النظريات والسياسات السكانية

Site: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
Cours: مدخل الى الديمواغرافيا
Livre: النظريات والسياسات السكانية
Imprimé par: Guest user
Date: Sunday 19 May 2024, 12:32

1. الفكر السكاني عند مالتوس

 نظرية مالتوس: توماس روبرت مالتوس ( 14 فبراير 1766 - 23 ديسمبر 1834 ) باحث سكاني واقتصادي سياسي إنجليزي، مالتوس مشهور بنظرياته المؤثرة حول التكاثر السكاني في العصر الحديث يتم مناداته توماس مالتوس رغم أنه في حياته استخدم اسمه الأوسط، روبرت

رأي مالتوس في نمو السكان في مقاله الأول: نشره سنة 1798 وهو في 32 من عمره دون أن يذكر اسمه وقد ظهر في عنوان مطول وهو " مبدأ عام للسكان كما يؤثر في تقدم المجتمع في المستقبل " ويمكن تلخيص أفكاره في ما يلي:

  •    الغذاء ضروري للحياة والإنسان شهواني بالطبيعة.
  •   قوة السكان في التزايد أعظم من قوة الأرض في إنتاج الغذاء.
  •  السكان يتزايدون وفق متتالية هندسية في الوقت الذي يتزايد فيه الإنتاج حسب متتالية حسابية.
  •  حدد العوائق التي تحد من نمو السكان وحصرها في البؤس والرذيلة.

تعقيب: لم يعجب ما ورد في المقال رجال الدين ونقدوه بشكل كبير وهو إتهام مباشر بسمعته كرجل دين مما دعاه إلى م ا رجعة المقال بإمعان وتعمق دامت 5 سنوات ا زر خلالها أوروبا مرتين وجمع مادة علميةكبيرة في د ا رسته للسكان حللها وناقشها في الطبعة الثانية.

مبدأ مالتوس في المقال الثاني: نشره باسمه سنة 1803 وتلخصت أفكاره في:

  • السكان لا يعيق نموهم عائق قائلاً في الولايات الشمالية الأوروبية حيث كانت وسائل المعيشة أكثر من الكفاية وكانت أخلاق الناس أكثر صفاءاً ولم تكن العوائق ضد الزيجات المبكرة كثيرة فقد وجد أن السكان يتضاعف عددهم في أقل من 25 سنة وإذا لم يعق نمو السكان عائق يستمرون في تضاعف كل 25  سنة وفق متتالية هندسية، بينما يرى أن الزراعة في إنجلترا تحتل المرتبة الثانية بعد الصناعة، وإذا لم يتم الإعتناء بالجانب الزراعي سوف يبلغ إنتاجها بعد 25 سنة ضعف الإنتاج الأصلي ولن يبلغ إنتاجها أربعة أضعاف بعد 25 سنة أخرى كما هو الحال في الزيادة السكانية فالغلة والقوت يتزايد وفق متتالية حسابية.
  • وأعطى مثالاً عن ذلك " إذا أخذنا الأرض كلها وفرضنا أن السكان الحالين يعادلون 1000 مليون نسمة فإن الزيادة البشرية سوف تكون وفق متتالية هندسية يعني256.188.64.32.16.8.4.2.1 ، بينما يتزايد القوت حسب الأرقام التالية 9.8.7.6.5.4.3.2.1 ، وعلى هذا النحو يكون خلال قرنين عدد السكان بالنسبة للغذاء 256 مقابل 9 وبعد ثلاث قرون أخرى 4096 مقابل 13 .
  • حدد العوائق التي تحد من الزيادة السكانية وصنفها إلى العوائق المانعة أو الوقائية والعوائق الإيجابية أو القصرية، يقصد بالعوائق المانعة كل من الجوع والمرض والحروب وهي كلها تساهم في رفع معدلات__الوفيات، بينما يقصد بالعوائق الإيجابية فهي التي تؤثر في نمو السكان بخفض المواليد عن طريق تأخير سن الزواج وكبح جناح النفس أثناء الزواج أي إهمال العلاقات الجنسية أو الإقلال منها، إلى جانب ذلك طرح مانع جديد ويتمثل في المانع الأخلاقي والذي يقصد به رؤية الإنسان إلى إمكانياته الاقتصادية ومدى قدرته على تغطية تكاليف الأسرة قبل إقباله على الزواج.

