النظرية البنائية في العلاقات الدولية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: نظرية العلاقات الدولية
Livre: النظرية البنائية في العلاقات الدولية
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Thursday 21 November 2024, 20:38

1. تعريف النظرية البنائية

تعريف النظرية البنائية

تشتق كلمة البنائية (Constructivism) من البناء (Construction) أو البنية (Structure) بمعنى الطريقة التي يقام بها مبنى ما.

          ولا يبعد هذا كثيرا عن أصل الكلمة في اللغة العربية، فالبنائية من البَنّاءُ أو البِنية، بَنَى البَنّاءُ بِنَاءً وبُنىً وبِنْيَةً وبُنْيَةً، وبِنْيَةُ الشيء هي تكوينه وهي تعني أيضا هيئة البناء، أي الكيفية التي شيد على نحوها هذا البناء أو ذاك، فهي تستعمل مجازا في معان كثيرة تدور حول التأسيس مثل: بنى مجده، وبنى مستقبله...إلخ.

وقد استخدمت من البنائية في الاستخدام العربي القديم أيضا للدلالة على التشييد والبناء والتركيب واستخدم هذا الأصل في القرآن الكريم نفيا وعشرون مرة على صورة الفعل "بنى" أو الأسماء "بناء" و "بنيان" و"مبنى".

          وتشير كلمة "بناء" عند رادكليف براون (Radcliffe Brown) إلى وجود نوع من التنسيق أو الترتيب بين الأجزاء التي تدخل في تكوين الكل الذي نسميه بناء، وعلى هذا الأساس يكون للمقطوعة الموسيقية بناء والجملة بناء وللبنائية أيضا بناء، ذلك لأن ثمة علاقة وروابط معينة بين هذه الأجزاء التي تؤلف الكل وتجعل منه بناء متماسكا ومتمايزا، فالبناء حسبه يشيد إلى وجود نسق عام، أهم ما يتصف به هو عنصر النظام.

          أما البنية فهي ذلك الكل المكون من ظواهر متماسكة، يتوقف كل منها على ما عداه، ولايمكنه أن يكون هو إلا بفضل علاقته بماعداه.

وقد ظهرت البنائية (Constructivism) كنظرية في العلاقات الدولية في نهاية الحرب الباردة أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين.

          ويعد نيكولاس أوناف (Nicholas Onuf) أول من استعمل مصطلح "البنـائية" في حقل العلاقات الدولية في كتابه (World of Our Making) عام 1989، إضافة إلى مقال ألكسندر وندت (Alexender Wendet) الصادر عام 1992 بعنوان: «الفوضى ما تصنعه منها الدول: البناء الاجتماعي لسياسة القوة».

«  Anarchy is what states make of it : the social construction of power politics»

    والذي يلقب بأب البنائية لما قدمه من إسهامات في تطوير موقف التفسيريين الاجتماعيين (Social constructivst)، كما مثلت كتاباته مرجعية لدراسة السياسة الدولية.

     وقد ساهمت نهاية الحرب الباردة في إضفاء الشرعية والمصداقية على النظرية البنائية، لأن الواقعية والليبرالية أخفقتا في استباق هذا الحدث كما أنهما وجدتا صعوبة كبيرة في تفسيره، بل والأكثر من ذلك

فشلتا في شرح التغير الشامل في المنظومة الدولية، بينما تمتلك البنائية تفسيرا له، خصوصا ما يتعلق بالثورة التي أحدثها ميخائيل غورباتشوف في السياسة الخارجية السوفياتية باعتناقه أفكار جديدة كالأمن المشترك.

          

2. الافتراضات الاساسية للنظرية البنائية

   تركز النظرية البنائية على دور الثقافة والقيم والأفكار في العلاقات الدولية، وتتناول بالتحليل قضايا الهوية والمصالح والأفضليات والمعايير (Norms) .

