البحث الفكري في موضوع القيم وعلاقته بالرؤية إلى العالم في بناء المفهوم

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: فلسفة القيم ،مصادر القيم
كتاب: البحث الفكري في موضوع القيم وعلاقته بالرؤية إلى العالم في بناء المفهوم
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Sunday، 19 May 2024، 12:58 AM

الوصف

- يبيّن هذا المحتوى تنوع التوجهات الفلسفية في دراسة موضوع القيم .

- يبين علاقة هذه التوجهات الفكرية بالرؤية للعالم في بناء مفهوم القيم .

1. علم الاخلاق وفلسفة القيم والمقاربة المعيارية

مقدمة :  دراسة القيم علميا وفلسفيا أنتج مذاهب كثيرة بعضها أسطوري السمة والآخر ميتافيزيقي المنطلق وبعضها ديني الجذور والغايات ومعظمها عقلي النهج موضوعي القصد علمي الزعم ثابت المنطلق شامل الهدف ينشد الإنسانية ، لقد نتج عن هذا الانشغال نمطين من الدراسات يحمل كل نوع أطروحات فلسفية متعددة لكنها تلتقي في هدف واحد وهو تفسير السلوك ألقيمي . تندرج هذه الدراسات في ( علم الأخلاقAXIOLOGIE  ) و(فلسفة القيم)من خلال التسمية يبرز لنا الاختلاف بين الدراستين من حيث طبيعة الإشكاليات التي تطرحها والمنهج المعتمد أثناء الدراسة . كما انها تلتقي في تحوّل موضوع القيم الى مقاربة معيارية لها علاقة بالرؤية للعالم .

1-1: علم الاخلاق : دراسة تهتم بما يجب ان يكون ، يعمل على تحديد القيم التي يجب أن يسعى إلى تحقيقها في الواقع .

فالسؤال الأخلاقي المتمثل في ما الذي ينبغي أن افعله ؟يجعل الإنسان العادي قبل العالم الأخلاقي يسعي إلى التعالي على ما هو كائن للوصول إلى نموذج أخلاقي هو بمثابة المثل الأعلى وهو يهدف إلى فهم طبيعة الحياة الأخلاقية لأجل التعرّف على الصواب والخطأ في السلوك الإنساني وإذا ( شوبنهاور) يرى أن علم الأخلاق مجرد دراسة تأملية نظرية خال من أي طابع معياري وانه لا يأمر ولا يمكن أن يفرض علينا أي أمر هناك من يرفض هذا الطرح بحيث يرى أن علم الأخلاق لا يتوقف عند حد التنظير بل ان مهمة الفيلسوف تتعدى إلى توجيه النقد إلى بعض القيم السائدة وإسقاطاتها على أرض الواقع وهو ما يسمى بالأخلاق العملية ويلي النقد تقديم توجيهات قيمية تمهد لقيم أخلاقية جديدة وبذلك يكون علم الأخلاق لا يهدف الى تقديم معرفة نظرية عن الأخلاق بل  غلى تقديم قيم جديدة للإنسان لها علاقة بحاضره ومستقبله ومنه ظهر ما يعرف في عصرنا بالأخلاق العملية والتطبيقية التي تختلف من مجال إلى آخر وبذلك ستختلف القيم وتتنوع ومنه تصبح عبارة عن معايير من خلالها يتم الحكم على السلوك والأشياء لتحديد قيمتها الأخلاقية وبذلك أصبحت القيم معيارية في طبيعتها .

2-1 : فلسفة القيم : دراسة فلسفية نقدية تبحث في ماهية الخير والشر ، الإرادة ، الحق ، الواجب النية ، المعايير والبواعث والغايات والمثل العليا ومصادر تلك القيم فهي تعمل على تفكيك قواعد السلوك التي تشكل الأخلاق و أحكام الخير والشر وهي لا تختص بنوع محدد من الأخلاق في ثقافة ما، بل تبحث في ما وراء الأخلاق تحلل البني للوصول إلى أسس الإلزام الخفية وهي عملية تسعى لبناء نظام أخلاقي لكن يبدو أن هذه العملية لا يمكن أن تكون نهائية بحيث تعددت الأطروحات الفلسفية وتعارضت لدرجة وجود من يدعو إلى الانطلاقة الصفرية وتجاوز كل المرجعيات وإعطاء الإنسان الحق في أن يكون هو الفاعل الوحيد في إبداع القيم .ومن أهم الإشكاليات التي طرحتها فلسفة القيم تلك التي تتعلق بتحديد طبيعة مصدر القيم الأخلاقية . هذه الإشكالية التي اختلف حولها الفلاسفة الأمر الذي أكد معيارية القيم من جديد وصعوبة الوصول إلى تحديد مصدر واحد ووحيد للقيم الأخلاقية.(*)

