النظريات المفسرة لحرية الاعلام

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: تشريعات اعلامية
Livre: النظريات المفسرة لحرية الاعلام
Imprimé par: Visiteur anonyme
Date: Friday 22 November 2024, 21:02

Description

في تفسير علاقة الصحافة بالسلطة في المجتمع عبر التاريخ نجد مجموعة من النظريات التي تفسر تطور الصحافة ودورها في المجتمع وعلاقتهابالسلطة الحاكمة ، أو فلسفة الصحافة بشكل عام ، وسنعرض  هذه النظريات ونشرح  ظهورها التاريخي.

1- النظرية السلطوية 

2- النظرية الليبرالية 

3- نظرية المسئولية الاجتماعية 

4- النظرية الشيوعية 

5- النظرية التنموية 

1. النظرية السلطوية

 النظرية السلطة أو النظرية السلطوية :

 

نشأت هذه النظرية في القرن السادس عشر والقرن السابع عشر في انجلترا، وكانت منتشرة انتشارا عظيما ولا تزال تمارس في كثير من الدول حتى الآن ومصدرها فلسفة السلطة المطلقة للحاكم أو لحكومته أو كليهما معا، نلمح ذلك في نظريات أفلاطون و أرسطو و ميكيافيلى، وهيجل،

وغرضها  الرئيسي  هو حماية وتوطيد سياسة الحكومة القابضة على زمام الحكم وخدمة الدولة، وبمقتضى هذه النظرية لا يعمل في الصحف أو يصدرها إلا من يستطيع الحصول على ترخيص من الحاكم أو رخصة، ويتم الإشراف على الصحف بواسطة الحكومات، كما تفرض الرقابة عليها،

ويحظر في إطار هذه النظرية نقد الجهاز السياسي والموظفين الرسميين، وملكية الصحف قد تكون خاصة أو عامة، ولكنها في كل الأحوال أداة لترويج سياسات الحكومة ودعمها حتى ولو لم تمتلكها الحكومة.

ونلاحظ أن فلسفة هذه النظرية تركز على أن الدولة تحل محل الفرد، ويجب على وسائل الإعلام فيها أن تدعم الحكومة في السلطة لكي يستطيع المجتمع أن يتقدم وأن تصل الدولة إلى أهدافها، كما أن الصفوة التي تحكم الدولة - من وجهة نظر هذه النظرية - توجه العامة التي لا تعتبر مؤهلة

لاتخاذ القرارات السياسية، ورجل واحد أو رجال قليلون هم الذين يقودون ومن واجباتهم أن يراقبوا وسائل الإعلام التي تستخدم لدعم القيادة وأهدافها.

وتعتبر هذه النظرية العمل بالصحافة بمثابة امتياز خاص يمنح بواسطة القائد الوطني، لذلك فالصحفي مدين بالالتزام للقائد وحكومته.

إن هذه الفلسفة الصحفية كانت ومازالت القاعدة أو الأساس لكثير من أنظمة الصحافة في العالم، وهي تدين  بوجودها للحكومة، وتعمل لدعم السلطة التي منحتها حق البقاء، وحرية وسائل الإعلام في ظل هذه النظرية توجد بالقدر الذي

تسمح به القيادة الوطنية في أي وقت.

 

2. النظرية الليبرالية

 

النظرية الليبرالية أو نظرية الحرية

 

تعود هذه النظرية بشكل أساسي إلى عصر النهضة الأوربية، وبالتحديد القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث بلور

عدد من المفكرين الأوربيين الكثير من المبادئ التي تحدت الأفكار السلطوية التي سادت حتى بداية عصر النهضة

الأوربية، وكان من أبرزهم المفكر الإنجليزى جون ميلتون الذي كتب عام 1664  يقول : 

" إن حرية النشر بأي واسطة ومن قبل أي شخص مهما كان اتجاهه الفكري، هي حق من الحقوق الطبيعية لجميع

البشر، ولا نستطيع أن نقلل من حرية النشر بأي شكل وتحت أي عذر" 

كما شارك جون لوك في بلورة عدد من الأفكار حول الحرية التي عرفها بأنها الحق في فعل أي شيء تسمح به

القوانين. وكان لوك قد قدم إلى البرلمان الإنجليزى بيانا هاجم فيه تقييد حرية الصحافة عام 1665 ،

واضطر البرلمان في ذلك الوقت لإلغاء قانون كان قد قام بإصداره لفرض الرقابة الوقائيةعلى الصحف. 

