3. خلاصة
ومن خلال مقاربتنا لمفهوم الثقافة ووظيفتها، نلاحظ أن بعض السمات الثقافية تتوزع على المنظومات الأربعة لكنها تتخذ في كل منظومة شكل متطور عن نظيرتها في الأخرى، من حيث إنتاجها ومنتوجها، فاللغة مثلا في منظومة القيم والأفكار هي نتيجة الرغبة في التعامل مع المحيط ،أما في المنظومة التربوية والتعليمية فنجدها تعمل على نقل وحفظ الأفكار والقيم، أما في المنظومة السياسية فهي وسيلة توجيه لبلوغ أهداف محددة، أمافي المنظومة الاقتصادية فهي تمثل جزء من رأس المال البشري الذي يزداد وينمو بالممارسة والاستعمال
وتشير إحدى النظريات إلى "أن بقاء اللغة مرهون بما يُتداول فيها من إبداع وابتكار علمي وتقاني وثقافي. " ( دوني كوش، مفهوم الثقافة فـي العلــوم الاجتماعـــية، ص99)، وينبع تركيزنا على اللغة في المنظومة السياسية، كونها أداة التواصل التي من شأنها جمع أفراد المجتمع ،وإقناعهم بتبني مشروع الدولة الذي يتوافق عليه الجميع ،ويسعون لتحقيقه، فخطاب الشرعية الثورية ، والقومية العربية، استنفذ وقوده في ظل العولمة، حيث اكتشفت الشعوب ما يجمعها ، وما يفرقها، ولم تعد ترضى بالولاء الأعمى ،في ظل الخيارات الموجودة أمامها، والتي أحدثت خلافات حولها ، وصرنا نلحظ هذه الخلافات في كنف الأسرة وكل المؤسسات والطبقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، كما يحدث في مصر الثورة، وكما يحدث في الجزائر مع اختلاف في الشدة والأبعاد. من هنا وجب وضع قواعد حوار بناء تتفق عليها المؤسسات الفاعلة في الحقل السياسي ،قواعد تبلور مشروع المجتمع، و تسطر ما هو مباح وما هو واجب ،وتمنع وتحارب ما هو خيانة وتعدي على هذا المشروع ، وينبني المشروع بآليات علمية تقوم بتشريح واقع المجتمع في مختلف المجالات بواسطة مراكز الدراسات والمراصد الاجتماعية وغيرها، التي تقدم النتائج والاقتراحات للعمل بها في شتى الميادين. إن اكتشاف أسلوب الثقافة في التخلي عن عناصرها، وأسلوبها في اكتساب عناصر جديدة، وتوليد قيم جديدة ودوافع جديدة، هو من الأدوار الرئيسية للباحث الاجتماعي وعلم الاجتماع الثقافي من أجل خدمة مصالح المؤسسات الاقتصادية والإدارية التي تقود المجتمع
: ملاحظــــــة
لا شك أن المجتمع هو نتاج ثقافته السائدة وقد ورثها عن الأجيال السابقة ولا يمكنه التنصل منها وسيظل محكوما بهذا العقل الثقافي الذي لم يكن له دور في تكوينه ، ما لم تحصل ثورة فكرية تنقل الثقافة من الجمود إلى الحركة ومن الدوران الأفقي إلى الصعود الدائم ولا يمكن أن تتحقق نهضة الفكر إلا بالحراك الثقافي القائم على تكافؤ فرص التعبير لكل الاتجاهات والتفاعل بين الرؤى، وتعبئة الأفراد والمجتمع بالأفكار والاهتمامات البانية وبالمعارف والمهارات الطارئة ، ومن المفكرين من يرى أن كل فرد وكل جيل يجد نفسه في بيئة ثقافية ليست من اختياره وإنما هو يتقولب بها كنتاج حتمي لا سبيل إلى تجاوزه فيمتص تلقائيا لغة قومه ويتشبع بكل ما تحمله اللغة من تصورات رديئة أو جيدة، صحيحة أو خرافية ومع ذلك يرى فيها ذاته فيستميت في تأكيد هذه القوالب وفي الدفاع عنها، وبهذه الرؤية تصبح الأمم محكومة بقوالبها الثقافية
ومن هنا كان من الاهمية بما كان إخضاع علم الاجتماع الثقافي للمناقشة والتحليل في الوقت الراهن.، خاصة في اهتمامه الأول والأساسي بدراسة الثقافة ، إضافة إلى دراسة المعرفة والفن والدين والأدب والأخلاق والقيم، وحديثا أصبح يعني بعلاقة الثقافة بالسينما والدراما، وعلاقة الثقافة بوسائل الاتصال ومدى ارتباط ذلك بالبناء الاجتماعي، ومن ثم ظهرت فروع عديدة من علم الاجتماع الثقافي ، كعلم اجتماع الثقافة والشخصية، وعلم اجتماع القيم ، وعلم اجتماع الدين، وعلم اجتماع المعرفة وعلم اجتماع الفن، وعلم اجتماع الأدب ، وعلم اجتماع السينما، وعلم اجتماع الدراما، وعلم اجتماع الاتصال، وكل من تلك الفروع يرتبط بالفرع الرئيسي من العلم وهو علم الاجتماع الثقافي في بعض المحاور الأساسية ، ويختلف عنه في استغراقه في تحليل محور دراسته الفرعية