السياسة الاعلامية في الجزائر

الموقع: Plateforme pédagogique de l'Université Sétif2
المقرر: تشريعات إعلامية
كتاب: السياسة الاعلامية في الجزائر
طبع بواسطة: Visiteur anonyme
التاريخ: Sunday، 28 April 2024، 9:01 PM

الوصف

1. تنظيم حرية الصحافة في الجزائر

1-   تنظيم  حرية الصحافة في الجزائر

قبل الاستقلال قيدت السلطات الفرنسية السلطات الجزائرية منذ بداية وجودها في الجزائر مرورا بالحركة الوطنية وصولا إلى الثورة الجزائرية و مع هذا مثلت الصحافة الجزائرية جزءا مهما من الحركة الثورية بدفاعها عن الحرية، فإذا أردنا الحديث عن حرية الصحافة في التشريع الجزائري، فهنا يمكن تمييز مرحلتين أساسيتين مرت بهما حرية الصحافة  وهما مرحلة الحزب الواحد من الاستقلال إلى غاية سنة 1989 ومرحلة ما بعد التعددية الحزبية.
أ. المرحلة الممتدة من 1962 إلى 1976:

 كانت تعيش الجزائر في ظل نظام الحزب الواحد، حيث كرس دستور 1963 مبدأ حرية التعبير بصفة عامة، حيث نص في مادته التاسعة عشر على أنه: المادة 19: " تضمن الجمهورية حرية الصحافة، ووسائل الإعلام الأخرى، وحرية تكوين الجمعيات، وحرية التعبير والتدخل العمومي وحرية الاجتماع ".
إلا أن هذه الحرية لم تكن مطلقة، بل كانت مقيدة من طرف السلطة والحزب الحاكم "حرب جبهة التحرير الوطني، وهذا ما نستخلصه من المواد 22، 23، 26، من نفس الدستور، والتي تنصّ على ما يلي:
المادة 22: " لا يجوز لأي كان أن يستغل الحقوق السالفة الذكر في المساس باستقلال الأمة وسلامة تراب الوطن والوحدة الوطنية ومنشآت الجمهورية ومطامح الشعب والاشتراكية ووحدة جبهة التحرير الوطني ".
المادة":23 جبهة التحرير الوطني هي حزب الطليعة الواحد في الجزائر ". المادة 26: " جبهة التحرير الوطني تنجز أهداف الثورة الديمقراطية الشعبية، و تشيد الاشتراكية في الجزائر "

في دستور 1976، فهنا أيضا لازالت الجزائر تعيش في ظلّ نظام الحزب الواحد، فلم يضف شيئا، إذ أنه سار في نفس الاتجاه الذي سار عليه دستور 1963 فقد أكّدت المواد 49، 53، 54، 55، 57، على حماية حق حرية التعبير والاجتماع وغيرها من الحقوق، ولا يمكن التذرع بها لضرب أسس الثورة الاشتراكية. المادة 49: "لا يجوز انتهاك حرمــة حـياة المواطن الـخاصــة و لا شرفــه، و القانون يصونهما. سرية المراسلات و المواصلات الخاصة بكل إشكالها مضمونة ".المادة 53: " لا مساس بحرية المعتقد و لا بحرية الرأي ".
 و المادة 54: " حرية الابتكار الفكري و الفني و العلمي للمواطن مضمونة في إطار القانون
حرية التأليف محمية بالقانون ". و المادة 55: " التعبير والاجتماع مضمونة، و لا يمكن التذرع بها لضرب أسس الثورة الاشتراكية.  

ب. مرحلة الممتدة من 1976  - 1982:

تعتبر المرحلة التي سبقت صدور قانون من 1976 إلى 1982 أكثر توضيحا للوضع القانوني للإعلام و حرية الصحافة حيث أصدرت السلطة السياسية وثيقتين تعدان بمثابة قاعدة أساسية للنشاط الإعلامي في الجزائر وهما "اللائحة الخاصة بالإعلام" و "لائحة السياسة الإعلامية".

    • اللائحة الخاصة بالإعلام: وافق و لأول مرة المؤتمر الرابع لجبهة التحرير الوطني المنعقد 1976سنة، على لائحة خاصة بالإعلام وهو ما يظهر أن الإعلام أصبح من اهتمامات القيادة السياسية للبلاد.  وتتلخص العناصر الجوهرية التي احتوتها اللائحة فيما يلي :
    • الحق في الوصول إلى مصادر المعلومات.
    • ضمان الحقوق المادية والاجتماعية للصحفي
    • ضرورة تحديد العلاقة بين الصحفي والسلطة العمومية والمواطن.
    • إعادة النظر في التكوين والتأهيل الأكاديمي للصحفي المحترف
  •   لائحة السياسة الإعلامية:

صدرت هذه اللائحة بعد المناقشات التي جرت خلال الدورة السابعة للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير في الفترة من 15 إلى 17 جوان1982، وقد استهدفت المناقشات تحديد المنطلقات والأهداف الأساسية للعمل الإعلامي في الجزائر. و أهم ما تضمنته اللائحة الإشارة إلى أهمية تكوين الصحفيين عن طريق التنسيق بين معهد الإعلام والمؤسسات الإعلامية الوطنية، إنشاء مؤسسة لتكوين الإطارات التقنية في مجال الإعلام وتدعيم المؤسسات الإعلامية بإنشاء المركز الوطني للتوثيق.كما أكدت اللائحة على نفس المبادئ والأسس السابقة فيما يتعلق بخصائص الصحفي فهو: وطني ثوري، ملتزم، مسؤول، صادق، وفي، ديمقراطي وموضوعي.