لكن الانتصار الأول للنظرية الليبرالية على النظرية السلطوية أو نظرية السلطة لم يتحقق

إلا خلال القرن الثامن عشر حين أصدر البرلمان البريطاني قرارا أكد على حظر أية رقابة مسبقة على النشر،

كما أباح للأفراد إصدار الصحف دون الحاجة إلى الحصول على ترخيص من السلطة،

وقد جاء هذا نتيجة لأفكار المفكر الإنجليزي بلاكستون الذي أكد على أن حرية الصحافة ضرورية

لوجود الدولة الحرة، وذلك يتطلب عدم وجود رقابة مسبقة على النشر، وإن كان من الممكن أن يتعرض

الصحفي للعقاب بعد النشر إذا تضمن هذا النشر جريمة، كما أن كل إنسان حر في أن ينشر ما يشاء على الجمهور،

ومنع ذلك هو تدمير لحرية الصحافة.

وقد جاء دستور الولايات المتحدة الأمريكية ليحظر بشكل كامل تدخل الدولة في مجال حرية الصحافة حيث نص على أنه

يحظر على الكونجرس أن يصدر أي قانون يقيد حرية التعبير والصحافة. وتقوم أفكار المفكرين الليبراليين على

أسس هي عكس أفكار السلطويين تماما فهم يثقون في الجماهير، ويعتقدون أنه لابد من تقديم

كل أنواع المعلومات والأفكار للجمهور، كما اعتبروا أن النقد الحر ضرورة لتحقيق الرفاهية والتقدم، وأن الجماهير

مجتمعة أو أغلبيتها تستطيع اتخاذ القرارات،

وأن هذه القرارات التي تتخذ بواسطة الأغلبية تكون دائما أقرب إلى الحقيقة، وهذه الثقة بالجماهير تتعلق بشكل مباشر

بوسائل الإعلام، حيث تقوم هذه الوسائل بإعطاء المعلومات للجمهور مما يجعل أفراد الجمهور قادرين على انتخاب

ممثليهم وتوجيههم وتغييرهم عندما يكون ذلك ضروريا. ويحدد المفكر الإعلامي السويدي

دينيس ماكويل العناصر الرئيسية لنظرية الحرية فيما يلي:

1- أن النشر يجب أن يكون حرا من أية رقابة مسبقة.

2-أن مجال النشر والتوزيع يجب أن يكون مفتوحا لأي شخص أو جماعة  ومن حق الأفراد والجماعات أن يمتلكوا

صحفا وغيرها من وسائل الإعلام دون الحصول على ترخيص مسبق من السلطة.

3- أن النقد الموجه إلى أية حكومة أو حزب سياسي أو مسئول رسمي يجب ألا يكون محلا للعقاب حتى بعد النشر.

4-  ألا يكون هناك أي نوع من الإكراه أو الالتزام بالنسبة للصحفي.

5-  عدم وجود أي نوع من القيود على جمع المعلومات للنشر بالوسائل القانونية.

6- ألا يكون هناك أي قيد على تلقى أو إرسال المعلومات عبر الحدود القومية.

7- يجب أن يتمتع الصحفيون بالاستقلال المهني داخل مؤسساتهم الصحفية.

وقد ساهمت النظرية الليبرالية بشكل كبير في تحرير الصحافة من سيطرة الدولة فأنهت وجود الكثير من القيود التي

تفرضها السلطة على الصحافة،

واستطاعت دول الشمال - أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية - أن تتمتع خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف

القرن العشرين بقدر كبير من التعددية والتنوع في مجال الصحافة واستطاعت الصحافة أن تدير في هذه المجتمعات

مناقشة حرة بين كافة الاتجاهات السياسية، وأن تنقل هذه المناقشات إلى الجماهير

وهو ما أسهم في تقدم هذه المجتمعات وزيادة حيويتها.