تعقيب: ولقد أثبت الواقع العملي خطأ نظرية مالتوس حيث أن نموذج الصين واليابان والهند ودول شرق آسيا, فبالرغم من زيادة عدد السكان إلا ا أن هناك زيادة ملحوظة في النمو وزيادة معدل دخول الافراد ,كما ظهر في الآونة الأخيرة موارد طبيعية في بعض بلدان العالم حول إلى دول غنية بصرف عدد السكان .

2. النظريات الطبيعية والاجتماعية

نظريات الطبيعية والإجتماعية أو النظرية ما بعد مالتوس بعد أن ظهرت عيوب مالتوس وازداد في الوقت نفسه الاهتمام بالتغيرات الاجتماعي ة في تفسير الظاهرة السكانية كان منتظر اً أن تظهر تفسيرات جديدة حول زيادة السكان لقد وضع مالتوس أسلوبا في النظريات  السكانية اتبعته اغلب النظريات التي ظهرت بعده لتفسير زيادة السكان إلا أنها كانت تنتهي عادة بنتائج أكثر تفاؤلا مما انتهت عليه نظرية مالتوس ونميز بين نوعين من النظريات ، مجموعة النظريات الطبيعية من ناحية ومجموعة النظريات لاجتماعية من ناحية أخرى.

1 النظريات الطبيعية: تعتمد النظريات الطبيعية أساسا على الاعتقاد بأن طبيعة الإنسان نفسه وطبيعة العالم -الذي يعيش فيه تتحكمان في نموه بنسبة معينة، وهذا النوع من النظريات يرينا كيف كان علماء الحياة يحاولون إيجاد قانون نمو السكان يتمكنون به من معرفة ما حدث في الماضي وما سيحدث في المستقبل دون أي تدخل من الإنسان من ناحية القيم أو الاتجاه ات ومن أبرز علمائه:

         1-1 هربرت سبنسر: إعتقد سبنسر بوجود قانون طبيعي يعفي الإنسان من أية مسؤولية من التحكم في زيادة عدد أفراده، ويرى أن الطبيعة حققت هذه الغاية عن طريق إضعاف إهتمام الإنسان بالتناسل في حين

يؤدي به تخصص المزيد من الوقت و الجهد إلى التنمية الشخصية و العلمية و الاقتصادية  ، لقد أكدت نظرية سبنسر على العلاقة بين زيادة السكان و الحضارة بمعنى: كلما تعقدت الحضارة كلما زاد الجهد الفسيولوجي للإنسان وهو ما يترتب عليه قلة الإنجاب وبإختصار فان التقدم الحضاري ونضجه غير ملائم للإخصاب المرتفع  .

1_2 كورادو جيني: تتمثل أفكاره في: يسلم بأن المجتمع يمر بثلاث مراحل، هي النشأة والتكوين والتقدم والازدهار والاضمحلال والفناء، افترض أنه في كل مرحلة من مراحل تطور وتغير المجتمع يمكن أن نلاحظ خصائص محددة تميز نمو السكان ونتائج تترتب على هذا النمو تؤثر في مختلف جوانب المجتمع البيولوجية والمورفولوجية والاقتصادية وغيرها. ثم أخذ يبحث عن الشواهد الواقعية التي تؤكد الارتباط بين نمو السكان وتغير المجتمع فلاحظ:

أ‌-  مرحلة النشأة: تتميز المجتمعات في مرحلة النشأة بمعدل خصوبة مرتفع ويصاحب ذلك عدم وجود اختلافات اجتماعية واضحة بين سكانه وفئاته إلى طبقات مثلاً، وهذا ما كان عليه الحال في مجتمعات مثل كريت وطروادة وأثينا وأسبرط وحتى المجتمعات الحديثة مثل أمريكا واستراليا وكندا ونيوزيلاندا، ولكن نتيجة لما كان يترتب على الخصوبة المرتفعة من زيادة في حجم السكان وكثافتهم بدأ ينعكس أثر ذلك على بناء المجتمع وأخذ يصاحبه تبايناً في الأوضاع الاجتماعية واختلافاً في الطبقات.