تنبيه .(*) سنتطرق إلى هذا بنوع من التفصيل في المورد الخاص بمختلف الرؤى التي تحدد مصدر القيم ( الفلسفية ).

هام :تنوع وتعدد الدراسات الفكرية للقيم جعل منها إشكالية فلسفية مفتوحة ، أتاحت للبشرية في مختلف الحقب الزمنية الفرصة في التفكير والبحث لتحديد طبيعة القيم الأخلاقية وعلاقتها بالإنسان من حيث هو مجرد مستقبل لها أو من حيث كونه فاعل للقيم وصانع لها ، وهذا من شأنه أن يشعر الإنسان بمسؤوليته أمام عملية تشيد المنظومة الأخلاقية وكذلك ضرورة بناء موقف واضح مؤسس للقيم التي هي دائما حاضرة في حياته .

استنتاج :          دراسة القيم

علم الأخلاق ( دراسة ماهو كائن من قيم والتنظير لما يجب ان يكون )

 

فلسفة القيم ( التأمل في طبيعة القيم واسسها وتحديد مصادرها)

 

مقاربة مفهوم القيم معيارية

 

 

1.1. علاقة الرؤية الى العالم بتأسيس مفهوم ونظام القيم ( الرؤية المادية)

علاقة الرؤية إلى العالم بنظام القيم : ( الرؤية الحلولية المادية للعالم تنتج قيم المنفعة ، الرؤية الحلولية الروحية تنتج قيم الزهد والهروب من الحياة ).

مقدمة : من دون شك عند الرجوع إلى الكيفية التي يبني بها الإنسان مختلف أحكامه القيمية نجده دائما ينطلق من مرجعية معينة وباختلاف هذه الأخيرة يقع الاختلاف بين الأفراد والمجتمعات في تقييم الأفعال البشرية وتصنيفها ضمن خانة الخير أو الشر ، ومن بين المرجعيات التي على أساسها تتشكل المنظومة القيمية نجد الرؤية إلى العالم ، وهي مختلفة إلى درجة التعارض أحيانا .

      إشكالية : ماهي أهم هذه الرؤى وكيف تؤثر في بناء نظام القيم عند الإنسان ؟

1-2:الرؤية الحلولية المادية للعالم تنتج قيم المنفعة : المقصود بالرؤية  الحلولية هنا هو الرؤية التي تحل محل المنطلق والمبدأ الذي على أساسه يبني الإنسان نظام حياته ، فهي تحل فيه كما  يحل هو فيها بحث لا يوجد انفصال بينهما ،وهذا النوع من الرؤية الذي سمي بالمادية يعكس موقف الإنسان من هذا العالم أي الوجود ، هذا الأخير الذي من خلاله يقدم إجابات لأسئلة جوهرية والتي تتعلق بمصدر هذا العالم والإنسان والمصير الذي ينتظره والغاية من وجوده في هذا العالم الذي يحكمه نظام صارم .

الرؤية المادية ترى أن  هذا العالم يحتوي على أصل وجوده بالذات ، ماهيته هي مصدر وجوده وهي التي تحدد الصورة التي هو عليها ، ومنه يرجع تعدد الصور إلى تركيبة الماهية في حد ذاتها ، وهي تركيبة مادية خالصة ، هذه القاعدة تنطبق على الوجود البشري كونه جزء لا يتجزأ من هذا العالم وبذلك لا يمكن تملصه من ذلك النظام الذي يحكمه ، وعند الروع إلى تاريخ الفكر الفلسفي نجد بروز هذه النظرة في عند الإغريق بالخصوص عند أرسطو الذي كان يرى أن الإنسان جزء من هذا الوجود وهو مطالب بفهمه وإدراكه كما هو موجود دون اللجوء إلى عالم ماورائي ومنه تكون القيم التي تنظم حياة الإنسان مستمدة من هذا العالم المادي وقوانين الطبيعة وإن كان الإنسان بحاجة غلى القيم فهي ضرورية لأجل تحقيق سعادته  . وإن كان الإنسان يتمتع بقدرات عقلية فإن هذه فعالية هذه القوة الإدراكية متوقف على توظيفها لفهم هذا الوجود كما هو موجود .

