1. علم الاخلاق وفلسفة القيم والمقاربة المعيارية
1.2. الرؤية الروحية اللى العالم وتأسيسها للقيم
جزء 2-2 : الرؤية الحلولية الروحية ونظام القيم ( تنتج قيم الزهد والهرب من الحياة ) :
في مقابل الرؤية المادية للعالم التي أنتجت قيم مؤسسة على المنفعة نجد رؤية أخرى تنطلق من عالم روحي إيماني مفاده أن هذا العالم ما هو إلاّ وجود وتجسيد لإرادة إلهية فوقية ، حددت الغاية من هذا الوجود بصفة عامة وجعلت الإنسان مخلوقا متميزاً فيه ، ولتحقيق هذا التميّز هو مطالب بتحقيق إرادة الله في هذا الوجود وذلك يكون بتغذية الروح وإعطائها الأولوية على حساب مطالب الجسد المادية ، ومنه يكون مصدر القيم التي توجه السلوك البشري مفارق للإنسان كون هذا الأخير لا يملك القدرة التي من خلالها يحدد مختلف القيم خاصة وان الخطأ في هذا الأمر يمكن أن يعرض الوجود البشري إلى الخطر والانحراف .
فرع 1: مصدر الرؤية الروحية : المنبع الذي يستقي منه الإنسان هذه الرؤية هو المعتقد الديني سواء كان هذا الدين وضعياً أو سماوياً ، رغم اختلاف مصدر كل نوع هناك قاسم مشترك بينها وهو النظرة الروحية للعالم ، واعتبار مصير وسعادة وخلاص الإنسان مرتبط بتغذية الروح لأنا الجوهر الفرد في الإنسان وما الجسد إلاّ حاو لها يجب أن لا تعطى له الأولوية الكبرى بتلبية مختلف الشهوات والغرائز كون ذلك سيؤثر سلباً على التوازن الروحي عند الإنسان وكذلك العالم فنجد على سبيل المثال :
فرع 2: الديانة الوضعية : لا توجد ديانة وضعية واحدة وان هي متعددة بتعدد الحضارات لكن نجده غالبا تنتشر في القارة الأسيوية ( الهند والصين وفارس ) ونحن لسنا نرمي الآن إلى الفصل في مسالة صحتها من خطئها ، إن وجود هذه الديانات يعكس الميل البشري غلى الاعتماد والرجوع إلى قوى أعظم وأقوى بها يفسر مختلف الظواهر التي تحيط به في هذا العالم ولهذا يقال ((إن الدين ضرورة إنسانية )) ومن أهم الديانات الوضعية التي عرفتها الحضارة الشرقية ( البوذية ، الزرادشتية ، والهندوسية ) فكل هذه الديانات جاءت لتعلم الإنسان القيم الروحية التي يمكن أن تحقق له الخلاص والسعادة وكيف يتغلب على مختلف القوى الداخلية فيه التي تريد أن تجعله سجين شهواته بواسطة الحكمة والاكتفاء بالضروريات فقط التي تحافظ على بقاءه دون أن تشوش عليه نظرته إلى العالم وتؤثر على سلوكياته ، كل القيم التي ستكون مرجعية للإنسان يجب أن تنبع إذن من تلك الحكمة وهذا جعل منها قيماً تحث الإنسان إلى الزهد والابتعاد عن الحياة المادية .
فرع 02: الأديان السماوية:تتمثل في الدين اليهودي والمسيحية وكذلك الإسلام ، كل هذه الأديان لها مصدر واحد سماوي مفارق للإنسان وهو الله ، هذه الأديان تشترك في قاسم مشترك وهو أنّ العالم مسخر للإنسان وعلى هذا الأخير أن يحسن استخدام هذا العالم ونجاحه مرتبط بالاهتمام بالجانب الروحي فيه أكثر من الجانب المادي وذلك بالعبادة والاستجابة للإرادة الإلهية وذلك الصبر والتضحية وحب الآخر وخدمته والابتعاد عن مختلف الملذات والشهوات التي تدفع بالإنسان إلى التناحر والتقاتل والدرس على القيم الروحية التي يمكن أن ترفع من قيمته .