     فهي نظرية نظامية (نسقية) تعتمد في جوهرها على علم الاجتماع، وعلم النفس الاجتماعي، وفيها تعتبر الهويات والمصالح المتغير التابع الذي ينبغي دراسته وفهمه، ويرى أنصار هذا الطرح أن الاعتبارات المادية وحدها لا تقدم تفسيرا مقنعا للعديد من الحالات في السياسات الدولية، فهي يعكس الواقعية والليبرالية الجديدتين التي تركزان على البعد المادي للسياسة الدولية بالنظر لبيئة المنظومة الدولية على أنها تتحدد بتوزيع القوى المادية، والليبراليون الجدد يضيعون دور المؤسسات الدولية لتلك القاعدة المادية، فوندت يجادل بأن الأفكار والثقافة المشتركة هي التي تعكي معنى ودلالة ومحتوى للعوامل المادية، أي أن بنية النسق الدوليين حسب البنائيين "تتحدد بتوزيع الأفكار بين الفاعلين ثم يأتي دور القوى المادية وليس العكس".

ولذلك نجد أن البنية حسب البنائيين تتشكل من:

- المعتقدات المشتركة.

- الموارد المادية، والتي لا تتخذ شكلا  أو صيغة إلا من خلال تأويلات الفاعلين التي تنعكس على ممارستهم.

- ممارسات الفاعلين.

    فالهياكل الاجتماعية حسب البنائية تعرف وتتشكل في جزء منها، من خلال التفاهمات المشتركة والتوقعات أو المعرفة المشتركة (Intersubjective) تذاتانية المعرفة.

لذلك تعد البنائية توجه إنتقائي من النظريات الاجتماعية، ويتميز بشكل أكثر تحديدا بواسطة المثالية لها، وهذه المثالية وفقا لوندت تعني أنه:

- يتم تحديد وتشكيل أبنية الوجود البشري في المقام الأول  عن طريق الأفكار المشتركة وليس فقط عن طريق القوى المادية البحتة.

- إن هويات ومصالح الجهات الفاعلة تم بناؤها بواسطة هذه الأفكار المشتركة، ولا يمكن  اعتبارها  أمورا معطاة بشكل طبيعي.

          فالبنائية تركز بصفة عامة على ما يسميه جيون سيارل (John Searle) بـ "الوقائع الاجتماعية" أي الأشياء مثل: النفوذ، السيادة، الحقوق... التي لها حقيقة مادية ولكنها لا توجد إلا في مجموع أشخاص يؤمنون بوجودها ويعملون بموجبها فهي "مقاربة نظريا تأتي من الدراسة التجريبية للعلاقات الدولية" وتتألف من "منظور إجتماعي للسياسة العالمية"، وبالتركيز على السياق الاجتماعي تذاتانية والطبيعة التأسيسية للقواعد والمعايير وتركز بالأخص على أهمية التركيبات المعيارية لكل ما هو مادي، دور الهوية في تكوين اهتمامات وسلوكات الفاعلين، وكذا التكوين المتبادل للفاعلين والهياكل.

      كما تطرح الاهتمامات البحثية التالية: التغيير في السياسة الدولية، مفهوم الفوضى، كيف تؤثر الأفكار والثقافة والهويات في السياسة الدولية، بالإضافة إلى قضية الوكيل الهيكل (structure / Agent).

     وعليه ومما سبق يمكن القول أن البنائية نظرية مميزة للعلاقات الدولية تشدد على البعد الاجتماعي أو الذاتي المشترك للسياسة العالمية، فهي تحدد العلاقات الدولية وفق نظرية (Intersubjective) بتركيزها على الأفكار، كما تعتبر أن دور القواعد والمعايير (Norms) مهم في توجيه سلوك الفاعلين الدوليين وهيكل الحياة الدولية بصفة عامة إضافة إلى تركيزها على عنصر الهوية بخلاف الاتجاهات النظرية التقليدية والتي تعتبر الهوية مسألة جوهرية في عالم ما بعد الحرب الباردة، وتؤكد على كيفية تعامل الهويات مع الطريقة التي تستوعبها الوحدات السياسية الدول وتستجيب لمطالبها ولمؤسساتها.