ب‌-  مرحلة التقدم والازدهار: عندما ينتقل المجتمع إلى هذه المرحلة يحدث تناقصاً في الخصوبة كنتيجة، لأن المواليد في المجتمع يجيئون عن نسبة صغيرة من سكان الجيل السابق على هذه المرحلة، وما يترتب على الهجرة والحروب التوسعية من نتائج تلك التي تقع على عاتق الشباب حيث يفقد المجتمع أفضل عناصره من حيث الخصوبة ويقل عدد سكانه. النتائج الاقتصادية لنقص السكان: يترتب عليه أن ينتعش الاقتصاد ويرتفع مستوى المعيشة، كما يترتب على النمو الاقتصادي ازدهاراً في الفنون والموسيقى والأدب ويصبح المجتمع أكثر ديموقراطية.

ج‌-  مرحلة الاضمحلال والفناء: يقل عدد السكان، ويتناقص في الريف لنمو التصنيع والتوسع في هجرة العمالة من الريف إلى الحضر، فضلاً عن النقص الشديد في معدل الخصوبة في المراحل السابقة.

1- 3- توماس سادلر: كان يرى بأن القانون الطبيعي الذي يحكم نمو السكان على النقيض تمام اً من القانون الذي طرحه مالتوس، فكان من رأيه أن ميل البشر إلى الزيادة سوف يتناقص بالطبيعة كلما زاد الازدحام وأن أعدادهم تتوقف عن الزيادة حينما يستطيع عدد من الناس تحقيق أكبر قدر من السعادة مع تساوي جميع الأشياء الأخرى ، وفي هذا الصدد يقول " إن مبدأ الزيادة في أعداد البشر يمكن التعبير عنه بإيجاز شديد كالآتي: أن توالد الب شر إذا تساوت جميع الأشياء الأخرى يتناسب تناسب عكسي اً مع تركزهم وأن التغير في هذا التوالد لا يتحقق بسبب التعاسة والبؤس ولكنه يتحقق بفعل سعادة النوع ورخائه ".

 1- 4  توماس دبلداي: لقد رأى دبلداي أن التزايد في عدد السكان يرتبط ارتباط اً عكسي اً بمورد الغذاء، فكلما تحسنت موارد الغذاء المتاحة للإنسان كلما أبطأت الزيادة في أعدادهم و في كل المجتمعات فإن الفقر يشجع على الخصوبة العالية لدى السكان، ومن تم نرى زيادة مستمرة في عدد الذين لا يحصلون إلا على قدر من الغذاء، بمعنى آخر أن الزيادة في صفوف السكان الأشد فقر اً أما الأغنياء الذين يتمتعون بكفاية الغذاء فإن عددهم في تناقص مستمر، وبين هاتين الطبقتين الفقراء والأغنياء توجد طبقة وسطى يحصل أفرادها على كفايتهم من الغذاء ويعيشون عيشة وسط اً ويكون عدد سكانها ثابت، إذا نستخلص أن الزيادة أو النقص في مجموع السكان الكلي يتوقفان عل ى التناسب العددي بين هذه الحالات الثلاث في كل مجتمع  .

2- النظريات الاجتماعية: تقوم النظريات الاجتماعية على أساس آخر هو أن نمو السكان ليس موضوعاً لأي -قانون طبيعي ثابت وإنما نتيجة للظروف الاجتماعية التي يحد فيها الناس أنفسهم أي أن نوع نمو السكان يخضع لعدد كبير من العوامل المختلفة التي يتحدد عددها تبعا لأنواع البنيات الاجتماعية التي يعيش فيها الناس.