 1-2: قبل أرسطو نجد :من يرى أن نشأة الأشياء ترتد غلى عناصر أربعة : التراب والماء والهواء و النار ، وهي عناصر لا تنقطع فيما بينها عن الاتصال والانفصال والاختلاف وذلك تبعا لتفاوت نسبة المزج فيما بينها ومحرك هذه العناصر قوتان متضادتان هما الحب والنار وهي رؤية اشتهر بها امبذوقليدس( Empedoclds ت حوالي 490 ق،م ).

طاليس (621-550 م تقريبا) يرد أصل الكون إلى الماء كون الحياة كلها تدور حول الماء فهي تنعدم بانعدامه وهو الذي يتحول إلى حالات مختلفة من بخار إلى سائل أو جامد برداً أو ثلجاً ومنه يكون الفرق بين مختلف الموجودات متوقف على كمية الماء .

الرواقية : زينون (335-264ق,م) يرى أن العالم سائر إلى  غاية ولا ينحرف عن قوانين الطبيعة ( العلة والمعلول ) ومنه تكون الأخلاق وليدة الحكمة التي تدعو الإنسان إلى أن يعيش على وفاق مع الطبيعة كون الطبيعة الذهنية لديه هي التي تحكم نظام حياته ، التي تجعله يدرك القيم الأخلاقية التي  تتأسس على احترام الآخرين وطلب الفضيلة والابتعاد عن الشهوات .

الابيقورية : كذلك يرى ابيقور أن العالم ما هو إلاّ مادة وهذه الأخيرة مرجعية نعود اليها في بناء نظام القيم ، الذي يجب ان يتوافق والطبيعة البشرية التي بدورها تميل إلى اللذة وتنفر من الألم ومنه يكون الخير ما يحقق اللذة والألم هو الشر .    

    اذن : هذا الطرح المادي للعالم استمر وساير تطور الفكر البشري ، وأصبح مرجعية أساسية لبناء نظام الحياة في مختلف مستوياته ومجالاته وظهر على شكل مذاهب وانساق فكرية وعلمية تجعل من المادة موضوع التفكير والمتطلبات المادية للإنسان كمعيار أساسي ومؤشر لسعادته وبذلك رفضت كل الأفكار التي ترمي إلى إعطاء بعد روحي أو ديني أو ميتافيزيقي للوجود الإنساني أو العالم الخارجي ومنه أرادت أن تلغي أي احتمال لوجود وصاية مفارقة للإنسان تعلمه الخير والشر وتحدد له سلم القيم وتضع له القواعد الأخلاقية وما يقابلها من جزاء ما ورائي . لقد اعتبرت الرؤية المادية للعالم أن الإنسان هو الصانع الوحيد للقيم التي يجب أن لا تحيد عن خدمته وتيسير سبل الحياة له وتحقق له البقاء والسيادة*لقد جعلت هذه الرؤية نظام القيم يقوم على المطلب المادي الخالص مع اختلاف أنصارها في تحديد قيمة ونوعية ذلك المطلب ، وبسبب لا نهائية هذا المطلب ( المنفعة) عرف الإنسان نوع من التيه في مجال تحديد معيار الخير والشر خاصة مع تطور العلم والتقنية   و الثورات العلمية في العلوم البيولوجية  كظهور الهندسة الوراثية ومشكلات البيئة ممّا جعل البشرية تعيد النظر في رؤيتها للعالم وتبحث عن أسس ثابتة للقيم يمكن أن تلتف حولها البشرية فتشكل بذلك قاسما مشتركا يمكن أن يحل مشكلات العصر (1)

*ملاحظة :سنعود إلى هذا الطرح في المورد الخاص بالرؤى الفلسفية حول مصدر القيم .