    وعموما فإن البنائية كمنظور عام في العلاقات الدولية واعتمادا على تصور وإدراك ألكسندر وندت تنطلق من الافتراضات الأساسية التالية:

- الدول هي الوحدات الأساسية للتحليل.

- تذاتانية (Intersubjective) البنى الأساسية للنظام القائم على الدول.

- تتشكل هويات ومصالح الدول في إطار نسق مترابط بفعل البنى الاجتماعية ضمن النظام.

   فبالنسبة للبنائيين الفوضى ليست معطى مسبق، وإنما هي نتاج ما تصنعه الدول حيث اعتبر وندت أن الفوضى مبنية اجتماعيا فيما بين الدول، وبهذا أعطى تصورا جديدا لفهم سلوك الدول بتبنيه لتركيب نظري يقوم على:

- دور الأفكار الذي يتعدى دور القوى المادية.

- كيفية تحديد الفواعل لهويات البنيات المادية.

- النظام تذاتاني للبنيات والذي يتكون من انسجام لمفاهيم والتنبؤات.

- الهويات هي التي تحدد المصالح والسلوكيات فالهويات هي أساس وقاعدة المصالح.

فالبنائية وانطلاقا من هذه الافتراضات تحاول أن تبني نظرة أو تصور أكثر اجتماعية وأكثر إرادية أي عكسي المفاهيم المادية والحتمية لتصورات الواقعية الجديدة خاصة والأنطولوجيا المادية المسيطرة على دراسة السياسة الدولية عامة.

 

3. المفاهيم الاساسية في التحليل البنائي

- الـمفاهيم الأساسية في التحليل البنائي:

     كما أشرنا سابقا فإن البنائية تركز على دور الثقافة والقيم والأفكار والمعايير في العلاقات الدولية وتتناول بالتحليل قضايا الهوية والمصالح والأفضليات والمعايير بالإضافة إلى متغير القوة.

      لذلك بداية وكأهم خطوة يجب أن ننطلق من تأصيل دقيق لبعض المفاهيم التي تستخدمها البنائية في التحليل، وعليه بداية نتطرق لمفهوم:

- تذاتانية (Intersubjective): الفهم المشترك، القصد الجماعي، الأفكار المشتركة  

    تختلف البنائية مع مدارس المنفعة حول تحديد نوعية الأفكار التي يحملها متخذوا القرار فعلى سبيل المثال يعرف كل من روبرت كيوهان (Robert Keohane) وجولد ستاين (Gold Stein) من الليبرالية الجديدة الأفكار على أنها المعتقدات التي يحملها الأفراد وهذا في نظر البنائية يعني اختزال مفهوم الأفكار  إلى تلك التي يحملها الأفراد ولا يوجد اهتمام بالأفكار الجمعية المشتركة (Intersubjective) أو القصد الجماعي، لذلك فهي تعرف على أنها: الأفكار المشتركة وهذا السلوك شكل من قبل تشكل هويات ومصالح الجهات الفاعلة،  فهذه الأفكار في رأيهم موجودة في رؤوس الأفراد في شكل "نحن نعتقد" فمثلا ما هي الوحدات المكونة للنظام الدولي؟ وتأتي الإجابة: هي السيادة، وهي موجودة فقط ضمن إطار من الفهم المشترك الذي يضفي عليها السريان والشرعية فهي في ذلك مثلها مثل المفاهيم الجماعية الأخرى كما الحال وحقوق الملكية... يأتيها المعنى وتعطى دلالات بناء على فهم الأفراد الجماعي لها.

