2. النظرية الليبرالية
النظرية الليبرالية أو نظرية الحرية
تعود هذه النظرية بشكل أساسي إلى عصر النهضة الأوربية، وبالتحديد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث بلور
عدد من المفكرين الأوربيين الكثير من المبادئ التي تحدت الأفكار السلطوية التي سادت حتى بداية عصر النهضة
الأوربية، وكان من أبرزهم المفكر الإنجليزى جون ميلتون الذي كتب عام 1664 يقول :
" إن حرية النشر بأي واسطة ومن قبل أي شخص مهما كان اتجاهه الفكري، هي حق من الحقوق الطبيعية لجميع
البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر"
كما شارك جون لوك في بلورة عدد من الأفكار حول الحرية التي عرفها بأنها الحق في فعل أي شيء تسمح به
القوانين. وكان لوك قد قدم إلى البرلمان الإنجليزى بيانا هاجم فيه تقييد حرية الصحافة عام 1665 ،
واضطر البرلمان في ذلك الوقت لإلغاء قانون كان قد قام بإصداره لفرض الرقابة الوقائيةعلى الصحف.
لكن الانتصار الأول للنظرية الليبرالية على النظرية السلطوية أو نظرية السلطة لم يتحقق
إلا خلال القرن الثامن عشر حين أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حظر أية رقابة مسبقة على النشر،
كما أباح للأفراد إصدار الصحف دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص من السلطة،
وقد جاء هذا نتيجة لأفكار المفكر الإنجليزي بلاكستون الذي أكد على أن حرية الصحافة ضرورية
لوجود الدولة الحرة، وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، وإن كان من الممكن أن يتعرض
الصحفي للعقاب بعد النشر إذا تضمن هذا النشر جريمة، كما أن كل إنسان حر في أن ينشر ما يشاء على الجمهور،
ومنع ذلك هو تدمير لحرية الصحافة.
وقد جاء دستور الولايات المتحدة الأمريكية ليحظر بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة حيث نص على أنه
يحظر على الكونجرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة. وتقوم أفكار المفكرين الليبراليين على
أسس هي عكس أفكار السلطويين تماما فهم يثقون في الجماهير، ويعتقدون أنه لابد من تقديم
كل أنواع المعلومات والأفكار للجمهور، كما اعتبروا أن النقد الحر ضرورة لتحقيق الرفاهية والتقدم، وأن الجماهير
مجتمعة أو أغلبيتها تستطيع اتخاذ القرارات،
وأن هذه القرارات التي تتخذ بواسطة الأغلبية تكون دائما أقرب إلى الحقيقة، وهذه الثقة بالجماهير تتعلق بشكل مباشر
بوسائل الإعلام، حيث تقوم هذه الوسائل بإعطاء المعلومات للجمهور مما يجعل أفراد الجمهور قادرين على انتخاب
ممثليهم وتوجيههم وتغييرهم عندما يكون ذلك ضروريا. ويحدد المفكر الإعلامي السويدي
دينيس ماكويل العناصر الرئيسية لنظرية الحرية فيما يلي:
1- أن النشر يجب أن يكون حرا من أية رقابة مسبقة.
2-أن مجال النشر والتوزيع يجب أن يكون مفتوحا لأي شخص أو جماعة ومن حق الأفراد والجماعات أن يمتلكوا
صحفا وغيرها من وسائل الإعلام دون الحصول على ترخيص مسبق من السلطة.
3- أن النقد الموجه إلى أية حكومة أو حزب سياسي أو مسئول رسمي يجب ألا يكون محلا للعقاب حتى بعد النشر.
4- ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الالتزام بالنسبة للصحفي.
5- عدم وجود أي نوع من القيود على جمع المعلومات للنشر بالوسائل القانونية.
6- ألا يكون هناك أي قيد على تلقى أو إرسال المعلومات عبر الحدود القومية.
7- يجب أن يتمتع الصحفيون بالاستقلال المهني داخل مؤسساتهم الصحفية.
وقد ساهمت النظرية الليبرالية بشكل كبير في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة فأنهت وجود الكثير من القيود التي
تفرضها السلطة على الصحافة،
واستطاعت دول الشمال - أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - أن تتمتع خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف
القرن العشرين بقدر كبير من التعددية والتنوع في مجال الصحافة واستطاعت الصحافة أن تدير في هذه المجتمعات
مناقشة حرة بين كافة الاتجاهات السياسية، وأن تنقل هذه المناقشات إلى الجماهير
وهو ما أسهم في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها.
لكن المشكلة أن أوضاع الصحافة في أوروبا وأمريكا خلال النصف الثاني من القرن العشرين ابتعدت بشكل كبير عن
تلك الأفكار الليبرالية، فتناقصت تعددية الصحف وقل تنوعها، نتيجة لتزايد ظاهرة الاحتكار والتركيز في ملكية
وسائل الإعلام وقلت بالتالي قدرتها على القيام بوظائفها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة، وإدارة المناقشة الحرة
في المجتمع ونقلها للجماهير. وقد لعب تزايد الاتجاه إلى الاحتكار والتركيز في ملكية الصحيفة دورا أساسيا
في تعريض هذه النظرية للنقد من كافة الاتجاهات السياسية، فلم تعد مفاهيم هذه النظرية قادرة على توفير حق التعبير
للصحفيين والجمهور، كما أصبحت قاصرة على تقرير الحق في امتلاك وسائل الإعلام بدون تدخل من الحكومة، ورفض
بعض الباحثين التعريف الغربي لحرية الصحافة بمعنى عدم تدخل الحكومة في شئونها؛ باعتباره تعريفا غير كاف إذ
يعطى الحرية فقط لمجموعة من ملاك وسائل الإعلام.
ويرى بعض الباحثين أن أوضاع الصحافة والإعلام في الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل
خاص قد ابتعدت عن مبادئ النظرية الليبرالية
وأن السوق الإعلامية لم تعد حرة أو قادرة على توفير الفرص المتكافئة للتعبير الحر عن كل الأفراد ووجهات النظر
وتغطية الأخبار من مصادر متعددة ومتنوعة.
وبرزت رؤية أخرى حتى من جانب المؤمنين بهذه النظرية تقول" الصحافة وحرية التعبير لا يمكن ضمانها إلا في حالة
إبعاد إنتاج الأفكار وتوزيعها عن السيطرة الرأسمالية من ناحية والسيطرة البيروقراطية السياسية من ناحية أخرى".