لكن المشكلة أن أوضاع الصحافة في أوروبا وأمريكا خلال النصف الثاني من القرن العشرين ابتعدت بشكل كبير عن

تلك الأفكار الليبرالية، فتناقصت تعددية الصحف وقل تنوعها، نتيجة لتزايد ظاهرة الاحتكار والتركيز في ملكية

وسائل الإعلام وقلت بالتالي قدرتها على القيام بوظائفها في الوفاء بحق الجماهير في المعرفة، وإدارة المناقشة الحرة

في المجتمع ونقلها للجماهير. وقد لعب تزايد الاتجاه إلى الاحتكار والتركيز في ملكية الصحيفة دورا أساسيا

في تعريض هذه النظرية للنقد من كافة الاتجاهات السياسية، فلم تعد مفاهيم هذه النظرية قادرة على توفير حق التعبير

للصحفيين والجمهور، كما أصبحت قاصرة على تقرير الحق في امتلاك وسائل الإعلام بدون تدخل من الحكومة، ورفض

بعض الباحثين التعريف الغربي لحرية الصحافة بمعنى عدم تدخل الحكومة في شئونها؛ باعتباره تعريفا غير كاف إذ

يعطى الحرية فقط لمجموعة من ملاك وسائل الإعلام.

ويرى بعض الباحثين أن أوضاع الصحافة والإعلام في الدول الغربية بشكل عام والولايات المتحدة الأمريكية بشكل

خاص قد ابتعدت عن مبادئ النظرية الليبرالية

وأن السوق الإعلامية لم تعد حرة أو قادرة على توفير الفرص المتكافئة للتعبير الحر عن كل الأفراد ووجهات النظر

وتغطية الأخبار من مصادر متعددة ومتنوعة.

وبرزت رؤية أخرى حتى من جانب المؤمنين بهذه النظرية تقول" الصحافة وحرية التعبير لا يمكن ضمانها إلا في حالة

إبعاد إنتاج الأفكار وتوزيعها عن السيطرة الرأسمالية من ناحية والسيطرة البيروقراطية السياسية من ناحية أخرى".

3. نظرية المسئولية الاجتماعية

نظرية المسئولية الاجتماعية

بدأت المراجعات النقدية للنظرية الليبرالية للصحافة ابتداء من العقد الثاني من القرن العشرين، ولكنها بلغت ذروتها عند نهاية الحرب العالمية الثانية عندما تشكلت لجنة لحرية الصحافة مكونة من اثني عشر أستاذا أكاديميا يرأسهم البروفيسور روبرت هوتشنز وضمت بين أعضائها أبرز نقاد الصحافة الأمريكية مثل وليم ديفرز وتيودور بترسون. وقد أجرت اللجنة دراستها على الصحافة الأمريكية بتمويل من مجلة تايم الأمريكية ودائرة المعارف البريطانية وقدمت تقريرها في كتاب أعدته اللجنة كاملة 1947  بعنوان : " صحافة حرة و مسئولة " وفي دراسة أخرى كتبها وليم هوكنج عضو اللجنة في مؤلف بعنوان "حرية الصحافة "وهي الكتابات التي صاغت نظرية المسئولية الاجتماعية .

ولقيت دعوة لجنة حرية الصحافة لصحافة حرة ومسئولة صدى داخل الولايات المتحدة وخارجها في بلدان أوربا وعلى رأسها المملكة المتحدة، فتشكلت اللجنة الملكية الأولى للصحافة عام 1949 ودعت إلى ضرورة إحساس العاملين في الصحافة بمسئوليتهم الاجتماعية، حيث تقوم الفكرة المحورية لأفكار هذه النظرية على التنظيم الذاتي الاختياري لمهنة الصحافة فتقوم الصحافة بتنظيم نفسها وفقا لمعايير هذه النظرية إلى جانب تشكيل مجلس للصحافة. ووافق الممارسون في الولايات المتحدة على أن الحرية السلبية في النظرية الليبرالية غير مرغوبة في المجتمع الحديث، وأن الحرية لابد أن ترتبط بالمسئولية، فالإنسان ليس كائنا عاقلا راشدا بل عرضة لعمليات تأثير واسعة النطاق من قبل خبراء العلاقات العامة.