   ويعتمد الفهم الجماعي على الممارسة الاجتماعية التي يمكنها أن تعيد إنتاج هذا الفهم فمثلا: تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الفيتنام يأتي متسبقا مع هويات متعددة لها، فهي قوة عظمى وإمبريالية وعدو وحليف...في حين الفاعلين الأخيرتين الذين يراقبون ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية لم يقوموا فقط باستنتاج هويتها من خلال ممارساتها في الفيتنام ولكنهم أيضا قاموا بإعادة إنتاج الفهم المشترك الجماعي حول ماهية هذه الهوية.

   وبهذه الطريقة فإن الممارسات الاجتماعية لا تعيد فقط إنتاج الفاعلين من خلال هوياتهم ولكنها أيضا تعيد إنتاج هيكل اجتماعية قائم على فهم جماعي من خلال الممارسة الاجتماعية، فأهم قوة الممارسة الاجتماعية هي قدرتها على إنتاج التوقعات القدرة على التكهن بسلوك الدولة فالممارسة الاجتماعية تولد حالة من التفاهم.

- الأفكــار: (Ideas)

     ترى البنائية أن هناك أربعة أنواع من الأفكار: الإيديولوجيات، المعيارية المعتقدات السببية، ووصفات السياسة العامة.

أولا- الإيديولوجيات أو النظم العقائدية المشتركة: هي مجموعة منتظمة من المذاهب والمعتقدات التي تعكس الاحتياجات الاجتماعية والمتطلبات مجموعة وطبقة ودولة فمثلا: أخلاقيات البروتستانت أو إيديولوجيات مثل: الليبرالية، الماركسية، والفاشية...

ثانيا- المعياري أو المبدئي: المعتقدات حول الصواب والخطأ، فهي تتألف من القيم والمواقف التي تحدد معايير لتمييز الحق من الباطل أو مجرد الظالمة، على سبيل المثال: معايير حقوق الإنسان في نهاية الحرب الباردة.

ثالثا- المعتقدات السببية: هي المعتقدات حول تأثير السبب تقدم مبادئ توجيهية أو إستراتيجيات للأفراد على كيفية تحقيق أهدافها...فعلى سبيل المثال: المعتقدات المتغيرة للقادة السوفيات حول الفعالية  (أو بتعبير أدق عدم فعالية) من استخدام القوة أثرت على قرارهم في عام 1989 بعدم استخدام القوة للحفاظ على أوربا الشرقية تحت السيطرة السوفياتية.

رابعا- وصفات السياسة: هي أفكار محددة البرنامجية التي تسهل وضع السياسات من خلال تحديد كيفية حل مشاكل سياسة معينة، وهم في صميم المناقشات المتعلقة بالسياسات وترتبط بالاستراتيجيات والبرامج المحددة للسياسات.

    وتعد الأفكار إحدى مفاهيم التحليل البنائي لأن المنظور البنائي يركز على الجانب الاجتماعي للواقع فحسب البنائيين العالم هو عالم من الوعي الإنساني: يتشكل من الأفكار والمعتقدات واللغات والخطابات.

    فهي تقوم بالأساس على الاهتمام بالعنصر البشري ومكوناته الاجتماعية والثقافية وتؤكد على الجانب الاجتماعي للعلاقات الدولية من خلال مجموع القيم التي يحملها الأفراد التي يحاولون تجسيدها في صنعهم للعالم الذي تشكله تلك التصورات الفكرية والثقافية للأفراد التي تشكل نظاما اجتماعي للقيم والثقافات، تعبر من خلاله المجموعة عن إرادتها وقناعاتها وكذا تصوراتها عن طريق الدول والحكومات التي ما هي في الأخير سوى وكالات اجتماعية تتصرف بإيعاز من النظام الثقافي للأفراد.

- المعــايير: (Norms)

    تعد من أهم المفاهيم التحليلية في المنظور البنائي فهي تشكل هوية الفاعل وخياراته وتحدد الأهداف التي تسعى لتحقيقها وتجعله يتخذ توجها معينا أو يمتنع عنه.