إحالة (1) يمكن الرجوع إلى كتاب : جاكلين روس ، الفكر الأخلاقي المعاصر ، تر عادل العوا ، عويدات للنش والطباعة ( بيروت ) ط 01 ، 2001. كذلك كتاب :ناهد البقصمي ، الهندسة الوراثية والأخلاق ، سلسلة عالم المعرفة 1993.

 

 

 

 

 

 

 

 

1.2. الرؤية الروحية اللى العالم وتأسيسها للقيم

جزء 2-2  : الرؤية الحلولية الروحية ونظام القيم ( تنتج قيم الزهد والهرب من الحياة ) :

 في مقابل الرؤية المادية للعالم التي أنتجت قيم مؤسسة على المنفعة نجد رؤية أخرى تنطلق من عالم روحي إيماني مفاده أن هذا العالم ما هو إلاّ وجود وتجسيد لإرادة إلهية فوقية  ، حددت الغاية من هذا الوجود بصفة عامة وجعلت الإنسان مخلوقا متميزاً فيه ، ولتحقيق هذا التميّز هو مطالب بتحقيق إرادة الله في هذا الوجود وذلك يكون بتغذية الروح وإعطائها الأولوية على حساب مطالب الجسد المادية ، ومنه يكون مصدر القيم التي توجه السلوك البشري مفارق للإنسان كون هذا الأخير لا يملك القدرة التي من خلالها يحدد مختلف القيم خاصة وان الخطأ في هذا الأمر يمكن أن يعرض الوجود البشري إلى الخطر والانحراف .

فرع 1: مصدر الرؤية الروحية : المنبع الذي يستقي منه الإنسان هذه الرؤية هو المعتقد الديني سواء كان هذا الدين وضعياً أو سماوياً ، رغم اختلاف مصدر كل نوع هناك قاسم مشترك بينها وهو النظرة الروحية للعالم ، واعتبار مصير وسعادة وخلاص الإنسان مرتبط بتغذية الروح لأنا الجوهر الفرد في الإنسان وما الجسد إلاّ حاو لها يجب أن لا تعطى له الأولوية الكبرى  بتلبية مختلف الشهوات والغرائز كون ذلك سيؤثر سلباً على التوازن الروحي عند الإنسان وكذلك العالم فنجد على سبيل المثال :

فرع 2: الديانة الوضعية : لا توجد ديانة وضعية واحدة وان هي متعددة بتعدد الحضارات لكن نجده غالبا تنتشر في القارة الأسيوية ( الهند والصين وفارس ) ونحن لسنا نرمي الآن إلى الفصل في مسالة صحتها من خطئها ، إن وجود هذه الديانات يعكس الميل البشري غلى الاعتماد والرجوع إلى قوى أعظم وأقوى بها يفسر مختلف الظواهر التي تحيط به في هذا العالم  ولهذا يقال ((إن الدين ضرورة إنسانية )) ومن أهم الديانات الوضعية التي عرفتها الحضارة الشرقية ( البوذية ، الزرادشتية ، والهندوسية ) فكل هذه الديانات جاءت لتعلم الإنسان القيم الروحية التي يمكن أن تحقق له الخلاص والسعادة وكيف يتغلب على مختلف القوى الداخلية فيه التي تريد أن تجعله سجين شهواته  بواسطة الحكمة والاكتفاء بالضروريات فقط التي تحافظ على بقاءه دون أن تشوش عليه نظرته إلى العالم وتؤثر على سلوكياته ، كل القيم التي ستكون مرجعية للإنسان يجب أن تنبع إذن من تلك الحكمة  وهذا جعل منها قيماً تحث الإنسان إلى الزهد والابتعاد عن الحياة المادية .

