاهيم المادية والحتمية لتصورات الواقعية الجديدة خاصة والأنطولوجيا المادية المسيطرة على دراسة السياسة الدولية عامة.