4. السياسات السكانية
تتبع كل دولة سياسة محددة لتنظيم سلوك سكانها من الناحية الديمغرافية حاضراً ومستقبلاً، وتشمل هذه السياسة مجموعة الإجراءات والمخططات والبرامج التي تستهدف التأثير في المتغيرات السكانية والتركيب الهيكلي للسكان من الناحية الكمية والنوعية، بما يلائم حاجات المجتمع ومتطلبات نموه ورفاهية مواطنيه.
4-1. مفهوم السياسة السكانية: تعرف السياسة السكانية أو الديمغرافية على أنها مقاييس أو برامج تشريعية، إدارية أو أية إجراءات حكومية أخرى بقصد تعديل أو تغيير الاتجاهات الديمغرافية القائمة لصالح رفاهية المجتمع. كما تعرف بأنها مجموعة ممارسات شرعية للسلطات الحكومية تهدف إلى التأثير على التركيب السكاني على مستوى المجتمع القومي أو حتى المستوى العالمي، من حيث الحجم زيادة أو نقصانا ومن حيث توزيع السكان.
4-2. الخيارات والأولويات المعتبرة عند إجراء السياسة السكانية:
لا تقتصر السياسة السكانية على معالجة مشكلة الزيادة السريعة في عدد السكان ولكنها تشمل أيضا برامج لتنشيط نمو السكان في بعض البلدان، وتنظيم هجرة السكان وحركتهم والتوزيع المكاني المتوازن للسكان وتنظيم حركة وتوزع القوى العاملة ومساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وتمكينها اجتماعيا. كما تهدف هذه السياسة إلى تحسين مستوى معيشة السكان ورفاهيتهم، وتضييق الفجوة الحضارية بين الريف والمدينة وكل ما يتعلق بالسلوك الديمغرافي بشكل عام.
قصد توقع نجاح سياسة سكانية لبلد ما لابد من ضرورة وضع سلم للأولويات والخيارات يقوم على:
أ- التركيز النسبي على الأهداف والغايات المرجوة؛
ب- إعطاء الأولوية لتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين؛
ت- التركيز على تبني مفهوم الصحة الإنجابية الواسع النطاق؛
ث- مناصرة الفقراء والمسنين والأسر التي ترأسها النساء؛
ج- إيجاد بيئة مشجعة لإدماج أهداف السياسة الديمغرافية في خطط التنمية؛
4-3. العوامل المؤثرة على نوع السياسة السكانية ومقوماتها:
4-3-1. العوامل المؤثرة على نوع السياسة: هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نوع السياسة الديمغرافية المتخذة من دولة ما والتي عليها أن تأخذها بمحمل الجد عند رسم هذه السياسة وهي:
ا- العوامل الاجتماعية، الثقافية والدينية: يتأثر نوع السياسة الديمغرافية بالحياة الاجتماعية والدينية، ويأتي الدين في مقدمة هذه العوامل، على اعتبار ان الدول التي يلعب فيها الدين دورا مؤثرا على حياة الأفراد، غالبا ما تتبع سياسة ديمغرافية رافضة لتحديد النسل، ولكنها قد تقبل خيارات أخرى تتعلق بتنظيم النسل.
ب- العوامل الاقتصادية: يؤثر المستوى الاقتصادي وأنماط الإنتاج في الدولة على نوع السياسة المتبعة وتقوم الدولة بإتباع السياسة الديمغرافية التي تتناسب وإمكانياتها المادية والبشرية، حيث أن الظروف الاقتصادية تنعكس على الحاجة إلى اليد العاملة ومن تم تؤثر على سياسات الهجرة والنمو السكاني.
ت- العوامل السياسية والاعتبارات القومية: تسعى الدول الصغيرة الى زيادة عدد سكانها وبخاصة تلك المهددة من قبل دولة او دول مجاورة ذات حجم سكاني كبير، ولعل التاريخ زاخر بنماذج كثيرة كان لها الأثر في ذلك.
4-3-2. مقومات السياسة الديمغرافية: تشتمل السياسة الديمغرافية من وجهة النظر النموذجية أو التصورية على العناصر التالية:
ا- البحث في الاتجاهات الديمغرافية السابقة والحالية وتحليل أسبابها؛
ب- التنبؤ بالتغيرات الديمغرافية المستقبلية من خلال بياناتها السابقة والحالية؛
ت- تقييم وتقدير النتائج الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنماط المتوقعة من التغيرات السكانية وتحديد أهميتها من منظور المصالح والاهتمامات القومية؛
ث- إجراء وتطوير المقاييس والإجراءات اللازمة التي يكون تصميمها مناسبا للتغيرات المطلوبة ومنع حدوث تغيرات غير مرغوب فيها.
4-4.- مؤشرات قياس مدى فاعلية السياسة السكانية :
هناك عدد من المؤشرات تدلنا على مدى فاعليتها ومستوى كفايتها وتأثيرها من خلال دراسة مستوى التغير الذي حصل في السلوك الإنجابي ومعدل النمو السكاني، خلال فترة زمنية محددة (فترة تطبيق السياسة السكانية) مقارنة أرقام المؤشرات في بداية الفترة ونهايتها. ومن هذه المؤشرات:
1- أثر السياسات السكانية في استخدام وسائل تنظيم الأسرة:
لوحظ أن استخدام السياسات السكانية يساعد على تنظيم الأسرة، وبخاصة عندما تكون السياسة رسمية ومعلنة. ولكن تظل فاعلية وكفاية السياسة السكانية بمختلف مستوياتها منخفضة، وبخاصة عندما نجد أن استخدام وسائل تنظيم الأسرة لا يصل إلى نسبة 50 في المائة في أحسن حالاته. مع أن الكفاية والفاعلية تكون جيدة في حال وصلت النسبة إلى حدود 80% وأكثر.