  •  قانون الإعلام 1982:

صدر قانون الإعلام رقم 82-01 في 6 فيفري 1982 وهذا بعد 20 سنة من الاستقلال، و تم تقديم نص المشروع من طرف الحكومة إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني في 05 أوت 1981، وبعد عدة مناقشات تم ضبط هذا المشروع في شكله النهائي وإصدار أول قانون للإعلام في الجزائر. و يتكون الهيكل العام لهذا القانون من 128 مادة مقسمة على خمسة أبواب، إضافة إلى مدخل القانون الذي ينص على المبادئ العامة و التي أكدت في مجملها على الأسس الاشتراكية ومبادئ الثورة.

جاء قانون 1982 بمثابة تطبيق لما ورد في الميثاق الوطني لسنة 1976 الذي أكد على ضرورة تحديد دور الصحافة و الإذاعة و التلفزيون بواسطة القانون, و الذي يكرس بدوره حق المواطن في الإعلام و إصدار هذا القانون, المادة 01: "الإعلام قطاع من قطاعات السيادة الوطنية, يعين الإعلام بقيادة حزب جبهة التحرير الوطني في إطار الاختيارات الاشتراكية المحددة للميثاق الوطني, عن إرادة الثورة, ترجمة لمطامح الجماهير الشعبية يعمل الإعلام على تعبئة كل القطاعات وتنظيمها لتحقيق الأهداف الوطنية."،  المادة 02: "الحق في الإعلام حق أساسي لجميع المواطنين. تعمل الدولة على توفير إعلام كامل وموضوعي"

مضمونه

تكون الهيكل العام لقانون الإعلام 1982 من 128 مادة موزعة على 59 مادة مدخل يحتوي المبادئ العامة و خمسة أبواب مرتبة كما يلي :

  • الباب الأول النشر و التوزيع
  • الباب الثالث: توزيع النشرات الدورية و التجول للبيع
  •  الباب الرابع: الإيداعات الخاصة و المسؤولية و التصحيح و حق الرد.
  • الباب الخامس: الأحكام الجـزائـية

ما يلاحظ على قانون1982 أن هذا الأخير:

جاء ليعكس الفضاء السياسي الذي كانت تعيش فيه المؤسسات الإعلامية الجزائرية أي سياسة الحزب الواحد، وهو ما حاول المشرع تكريسه من خلال عدة نقاط أهمها:

-     تثبيت هيمنة الدولة والحزب من خلال المادة الأولى  السابقة الذكر

-     عدم خروج الممارسة المهنية للصحافة عن إطار الحزب الواحد، فحتى لو مارس الصحفي نشاطات تعليمية لابد أن تتم ضمن معاهد تابعة للحزب أو الدولة، وهذا وفقا لما جاء في المادة 49:"إن الواجبات والالتزامات المنصوص عليها في القانون تهدف بالدرجة الأولى لخدمة أهداف الثورة، وهو ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة:48 "حيث أن الواجبات والالتزامات الأخلاقية جاءت لتكريس الاختيارات الأساسية للبلاد وهي الاشتراكية."

-     ابتعاد قانون الإعلام 1982 عن الجانب المهني للمهنة الصحفية وجعله في المقام الثاني بعد حصر المهنة في جانب النضال والالتزام بالخطاب السياسي الرسمي، وهو ما أثر سلبا على الممارسة المهنية. من ناحية أخرى نجد أن القانون اعترف بحق الصحفي المحترف في الحصول على البطاقة المهنية والتمتع بالحقوق المرتبطة بها، إلا أن تسليم هذه البطاقة يكون من طرف وزير الإعلام بناء على رأي اللجنة المكلفة بذلك، المعينة من الدولة والتابعة للحزب.

و بقى العمل بقانون الإعلام 1982 من خلاله بسمح بحرية الإعلام في حدود أخلاق الأمة و توجهات القيادة  الثورية 

جـ.المرحلة الممتدة 1989-1992

كان للوضع الداخلي الذي عاشته الجزائر أواخر الثمانينات من القرن الماضي إضافة إلى أوضاع أخرى خارجية  دورا لا يستهان به في لجوء النظام السياسي الجزائري إلى مراجعة نفسه، إذ أدرك أن المخرج من الأزمات التي أصبحت تتخبط فيها البلاد لا يكون إلا بحتمية التغيير، وهذا الأخير لا يكون إلا بإعادة النظر في القانون الأسمى الذي يحكم البلاد وينظمها ألا وهو الدستور، وهذا ما تجسد بالفعل إذ تم تبني دستور جديد في 23 فبراير 1989.