وأدت التطورات في مجال الإعلام إلى رؤية ترى أن حرية الصحافة ليست حقاً طبيعياً لكنها امتياز منح على أساس أن تشكل فائدة للمجتمع ولذا فإنها حتى تستمر لابد أن تكون حرية مسئولة.

ونص تقرير لجنة حرية الصحافة لعام 1947 على أن صناعة الإعلام في الولايات المتحدة يجب أن تستمر في يد القطاع الخاص واضعة في اعتبارها المصلحة العامة، ووضعت اللجنة مجموعة تصورات حول وظائف الصحافة في المجتمع الحديث، وعددًا من التوصيات للحكومة، وللمؤسسات. فمن حيث وظائف وسائل الإعلام في المجتمع المعاصر رأت اللجنة أن الصحافة يجب أن تقوم بالوظائف التالية:

1- إعطاء تقرير صادق وشامل وذكى عن الأحداث اليومية في سياق يعطى لها مغزى.

2- أن تعمل كمنبر لتبادل التعليق والنقد.

3- أن تقدم صورة ممثلة للجماعات المتنوعة التى يتكون منها المجتمع.

4- أن تهدف إلى تحقيق أهداف المجتمع وقيمه وتوضيحها.

5- أن توفر معلومات كاملة عما يجرى يومياً.

وأوصت لجنة حرية الصحافة الحكومة بتطبيق الضمانات الدستورية لحرية الصحافة، وأن تعمل الحكومة على تسهيل ظهور وسائل إعلام جديدة واستمرار المنافسة بين الوسائل الكبيرة القائمة، كما طالبت اللجنة

بإلغاء التشريع الذي يحظر على الأفراد مساندة إجراءات تهدف إلى إحداث تغييرات ثورية على المؤسسات القائمة لأن هذا التشريع يهدد المناقشات السياسية والاقتصادية.

وأوصت لجنة حرية الصحافة المؤسسات الإعلامية بتقديم خدمة تتسم بالتنوع والكم الملائم لاحتياجات الجماهير، فضلا عن زيادة مراكز الدراسة الأكاديمية والبحث والنشر في مجال الإعلام، وإنشاء هيئة جديدة

مستقلة لتقييم أداء الصحافة لعملها وتقديم تقرير سنوي حول هذا الأداء.

كما أوصت اللجنة العاملين في مجال الإعلام بالنقد المتبادل والاستماع لبعضهم وأن يقبلوا مسئوليتهم كناقل عام للمعلومات والمناقشة.

كما قدم أستاذ أمريكي هو كيرتس مونتجرى في كتابه مسئولية لرفع المعايير   رؤية جديدة للمسئولية تقول: إنه إذا قامت الصحافة بإعلام الناس والمحافظة على خصوصيتهم ومراعاة قيمهم فهذه نصف

المسئولية، ولكن النصف الآخر هو بيان مسئولية الجماهير تجاه المادة المذاعة التي هي بدورها تجاه أنفسهم، إذ يجب على الجمهور ألا يتعامل مع ما يقدم من خلال الصحافة والتليفزيون على أنه وجبة كتلك

التي يشتريها من السوبر ماركت، بل عليه أن يدرك الوقائع، ولا يتقبلها كما يقرأها أو يسمعها، ويزن الأفكار التي تتفق مع ميوله والتي تختلف

ويضع افتراضاته الأساسية محلاً للنقاش. ويساوى روبرت رأى في كتابه مسئولية الجرائد بين المسئولية الاجتماعية  وصدق الأخبار والحيدة لأنها أساس حق القراء في المعرفة، ثم المناقشة الديمقراطية الحقة في المجتمع والتي تسهم في تطويره. 

ويلخص دينيس ماكويل المبادئ الأساسية لنظرية المسئولية الاجتماعية في الجوانب التالية:

1-  أن الصحافة وكذلك وسائل الإعلام الأخرى يجب أن تقبل وأن تنفذ التزامات معينة للمجتمع.

2- أن هذه الالتزامات يمكن تنفيذها من خلال الالتزام بالمعايير المهنية لنقل المعلومات مثل الحقيقة والدقة والموضوعية والتوازن.

