5. 4- عدم الشدة على المتعلمين :
لقد انتقد ابن خلدون أسلوب العقاب الذي كان سائداً في عصره, وطلب من المعلمين استخدام الرحمة واللين مع الطلاب فقال: "ينبغي للمعلم في متعلمه والوالد في ولده أن لا يستبد في التأديب" , واعتبر أن مجاوزة الحد في العقاب له أضرار على الطلاب ويعمل على إفساد أخلاقه, وبذلك لا يتحقق الهدف من التعليم, ويقول "من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر, وحمل على الكذب والخبث" .
وهذا القول لابن خلدون يظهر رأيه في العقاب, حيث يرفض الشدة على المتعلمين, لأنها مضرة بالمتعلم وتعمل على إفساد أخلاقه وتؤثر على شخصيته, وتعمل على إكساب المتعلمين سلوكيات غير مرغوب فيها. وتزيد القلق والتوتر والخوف في نفوسهم, وقد أشارت دراسات علماء النفس إلى أنه في حالة عدم تمكن الطفل من التخلص من التوتر النفسي, فإن ذلك يؤدي إلى العدوان والانحراف السلوكي, وقد يؤدي إلى الكذب والسرقة والهروب من المدرسة وغير ذلك من مظاهر الجنوح , ومن النظريات الحديثة التي تطرقت إلى الابتعاد عن الشدة على المتعلمين واستخدام الثواب كعامل من عوامل التعزيز, نظرية ثورنديك وفحواها أن الإنسان إذا اقترن عمله بما ينشرح له صدره كالثواب تمكن هذا العمل في نفسه ورسخ في ذهنه, أما إذا اقترن عمله بما ينقبض له صدره كالعقاب فإن هذا العمل لا يتمكن في نفسه ولا يرسخ في ذهنه وذلك على اعتبار أن الإنسان يميل بطبيعته إلى ما يسره, ويتجنب ما يسؤوه
ومع أن ابن خلدون عارض الشدة على المتعلمين للآثار السلبية, إلا أنه لم يدعو إلى التسامح الكلي مع الأطفال فقد أباح العقاب البدني في الضرورة القصوى وبما لا يزيد على ثلاثة أسواط, بشرط أن يكون العقاب آخر العلاج, وبعد استخدام الترغيب والترهيب والتوبيخ والعزل والإهمال, إذن العقاب البدني مباح لتعديل سلوك معين ولكن في أضيق الحدود, وكوسيلة لردع الطلاب من الوقوع في الأخطاء, ويجب أن يتفاوت في شدته حسب الذنب المرتكب, ويقول يوسف أن العقاب من ضرورات التربية, ولكن يجب أن يختلف في شدته ونوعه حسب الذنب, لأنه نوع من الألم مقصود لذاته , لكي يشعر به الذي قصّر أو أهمل, فلا يعاود ما عمله سابقاً, فهذا الرأي لابن خلدون في عدم الشدة مع الطلاب يوافق مع ما يذكره علماء التربية وعلم النفس في الوقت الحاضر .