2. المشهد الإعلامي في ظل التعددية السياسية
2.1. مرحلة السياسية الاعلامية في الجزائر
كان للتجاوزات والفوضى التي ميزت قطاع الإعلام من خلال تأثير أصحاب رؤوس الأموال على العمل الصحفي، إضافة إلى الاحتجاجات التي عرفتها البلاد مطلع 2011 أو ما سمي باحتجاجات الزيت والسكر وكذا الوضع الإقليمي العربي الذي تميز بثورة تونس ومصر والاضطرابات في ليبيا، أن دفع بالسلطة إلى تبني جملة من الإصلاحات السياسية هدفت إلى مراجعة العديد من القوانين بما في ذلك قانون الإعلام لسنة 1990، هذا الأخير عوض بقانونين أحدهما خاص بالإعلام والآخر بالسمعي البصري.
1- قانون الإعلام 2012
جاء هذا القانون بعد مخاض طويل وعسير حيث تطلب إعداد وثيقة المشروع عقد وزارة الاتصال لأكثر من 70 اجتماعا وجلسة عمل وإجراء مشاورات مع المعنيين من القطاع من صحفيين وناشرين وقضاة ومحامين وجامعيين وناشطين حقوقيين، وهو المشروع الذي تحفظ عليه مجلس الحكومة في اجتماعه ليوم 20 أوت 2011 لما تضمنه من أحكام لا تتماشى وتعهدات رئيس الجمهورية خاصة ما تعلق برفع التجريم عن الصحافة، وطلب من وزير الاتصال تقديم قراءة ثانية للمشروع تتماشى وتوجيهات مجلس الحكومة، وهو ما تم بالفعل إذ أعيد النظر في بعض البنود وعرض على البرلمان خلال الدورة الخريفية 2011، وبعد المناقشة تم التصويت عليه بالأغلبية من طرف أعضاء غرفتي البرلمان على التوالي في 14 و22 ديسمبر 2011. فما الجديد الذي جاء به؟
من خلال مجمل مواد القانون يمكننا حصر الجديد في النقاط التالية:
1- ضبط قواعد ممارسة المهنة:حدد القانون بدقة المبادئ والقواعد التي تحكم ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة، وكذا المقصود بأنشطة الإعلام حيث نصت المادة الثالثة على: "يقصد بأنشطة الإعلام في مفهوم هذا القانون العضوي كل نشر أو بث لوقائع أحداث أو رسائل أو آراء أو أفكار أو معارف عبر أية وسيلة مكتوبة أو مسموعة أو متلفزة أو الكترونية وتكون موجهة للجمهور أو فئة منه".
2- تأسيس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة:و قد حققت أحد مطالب وهي العودة بالصحافة إلى أصحابها الحقيقيين.
3- إدراج مصطلح السمعي البصري
4-تحرير قطاع السمعي البصري
6- إنشاء سلطة الضبط السمعي البصري.
6- إدراج الإعلام الالكتروني: وهو ما تعرض له الباب الخامس تحت عنوان "وسائل الإعلام الالكترونية"، موضحا من خلال ست مواد المقصود بالصحافة الالكترونية وضوابطها.
7- إقرار حقوق الصحفي: تعرض القانون لجملة من الحقوق نذكر منها حق الصحفي في عقد عمل مكتوب يحدد حقوقه وواجباته(المادة 80)، وحق الملكية الأدبية (المادة 88)،والحق في التأمين حيث أشارت المادة 90 إلى أنه "يجب على الهيئة المستخدمة اكتتاب تأمين خاص على حياة كل صحفي يرسل إلى مناطق الحرب أو التمرد أو المناطق التي تشهد أوبئة أو كوارث طبيعية أو أية منطقة أخرى قد تعرض حياته للخطر"، وجاءت المادة 91 لتكرس أكثر هذا الحق بنصها: "يحق لكل صحفي لا يستفيد من التأمين الخاص المذكور في المادة 90 أعلاه رفض القيام بالتنقل المطلوب، لا يمثل هذا الرفض خطأ مهنيا ولا يمكن أن يتعرض الصحفي بسببه إلى عقوبة مهما كانت طبيعتها".
8- التأكيد على أخلاقيات المهنة: أكد القانون من خلال الفصل المخصص لآداب وأخلاقيات المهنة على ضرورة احترام الصحفي أثناء ممارسته لعمله لجملة من القواعد كاحترام الحريات الفردية والحياة الخاصة للأشخاص، مع التعرض لعقوبات من قبل المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة في حالة خرق هل تلك القواعد.
9- إلغاء عقوبة السجن: ربما تعتبر أهم مكسب تحققه الأسرة الإعلامية حيث ألغى قانون الإعلام الجديد عقوبة السجن واكتفى بالغرامة المالية والتي قد تصل إلى غاية 200 ألف دينار كأقصى حد.