2- أثر السياسات السكانية وفعاليتها على مؤشر معدلات الخصوبة :
يقاس معدل الخصوبة بعدد الولادات للمرأة الواحدة ، أما معدل الخصوبة العام فهو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد الإناث في سن الحمل (15-45 سنة). ومعدل الخصوبة الكلي، هو متوسط عدد الولادات للمرأة الواحدة أثناء فترة الإنجاب. ويتم اعتماد معدل الخصوبة الكلي كمؤشر نظراً لسهولة حسابه ودقته.
يلاحظ تراجع معدلات الخصوبة الكلية في معظم البلدان التي اتبعت سياسة سكانية محددة أم لم تتبع. وهذا يعني أن ثمة عوامل أخرى غير السياسات السكانية قد أثرت على معدل الخصوبة وأدت إلى تراجعه . ومن هذه العوامل، زيادة الوعي في السلوك الإنجابي –تزايد تعليم المرأة - زيادة مساهمتها في النشاط الاقتصادي وغير ذلك.
إلى جانب ذلك نلاحظ أن الدول التي اتبعت سياسة سكانية تشجيع زيادة الخصوبة قد حققت زيادة في معدل الخصوبة فيها، مثل السعودية وعمان، وهذا يعني كفاية السياسة السكانية وفعاليتها. كما أن الدول التي اتبعت سياسة لخفض الخصوبة، كمصر وتونس، قد نجحت في تحقيق ذلك وهذا يوضح لنا فاعلية السياسة السكانية فيها ونجاحها.
ولما كانت المقارنة الدولية تساعد في الحكم على سلامة ظاهرة معينة أو عدم سلامتها كالسياسة السكانية وأثرها على الخصوبة، فإننا نلاحظ ارتفاع معدلات الخصوبة في الدول العربية بالرغم من تراجعها، وهذا يؤشر إلى انخفاض كفاية وفعالية السياسات السكانية القائمة والتي تهدف إلى تخفيض معدلات الخصوبة. وهذا يؤكد الحاجة إلى سياسات أكثر فاعلية وتأثير.
3- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات المواليد:
كما نعلم معدل المواليد هو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد السكان في منتصف السنة. ويمكننا الاستناد إلى التغيـر في معـدلات المواليد للحكـم على مدى فعالية وأثر السياسات السكانية.
لوحظ تراجعاً واضحاً في معدلات المواليد في مختلف الدول المتشابهة أو المتباينة في سياستها السكانية، الأمر الذي يدل أن هناك عوامل أخرى غير السياسة السكانية تؤثر على معدلات المواليد إلى جانب هذه السياسة وفي بعض الأحيان ورغم تشابه توجهات السياسة السكانية نلاحظ تباين النتائج في رفع أو خفض معدلات الولادات وهذا يدل على خفض تأثير السياسات السكانية وقوة تأثير عوامل أخرى، كتزايد التعليم وتزايد مساهمة المرأة بالنشاط الاقتصادي وتعليم الإناث .
وإذا قارنا معدلات المواليد في الوطن العربي خلال الفترة 1980-1995 بمثيلاتها العالمية نجد ارتفاعاً واضحاً في معدلات المواليد لصالح الدول العربية. حيث تصل معدلات المواليد في الدول العربية إلى نسبة 44 بالألف في حين لم تصل في آسيا إلى 27 وأمريكا اللاتينية إلى 32 وفي أوروبا إلى 14 وفي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 16 وفي الدول النامية إجمالاً إلى 31 وفي الدول المتقدمة إلى 15 وفي العالم كله 32. وهذا يوضح لنا أن تأثير السياسات السكانية في معدلات المواليد ما يزال ضعيفاً، وغير كاف لإحداث خفض ضروري في معدلات المواليد في الوطن العربي.
4- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات الوفيات:
يقاس معدل الوفيات بنسبة عدد الوفيات خلال سنة كاملة إلى عدد السكان في منتصف هذه السنة. ويرتبط هذا المؤشر بالعناية الصحية والغذاء ومستوى الرفاه وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى خفض هذا المعدل أو ثباته. ويمكننا أن نستخدم هذا المعدل كمؤشر يوضح لنا وفعالية السياسة السكانية.
نلاحظ تراجعاً واضحاً في معدلات الوفيات خلال العقود الثلاثة الأخيرة الأمر الذي يدل على تشابه تأثير السياسة السكانية التي تسعى إلى تحسين الأحوال الصحية والعناية بصحة الأم والطفل. وهذا يوضح جودة وفعالية السياسات السكانية المتبعة.
وبالرغم من تراجع معدلات الوفيات في الدول العربية إلى أن هذه المعدلات ما تزال مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية الأمر الذي يتطلب زيادة مستوى الفاعلية والتأثير للسياسة السكانية وبخاصة ما يتعلق بالخدمات الصحية والغذائية والثقافية والمعاشية بصورة عامة.
5- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات النمو السكاني:
الهدف الرئيسي للسياسات السكانية هو خفض أو زيادة أو ثبات معدل التزايد السكاني. وهكذا نجد أن معدلات النمو السكاني واتجاهات التغير فيها تعد من المؤشرات الرئيسة التي توضح لنا كفاية السياسات السكانية وفاعليتها.