فتح دستور 1989 الباب أمام جملة من الحريات العامة من بينها حرية الرأي والتعبير حيث نصت المادة 31 منه على أن "الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن مضمونة وتكون تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات"، أما المادة 35 فتنص على أنه "لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الرأي"، وتذهب المادة 36 إلى أبعد من ذلك بنصها على أن "حرية الابتكار الفكري والفني والعلمي مضمونة، وأن حقوق المؤلف يحميها القانون ولا يجوز حجز أي مطبوع أو تسجيل أو أية وسيلة أخرى من وسائل التبليغ والإعلام إلا بمقتضى أمر قضائي"، وجاءت المادة 39 لتكرس هذه الحرية حيث نصت على أن "حريات التعبير وإنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة للمواطن"، وبذلك تعتبر هذه المادة بما نصت عليه خطوة أولى على درب التعددية الإعلامية وحرية الصحافة.

ولأن حرية الإعلام جزء لا يتجزأ من حرية التعبير فقد كان لزاما وضع الإطار القانوني الذي يترجم تلك المواد خاصة المادتين 36 و39، وتجسد ذلك عمليا بصدور قانون الإعلام رقم90- 07 المؤرخ في 3 أفريل 1990 المحدد لقواعد ومبادئ ممارسة حق الإعلام، والذي يعتبر أول قانون منذ الاستقلال ينص على حرية الإعلام وحق المواطن في إعلام موضوعي وفتح المجال أمام القطاع الخاص وعلى حرية إصدار الصحف، وتجدر الإشارة هنا إلى أنه حتى قبل صدور القانون قام رئيس الحكومة آنذاك مولود حمروش بإصدار تعليمة مارس 1990 التي تحث وتشجع المهنيين على اختيار طريق الصحافة الخاصة وذلك بدفع مرتبات سنتين مسبقا لتكوين رأسمال، وبتقديم مساعدات لتأسيس كالحصول على المقرات مجانا لمدة خمس سنوات وقروض خاصة لأجل التجهيز مع الاحتفاظ بحق العودة إلى المؤسسات الإعلامية الأصلية في حالة فشل المشروع الجديد. 

2. المشهد الإعلامي في ظل التعددية السياسية

أسفر قانون الإعلام الجديد عن تحولات عميقة في الخريطة الإعلامية انعكست بالإيجاب على قطاع الإعلام المكتوب خاصة، فظهرت الصحافة المستقلة كمميز للتجربة الديمقراطية في الجزائر لما تلعبه من دور إعلامي بل وحتى ادوار سياسية في العملية السياسية من تكوين وبلورة الرأي العام والمشاركة في صنع القرار السياسي، على أساس أن المجتمعات الديمقراطية هي تلك المجتمعات المؤمنة بحرية الصحافة واستقلالها.وتمثلت في:

الصحافة العمومية: وهي التابعة للقطاع العام وتعمل تحت وصاية الدولة، وهي الموروثة عن النظام السابق وازدهرت أكثر بفعل العامل التاريخي والمالي.

الصحافة المستقلة: وهي التي ظهرت كنتيجة لقانون الإعلام الجديد، وسميت كذلك لأنها قانونيا وظاهريا لا تمارس نضالا أو تحيزا لأي حزب أو نزعة سياسية معينة وهي مستقلة عن الدولة، وقد ظهرت بشكل كبير وملفت للانتباه. 

الصحافة الحزبية:  وهي ما تعرف بصحف الرأي أو الصحف الملتزمة، مهمتها الدفاع عن خط حزب معين، ويتمثل شاطها في تزويد جمهور القراء بكل ما يتعلق ببرامج ومشاريع ذلك حزب. و مادامت السياسة الإعلامية كغيرها من السياسات العامة تتأثر بمحيطها، فإنه وتماشيا والوضع العام الذي عرفته الجزائر منذ تبني التعددية السياسية يمكن تقسيمها إلى مرحلتين رئيسيتين وهما:

أولا:المرحلة الأولى 1990-2011

استنادا إلى معيار الممارسة يمكن تقسيمها هي الأخرى إلى ثلاث فترات وهي:

1- فترة العصر الذهبي 1990-1991

أدى إقرار التعددية الإعلامية إلى تحولات عميقة في الخريطة الإعلامية حيث عرفت قفزة نوعية من حيث الكم والكيف وتجسد ميدانيا مبدأ التعددية الإعلامية خاصة في قطاع الصحافة المكتوبة التي بلغت أوجها في هذه الفترة، وهو ما عكسه عدد الصحف اليومية والأسبوعية المتداولة آنذاك،حيث ارتفع العدد من 49 عنوانا سنة 1988 إلى 74 عنوانا سنة 1991، بسحب إجمالي قدر بـ 1437000 نسخة في اليوم، .

بالموازاة مع ذلك عرفت الصحافة الحزبية ازدهارا كبيرا بحيث أصبح لكل حزب بالتقريب صحيفة ناطقة باسمه، نذكر على سبيل المثال المنقذ الناطقة باسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ والتي قدر متوسط سحبها بحوالي 500 ألف نسخة أسبوعيا، إضافة إلى الفرقان والنور والإرشاد التي بلغ سحبها حوالي 230 ألف نسخة أسبوعيا17،غير أنها سرعان ما راحت تختفي تدريجيا بسبب عدد من المشاكل تأتي في مقدمتها قلة الخبرة المهنية وقلة مصادر التمويل إضافة إلى عدم قدرتها على تكييف توجهاتها وخطاباتها مع المجتمع.