2-1 - الكسندر كار سوندرزباحث انجليزي اهتم بدراسة الظواهر السكانية وعرض قضاياه النظرية في مؤلف له بعنوان )سكان العالم( وتتلخص قضاياه فيما يلي:

يسلم بأن السكان في أي مجتمع إما أن يكونوا قلة أو كثرة أو عند حل أمثل، ويمكن أن نفرق بين أنواع كثافة السكان هي الكثافة الفيزيقية والكثافة الإحصائية والكثافة الاقتصادية.

يفترض أن هناك علاقة بين حجم السكان وبين موارد الثروة في المجتمع من أرض زراعية أو ثروة معدنية أو غيرها من موارد لازمة للإنتاج، ويصف المجتمع الأمثل الذي يكون في حالة الوسط بين القلة والكثرة

وبلغ إنتاجه أقصاه مع عدم الزيادة في عدده. أخذ يحصر الأدلة على صحة افتراضه وذلك بالنظر إلى حقيقة دخل الفرد في المجتمع والمترتب على  موارد الثروة به. وبناء على هذه الشواهد يذهب إلى أنه يمكن استخلاص مقياس يمكن بواسطته التعرف على مستوى القلة أو الكثرة أو الحجم الأمثل الذي قد يصل إليه السكان ويتمثل في أنه إذا كان متوسط دخل الفرد آخذ في الزيادة دل هذا على أن عدد السكان في هذا المجتمع عند حد القلة، إما في حالة استقرار الدخل كان العدد عند الحد الأمثل، أما في حالة الهبوط تدريجياً فإن عدد السكان يكون عند حد متزايد.

2-2- كنجزلي ديفز: عالم اجتماعي أمريكي أعار موضوع السكان جانباً كبيراً من اهتماماته ووضع عدة مؤلفات ومقالات في هذا الصدد، وعرض قضاياه النظرية في مقال له بعنوان نظرية التغير والاستجابة في التاريخ الديموغرافي الحديث، ويمكن أن نلخص قضاياه على النحو التالي:

يرفض كنجزلي ديفز النظريات التي تحاول تفسير التغير الاجتماعي بالرجوع إلى عامل واحد فقط، لكنه يميل إلى التوازن الاجتماعي وهو التوازن بين عدد السكان ومتطلبات البناء الاجتماعي ويقصد بذلك الموارد التي يجب تخصيصها للمحافظة على البناء الاجتماعي، أو بعبارة أخرى لتحقيق الأهداف الدينية والتربوية والفنية والترفيهية والسياسية التي يرمي إليها المجتمع. إذا اختل هذا التوازن نتيجة لزيادة عدد السكان يميل السكان إلى التكيف مع هذه الظروف بالمتغيرات الوسطية كتأخير سن الزواج أو الإجهاض أو تنظيم الأسرة أو التعقيم.

يرى أن السبب الحقيقي الذي أدى إلى هبوط عدد المواليد هو إمكانية الرفاهية المتزايدة من الفرص الجديدة المتاحة، فتزداد بالتالي تكاليف التنشئة الاجتماعية التي تهدف إلى إعداد الطفل للاستفادة من هذه الفرص الجديدة، فالتغير الذي حدث في مستوى الرفاهية والإمكانات الجديدة التي أتيحت أمام الأفراد أدى إلى ظهور استجابات متنوعة كتأجيل سن الزواج وانتشار وسائل منع الحمل والإجهاض.

2 – 3- آرسين ديمون: يرى أن الفرد في المجتمع يميل إلى الإرتفاع إلى مستويات إجتماعية أعلى في شكل حراك اجتماعي " الطموح الاجتماعي "، وفي ارتفاعه هذا يصبح أقل قدرة من الناحية الاجتماعية على

الأنجاب، وهو يعتبر أن انهماك الفرد في تحسين أحواله الشخصية يعد علامة من علامات تدهور المجتمع وضعف الروح القومية وهو عامل من عوامل تفكك الأسرة وضعف الإنسان كم ا ي شير إلى أن الهجرة إلى المدن هي عامل سلب آخر في تنمية المجتمع.

