1. النموذج الحيوي
1.1. النموذج الوراثي:
تعتبر النظريات البيولوجية أولى النظريات التي حاولت تفسير تعاطي المخدرات انطلاقا من ميكانيزمات بيوكيماوية أو فسيولوجية، وشكلت الدراسات الإنسانية محور الأعمال المصممة لاختبار النظريات الجينية ذات الصلة بالإدمان في بني البشر، فإذا كان للجينات تأثيرها في الإدمان، فإن أولئك الذين لديهم جزء من المادة الوراثية الخاصة بهم التي توارثوها عن متعاطين، فإن هذا الموروث سيصل إليهم وسيعانون من تلك الحالة وتلك الظروف التي كان عليها آبائهم. ولقد اتبع المهتمون بدور العامل الوراثي في حدوث الإدمان على الكحول والمخدرات في إثبات فروضهم على المناهج الآتية:
- الدراسات التي أجريت على الحيوانات في المختبر
- نسبة حدوث الإدمان في أسر المدمنين- دراسة التوائم- .
- دراسة التبني.
- ارتباط إدمان الخمر أو العقاقير بأمراض أو صفات ثبت أنها مورثة.
لقد بينت الدراسات على أن الشخص ذو التاريخ العائلي السابق للإدمان الكحولي قد ينمو الإدمان لديه بمعدل أربع مرات أكثر من الشخص الذي لا يتصف بهذا التاريخ السابق، وان نموذج الاستعداد الوارثي يفترض وجود استعداد وراثي ومنقول داخل الأسرة ليصبح الفرد هكذا مدمنا بالوراثة.
تشير الدراسات التي نشر ملخص لها في المجلة الطبية البريطانية سنة 1980 إلى أن إدمان الكحول ومضاعفته يزيدان في أسر المدمنين بصورة خاصة. فقد اتضح أن ما بين 25الى 50%من آباء مدمني
الخمر و20 %من أمهاتهم يدمنون الخمر، وهي نسب أعلى من نسبة الإدمان في المجموع الكلي للسكان
بحوالي 5الى 10مرات.
ويرى "أمارك" أن هناك عنصرا وراثيا أسريا ذا صلة بالإدمان الكحولي، وقام بحساب إمكانية إدمان المسكرات بين الإخوة المعروف بأنهم من آباء مدمنين، فكانت نسبتهم في الإصابة بالإدمان 21% وبين
الأخوات 05% وبين الآبا26ء% وبين الأمهات 24.% كما قام بعض العلماء بتدريب مجموعة من الفئران في المختبر على شرب الخمر أو محلول يحتوي على الأفيون، وادمان أحدهما. ثم تبين أن جزءا من سلالة الفئران المدمنة تدمن هذه المواد بدون أن تتدرب على طعاتيها. وعلى رغم من أن الفئران بتكوينها الوراثي لا تميل الى تعاطي الخمر والمخدرات، فان دراسات المختبر أثبتت وجود سلالة معينة تميل الى استهلاك كميات كبيرة من الكحول بالإضافة الى أن سلوكها أكثر عدوانية وأكثر نشاطا وفضولا من سلالة الفئران التي لا تميل الى شرب الكحول.
ولقد قام " قودوين " 1974 Goodwinبمقارنة نسبة الكحول عند أبناء الكحوليين الذين تم تبنيهم منذ الصغر، واخوتهم الذين بقوا مع آبائهم الكحوليين. يؤكد " قودوين" إذا كان لعوامل التعلم الاجتماعي أهمية، فإننا نتوقع أن نسبة الكحول عند الأبناء الذين يعيشون مع آبائهم الكحوليين مرتفعة، ولكن ما توصل إليه الباحث كان عكس ذلك، فالعينتين نسبة استهلاكها للكحول كبيرة، ولا يوجد فرق ذو دلالة بحيث توصل إلى أن 25% بالنسبة للأبناء المتبنين، و17% بالنسبة للأبناء غير المتبنين. كما خلص قودوين إلى أن أبناء الكحوليين الذين استقبلتهم عائلات منذ نعومة أظافرهم فإن لهم قابلية في أن يصبحوا مدمنين على الكحول، أربع مرات أكثر من الذين تبنتهم ولم يكن أبناؤهم البيولوجيين يدمنون على الكحول.
إن الدراسات السالفة الذكر كانت معظم نتائجها في صالح العامل الوراثي، الذي ترى أنه يلعب دورا محددا في انتقال السلوك الإدماني من الآباء إلى الأبناء، مثلما ينتقل لهم لون الشعر والعينين والطول، وعليه فإن الاستعداد الوراثي يفرض وجود خصائص وراثية داخل الأسرة الواحدة تنتقل ليصبح الفرد متعاطي للمخدرات بالوراثة، وعلى الرغم أنه لا يمكن انكار هذا العامل الا أنه لا يجب التركيز على العامل العضوي والمبالغة فيه كعامل مفسر لسلوك تعاطي المخدرات واعتباره سببا وحيدا واهمال الجوانب الأخرى.
فقد أظهرت بعض الدراسات أن أقل من 30% من أبناء الكحوليين يصبحون كحوليين، وزيادة على ذلك فنصف الكحوليين الذين تم وضعهم في المستشفيات لم يكن في تاريخ عائلتهم حالة كحولية. لذلك فمن الملاحظ أن هناك عوامل أخرى إلى جانب الاستعداد الوراثي تساهم أيضا وبشكل كبير وهذا ما سنتطرق له لاحقا.