إلى جانب الكم الهائل من الصحف الذي ميز الساحة الإعلامية في هذه الفترة، ظهرت العديد من الهياكل الممثلة للصحفيين كاتحاد الصحفيين والمترجمين UJET، وحركة الصحفيين الجزائريين MJA، وجمعية الصحفيين الجزائريين AJA.

هذا الانفجار الإعلامي الحر، حوالي 140 عنوانا عموميا، خاصا وحزبيا والذي لم يسبق له مثيل في العالم العربي وربما الإسلامي لم يعمر طويلا وهذا بسبب مشاكل مهنية عدة مرتبطة بارتفاع تكاليف السحب ومشاكل الطباعة والإشهار والتوزيع وعدم كفاية دعم الدولة للحق في الإعلام فيما يخص التوزيع، والتمييز المفرط بين الصحف في التعامل الإعلامي مما ساعد على ارتباط بعض مديري الصحافة الخاصة بالمال ومراكز القرار.

قطاع السمعي البصري وعلى الرغم من احتكار الدولة له إلا أن ذلك لم يمنعه من مواكبة مرحلة التحول الديمقراطي، فالتلفزة الوطنية انفتحت أكثر على الوضع الجزائري وعلى الأحزاب والفعاليات النقابية وساهمت من خلال برامجها في تكريس التعددية الإعلامية، فقد اتسمت برامجها مع بداية الانفتاح السياسي بالصبغة الديمقراطية في الطرح والمعالجة تماشيا والوضع السائد وهامش الحرية الممنوح، وشهدت تلك الفترة برامج حوارية رائدة سبقت في سخونتها وجرأتها البرامج الحوارية التي تبثها الفضائيات العربية اليوم،  هذه البرامج تمثلت في حصص سياسية واجتماعية وثقافية كان أغلبها يبث بشكل مباشر من الأستوديو، وقد لقيت شهرة كبيرة في أوساط الجمهور لاسيما السياسية منها، نذكر منها لقاء الصحافة، حصة الحدث، حصة حوار، وهي التي قيل عنها أنها أكثر مصداقية للرسالة الإعلامية جاءت لتكسر الحواجز وتفتح الحوار المباشر مع الجمهور والخروج من النمطية التي كرستها الممارسات الإعلامية في فترات سابقة، وإن عرفت تراجعا مع الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد إلا أنها سرعان ما كانت تعود إلى الانفتاح خلال المواعيد السياسية ببرامج حوارية ساخنة، لكنها لا تلبث أن تتوقف بمجرد انتهاء الموعد السياسي حيث تعود لتعبر عن وجهة نظر النظام. و بالمثل عرفت الإذاعة الوطنية انفتاحا على المجتمع حيث أنها هي الأخرى انتعشت بعد إقرار التعددية واستطاعت أن ترتقي بالممارسة الإعلامية خاصة وأنها كانت تتلقى الدعم الحكومي دائما.

مرحلة الازدهار هذه لن تعمر طويلا وذلك بفعل التدهور الأمني في البلاد والذي أدى إلى إعلان حالة الطوارئ في فبراير 1992، وفي هذا الشأن يقول الأستاذ إبراهيم براهيمي: "إن صدور قانون حالة الطوارئ 1992 بسبب التدهور الأمني جعل من الصعوبة بمكان الحديث عن الاحتكام للتشريعات المنظمة لقطاع الإعلام بأطيافه الثلاثة المكتوبة والسمعي والمرئي".  

2.مرحلة التقهقر 1992-1998

عرفت بداية هذه الفترة استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 11 جانفي 1992وإلغاء الدور الثاني من الانتخابات التشريعية التعددية ومجيء المجلس الأعلى للدولة في 14 جانفي 1992 وإعلان حالة الطوارئ في 9 فبراير 1992 فاغتيال الرئيس محمد بوضياف في 29 جوان 1992، كل هذه المستجدات انعكست سلبا على قطاع الإعلام، حيث بدا واضحا هيمنة السلطة السياسية على الصحافة خاصة المكتوبة بحجة استرجاع هبة الدولة وذلك عن طريق اقتحام عناصر الأمن لمقرات الصحف واعتقال الصحفيين وتوقيف الصحف عن الصدور بقرار من وزارة الداخلية. وجاء إلغاء المجلس الأعلى للإعلام بمقتضى المرسوم رقم 93-13 المؤرخ في 26 أكتوبر 1993 ليزيد من تعقد الوضع، وهو الإلغاء الذي اعتبره البعض بمثابة إلغاء لقانون الإعلام في حد ذاته وذلك بالنظر إلى المهام والمسؤوليات الموكلة له، وبذا يكون قد دشن لفترة التراجع والتقهقر خاصة مع صدور القرار الوزاري المشترك بين وزارة الداخلية والاتصال المؤرخ في 7 جوان 1994 والمتعلق بالإعلام الأمني والرقابة المسبقة في المطابع الأربعة التي تمتلكها الدولة و الذي رسم الخطوط الحمراء للممارسة الإعلامية، ومن جملة ما نص عليه القرار التزام الصحف ووسائل الإعلام بعدم نشر أي أنباء أو معلومات عن العنف السياسي وعن النشاط الأمني والعمليات العسكرية وإذاعتها إلا من خلال البيانات الرسمية التي تذيعها وزارة الداخلية باعتبارها المصدر الوحيد المأذون له، إضافة إلى ضرورة التزام الصحافيين والناشرين والصحف بالتوصيات المحددة .