2 – 4 - كارل ماركسينكر كارل ماركس أن الفقر والشقاء يرجعان إلى ميل طبيعي في الإنسان إلى إنجاب عدد من الأطفال )كما قرر مالتوس من قبل(، ويرى أن الفقر والبؤس إنما يدنيان بوجودهما في زمان ومكان معينين إلى النظام الذي يكون سائد اً فيهما فيعجز عن تشغيل أفراد المجتمع تشغيلا كاملا ، وقرر ماركس "أيضا أنه لا يوجد قانون عام ثابت للسكان وإنما لكل عصر ولكل مجتمع قانون خاص به ويفترض

"ماركس" أن ه لا يوج د س كان فائضون عن الحاجة ولا فقر أو بؤس إذا تحول النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي أي ظروف الزمان الاقتصادية هي التي تخلق مشكلة السكان وليست بعض المتغيرات الثابتة في الطبيعة كم ا ين ادي جماع ات النظريات الطبيعية الذين يبحثون عن قانون واحد ثابت ينطبق على كل زمان ومكان، ومع كل أبعاد هذه النظرية الإيديولوجية فلقد ثبت بالدليل القاطع فشلها نظريا وواقعيا فمعظم الدول الاشتراكية تعاني من الإنفجار السكاني وهي تعاني كذلك من التخلف الاجتماعي والاقتصادي.

3. النظرية الانتقالية

 في عام 1929 قام وارين تومسون Warren Thompson بتجميع بيانات عن المتغيرات الديموغرافية لبعض دول أوروبا، ويقصد بالتحول الديمغرافي هو: الانتقال من حالة إرتفاع معدلات الخصوبة والوفاة إلى انخفاض معدلات الخصوبة والوفاة. وهناك من يعرفه على أنه الانتقال من نظام تقليدي للتوازن الديمغرافي حيث تكون معدلات الولادات والوفيات في مستويات أعلى إلى نظام عصري للتوازن الديمغرافي تكون فيه معدلات الولادات والوفيات في مستويات أدنى، ويمكن تتبع تطور هذا التحول عبر ثلاثة مراحل هي:

1-  المرحلة الأولى: وهي مرحلة سابقة للنمو الإقتصادي " المرحلة البدائية "، وفيها تفترض النظرية أن هناك توازن في حجم السكان عند معدلات زيادة طبيعية منخفضة والناتجة عن إرتفاع معدلات الخصوبة والوفيات، حيث يرجع إرتفاع معدلات الوفيات في ظل إنخفاض مستوى الخدمات الصحية والتطعيم وغيرها من العوامل تدفع بالمجتمع إلى تبنى سلسلة من الإجراءات للحفاظ على الخصوبة عند مستويات مرتفعة وذلك من أجل عملية الإحلال أي تعويض عدد الوفيات بعدد المواليد، وإلا فإن المستويات المرتفعة من الوفيات سوف تؤدى إلى إنخفاض أعداد السكان، وشيئا فشيئا يزول المجتمع، غير أنه بمرور الوقت تأخذ الوفيات في الانخفاض عند توافر الاساليب الصحية وهو ما يؤدى الى الموقف الذى ترتفع فيه مستويات الخصوبة وتقل مستويات الوفيات، وهكذا يحدث اختلال في توازن المرحلة الاولى وهو ما يدفع بالمجتمع نحو المرحلة الثانية.

2-  المرحلة الثانية: وهي مرحلة بدايات النمو الإقتصادي " المجتمع الصناعي "، وفي هذه المرحلة يحدث نمو سكاني سريع ناجم عن عدم التوازن بين أنماط إنخفاض معدلات المواليد ومعدلات الوفيات، حيث يكون إنخفاض معدلات الوفيات أكبر من إنخفاض معدلات المواليد وهو ما يدفع بالنمو السكاني نحو الزيادة وهنا حدث ما يطلق عليه بالانفجار الديموغرافي.