تعرف على أنها: القيم المشتركة حول السلوك الملائم أو أنها الأساس الذي يقوم عليه قواعـد السلوك

المعترف به من قبل فواعل اللعبة، فهي عبارة عن آمال جماعية حول السلوك الشرعي لهوية أو لثقافة معينة تعمل كقواعد تعبر  عن المشاعر الإنسانية والوعي البشري كونهما يلعبان دورا أساسيا في السياسة الدولية.

    ويميز البنائيون المعايير عن المفاهيم التصورية الأخرى استنادا إلى ثلاث خصائص:

أ- التذاتانية (Intersubjective): وهي الخاصية التي تميز المعايير عن الأفكار والقيم التي تعكس قناعات واعتقادات فردية، وهو المنهج الذي تتبناه المقتربات التحليلية الإدراكية التي ترى في القناعات الشخصية لصناع القرار تأثير حاسم على سلوك السياسة الخارجية أي أنها تعطى استقلالية أكبر لصناع القرار في بيئتهم الاجتماعية، لذا فهي لا تندرج ضمن برنامج البحث البنائي.

ب- القيمة المرجعية (Référence Value): فالمعايير تنطوي دائما على قيم مرجعية تميزها عن توقعات السلوك غير المتعلقة بقيم والتي قد تنشأ عن اعتقادات سببية كالمصلحة مثلا، فسبب ارتباطها بالقيم تتضمن المعايير إذعانا طوعيا مستقلا عن المصالح.

ج- التوجه المباشر للسلوك (Immediate orientation to behavior): وهي خاصية تميز المعايير   عن الأفكار والقيم والآراء والمبادئ العامة التي تتسم بأنها عمومية وليست صريحة، عكس المعايير التي توجه خطابا مباشرا للفاعل للقيام بسلوك ملائم /أو منعه من آخر غير ملائم (Inappropriate).

     ولتوضيح ذلك يعطي البنائيون المثال التالي: عند استخدام عبارة "الكذب أمر سيء" فإنها مجرد عبارة تشير إلى قيمة أما "لا تكذب" فهي بمثابة معيار لأنها تعكس توقعات مشتركة قيميا.

      كما يشترط للمعايير أيضا "الاستمرارية" فهي ليست مجرد أفكار تظهر حينا وتختفي أحيانا أخرى فشرط الاستمرارية يجعلها تتكرر وتحظى بتأييد أغلبيته الجماعة الاجتماعية ويسمح بقابلية التنبؤ بها "predictability" فكما في القانون الدولي لا تصبح كل ممارسة عرفا إلا تلك الممارسات التي تعارف عليها أعضاء المجتمع الدولي.

 

    وتفرق البنائية بين ثلاثة أنواع من المعايير: التنظيمية، الإنشائية، وأخيرا التقادمية أو المقررّة:

1- المعايير التنظيمية (Regulating Norms): وهي تلك المعايير التي تولد الانضباط الاجتماعي كالقواعد التجارية أو احترام الإجراءات في مجالات الانتشار النووي (أداة للضبط الاجتماعي).

2- المعايير الإنشائية أو المؤسسة (Constituve Norms): وهي تلك المعايير التي تخلق الأنواع الجديدة من الفواعل أو النشاطات فمثلا: بعث غاز المستنبت الزجاجي مدعم ومسموح به بمقتضى معاهدة "كيوتو" (Protocol Kyto) (أداة للبناء الاجتماعي).

3- المعايير التقادمية أو المقررة: Preseriptive Norms: والتي تشير إلى ما يجب أن يكون معمولا به تحت إسم المبادئ المعترف بها.

   وهذه الأنواع الثلاث من المعايير تتداخل فيما بينها بشكل كبير في الواقع، فكل المعايير الاجتماعية لها بعد تقادمي مقرر في العادات والتقاليد، وهي توصي بما يجب أن يكون معمولا به، كما تحدد ببساطة ماذا يجب أن يكون معمولا به وعلاوة على ذلك فحالما يحاول المعيار تأديب الفواعل في إطار مجالات جديدة، فإنه بالضرورة يحدد فواعل جديدة ومصالحا جديدة.