عملا بهذا المنشور أصبحت عملية رقابة ومصادرة الصحف شبه تلقائية وهذا بمجرد التعرض بالنقد لسياسة الدولة أو مناقشة مواضيع لا تتماشى وما أصبح يطلق عليه بالإعلام الأمني، وتعززت عملية الرقابة هذه بدءا من 11 فبراير 1996 بوضع لجان قراءة على مستوى المطابع تتولى مراقبة مضمون الصحف قبل نشرها، يضاف إلى ذلك احتكار الدولة لوسائل الطباعة والإشهار، وهو الاحتكار الذي يسمح لها بممارسة الرقابة على مضمون الصحف وتوقيف إصدارها لأسباب اقتصادية. كل هذه الإجراءات إضافة إلى حالة الطوارئ أدت إلى اختفاء وتعليق الكثير من الصحف، حيث سجل ما بين جانفي 1992 وديسمبر 1994 تعليق 24 صحيفة،وما بين فبراير 1992 وسبتمبر 1995 اختفت 18 صحيفة جلها لصعوبات مالية، وفي سنة 1996 تراجع عدد الصحف اليومية إلى 19 يومية بمعدل546 398نسخة يوميا مقابل 27 يومية سنة 1994 بمعدل 905 528  نسخة يوميا.  

أمام هذا الوضع أصبح التفكير في قانون جديد للإعلام أمرا ملحا بالنظر إلى التحولات التي عرفتها الساحة الإعلامية وكذا التحولات الدولية في مجال الإعلام. وكانت البداية بتعليمة الرئيس اليامين زروال المؤرخة في 13 نوفمبر 1997 التي تضنمت عدة مقترحات عملية للنهوض بقطاع الاتصال بما في ذلك السمعي البصري والتي ركزت على نقطتين رئيسيتين وهما: الحق في الإعلام وحرية الرأي والتعبير ومبدأ الخدمة العمومية، واتبعت بعد ذلك بالمشروع التمهيدي لقانون الإعلام لسنة 1998 والذي جاء كمحصلة لعملية التشاور بين رجال الإعلام والقانون والمثقفين والمختصين.وأهم ما ميز هذا المشروع هو تقديمه لأول مرة لمصطلح الاتصال السمعي البصري بعدما كانت القوانين السابقة تعتبره مجرد سند إذاعي أو صوتي أو تلفزي يمارس من خلاله الحق في الإعلام، فالمادة 01 منه نصت على: "يكفل القانون الحالي حرية الصحافة والاتصال السمعي البصري"، بينما أشارت المادة 28منه إلى إمكانية فتح القطاع أمام الخواص حيث نصت على أنه "يمكن للمؤسسات العمومية للبث الإذاعي المسموع والمرئي أن تفتح رأسمالها في إطار الشراكة مع مؤسسات متخصصة تابعة للقطاع الخاص وفقا للتشريع المعمول به.

ثالثا: مرحلة التعددية الإعلامية المقيدة 1999-2011

على الرغم من الانفراج الأمني النسبي الذي عرفته البلاد بفعل قانون الرحمة إلا أن ذلك لم ينعكس بالإيجاب على المشهد الإعلامي إذ تميزت بداية هذه الفترة بتجميد مشروع قانون الإعلام الجديد لسنة 1998، وتأكيد مواصلة العمل بقانون 1990، واتضح موقف السلطة الجديدة في الإبقاء على احتكار الدولة لقطاع السمعي البصري، ففي مقابلة له مع قناة MBC صرح الرئيس بوتفليقة قائلا: "إن الدولة هي التي تمول الإذاعة والتلفزيون وهما موجودان للدفاع عن سيادة الدولة ولم تنشأ هذه الإذاعات وهذه التلفزة لمنحها لأولئك الذين يهاجمون الدولة ويتسببون في نكسة شعبهم، وعلى أي حال فهناك صحافة حرة ومجال لحرية التعبير فمن أراد التعبير فله ذلك ولكن وسائل الدولة ملك للدولة".

هذا التصريح دشن بداية عهد تميز بالتوتر بين رئيس الجمهورية وبعض الصحف الخاصة والتي اتهمها الرئيس بكونها سبب إشعال الفتنة التي عرفتها البلاد مما أدى إلى فتح حملات إعلامية شرسة على الرئيس ومحيطه، وبدأت قيود الممارسة الإعلامية تظهر للعلن، وتجلت أكثر ليس فقط مع تعديل قانون العقوبات سنة 2001 الذي جاء ليجرم الصحفي. و احتفاظ الدولة باحتكار شراء الورق والمطابع والإشهار وسياسة تعليق الصحف ومعاقبتها، ففي سنة 2003علقت يوميات الخبر وle Matin, la Tribune,  d’Algérie, Le Soirبحجة عدم تسديد ما عليها من مستحقات، وعليه يمكن القول بأن السنوات الأولى من هذه الفترة تميزت بتشديد الرقابة على الصحافة.