3- المرحلة الثالثة: وهي مرحلة التحضر والنمو الإقتصادي " التطور التكنولوجي "، وفي هذه المرحلة يأخذ أفراد المجتمع في محاولة التحكم في مستويات المواليد )استجابة لانخفاض معدلات الوفيات(، مما يدفع بحجم السكان بصورة مستمرة نحو التوازن عند المستويات المنخفضة من الوفيات.

تعقيب: لَتأخذ النظرية في الإعتبار ثلاثة عوامل لها تأثير أساساً في سلوك الخصوبة، العامل الأول يتمثل في الهجرة والثاني في تأثير السياسة السكانية الحكومية على مستويات الخصوبة وثالث عامل يكمن في العامل الثقافي والديني.

4. السياسات السكانية

     تتبع كل دولة سياسة محددة لتنظيم سلوك سكانها من الناحية الديمغرافية حاضراً ومستقبلاً، وتشمل هذه السياسة مجموعة الإجراءات والمخططات والبرامج التي تستهدف التأثير في المتغيرات السكانية والتركيب الهيكلي للسكان من الناحية الكمية والنوعية، بما يلائم حاجات المجتمع ومتطلبات نموه ورفاهية مواطنيه.

4-1. مفهوم السياسة السكانية: تعرف السياسة السكانية أو الديمغرافية على أنها مقاييس أو برامج تشريعية، إدارية أو أية إجراءات حكومية أخرى بقصد تعديل أو تغيير الاتجاهات الديمغرافية القائمة لصالح رفاهية المجتمع. كما تعرف بأنها مجموعة ممارسات شرعية للسلطات الحكومية تهدف إلى التأثير على التركيب السكاني على مستوى المجتمع القومي أو حتى المستوى العالمي، من حيث الحجم زيادة أو نقصانا ومن حيث توزيع السكان.

4-2. الخيارات والأولويات المعتبرة عند إجراء السياسة السكانية:

      لا تقتصر السياسة السكانية على معالجة مشكلة الزيادة السريعة في عدد السكان ولكنها تشمل أيضا برامج لتنشيط نمو السكان في بعض البلدان، وتنظيم هجرة السكان وحركتهم والتوزيع المكاني المتوازن للسكان وتنظيم حركة وتوزع القوى العاملة ومساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي وتمكينها اجتماعيا. كما تهدف هذه السياسة إلى تحسين مستوى معيشة السكان ورفاهيتهم، وتضييق الفجوة الحضارية بين الريف والمدينة وكل ما يتعلق بالسلوك الديمغرافي بشكل عام.

   قصد توقع نجاح سياسة سكانية لبلد ما لابد من ضرورة وضع سلم للأولويات والخيارات يقوم على:

أ‌-   التركيز النسبي على الأهداف والغايات المرجوة؛

ب‌-  إعطاء الأولوية لتمكين المرأة والمساواة بين الجنسين؛

ت‌-  التركيز على تبني مفهوم الصحة الإنجابية الواسع النطاق؛

ث‌-  مناصرة الفقراء والمسنين والأسر التي ترأسها النساء؛

ج‌-  إيجاد بيئة مشجعة لإدماج أهداف السياسة الديمغرافية في خطط التنمية؛

4-3. العوامل المؤثرة على نوع السياسة السكانية ومقوماتها:

4-3-1. العوامل المؤثرة على نوع السياسة: هناك العديد من العوامل التي تؤثر على نوع السياسة الديمغرافية المتخذة من دولة ما والتي عليها أن تأخذها بمحمل الجد عند رسم هذه السياسة وهي:

ا- العوامل الاجتماعية، الثقافية والدينية: يتأثر نوع السياسة الديمغرافية بالحياة الاجتماعية والدينية، ويأتي الدين في مقدمة هذه العوامل، على اعتبار ان الدول التي يلعب فيها الدين دورا مؤثرا على حياة الأفراد، غالبا ما تتبع سياسة ديمغرافية رافضة لتحديد النسل، ولكنها قد تقبل خيارات أخرى تتعلق بتنظيم النسل.