3-  لتنفيذ هذه الالتزامات يجب أن تنظم الصحافة نفسها بشكل ذاتي.

4-  أن الصحافة يجب أن تتجنب نشر ما يمكن أن يؤدى إلى الجريمة والعنف والفوضى الاجتماعية أو توجيه أية إهانات إلى الأقليات.

5-  أن الصحافة يجب أن تكون متعددة وتعكس تنوع الآراء وتلتزم بحق الرد.

6-  أن للمجتمع حقا على الصحافة هو أن تلتزم بمعايير رفيعة في أدائها لوظائفها.

7- أن التدخل العام يمكن أن يكون مبرراً لتحقيق المصلحة العامة.

ويلاحظ أن هذه النظرية قد طرحت بعض الحلول التي تتمثل في التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، وذلك من خلال إصدار مواثيق شرف مهنية لحماية حرية التحرير الصحفي والممارسة الصحفية، وإصدار قوانين للحد من الاحتكار، وإنشاء مجالس للصحافة مهمتها الحفاظ على حرية الصحافة والالتزام بالمعايير المهنية الرفيعة للصحافة وبحث شكاوى الجمهور ضد الصحف إلى جانب إنشاء نظام لتقديم إعانات للصحف.

ولكن مجمل الأفكار التي طرحتها هذه النظرية لم تتح لها فرصة التنفيذ بشكل كامل، فقد نظر الصحفيون الأمريكيون إلى هذه الأفكار على أنها تمثل اتجاهاً نحو الاشتراكية وخطرا على حرية الصحافة، كما عارضت هذه الأفكار بشدة مجموعات ملاك الصحف.

ومع ذلك يمكن القول: إن نظرية المسئولية الاجتماعية قد حققت بعض النتائج الإيجابية في بعض دول أوربا مثل السويد التي قامت بمواجهة خطر سيطرة الاحتكارات على صحافتها بإنشاء نظام لتقديم إعانات حكومية للصحف بهدف المحافظة على التنوع الصحفي، ونجحت هذه المعونات خلال حقبة الستينيات في المحافظة على حياة كثير من الصحف الصغيرة في السويد.

ولكن فكرة تقديم معونات للصحف تم رفضها بشكل واسع في بريطانيا وغيرها من دول أوربا خوفا من استغلال الحكومات لها في التدخل في شئون الصحافة، كما صدرت قوانين للحد من الاحتكار والتركيز في ملكية الصحافة في بريطانيا وفرنسا، ولكن هذه القوانين لم تستطع أن توقف تزايد معدل التركيز والاحتكار، أو أن تحفظ الحياة للصحف الصغيرة.

4. النظرية الشيوعية

النظرية الشيوعية :

شهد الربع الأول من القرن العشرين ميلاد نظرية الصحافة الشيوعية، ويعتبر كارل ماركس الأب الشرعي لهذه النظرية متأثرا بفلسفة زميله الألماني جورج هيجل. وترتكز هذه النظرية على أن وظائف وسائل

الإعلام في المجتمع الشيوعي- كما يقول كارل ماركس- هي نفسها وظائف الجهاز الحاكم وهى بقاء وتوسع النظام الاشتراكي، وان هذه الوسائل يجب أن توجد لنشر السياسة الاشتراكية، وفى ظل هذه النظرية فإن

وسائل الإعلام الجماهيرية تعتبر أدوات للحكومة وجزءا لا يتجزأ من الدولة، والدولة يجب أن تملك وتقوم بتشغيل هذه الوسائل، والحزب الشيوعي هو الذي يقوم بالتوجيه، وتسمح النظرية الشيوعية بالنقد الذاتي

مثل الحديث عن الفشل في تحقيق الأهداف الشيوعية.

وتستند النظرية الشيوعية إلى فرضية أن وسائل الإعلام يجب أن تعمل دائما من أجل الأفضل، والأفضل عادة هو ما تقوله القيادة ويكون متماشيا بطبيعة الحال مع خط النظرية الماركسية، وعلى ذلك فإن كل ما

تفعله وسائل الإعلام كي تدعم وتساهم في إنجاح الشيوعية يعتبر أخلاقيا في حين أن كل ما تفعله لعرقلة الإنجاز الشيوعي يعتبر غير أخلاقي.