في ظل هذه الظروف طرح مشروع قانون إعلام جديد سنة 2002، وقد برر المشرع طرح مثل هذا المشروع إلى تطور الوضع الدولي الذي يفرض تعديلات تتماشى والسياسة التي تتبعها البلاد من أجل الانضمام إلى مسار العولمة لاسيما المجتمع الدولي، وإلى الخلل الذي أصاب نص القانون 90-07 بسبب التعديلات التي أدخلت عليه بواسطة المرسوم التشريعي 93-13 المؤرخ في 26 أكتوبر 1993 والمتمثل في إلغاء المجلس الأعلى للإعلام. ترتكز فلسفة المشروع الجديد على مبدأ حرية الإعلام في إطار احترام الأسس الدستورية وقوانين الجمهورية واحترام كرامة وشرف وكذا تقدير الأشخاص، وعلى ضرورة فتح قطاع السمعي البصري وهو ما نصت عليه المادة 35 من المشروع والتي حددت آليات وأدوات ممارسة النشاط الاتصالي البصري بما يلي:

 مؤسسات وهيئات القطاع العام.

 المؤسسات والشركات الخاضعة للقانون الجزائري الخاص وطبقا لأحكام هذا القانون والقوانين اللاحقة في إطار حدود العوائق التقنية المتعلقة بالموجات الكهرو إذاعية.

  غير أن هذا القانون عرف هو الآخر نفس مصير مشروع  1998بحيث جمد بسبب الأولويات الاجتماعية والاقتصادية حسب تصريح لأحد أعضاء الحكومة.

مع بداية العهدة الثانية لرئيس الجمهورية راحت لهجة الخطاب السياسي تتغير قليلا عما كانت عليه من قبل وانعكس ذلك بنوع من الإيجاب على الصحافة المكتوبة خاصة، فعلى سبيل المثال عرفت سنة 2007 ارتفاعا ملحوظا في عدد اليوميات بحيث ارتفع إلى 52 يومية بسحب إجمالي يساوي 1.697.225 نسخة، بينما عرفت سنة 2008 ارتفاعا في عدد العناوين وصل إلى 291 عنوانا بمعدل سحب قدر بـ 2.428.507 نسخة بعدما كان العدد يقدر بـ 103 عنوانا سنة 1999 ، غير أن الإبقاء على القيود الواردة في قانون الإعلام من جهة وقانون العقوبات لسنة 2001 من جهة أخرى دفع بالأسرة الإعلامية للتحرك مطالبة بمزيد من الحرية ورفع القيود أمام مهنة الصحفي وتعالت الأصوات المنددة بذلك خاصة سنتي 2010 و2011 .

2.1. مرحلة السياسية الاعلامية في الجزائر

  كان للتجاوزات والفوضى التي ميزت قطاع الإعلام من خلال تأثير أصحاب رؤوس الأموال على العمل الصحفي، إضافة إلى الاحتجاجات التي عرفتها البلاد مطلع 2011 أو ما سمي باحتجاجات الزيت والسكر وكذا الوضع الإقليمي العربي الذي تميز بثورة تونس ومصر والاضطرابات في ليبيا، أن دفع بالسلطة إلى تبني جملة من الإصلاحات السياسية هدفت إلى مراجعة العديد من القوانين بما في ذلك قانون الإعلام لسنة 1990، هذا الأخير عوض بقانونين أحدهما خاص بالإعلام والآخر بالسمعي البصري.

1- قانون الإعلام 2012

جاء هذا القانون بعد مخاض طويل وعسير حيث تطلب إعداد وثيقة المشروع عقد وزارة الاتصال لأكثر من 70 اجتماعا وجلسة عمل وإجراء مشاورات مع المعنيين من القطاع من صحفيين وناشرين وقضاة ومحامين وجامعيين وناشطين حقوقيين، وهو المشروع الذي تحفظ عليه مجلس الحكومة في اجتماعه ليوم 20 أوت 2011 لما تضمنه من أحكام لا تتماشى وتعهدات رئيس الجمهورية خاصة ما تعلق برفع التجريم عن الصحافة، وطلب من وزير الاتصال تقديم قراءة ثانية للمشروع تتماشى وتوجيهات مجلس الحكومة، وهو ما تم بالفعل إذ أعيد النظر في بعض البنود وعرض على البرلمان خلال الدورة الخريفية 2011، وبعد المناقشة تم التصويت عليه بالأغلبية من طرف أعضاء غرفتي البرلمان على التوالي في 14 و22 ديسمبر 2011. فما الجديد الذي جاء به؟

من خلال مجمل مواد القانون يمكننا حصر الجديد في النقاط التالية:

1- ضبط قواعد ممارسة المهنة:حدد القانون بدقة المبادئ والقواعد التي تحكم ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة، وكذا المقصود بأنشطة الإعلام حيث نصت المادة الثالثة على: "يقصد بأنشطة الإعلام في مفهوم هذا القانون العضوي كل نشر أو بث لوقائع أحداث أو رسائل أو آراء أو أفكار أو معارف عبر أية وسيلة مكتوبة أو مسموعة أو متلفزة أو الكترونية وتكون موجهة للجمهور أو فئة منه".