ب- العوامل الاقتصادية: يؤثر المستوى الاقتصادي وأنماط الإنتاج في الدولة على نوع السياسة المتبعة وتقوم الدولة بإتباع السياسة الديمغرافية التي تتناسب وإمكانياتها المادية والبشرية، حيث أن الظروف الاقتصادية تنعكس على الحاجة إلى اليد العاملة ومن تم تؤثر على سياسات الهجرة والنمو السكاني.

ت- العوامل السياسية والاعتبارات القومية: تسعى الدول الصغيرة الى زيادة عدد سكانها وبخاصة تلك المهددة من قبل دولة او دول مجاورة ذات حجم سكاني كبير، ولعل التاريخ زاخر بنماذج كثيرة كان لها الأثر في ذلك.                                                                                                

4-3-2. مقومات السياسة الديمغرافية: تشتمل السياسة الديمغرافية من وجهة النظر النموذجية أو التصورية على العناصر التالية:

ا- البحث في الاتجاهات الديمغرافية السابقة والحالية وتحليل أسبابها؛

ب- التنبؤ بالتغيرات الديمغرافية المستقبلية من خلال بياناتها السابقة والحالية؛

ت- تقييم وتقدير النتائج الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأنماط المتوقعة من التغيرات السكانية وتحديد أهميتها من منظور المصالح والاهتمامات القومية؛

ث- إجراء وتطوير المقاييس والإجراءات اللازمة التي يكون تصميمها مناسبا للتغيرات المطلوبة ومنع حدوث تغيرات غير مرغوب فيها.

4-4.- مؤشرات قياس مدى فاعلية السياسة السكانية :  

        هناك عدد من المؤشرات تدلنا على مدى فاعليتها ومستوى كفايتها وتأثيرها من خلال دراسة مستوى التغير الذي حصل في السلوك الإنجابي ومعدل النمو السكاني، خلال فترة زمنية محددة (فترة تطبيق السياسة السكانية) مقارنة أرقام المؤشرات في بداية الفترة ونهايتها. ومن هذه المؤشرات:
1- أثر السياسات السكانية في استخدام وسائل تنظيم الأسرة:
       لوحظ أن استخدام السياسات السكانية يساعد على تنظيم الأسرة، وبخاصة عندما تكون السياسة رسمية ومعلنة. ولكن تظل فاعلية وكفاية السياسة السكانية بمختلف مستوياتها منخفضة، وبخاصة عندما نجد أن استخدام وسائل تنظيم الأسرة لا يصل إلى نسبة 50 في المائة في أحسن حالاته. مع أن الكفاية والفاعلية تكون جيدة في حال وصلت النسبة إلى حدود 80% وأكثر.
2- أثر السياسات السكانية وفعاليتها على مؤشر معدلات الخصوبة :
      يقاس معدل الخصوبة بعدد الولادات للمرأة الواحدة ، أما معدل الخصوبة العام فهو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد الإناث في سن الحمل (15-45 سنة). ومعدل الخصوبة الكلي، هو متوسط عدد الولادات للمرأة الواحدة أثناء فترة الإنجاب. ويتم اعتماد معدل الخصوبة الكلي كمؤشر نظراً لسهولة حسابه ودقته.
      يلاحظ تراجع معدلات الخصوبة الكلية في معظم البلدان التي اتبعت سياسة سكانية محددة أم لم تتبع. وهذا يعني أن ثمة عوامل أخرى غير السياسات السكانية قد أثرت على معدل الخصوبة وأدت إلى تراجعه . ومن هذه العوامل، زيادة الوعي في السلوك الإنجابي –تزايد تعليم المرأة - زيادة مساهمتها في النشاط الاقتصادي وغير ذلك.
       إلى جانب ذلك نلاحظ أن الدول التي اتبعت سياسة سكانية تشجيع زيادة الخصوبة قد حققت زيادة في معدل الخصوبة فيها، مثل السعودية وعمان، وهذا يعني كفاية السياسة السكانية وفعاليتها. كما أن الدول التي اتبعت سياسة لخفض الخصوبة، كمصر وتونس، قد نجحت في تحقيق ذلك وهذا يوضح لنا فاعلية السياسة السكانية فيها ونجاحها.
       ولما كانت المقارنة الدولية تساعد في الحكم على سلامة ظاهرة معينة أو عدم سلامتها كالسياسة السكانية وأثرها على الخصوبة، فإننا نلاحظ ارتفاع معدلات الخصوبة في الدول العربية بالرغم من تراجعها، وهذا يؤشر إلى انخفاض كفاية وفعالية السياسات السكانية القائمة والتي تهدف إلى تخفيض معدلات الخصوبة. وهذا يؤكد الحاجة إلى سياسات أكثر فاعلية وتأثير.

3- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات المواليد:
      كما نعلم معدل المواليد هو نسبة المواليد الأحياء في السنة إلى عدد السكان في منتصف السنة. ويمكننا الاستناد إلى التغيـر في معـدلات المواليد للحكـم على مدى فعالية وأثر السياسات السكانية.
      لوحظ تراجعاً واضحاً في معدلات المواليد في مختلف الدول المتشابهة أو المتباينة في سياستها السكانية، الأمر الذي يدل أن هناك عوامل أخرى غير السياسة السكانية تؤثر على معدلات المواليد إلى جانب هذه السياسة وفي بعض الأحيان ورغم تشابه توجهات السياسة السكانية نلاحظ تباين النتائج في رفع أو خفض معدلات الولادات وهذا يدل على خفض تأثير السياسات السكانية وقوة تأثير عوامل أخرى، كتزايد التعليم وتزايد مساهمة المرأة بالنشاط الاقتصادي وتعليم الإناث .
     وإذا قارنا معدلات المواليد في الوطن العربي خلال الفترة 1980-1995 بمثيلاتها العالمية نجد ارتفاعاً واضحاً في معدلات المواليد لصالح الدول العربية. حيث تصل معدلات المواليد في الدول العربية إلى نسبة 44 بالألف في حين لم تصل في آسيا إلى 27 وأمريكا اللاتينية إلى 32 وفي أوروبا إلى 14 وفي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 16 وفي الدول النامية إجمالاً إلى 31 وفي الدول المتقدمة إلى 15 وفي العالم كله 32. وهذا يوضح لنا أن تأثير السياسات السكانية في معدلات المواليد ما يزال ضعيفاً، وغير كاف لإحداث خفض ضروري في معدلات المواليد في الوطن العربي.
4- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات الوفيات:
يقاس معدل الوفيات بنسبة عدد الوفيات خلال سنة كاملة إلى عدد السكان في منتصف هذه السنة. ويرتبط هذا المؤشر بالعناية الصحية والغذاء ومستوى الرفاه وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى خفض هذا المعدل أو ثباته. ويمكننا أن نستخدم هذا المعدل كمؤشر يوضح لنا وفعالية السياسة السكانية.
       نلاحظ تراجعاً واضحاً في معدلات الوفيات خلال العقود الثلاثة الأخيرة الأمر الذي يدل على تشابه تأثير السياسة السكانية التي تسعى إلى تحسين الأحوال الصحية والعناية بصحة الأم والطفل. وهذا يوضح جودة وفعالية السياسات السكانية المتبعة.
       وبالرغم من تراجع معدلات الوفيات في الدول العربية إلى أن هذه المعدلات ما تزال مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في الدول المتقدمة وبعض الدول النامية الأمر الذي يتطلب زيادة مستوى الفاعلية والتأثير للسياسة السكانية وبخاصة ما يتعلق بالخدمات الصحية والغذائية والثقافية والمعاشية بصورة عامة.
5- أثر السياسات السكانية وفعاليتها في معدلات النمو السكاني:
     الهدف الرئيسي للسياسات السكانية هو خفض أو زيادة أو ثبات معدل التزايد السكاني. وهكذا نجد أن معدلات النمو السكاني واتجاهات التغير فيها تعد من المؤشرات الرئيسة التي توضح لنا كفاية السياسات السكانية وفاعليتها.