وتقوم هذه النظرية على عدة أسس هي:

- أن وسائل الإعلام يجب أن تخدم مصالح الطبقة العاملة وتكون تحت سيطرتها.

- حظر الملكية الفردية للصحف ووسائل الإعلام.

-  من حق المجتمع فرض الرقابة والإجراءات والقيود القانونية لمنع نشر أية أفكار ضد الاشتراكية ومن حق المجتمع أن يعاقب الصحفيين.

وقد استخدمت النظرية الشيوعية مفردات كثيرة كشعارات تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة الاجتماعية والتقدم الثقافي ورفع الاستغلال عن طبقات الشعب

العامل، ولقد ثبت عند التطبيق أن بعض تلك المفردات ظلت مجرد شعارات إعلامية.

وبانهيار الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1989 على يد الرئيس السوفياتي ميخائيل خورباتشوف، تلقى النظرية الشيوعية في الإعلام المصير نفسه بعد أن تكشف كيف أخفت وسائل الإعلام في ظل

هذه النظرية الكثير من المعلومات عن الجماهير نتيجة للقيود الصارمة التي كانت مفروضة عليها. وأن ساهم الباحثون الذين تبنوا هذه النظرية في نقد أوضاع الصحافة في

الغرب وتحليل أوضاع وسائل الإعلام الغربية بمنهج نقدي.

 

5. النظرية التنموية

 

نظرية صحافة التنمية أو النظرية التنموية :

ليس من السهل تحديد هوية هذه النظرية في عبارة واضحة محددة، فهي  لا تزال مجموعة من الآراء والتوصيات الملائمة لكافة وسائل الإعلام ووظائفها في الدول النامية. وتكتسب هذه النظرية وجودها المستقل عن نظريات الصحافة الأخرى من

اعترافها وقبولها للتنمية، وتأكيدها على هوية الأمة، ووحدتها وتماسكها، ورفضها

التبعية والسلطوية المتعسفة. وصحافة التنمية كما يعرفها ليونارد سوسمان هي تركيز الصحفيين

الموضوعيين على أخبار أحدث التطورات في مجالات التنمية المختلفة، الأمر الذي يؤدى إلى نجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الوحدة الوطنية وهى أيضا استخدام الحكومة لمنافذ الاتصال لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتطلب صحافة التنمية من الصحف - كما يقول ناريندر أجاروالا - أن تتفحص بعين ناقدة، وتقيم وتكتب عن مدى ارتباط المشروع التنموي بالحاجات

المختلفة والمصالح القومية، وتتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف بين آثارها على الناس فى تصريحات المسئولين وبين آثارها الفعلية. ويلاحظ التناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة في خدمة التنمية وبين الدور الرقابي للصحافة، ففي ظل السيطرة الحكومية يتراجع النقد وتتحول أخبار التنمية إلى دعاية سياسية للحكومة وقيادتها.

ولعل هذا التناقض هو الذي دعا المفكر الإعلامي الإنجليزي أنتوني سميث إلى التأكيد على ضرورة التفرقة بىن صحافة التنمية والاتصال فى خدمة التنمية، إلا أنه يرى أن المفهومين يدخلان في إطار السيطرة الحكومية.

وهو ما يؤكده كالريب راميال حيث يشير إلى الارتباط بين مفاهيم صحافة التنمية و الصحافة الموجهة

و الاتصال في خدمة التنمية ويلخص ماكويل المبادئ الأساسية لنظام الإعلام التنموي فيما يلي:

-  أن وسائل الإعلام يجب أن تقبل وتنفذ دوراً إيجابياً في إنجاز أهداف التنمية التي تحددها السياسة القومية.

- أنه يمكن فرض قيود على حرية الإعلام طبقا للأولويات الاقتصادية والاحتياجات التنموية للمجتمع،

-  أن وسائل الإعلام يجب أن تهتم بالثقافة القومية واللغة الوطنية.

- أن وسائل الإعلام يجب أن تعطى الأولوية لأخبار الدول النامية القريبة سياسيا أو ثقافيا أو جغرافيا.

