1. علم الاخلاق وفلسفة القيم والمقاربة المعيارية
1.1. علاقة الرؤية الى العالم بتأسيس مفهوم ونظام القيم ( الرؤية المادية)
: علاقة الرؤية إلى العالم بنظام القيم : ( الرؤية الحلولية المادية للعالم تنتج قيم المنفعة ، الرؤية الحلولية الروحية تنتج قيم الزهد والهروب من الحياة ).
مقدمة : من دون شك عند الرجوع إلى الكيفية التي يبني بها الإنسان مختلف أحكامه القيمية نجده دائما ينطلق من مرجعية معينة وباختلاف هذه الأخيرة يقع الاختلاف بين الأفراد والمجتمعات في تقييم الأفعال البشرية وتصنيفها ضمن خانة الخير أو الشر ، ومن بين المرجعيات التي على أساسها تتشكل المنظومة القيمية نجد الرؤية إلى العالم ، وهي مختلفة إلى درجة التعارض أحيانا .
إشكالية : ماهي أهم هذه الرؤى وكيف تؤثر في بناء نظام القيم عند الإنسان ؟
1-2:الرؤية الحلولية المادية للعالم تنتج قيم المنفعة : المقصود بالرؤية الحلولية هنا هو الرؤية التي تحل محل المنطلق والمبدأ الذي على أساسه يبني الإنسان نظام حياته ، فهي تحل فيه كما يحل هو فيها بحث لا يوجد انفصال بينهما ،وهذا النوع من الرؤية الذي سمي بالمادية يعكس موقف الإنسان من هذا العالم أي الوجود ، هذا الأخير الذي من خلاله يقدم إجابات لأسئلة جوهرية والتي تتعلق بمصدر هذا العالم والإنسان والمصير الذي ينتظره والغاية من وجوده في هذا العالم الذي يحكمه نظام صارم .
الرؤية المادية ترى أن هذا العالم يحتوي على أصل وجوده بالذات ، ماهيته هي مصدر وجوده وهي التي تحدد الصورة التي هو عليها ، ومنه يرجع تعدد الصور إلى تركيبة الماهية في حد ذاتها ، وهي تركيبة مادية خالصة ، هذه القاعدة تنطبق على الوجود البشري كونه جزء لا يتجزأ من هذا العالم وبذلك لا يمكن تملصه من ذلك النظام الذي يحكمه ، وعند الروع إلى تاريخ الفكر الفلسفي نجد بروز هذه النظرة في عند الإغريق بالخصوص عند أرسطو الذي كان يرى أن الإنسان جزء من هذا الوجود وهو مطالب بفهمه وإدراكه كما هو موجود دون اللجوء إلى عالم ماورائي ومنه تكون القيم التي تنظم حياة الإنسان مستمدة من هذا العالم المادي وقوانين الطبيعة وإن كان الإنسان بحاجة غلى القيم فهي ضرورية لأجل تحقيق سعادته . وإن كان الإنسان يتمتع بقدرات عقلية فإن هذه فعالية هذه القوة الإدراكية متوقف على توظيفها لفهم هذا الوجود كما هو موجود .
1-2: قبل أرسطو نجد :من يرى أن نشأة الأشياء ترتد غلى عناصر أربعة : التراب والماء والهواء و النار ، وهي عناصر لا تنقطع فيما بينها عن الاتصال والانفصال والاختلاف وذلك تبعا لتفاوت نسبة المزج فيما بينها ومحرك هذه العناصر قوتان متضادتان هما الحب والنار وهي رؤية اشتهر بها امبذوقليدس( Empedoclds ت حوالي 490 ق،م ).
طاليس (621-550 م تقريبا) يرد أصل الكون إلى الماء كون الحياة كلها تدور حول الماء فهي تنعدم بانعدامه وهو الذي يتحول إلى حالات مختلفة من بخار إلى سائل أو جامد برداً أو ثلجاً ومنه يكون الفرق بين مختلف الموجودات متوقف على كمية الماء .
الرواقية : زينون (335-264ق,م) يرى أن العالم سائر إلى غاية ولا ينحرف عن قوانين الطبيعة ( العلة والمعلول ) ومنه تكون الأخلاق وليدة الحكمة التي تدعو الإنسان إلى أن يعيش على وفاق مع الطبيعة كون الطبيعة الذهنية لديه هي التي تحكم نظام حياته ، التي تجعله يدرك القيم الأخلاقية التي تتأسس على احترام الآخرين وطلب الفضيلة والابتعاد عن الشهوات .
الابيقورية : كذلك يرى ابيقور أن العالم ما هو إلاّ مادة وهذه الأخيرة مرجعية نعود اليها في بناء نظام القيم ، الذي يجب ان يتوافق والطبيعة البشرية التي بدورها تميل إلى اللذة وتنفر من الألم ومنه يكون الخير ما يحقق اللذة والألم هو الشر .
اذن : هذا الطرح المادي للعالم استمر وساير تطور الفكر البشري ، وأصبح مرجعية أساسية لبناء نظام الحياة في مختلف مستوياته ومجالاته وظهر على شكل مذاهب وانساق فكرية وعلمية تجعل من المادة موضوع التفكير والمتطلبات المادية للإنسان كمعيار أساسي ومؤشر لسعادته وبذلك رفضت كل الأفكار التي ترمي إلى إعطاء بعد روحي أو ديني أو ميتافيزيقي للوجود الإنساني أو العالم الخارجي ومنه أرادت أن تلغي أي احتمال لوجود وصاية مفارقة للإنسان تعلمه الخير والشر وتحدد له سلم القيم وتضع له القواعد الأخلاقية وما يقابلها من جزاء ما ورائي . لقد اعتبرت الرؤية المادية للعالم أن الإنسان هو الصانع الوحيد للقيم التي يجب أن لا تحيد عن خدمته وتيسير سبل الحياة له وتحقق له البقاء والسيادة*لقد جعلت هذه الرؤية نظام القيم يقوم على المطلب المادي الخالص مع اختلاف أنصارها في تحديد قيمة ونوعية ذلك المطلب ، وبسبب لا نهائية هذا المطلب ( المنفعة) عرف الإنسان نوع من التيه في مجال تحديد معيار الخير والشر خاصة مع تطور العلم والتقنية و الثورات العلمية في العلوم البيولوجية كظهور الهندسة الوراثية ومشكلات البيئة ممّا جعل البشرية تعيد النظر في رؤيتها للعالم وتبحث عن أسس ثابتة للقيم يمكن أن تلتف حولها البشرية فتشكل بذلك قاسما مشتركا يمكن أن يحل مشكلات العصر (1)
*ملاحظة :سنعود إلى هذا الطرح في المورد الخاص بالرؤى الفلسفية حول مصدر القيم .
إحالة (1) يمكن الرجوع إلى كتاب : جاكلين روس ، الفكر الأخلاقي المعاصر ، تر عادل العوا ، عويدات للنش والطباعة ( بيروت ) ط 01 ، 2001. كذلك كتاب :ناهد البقصمي ، الهندسة الوراثية والأخلاق ، سلسلة عالم المعرفة 1993.