4. أدلة تعتمد على المفهوم
4.1. طرق تعتمد على الارتباطات
تتعد الطرق المستخدمة في دراسات صدق التكوين الفرضي اعتمادا على الارتباطات، من بين هذه الأساليب:
- التمييز بين المجموعات: تهدف الطريقة إلى المقارنة بين مجموعتين مختلفتين في ضوء الدرجات التي يحصل عليها الأفراد في اختبار معين، حيث يتوقع اختلاف درجات الأفراد في الاختبار بين المجموعتين (Crocker & Algina, 1986).
فإذا أردنا التحقق مثلا من صدق التكوين الفرضي لاختبار يقيس جودة الحياة عند المصابين بالسرطان، فانه يمكن اختيار مجموعتين من الأفراد استنادا إلى تشخيص الأخصائيين النفسيين بحيث تكون هذه السمة مرتفعة لدى إحدى المجموعتين ومنخفضة لدى الأخرى، حينها يطبق الاختبار على المجموعتين. فإذا تبين وجود فروق جوهرية بين درجات كل من المجموعتين، فانه يمكن اعتبار ذلك أحد أدلة صدق التكوين الفرضي للاختبار، ويُحتفظ حينها بالبنود التي ميَزت بدرجة أكبر بين المجموعتين.
- الارتباط بين الطرق والسمات: يمكن للنتائج التي نحصل عليها في الاختبارات أن ترجع أيضا إلى السمة المقاسة أو طريقة القياس (استبيان، قائمة ملاحظة، بطاقة تقرير ذاتي، مقابلة...). فإذا درسنا السمة نفسها أو سمات متباينة بطرق مختلفة فانه ربما نحصل على نتائج مختلفة، لذلك يجب دراسة أكثر من سمة وأكثر من طريقة معا، أي ندرس ما يسمى بالصدق التقاربي والصدق التمايزي. ففي الصدق التقاربي ننظر إلى الارتباطات بين السمات نفسها إذا أجري قياسها بطرق مختلفة، وفي الصدق التمايزي ننظر إلى الارتباطات بين سمات متباينة إذا أجري قياسها بطريقة واحدة.
فالأسلوب الأول (الصدق التقاربي) يمكن استخدام عناصر تحليل التباين للتعرف ما إذا كانت درجات الفرد على البناء لا تتباين عبر طرائق القياس المختلفة، فقد اقترح Kane (1982) استخدام هذه الطريقة من خلال تحليل عناصر التباين الناتجة عن تطبيق "نظرية إمكانية التعميم". مثلا أثناء تقييم أداء الطلاب في العلوم باستخدام طرق قياس مختلفة (الملاحظة، دفاتر الكتابة، المحاكاة بواسطة الكمبيوتر، الإجابة القصيرة) وسوف نعتبر أن البناء أكثر أهمية أو قابلية للتعميم فيما لو كانت درجة المفحوص النسبية نفسها إذا استخدمت طرق قياس مختلفة، ويشير Kane (1982) أن معامل إمكانية التعميم الذي نحصل عليه من تطبيق نظرية إمكانية التعميم هو معامل للصدق مع ملاحظة أنه يمكن تفسيره على أنه متوسط معامل الصدق التجميعي الناتج عن الاختيار العشوائي لطرائق مختلفة تقيس السمة نفسها من نطاق الطرائق المختلة.
أما الأسلوب الثاني (الصدق التمايزي) الذي يستند إلى الارتباطات يعتمد على إيجاد معامل الارتباط بين درجات اختبار ويفترض أن يقيس تكوينا فرضيا معينا، ودرجات اختبار آخر بيَنت الأدلة المتعددة أنه يقيس التكوين الفرضي ذاته. مثلا، اختبارات الذكاء التي يقوم الباحثون ببنائها تعتمد على إيجاد ارتباط درجات الاختبار الجديد بدرجات اختبار شائع الاستخدام ونال كثيرا من دراسات الصدق، مثل اختبار Sanford-Binet أو اختبار Wechsler للذكاء، فإذا وجد قيمة معامل الارتباط مرتفعة فانه يُعدَ دليلا على صدق التكوين الفرضي.