جزء من فرع 2: الديانة المسيحية : مفكري العصر الوسيط بنوا أفكارهم حول القيم ف جو ثقافي يعتبر القيم دينية بالدرجة الأولى يسعى الإنسان إلى الالتزام بها عن طريق بناء علاقة بينه وبين الله وبهذا حاول مفكري العصر الوسيط أمثال (( أوغسطين ، أنسلم ، توما الإكويني ، وغيرهم من فلاسفة المسيحية )) تقديم أطروحات فكرية فلسفية تعبّر عن روح المسيحية ونظرتها إلى الكون والوجود الذي لا ينفك أن يكون قيمة في حدّ ذاته ، فما دامت القيم دينية فيجب أن تكون نظرة الإنسان إلى العالم وفق المعتقد المسيحي وتكون الرابطة الأساسية في بناء هذه النظرة متمثلة في الإيمان بالله الذي يعد المصدر الأسمى للكائن الإنساني والقيمة معاً ويقسم الباحثون فلسفة العصور الوسطى إلى فترات ثلاث :
الأولى : تمتد من القرن التاسع إلى آخر القرن الثاني عشر عرفت بتأثير أفلاطوني الذي تغلب عليه النزعة المثالية الروحانية والاتحاد بالواحد فيها يكون باتحاد العقل بالأيمان .
الثانية : القرن الثالث عشر كله ، أرسطو هو السيد المطلق ، تم التوفيق بين الفلسفة وبين العقيدة المسيحية كون العقل لا يقدر على إقامة حقائق الإيمان لكنه قادر على فهمها والدفاع عنها .
الثالثة : من القرن الرابع عشر إلى مطلع القرن الخامس عشر ، عرف بظهور نزعة صوفية تؤكد عدم اتساق العقل بالإيمان ومنه يكون طريق تكامل الروح هو الزهد والرهبنة .
هام : كل هذه الفترات التي تميزت بالنظرة الروحية الدينية تربط القيم ونظامها بالمعتقد الديني المسيحي حيث نجد مثلاً أوغسطين يقول (( الله هو النور الباطني الحقيق الذي ينير كل إنسان آت إلى هذا العالم )) لقد غلب على النظرة المسيحية الروحية الإعتقاد أنّ تحقيق الإنسان للقيم العليا مرتبط بالتحامه ورجوعه إلى الله وهو لا يستطيع أن يصل إلى تحقيق علاقة مباشرة بينه وبين الله ونفسه إلاّ عندما تكون النفس وصلت المرحلة الأخيرة في صعودها إلى الله وذلك الرقي يكون عن طريق النفي والتجاوز معاً .
ملاحضة : ما هذا إلاّ بعض القواسم المشتركة في الرؤية الروحية للعالم عند أصحاب الدين المسيحي ، يمكن الاستزادة أكثر بالرجوع إلى الدراسات التي تفصل في الفلسفة المسيحية وعلاقة القيم بهذا الدين.