لم يعط للنشاط السمعي البصري حقه على غرار الصحافة المكتوبة، ففي الوقت الذي خصصت فيه 36 مادة لهذه الأخيرة لم يحض قطاع السمعي البصري بأكثر من 6 مواد مع عدم التطرق تماما إلى آليات الحصول على التراخيص لإنشاء قنوات تلفزيونية أو إذاعية، وفسر ذلك بعدم جدية السلطة في تحرير هذا القطاع الاستراتيجي من قبضتها، الأمر الذي دفع بأحد نواب المعارضة أثناء مناقشة المشروع يوم 29 نوفمبر 2011 إلى القول: "إن السلطة اليوم من خلال هذا المشروع تؤكد أنها غير مستعدة ولو بشبر واحد للتخلي عن ممارسة احتكارها لهذا القطاع والذي يتميز بصناعة النفوذ والثروة بدل من تقديم الخدمة العمومية للمواطنين" ويضيف قائلا: "... ماذا يعني لكم سيادة الوزير تقديم مثل هذا المشروع وكأن الإعلام اليوم هو الصحافة المكتوبة... فهل وصل الحد بالحكومة أنها تعيش مرحلة ما قبل اكتشاف الإذاعة والتلفزيون".
2-قانون السمعي البصري 2014
1-إدراج مصطلح السمعي البصري: بحيث لأول مرة يتضمن قانون متعلق بالإعلام هذا المصطلح وذلك من خلال الباب الرابع منه الذي جاء تحت عنوان "النشاط السمعي البصري"، وحدد من خلال المادتين 58 و60 المقصود بالنشاط السمعي البصري وكذا خدمة الاتصال السمعي البصري.
2- تحرير قطاع السمعي البصري: يستشف ذلك من خلال مضمون المادة 61 التي حددت الهيئات المخول لها ممارسة نشاط السمعي البصري والمتمثلة في:
هيئات عمومية.
مؤسسات وأجهزة القطاع العمومي.
المؤسسات أو الشركات التي تخضع للقانون الجزائري.
3- تأسيس سلطة ضبط السمعي البصري: من خلال المادتين 64 ،65اكتفى القانون بالتأكيد على تأسيس هذه السلطة دون أية تفاصيل حول مهامها أو تشكيلتها وأحال ذلك إلى القانون المتعلق بالسمعي البصري.
بعد عامين من صدور القانون العضوي المتعلق بالإعلام لسنة 2012 صدر القانون المتعلق بالسمعي البصري وهذا على الرغم من كل الانتقادات التي تعرض لها من قبل النواب أثناء مناقشة مشروع القانون. ومن خلال مضمون مواده 113 يمكن إبراز الملامح الكبرى له:
1- تحرير القطاع: بحيث لأول مرة يفتح قطاع السمعي البصري أمام الخواص ويستشف ذلك من خلال مضمون المادة الثالثة التي حددت الأطراف التي يحق لها ممارسة هذا النشاط والمتمثلة في:
- الأشخاص المعنوية التي تستغل خدمة الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي.
- مؤسسات وهيئات وأجهزة القطاع العمومي المرخص لها.
- المؤسسات والشركات التي تخضع للقانون الجزائري المرخص لها.
2- تقييد القطاع الخاص:في الوقت الذي نصت فيه المادة الرابعة على أن خدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي تنظم في شكل قنوات عامة وقنوات موضوعاتية، أشارت المادة الخامسة إلى أن خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها تتشكل من القنوات الموضوعاتية فقط، وحسب المادة السابعة من القانون والمتعلقة بتحديد المفاهيم، فإن قناة موضوعاتية يقصد بها برامج تلفزيونية أو سمعية تتمحور حول موضوع أو عدة مواضيع ولا يسمح لها بإدراج برامج إخبارية إلا وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال، وترك للنصوص التنظيمية تحديد كيفيات تطبيق ذلك.
2- تأسيس سلطة ضبط السمعي البصري:أشارت إليها المادة 64 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام 2012، وجاء قانون السمعي البصري ليحدد مهام وصلاحيات و تشكيلة هذه الهيئة،فحسب المادة 54 فإن مهام سلطة الضبط تتمثل في السهر على حرية ممارسة النشاط السمعي البصري ضمن الشروط المحددة في هذا القانون والتشريع والتنظيم ساريي المفعول، والسهر على عدم تحيز الأشخاص المعنوية التي تستغل خدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العام، وكذا السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي بكل الوسائل الملائمة في برامج خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني لاسيما خلال حصص الإعلام السياسي والعام.
4- هيمنة السلطة على القطاع: يتجلى ذلك بوضوح أولا من خلال تشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري والتي أبعد عنها تماما المهنيون، عكس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي يشكل فيها الصحفيون نصف عدد الأعضاء،وثانيا من خلال احتكارها لمؤسسة البث الإذاعي و التلفزي، إضافة إلى الاحتفاظ بصلاحية منح الرخص للقنوات أو رفضها.