2- تأسيس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة:و  قد حققت أحد مطالب وهي العودة بالصحافة إلى أصحابها الحقيقيين.

3- إدراج مصطلح السمعي البصري

4-تحرير قطاع السمعي البصري

6- إنشاء سلطة الضبط السمعي البصري.

6- إدراج الإعلام الالكتروني: وهو ما تعرض له الباب الخامس تحت عنوان "وسائل الإعلام الالكترونية"، موضحا من خلال ست مواد المقصود بالصحافة الالكترونية وضوابطها.

7- إقرار حقوق الصحفي: تعرض القانون لجملة من الحقوق نذكر منها حق الصحفي في عقد عمل مكتوب يحدد حقوقه وواجباته(المادة 80)، وحق الملكية الأدبية (المادة 88)،والحق في التأمين حيث أشارت المادة 90 إلى أنه "يجب على الهيئة المستخدمة اكتتاب تأمين خاص على حياة كل صحفي يرسل إلى مناطق الحرب أو التمرد أو المناطق التي تشهد أوبئة أو كوارث طبيعية أو أية منطقة أخرى قد تعرض حياته للخطر"، وجاءت المادة 91 لتكرس أكثر هذا الحق بنصها: "يحق لكل صحفي لا يستفيد من التأمين الخاص المذكور في المادة 90 أعلاه رفض القيام بالتنقل المطلوب، لا يمثل هذا الرفض خطأ مهنيا ولا يمكن أن يتعرض الصحفي بسببه إلى عقوبة مهما كانت طبيعتها".

8- التأكيد على أخلاقيات المهنة: أكد القانون من خلال الفصل المخصص لآداب وأخلاقيات المهنة على ضرورة احترام الصحفي أثناء ممارسته لعمله لجملة من القواعد كاحترام الحريات الفردية والحياة الخاصة للأشخاص، مع التعرض لعقوبات من قبل المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحافة في حالة خرق هل تلك القواعد.

9- إلغاء عقوبة السجن: ربما تعتبر أهم مكسب تحققه الأسرة الإعلامية حيث ألغى قانون الإعلام الجديد عقوبة السجن واكتفى بالغرامة المالية والتي قد تصل إلى غاية 200 ألف دينار كأقصى حد.        

  لم يعط للنشاط السمعي البصري حقه على غرار الصحافة المكتوبة، ففي الوقت الذي خصصت فيه 36 مادة لهذه الأخيرة لم يحض قطاع السمعي البصري بأكثر من 6 مواد مع عدم التطرق تماما إلى آليات الحصول على التراخيص لإنشاء قنوات تلفزيونية أو إذاعية، وفسر ذلك بعدم جدية السلطة في تحرير هذا القطاع الاستراتيجي من قبضتها، الأمر الذي دفع بأحد نواب المعارضة أثناء مناقشة المشروع يوم 29 نوفمبر 2011 إلى القول: "إن السلطة اليوم من خلال هذا المشروع تؤكد أنها غير مستعدة ولو بشبر واحد للتخلي عن ممارسة احتكارها لهذا القطاع والذي يتميز بصناعة النفوذ والثروة بدل من تقديم الخدمة العمومية للمواطنين" ويضيف قائلا: "... ماذا يعني لكم سيادة الوزير تقديم مثل هذا المشروع وكأن الإعلام اليوم هو الصحافة المكتوبة... فهل وصل الحد بالحكومة أنها تعيش مرحلة ما قبل اكتشاف الإذاعة والتلفزيون".

2-قانون السمعي البصري 2014

1-إدراج مصطلح السمعي البصري: بحيث لأول مرة يتضمن قانون متعلق بالإعلام هذا المصطلح وذلك من خلال الباب الرابع منه الذي جاء تحت عنوان "النشاط السمعي البصري"، وحدد من خلال المادتين 58 و60 المقصود بالنشاط السمعي البصري وكذا خدمة الاتصال السمعي البصري.

2-  تحرير قطاع السمعي البصري: يستشف ذلك من خلال مضمون المادة 61 التي حددت الهيئات المخول لها ممارسة نشاط السمعي البصري والمتمثلة في:

  هيئات عمومية.

 مؤسسات وأجهزة القطاع العمومي.

المؤسسات أو الشركات التي تخضع للقانون الجزائري.

3- تأسيس سلطة ضبط السمعي البصري: من خلال المادتين 64 ،65اكتفى القانون بالتأكيد على تأسيس هذه السلطة دون أية تفاصيل حول مهامها أو تشكيلتها وأحال ذلك إلى القانون المتعلق بالسمعي البصري.