فرع 02: الأديان السماوية:تتمثل في الدين اليهودي والمسيحية وكذلك الإسلام ، كل هذه الأديان لها مصدر واحد سماوي مفارق للإنسان وهو الله ، هذه الأديان تشترك في قاسم مشترك وهو أنّ العالم مسخر للإنسان وعلى هذا الأخير أن يحسن استخدام هذا العالم ونجاحه مرتبط بالاهتمام بالجانب الروحي فيه أكثر من الجانب المادي وذلك بالعبادة والاستجابة للإرادة الإلهية وذلك الصبر والتضحية وحب الآخر وخدمته والابتعاد عن مختلف الملذات والشهوات التي تدفع بالإنسان إلى التناحر والتقاتل والدرس على القيم الروحية التي يمكن أن ترفع من قيمته  .

جزء من فرع 2: الديانة المسيحية : مفكري  العصر الوسيط  بنوا أفكارهم حول القيم ف جو ثقافي يعتبر القيم دينية بالدرجة الأولى يسعى الإنسان إلى الالتزام بها عن طريق بناء علاقة بينه وبين الله وبهذا حاول مفكري العصر الوسيط أمثال (( أوغسطين ، أنسلم ، توما الإكويني ، وغيرهم من فلاسفة المسيحية )) تقديم أطروحات فكرية فلسفية تعبّر عن روح المسيحية ونظرتها إلى الكون والوجود الذي لا ينفك أن يكون قيمة في حدّ ذاته ، فما دامت القيم دينية فيجب أن تكون نظرة الإنسان إلى العالم وفق المعتقد المسيحي وتكون الرابطة الأساسية في بناء هذه النظرة متمثلة في الإيمان بالله الذي يعد المصدر الأسمى للكائن الإنساني والقيمة معاً ويقسم الباحثون فلسفة العصور الوسطى إلى فترات ثلاث :

الأولى : تمتد من القرن التاسع إلى آخر القرن الثاني عشر عرفت بتأثير أفلاطوني الذي تغلب عليه النزعة المثالية الروحانية والاتحاد بالواحد فيها يكون باتحاد العقل بالأيمان .

الثانية : القرن الثالث عشر كله ، أرسطو هو السيد المطلق ، تم التوفيق بين الفلسفة وبين العقيدة المسيحية كون العقل لا يقدر على إقامة حقائق الإيمان لكنه قادر على فهمها  والدفاع عنها .

الثالثة : من القرن الرابع عشر إلى مطلع القرن الخامس عشر ، عرف بظهور نزعة صوفية تؤكد عدم اتساق العقل بالإيمان ومنه يكون طريق تكامل الروح هو الزهد والرهبنة .

هام : كل هذه الفترات التي تميزت بالنظرة الروحية الدينية تربط القيم ونظامها بالمعتقد الديني المسيحي حيث نجد مثلاً أوغسطين يقول (( الله هو النور الباطني الحقيق الذي ينير كل إنسان آت إلى هذا العالم )) لقد غلب على النظرة المسيحية الروحية الإعتقاد أنّ تحقيق الإنسان للقيم العليا مرتبط بالتحامه ورجوعه إلى الله وهو لا يستطيع أن يصل إلى تحقيق علاقة مباشرة بينه وبين الله ونفسه إلاّ عندما تكون  النفس وصلت المرحلة الأخيرة في صعودها إلى الله وذلك الرقي يكون عن طريق النفي والتجاوز معاً .

ملاحضة : ما هذا إلاّ بعض القواسم المشتركة في الرؤية الروحية للعالم عند أصحاب الدين المسيحي ، يمكن الاستزادة أكثر بالرجوع إلى الدراسات التي تفصل في الفلسفة المسيحية وعلاقة القيم بهذا الدين.