   وتفرق البنائية بين المعايير أو القواعد المؤسسة والقواعد التنظيمية  فالأولى مهتمة بتفسير أصل الأشياء بينما تركز الثانية على توضيح العلاقات بين الأشياء (الدول- النظم- المؤسسات) لذلك فإن البنائية ينصب تركيزها على القواعد المؤسسة والتي يمكن توضيح الفرق بينهما كالآتي:

يمكننا مثلا: أن تتخيل قيادة سيارة من دون أن نكون ملمين بالقوانين المنظمة لحركة السير (مثل إلى يمين الطريق، أو حد السرعة الأقصى...) لكن لا يمكن أن نتخيل مثلا لعبة الشطرنج دون  القوانين المرتبطة بها والتي تحدد حركة قطع الشطرنج، فالقواعد الإنشائية للعبة تمكن اللاعبين من اللعب وتزودهما بالمعرفة الضرورية ليتفاعل كل منهما مع تحركات الآخر في طريقة ذات معنى، وهنا تظهر أهمية القواعد المؤسسة.

 

- الهــوية: (Identity)

    يعتبر مفهوم الهـوية من المفاهيم الأكثر أصالة في التحليل البنائي، وهو مفهوم يشير إلى"الصور الفردانية" والتمييز الذاتي التي يملكها الوكيل (Agent) المتغير عبر الزمن والناتجة عن علاقاته مع الآخرين.

    فالبنائية ترى بأن هوية الدولة وتحديدها لماهية نفسها متغيرة، وتعتمد على الأطر التاريخية والثقافية  والاجتماعية، لذا فإن فهم الهويات محوري لفهم السياسة العالمية، إذ تقوم الهويات بوظائف عدة، فهي تعلمك والآخرين عن من أثناء وتعرفك بالآخرين فالهويات تؤثر في المصالح والأفضليات حيث إن هوية الدولة تعكس أفضلياتها وأفعالها القادمة وتفهم الدولة الآخرين بناء على الهويات التي تضيفها عليهم، بينما تقوم في الوقت نفسه بإعادة إنتاج هويتها من خلالا التفاعل الاجتماعي اليومي.

  كما أن منتج الهوية لا يتحكم فيما تعنيه هذه الهوية للآخرين وإنما يحدد ذلك "هيكل التفاعل الجماعي".          

ولتوضيح أهمية دور الهوية في السياسة العالمية يقترح وندت أربعة أنواع من الهويات هي: الهوية الذاتية أو المشتركة، هوية النوع، هوية الدور، الهوية الجماعية.

فالهوية المشتركة (Corporate Identity): تعود على العوامل النوعية للدولة ككيان اجتماعي يسمح بتمييزه عن باقي الهياكل الاجتماعية: مؤسسة، مجموعة، أسرة، قبيلة، في وجود عامل تنظيمي يرتبط بمجتمع يحكمه بواسطة هيكل سلطة سياسية.

الهوية النمطية أو النوعية (Type Identity): تعود على العناصر التي بغض النظر عن العوامل المشتركة للدولة تتعلق بنظامها السياسة والاقتصادي...الخ، وهذه العوامل ذات طبيعة اجتماعية جزئيا، فالدولة الديمقراطية أو رأسمالية هي كذلك في عيون الدول الأخرى.

أما هوية الدور (Rôle Identity): فتتعلق بالخصائص التي تميز العلاقات بين دولة وباقي الدول، والتي تراها كقوة مسيطرة أو كدولة قمرية أو كدولة موالية للحالة الراهنة أو كقوة غير مرضية...

في حين الهوية الجماعية (Collective Identity): تملك صفة التعريف التي توجد بين دولتين أو أكثر.