- التحليل العاملي: يتناول أسلوب التحليل العاملي العلاقات القائمة بين الاختبار ومجموعة أخرى من الاختبارات بدلا من اختبار واحد، ويستخدم في ذلك أحد الأساليب الإحصائية متعددة المتغيرات يسمى "التحليل العاملي"، والتي يهدف إلى تحليل العلاقات وذلك بتكوين مصفوفة لقيم معامل الارتباط بين درجات الاختبار، ودرجات اختبارات أخرى مناسبة، وإجراء تحليل إحصائي لهذه المصفوفة لتحديد أقل عدد من العوامل (التكوينات الفرضية) التي تسهم في تفسير التباين في قيم معاملات الارتباط داخل المصفوفة، وكذلك العوامل التي تسهم في الأداء في كل من هذه الاختبارات.
يوجد تطبيقين عامين في صدق التكوين الفرضي باستخدام التحليل العاملي:
1)- يتم معالجة مصفوفة الارتباطات الداخلية للبنود لتحديد ما إذا كانت الاستجابات على البنود تتجمَع معا في نمط معين يمكن التنبؤ به أو منطقي في ضوء التركيب النظري للبناء الذي نهتم به، وتحدَد ما إذا كانت الأبنية المحددة تجريبيا من خلال التحليل العاملي مناظرة للأبنية النظرية التي افترضها مطوَر الاختبار.
2)- يمكن معالجة مصفوفة ارتباطات مجموعة اختبارات أو قياسات مختلفة لتحديد مدى ارتباط الدرجات الملاحظة الذي يُعزى إلى تباين عامل مشترك واحد أو أكثر، وبالتالي التعرف ما إذا كانت الاختبارات الفرعية أو الاختبارات التي يُفترض أن تقيس البناء نفسه ثم تحديدها على أنها تقيس عاملا مشتركا.
- مصفوفة السمات-الطرق المتعددة: ليس من الضروري الاقتصار على التعرف على العلاقات الموجبة بين الاختبار الجديد الذي يفترض أن يقيس تكوينا فرضيا معينا وغيره من الاختبارات المشابهة التي تقيس التكوين الفرضي نفسه، وإنما أيضا التعرف على علاقته ببعض الاختبارات أو المقاييس التي لا تقيس هذا التكوين الفرضي. طوَر الأسلوب من طرف Campell & Fiske (1959) للتحقق من ذلك اعتمدا فيه على مصفوفة تسمى "مصفوفة السمات-الطرق المتعددة" التي يمكن باستخدامها للكشف عن علاقات الاختبار باختبارات مشابهة للتوصل إلى الصدق التقاربي، وعلاقته باختبارات مختلفة عنه للتوصل إلى الصدق التمايزي للاختبار.
يجب على الباحث في هذه الطريقة أن يفكر في طريقتين أو أكثر لقياس البناء الذي يهتم به، إضافة إلى تحديد بناءات أخرى مختلفة تماما يمكن قياسه بشكل مناسب بالطرائق نفسها المطبقة على البناء، وباستخدام عينة واحدة من الأفراد يتم الحصول على قياسات لكل بناء بكل طريقة، ثم تُحسب الارتباطات بين كل زوج من القياسات، وكل معامل ارتباط يعرف على أنه أحد الأنواع الثلاثة الآتية:
1)- معاملات الثبات: هي معاملات ارتباط بين قياسات البناء نفسه باستخدام طريقة القياس نفسها، ويجب أن تكون عالية.
2)- معاملات الصدق التجميعي: هي معاملات ارتباط قياسات البناء نفسه باستخدام طرائق قياس مختلفة، ويجب أن تكون عالية لكن احتمالية الضعف الناجمة عنه عدم ثبات طرائق القياس يجب أخذها بعين الاعتبار.
3)- معاملات الصدق التمايزي: هي معاملات ارتباط بين مقاييس بناءات مختلفة باستخدام طريقة القياس نفسها، ويُطلق عليها اسم معاملات الطريقة الواحدة-السمات المتجانسة، وهذه يجب أن تكون أقل بصورة أساسية من كلا معاملات الثبات أو معاملات الصدق التجميعي.
من أجل تسهيل المقارنة بين الأنواع المختلفة من المعاملات المحصلة يتم ترتيب المعاملات في مصفوفة السمات-الطرق المتعددة.