ووفق النظرية التنموية تتلخص مهام وسائل الإعلام في عملية التنمية في النقاط التالية:

- تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية.

- مساعدة المواطنين على إدراك أن الدولة الجديدة قد قامت بالفعل.

- انتهاج سياسات تقررها الحكومة بهدف المساعدة في تحقيق التنمية الوطنية.

- تشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والسياسات الحكومية، مما يضفى الشرعية على السلطة السياسية ويقوى مركزها.

- الإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي، من خلال بحث الصراعات السياسية والاجتماعية، وإحباط أصوات التشرذم والتفرقة، والتخفيف من التناقضات في القيم والاتجاهات بين الجماعات المتباينة.

- المساعدة في الاستقرار والوحدة الوطنية، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الذاتية.

- إبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات، وتقليل حجم النقد إلى حجمه الأدنى.

وصحافة التنمية هي النتيجة الطبيعية للصحافة الثورية، حيث أنها تسعى لخلق أمة جديدة وتنميتها، وتطبيق المثل التي أعلنت في المرحلة الثورية السابقة، بينما الصحافة الثورية تكرس نفسها، وبالكامل لمناهضة القوى التي لا يرغب الناس في مجتمع بعينه في أن تحكمهم، ومحاولة الإحاطة بها.

ويرى البعض أن الصحافة الثورية وصحافة التنمية من بين النتائج الضرورية لمحاولة تحرير بلد من البلاد من السيطرة الأجنبية، وهما يمثلان مصدر فزع لمؤيدي الوضع الراهن والمدافعين عنه، وهذان النمطان من أنماط الصحافة قد يتسمان، في  بعض الأحيان بالتهاب العاطفة والابتعاد عن الموضوعية بل وحتى الميل إلى الجدل العنيف والعدوانية، وأحيانا يرث هذان النوعان من الصحافة تلك الرذائل الخطيرة المتمثلة في دعم وتعزيز أهداف بعض الزعماء والطوائف الذين يتصفون بالأنانية.

وقد كانت ممارسة الأنظمة السياسية التي شكلت في الدول النامية في أعقاب استقلالها تقوم على الخلط والتلفيق والاستناد أساساً على القوانين الموروثة من الحقبة الاستعمارية القائمة على نظرية السلطة.

وكانت السمة الأساسية للتجارب الإعلامية في هذه الدول هي قيام السلطة بتقييد حرية الصحافة، وفرض وتكريس تبعية الصحافة للسلطة مما أدى إلى تزايد تبعية وسائل الإعلام للنظام الإعلامي الدولي.

6. نظرية المشاركة الديمقراطية

نظرية المشاركة الديمقراطية

تعد هذه النظرية أحدث إضافة لنظريات الصحافة وأضعفها تحديداً، فهي تفتقر حتى الآن إلى وجود حقيقي في الممارسات المختلفة للمؤسسات الإعلامية فضلاً عن أن بعض سياساتها تتضمنها نظريات الصحافة الأخرى،ورغم أن وجود هذه النظرية بشكل مستقل عن النظريات الأخرى مازال محل خلاف وشك، إلا أنها تستحق الحديث عنها بشكل مستقل نظراً لما تمثله من تحديات للنظريات السائدة.

وقد برزت هذه النظرية من واقع الخبرة العملية كاتجاه إيجابي نحو ضرورة وجود أشكال جديدة في تنظيم وسائل الإعلام، كما نشأت كذلك كرد فعل مضاد للطابع التجاري والاحتكاري لوسائل الإعلام المملوكة ملكية خاصة ومضادة لمركزية وبيروقراطية مؤسسات الإعلام العامة التي قامت على معيار المسئولية الاجتماعية،وتوجد هذه النظرية فى المجتمعات الليبرالية المتقدمة رغم ارتباطها ببعض العناصر التي تطرحها النظرية التنموية، خاصة ما يتعلق منها بالتأكيد على احترام أسس المجتمع والاهتمام بالاتصال الأفقى بدلا من الاتصال الرأسي من أعلى إلى أسفل،والذي يعنى سلبية مشاركة المتلقي في عملية الاتصال وهو اتجاه واضح تماما فى

الدول الأوروبية خاصة دول إسكندنافيا وبعض الدول الأوربية الأخرى.