جزء من فرع : الدين الإسلامي :  لا يمكن إنكار الأهمية التي يعطها الإسلام للروح ودورها في تحقيق الغاية الوجودية للإنسان وهي خلافة الله في الأرض ، لكن إذا كان الإسلام يهتم بالروح فذلك لا يعني أنه دين يسعى لتغليب الرؤية الروحية للعالم على حساب الرؤية المادية والنصوص الدينية التي تؤكد على ذلك وهي كلها تدع الإنسان إلى الرجوع إلى مختلف الظواهر المادية الموجودة حوله كموضوع للتأمل ومنطلق لتغذية الإيمان وإدراك حقيقة هذا الوجود ومعرفة عظمة خالقه . لقد آمن أتباع الإسلام أن هذه الحياة ما هي إلاّ محطة عمل فانية تتبعها محطة جزاء خالدة ولهذا لا يمكن تعليق كل الآمال بهذه الدنيا كونها في كل الحالات ستنتهي سواء لاقى فيها المسلم التعب أو السهولة فالمهم هو الفوز بالمحطة الخالدة ونيل رضا الله فقط . هذا الإيمان جعل من المسلمين يدركون أن النجاح لا يكون إلاّ بإتباع الأوامر والنواهي المجودة في القرآن والسنة النبوية  سواء في مجال العبادات أو العادات ( المعاملات )، لكن رغم ذلك كان هناك اختلاف بين الرؤى عند المسلمين خاصة بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام وبعده الصحابة رضوان الله عليهم حيث برز في وسط المسلمين من يرى أن هناك انحراف بائن للمسلمين وذلك بإتباعهم ملذات الدنيا وابتعادهم عن التعفف والترفع والاكتفاء بما يساعد فقط على تقويم الصلب والحياة للتمّكن من العبادة الحقيقية . إننا نجد مثل هذه النزعة عند الصوفية التي كانت تدعو إلى الاهتمام بالروح وتنقيتها لتصل إلى مرتبة تمكنها من الإطلاع على الحقيقة المطلقة والإيمان الكامل ونلمس هذا التوجه في ما تركوه لنا من تراث شعري وفكري وطرائق لا يزال لها أتباعها ومريديها ن وهي منتشرة في العالم الإسلامي نذكر منها على سبيل الذكر وليس الحصر (القادرية والتيجانية ) ولعل ما تركه لنا بعض علماء الإسلام المعروفين بنزعتهم الصوفية أمثال ابي حامد الغزالي وكتابه الإحياء و كذلك مدارج في معارج القدس لدليل على اعتبارهم أن الروح يجب أن تأخذ الأولوية وأن تطهير النفس ونقائها لا يكون إلاّ بالعبادات  و الابتعاد عن مختلف الملذات .

ملاحظة :لكن يجب أن نشير أن هذه النزعة الروحية في الإسلام لا تدع الإنسان إلى الابتعاد عن الحياة والرهبنة ، وإنما إلى الوسطية والاعتدال والتوازن في هذه الحياة

 

نتيجة  :  الرؤية الروحية للعالم نابعة من المعتقد الديني، تتأثر هذه الرؤية بالتوجه الثقافي والمذهبي، تدع إلى الاعتناء بالروح والالتزام بالقيم المحققة لذلك، قيم الزهد جزء من القيم التي تدع إليها وذلك مرتبط الفهوم الدينية عند أتباع كل دين .وهذا الفهم لا يرتبط بدين محدد بل مثلما هو موجود في الدين الإسلامي نجده كذلك في الدين المسيحي ويبرز ذلك بوضوح في المذهب الكاثوليكي الذي أكد ضرورة التوفيق بين المطلب الروحي والمطلب المادي ومنه ضرورة الاهتمام بالعمل والمنافسة من اجل تحسين ظروف الحياة هذا يجعلنا نؤكد أن الرؤية الروحية لا تعني بالضرورة الرهبنة والانصراف عن مطالب الحياة بل هي رؤية تعمل على التوفيق بين المطلب الروحي والمادي للإنسان بحيث تكون القيم المنبثقة من المعتقد بمثابة ضابط واطر تتم فيها هذه العملية .

 

فكّر واستنتج :

 إنّ بناء مفهوم القيم ونظامها عملية  مركبة ومعقدة . بين ذلك ببناء مقال فلسفي . محاولة فردية تدريبية لا تحتاج إلى تقييم من الاستاذ .

اجب على الأسئلة بنعم أو لا :

فلسفة القيم تبحث في ما يجب أن يكون:........

علم الأخلاق يبحث فيما هو كائن تجريبيا......

الثقافة بمختلف أنواعها تؤثر في بناء نظام القيم ........ولا تؤثر في بناء مفهوم القيم ......

الرؤية المادية للعالم تعطي الأولوية للروح وتلغي المنفعة في بناء نظام القيم .................

كل الرؤى الروحية تدع إلى الزهد والابتعاد عن الدنيا ومطالبها ...................