2. المبحث2

2.1. المطلب1

أولا:الأسباب الشرعية لرفض الفلسفة اليونانية

1- إنّه لم يؤثر عن الصحابة والتابعين الاشتغال بالفلسفة، ثم إنّ الشريعة الإسلامية ليست موقوفة على شيء يتعلم من غير المسلمين أصلاً، وإن كانت طريقاً صحيحاً، فكيـف إذا كانت فاسدة أو متضمنة للفساد، بل متضمنة الكفر والإلحاد .

2- إنّ الفلسفة نشأت في بيئة وثنية، كان أصحابها أهل شرك وإلحاد، بل ما عند مشرك ي العرب من الكفر والشـرك خيـر ممـا عنـد الفلاسـفة .قـال ابـن تيميـة فـي الفلاسفة: "وضلالهم في الإلهيات ظاهر لأكثر الناس، ولهذا كفرهم فيها نظـار المسـلمين قاطبة". ولهذا كان أبو القاسم السهيلي وغيره يقول:" نعوذ بالله من قياس فلسفي وخيال صوفي".

 3- قصور البرهان الفلسفي عن الوصول بالإنسان إلى اليقين، وذلك عند تطبيقه فـي الإلهيات، يقول الغزالي:"لهم نوع من الظلم في هذا العلم، وهو أ نّهم يجمعون للبرهـان شروطاً يعلم أنها تورث اليقين لا محالة، لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد الدينيــة مـا أمكنهم الوفاء بتلك الشروط، بل تساهلوا غاية التساهل".

 4- لقد سببت الفلسفة اليونانية التفرق والاختلاف والتنابذ، وما زال أهلها والمشتغلون بها على هذه الحال، بل لا تكاد تجد اثنين منهم يتفقان على مسألة، حتى فـي البديهيات أو اليقينيات. وقد صدق الملك النصراني على قبرص -زمن الدولة العباسية لمّا طلب من العباسي المأمون كتب الفلاسفة -عندما قال: فما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلاّ أفسدتها، وأوقعت بين علمائها.

 5- يلزم عن الاشتغال بالفلسفة عدة لوازم فاسدة، تناقض العلم والإيمان، وتفضي إلـى أنواع من الجهل والكفر والضلال. ومن ذلك:

أ -القول بقدم العالم، وذلك لأن الإله لا يسبق العالم في الوجود الزمني، وإن كان يسـبقه في الوجود الفكري، مثلما تسبق المقدمة النتيجة في الوجود الفكري وهذا مما أنكـره الغزالي على الفلاسفة وكفرهم به في كتابه: تهافت الفلاسفة.

ب- إنكار هم الصفـات الثبوتيـة لله تعالـى، بل يصفونه بالسلوب المحض، أو بمـا لا يتضمن إلا السلب، ولهذا قالوا:الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، لأنّه لو صدر عنه اثنـان لكان ذلك ً مخالفا للوحدة، وبهذا نفوا أن يكون الله فاعلاً مختاراً فنفـوا الصفات عـن الله تعالى هروباً من تشبيهه بالنفوس الفلكية أو الإنسانية، ثم شبهوه بالجمادات.

ج - إنكار علم الله تعالى بالجزئيات، وهذا هو المشهور عنهم، وهو مما أنكـره علـيهم العلماء، ومنهم الغزالي في بعض كتبه. وذلك لأنّ هذه الجزئيات في تغير، فلو تعلـق علم الله تعالى بها للزمه التغير بتغير المعلوم، فيلزم من ذلك التغير في ذات الله تعـالى، وهو الواحد الأحد. وهذا تكذيب للقرآن الكريم و لصريح العقل، وفيه فتح لباب الزندقة،والخروج على الشريعة جملة وتفصيلاً، وأعظم منه إساءة الظن برب العـالمين .ومـن المعلوم أن من يعتقد عدم علم الله بالجزيئات فقد أضاف إلى إليه تعالى معرفـة ناقصـة بالعالم، وأبطل عنايته وتدبيره بأفراد المخلوقات والموجودات.

د- إنكار الوحي والنبوة ومعجزات الأنبياء:لمّا رأى الفلاسفة اشتراك النفوس في كثيـر من الأحوال عادة، جعلوا ذلك أمراً عاماً وكلياً وملزماً لكل النفوس، ورأوا لبعض النفوس قوة حدسية، وتأثيراً في بعض الأمور، وأموراً متخيلة، فلما بلغهـم مـن أمـر الأنبيـاء كالمعجزات ونزول الوحي ورؤية الملائكة وغير ذلك، جعلوا ما يحدث للأنبياء على نحو ما يكون لتلك النفوس، فليست النبوة هبة الله، ومنته على بعض عباده، بـل هـي أمـر مكتسب تستعد له النفوس بأنواع الرياضات، والمجاهدة.

هـ- إنكارهم عالم الغيب مثل: الحشر والنشر، والصراط والميزان، والجنة وما فيها من نعيم مقيم، والنّار وما فيها من عذاب وشقاء مقيم، حيث يعدونها رموزا وأخيلـة، بغرض تفهيم العوام وتقريب الأمر الروحي إلى الأذهان بضرب الأمثلة من المحسوسات.