جزء من فرع : الدين الإسلامي : لا يمكن إنكار الأهمية التي يعطها الإسلام للروح ودورها في تحقيق الغاية الوجودية للإنسان وهي خلافة الله في الأرض ، لكن إذا كان الإسلام يهتم بالروح فذلك لا يعني أنه دين يسعى لتغليب الرؤية الروحية للعالم على حساب الرؤية المادية والنصوص الدينية التي تؤكد على ذلك وهي كلها تدع الإنسان إلى الرجوع إلى مختلف الظواهر المادية الموجودة حوله كموضوع للتأمل ومنطلق لتغذية الإيمان وإدراك حقيقة هذا الوجود ومعرفة عظمة خالقه . لقد آمن أتباع الإسلام أن هذه الحياة ما هي إلاّ محطة عمل فانية تتبعها محطة جزاء خالدة ولهذا لا يمكن تعليق كل الآمال بهذه الدنيا كونها في كل الحالات ستنتهي سواء لاقى فيها المسلم التعب أو السهولة فالمهم هو الفوز بالمحطة الخالدة ونيل رضا الله فقط . هذا الإيمان جعل من المسلمين يدركون أن النجاح لا يكون إلاّ بإتباع الأوامر والنواهي المجودة في القرآن والسنة النبوية سواء في مجال العبادات أو العادات ( المعاملات )، لكن رغم ذلك كان هناك اختلاف بين الرؤى عند المسلمين خاصة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وبعده الصحابة رضوان الله عليهم حيث برز في وسط المسلمين من يرى أن هناك انحراف بائن للمسلمين وذلك بإتباعهم ملذات الدنيا وابتعادهم عن التعفف والترفع والاكتفاء بما يساعد فقط على تقويم الصلب والحياة للتمّكن من العبادة الحقيقية . إننا نجد مثل هذه النزعة عند الصوفية التي كانت تدعو إلى الاهتمام بالروح وتنقيتها لتصل إلى مرتبة تمكنها من الإطلاع على الحقيقة المطلقة والإيمان الكامل ونلمس هذا التوجه في ما تركوه لنا من تراث شعري وفكري وطرائق لا يزال لها أتباعها ومريديها ن وهي منتشرة في العالم الإسلامي نذكر منها على سبيل الذكر وليس الحصر (القادرية والتيجانية ) ولعل ما تركه لنا بعض علماء الإسلام المعروفين بنزعتهم الصوفية أمثال ابي حامد الغزالي وكتابه الإحياء و كذلك مدارج في معارج القدس لدليل على اعتبارهم أن الروح يجب أن تأخذ الأولوية وأن تطهير النفس ونقائها لا يكون إلاّ بالعبادات و الابتعاد عن مختلف الملذات .
ملاحظة :لكن يجب أن نشير أن هذه النزعة الروحية في الإسلام لا تدع الإنسان إلى الابتعاد عن الحياة والرهبنة ، وإنما إلى الوسطية والاعتدال والتوازن في هذه الحياة
نتيجة : الرؤية الروحية للعالم نابعة من المعتقد الديني، تتأثر هذه الرؤية بالتوجه الثقافي والمذهبي، تدع إلى الاعتناء بالروح والالتزام بالقيم المحققة لذلك، قيم الزهد جزء من القيم التي تدع إليها وذلك مرتبط الفهوم الدينية عند أتباع كل دين .وهذا الفهم لا يرتبط بدين محدد بل مثلما هو موجود في الدين الإسلامي نجده كذلك في الدين المسيحي ويبرز ذلك بوضوح في المذهب الكاثوليكي الذي أكد ضرورة التوفيق بين المطلب الروحي والمطلب المادي ومنه ضرورة الاهتمام بالعمل والمنافسة من اجل تحسين ظروف الحياة هذا يجعلنا نؤكد أن الرؤية الروحية لا تعني بالضرورة الرهبنة والانصراف عن مطالب الحياة بل هي رؤية تعمل على التوفيق بين المطلب الروحي والمادي للإنسان بحيث تكون القيم المنبثقة من المعتقد بمثابة ضابط واطر تتم فيها هذه العملية .
فكّر واستنتج :
إنّ بناء مفهوم القيم ونظامها عملية مركبة ومعقدة . بين ذلك ببناء مقال فلسفي . محاولة فردية تدريبية لا تحتاج إلى تقييم من الاستاذ .
اجب على الأسئلة بنعم أو لا :
فلسفة القيم تبحث في ما يجب أن يكون:........
علم الأخلاق يبحث فيما هو كائن تجريبيا......
الثقافة بمختلف أنواعها تؤثر في بناء نظام القيم ........ولا تؤثر في بناء مفهوم القيم ......
الرؤية المادية للعالم تعطي الأولوية للروح وتلغي المنفعة في بناء نظام القيم .................
كل الرؤى الروحية تدع إلى الزهد والابتعاد عن الدنيا ومطالبها ...................