ويعبر مصطلح المشاركة الديمقراطية عن معنى التحرر من الأحزاب السياسية القائمة والنظام البرلماني الديمقراطي والذي بدا وكأنه انفصل عن جذوره وأنه يعوق المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية بدلا من أن يدعمها.

وتنطوي هذه النظرية على آراء معادية لنظرية المجتمع الجماهيري الذي يتسم بالتنظيم المعقد والمركزية الشديدة والذي فشل في أن يوفر فرصا حقيقية للأفراد والأقليات في التعبير عن اهتماماتها ومشكلاتها.

وترى هذه النظرية أن الصحافة الحرة فاشلة بسبب خضوعها لاعتبارات السوق التي تفرغها من محتواها وترى أن نظرية المسئولية الاجتماعية غير ملائمة بسبب ارتباطها ببيروقراطية الدولة.

كما ترى أن التنظيم الذاتي لوسائل الإعلام لم يمنع نمو مؤسسات إعلامية تمارس سيطرتها باعتبارها مراكز قوة فى المجتمع مما أدى إلى فشل وسائل الإعلام في مهمتها وهى تلبية الاحتياجات الناشئة عن الحياة اليومية للمواطن.

وهكذا فإن الفكرة الأساسية في نظرية المشاركة الديمقراطية تكمن في الاحتياجات والمصالح والآمال لجمهور متلق نشط في مجتمع سياسي، وهى تهتم بالمعلومات الملائمة وحق المواطن في استخدام وسائل الاتصال من أجل التفاعل والمشاركة على نطاق صغير في مجتمعه، وترفض هذه النظرية ضرورة التوحد أو المركزية أو الحياد أو السيطرة الحكومية على وسائل الإعلام، وهى تشجع التعددية والمحلية والتفاعل بين المرسل والمستقبل والاتصال الأفقي الذي يشمل كل مستويات المجتمع.

ويعتقد مؤيدوها أن وسائل الإعلام التي تنشأ في ظل هذه النظرية سوف تعنى أكثر بالحياة الاجتماعية وتخضع لسيطرة مباشرة من جمهورها وتقدم فرصا للمشاركة على أسس يحددها مستخدموها بدلا من المسيطرين عليها.

وتتلخص المبادئ الأساسية لهذه النظرية في الأمور التالية:

- أن للمواطن الفرد ولجماعات الأقليات حق الوصول إلى وسائل الإعلام واستخدامها، ولهم كذلك الحق في أن تخدمهم وسائل الإعلام طبقا للاحتياجات التي يحددونها هم.

- أن تنظيم وسائل الإعلام ومحتواها لا ينبغي أن يكون خاضعا لسيطرة

بيروقراطية حكومية أو سياسية مركزية.

- ينبغي أن توجد وسائل الإعلام أصلا لخدمة جمهورها وليس من أجل المنظمات التي تصدر هذه الوسائل أو المهنيين العاملين بها أو عملائها أو جمهورها.

- أن الجماعات والمنظمات والتجمعات المحلية ينبغى أن يكون لها وسائلها الإعلامية.

- أن وسائل الإعلام صغيرة الحجم والتي تتسم بالتفاعل والمشاركة أفضل من وسائل الإعلام المهنية الضخمة التي ينساب محتواها في اتجاه واحد.

- أن الاتصال أهم من أن يترك للمهنيين.

ويتمثل الوجود الفعلي لهذه النظرية في الصحافة السرية، وما أطلق عليه محطات راديو القراصنة والتليفزيون اللاسلكي في التجمعات المحلية ووسائل الإعلام في التجمعات الريفية ومنشورات الشوارع والملصقات السياسية.

ويتوقع البعض أن التطورات التكنولوجية سوف تفتح أفاقا أرحب أمام هذه النظرية من  خلال إتاحة أجهزة النسخ بأسعار منخفضة والوصول إلى مزيد من قنوات الاتصال الإلكترونية، ويتوقع أن يظل تأثير هذه القنوات الجديدة على أوضاع وسائل الإعلام القائمة الآن هامشيا خلال المستقبل المنظور.