بعد عامين من صدور القانون العضوي المتعلق بالإعلام لسنة 2012 صدر القانون المتعلق بالسمعي البصري وهذا على الرغم من كل الانتقادات التي تعرض لها من قبل النواب أثناء مناقشة مشروع القانون. ومن خلال مضمون مواده 113 يمكن إبراز الملامح الكبرى له:

1- تحرير القطاع: بحيث لأول مرة يفتح قطاع السمعي البصري أمام الخواص ويستشف ذلك من خلال مضمون المادة الثالثة التي حددت الأطراف التي يحق لها ممارسة هذا النشاط والمتمثلة في:

-       الأشخاص المعنوية التي تستغل خدمة الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي.

-       مؤسسات وهيئات وأجهزة القطاع العمومي المرخص لها.

-       المؤسسات والشركات التي تخضع للقانون الجزائري المرخص لها.

2- تقييد القطاع الخاص:في الوقت الذي نصت فيه المادة الرابعة على أن خدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العمومي تنظم في شكل قنوات عامة وقنوات موضوعاتية، أشارت المادة الخامسة إلى أن خدمات الاتصال السمعي البصري المرخص لها تتشكل من القنوات الموضوعاتية فقط، وحسب المادة السابعة من القانون والمتعلقة بتحديد المفاهيم، فإن قناة موضوعاتية يقصد بها برامج تلفزيونية أو سمعية تتمحور حول موضوع أو عدة مواضيع ولا يسمح لها بإدراج برامج إخبارية إلا وفق حجم ساعي يحدد في رخصة الاستغلال، وترك للنصوص التنظيمية تحديد كيفيات تطبيق ذلك.

2-   تأسيس سلطة ضبط السمعي البصري:أشارت إليها المادة 64 من القانون العضوي المتعلق بالإعلام 2012، وجاء قانون السمعي البصري ليحدد مهام وصلاحيات و تشكيلة هذه الهيئة،فحسب المادة 54 فإن مهام سلطة الضبط تتمثل في السهر على حرية ممارسة النشاط السمعي البصري ضمن الشروط المحددة في هذا القانون والتشريع والتنظيم ساريي المفعول، والسهر على عدم تحيز الأشخاص المعنوية التي تستغل خدمات الاتصال السمعي البصري التابعة للقطاع العام، وكذا السهر على احترام التعبير التعددي لتيارات الفكر والرأي بكل الوسائل الملائمة في برامج خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني لاسيما خلال حصص الإعلام السياسي والعام.

 4- هيمنة السلطة على القطاع: يتجلى ذلك بوضوح أولا من خلال تشكيلة سلطة ضبط السمعي البصري والتي أبعد عنها تماما المهنيون، عكس سلطة ضبط الصحافة المكتوبة التي يشكل فيها الصحفيون نصف عدد الأعضاء،وثانيا من خلال احتكارها لمؤسسة البث الإذاعي و التلفزي، إضافة إلى الاحتفاظ بصلاحية منح الرخص للقنوات أو رفضها.

3. ملامح السياسة الاعلامية التعددية

نستشف فهذه الملامح من قانون الإعلام 1990 والذي تماشيا ومرحلة التحول الديمقراطي الذي ولجته الجزائر يكون قد جاء لإحداث القطيعة مع الماضي، وندرجها في النقاط التالية:

1- الحق في الإعلام:يتجلى ذلك بوضوح من مضمون المادتين الثانية والثالثة، فالمادة الثانية نصت على أن: "الحق في الإعلام يجسده حق المواطن في الاطلاع بكيفية كاملة وموضوعية على الوقائع والآراء التي تهم المجتمع على الصعيدين الوطني والدولي وحق مشاركته في الإعلام بممارسة الحريات الأساسية في التفكير والرأي والتعبير طبقا للمواد 35، 36، 39، 40 من الدستور"، أما المادة الثالثة فقد جاء فيها "يمارس حق الإعلام بحرية مع احترام كرامة الشخصية الإنسانية ومقتضيات السياسة الخارجية والدفاع الوطني".

2- إقرار التعددية الإعلامية: يتجلى ذلك أولا من خلال الوسائل التي يمارس بها الحق في الإعلام والتي حددتها المادة الرابعة فيما يلي:

        عناوين الإعلام وأجهزته في القطاع العام

  •  العناوين والأجهزة التي تمتلكها أو تنشئها الجمعيات ذات الطابع السياسي.
  •  العناوين والأجهزة التي ينشئها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون الخاضعون للقانون الجزائري.
  •   أي سند اتصال كتابي أو إذاعي صوتي أو تلفزي.

وثانيا من خلال حرية النشر إذ نصت المادة 14 على:"إصدار نشرية دورية حر غير أنه يشترط لتسجيله ورقابة صحته تقديم تصريح مسبق في ظرف لا يقل عن ثلاثين يوما من صدور العدد الأول"، وتعد هذه المادة ثورة في تاريخ الصحافة الجزائرية ذلك أنها وضعت حدا لاحتكار الدولة للصحافة منذ الاستقلال، غير أنه واستنادا إلى مضمون المادة 12 من القانون 1990، يكون الانفتاح الإعلامي هذا قد اقتصر على الصحافة المكتوبة فقط واستثنى قطاع السمعي البصري بحيث لم يسمح للقطاع الخاص بولوج هذا المجال على الرغم مما نصت عليه المادة الرابعة المذكورة أعلاه ونستشف هذا الاستثناء من مضمون المادة 12والتي نصت على أن "تنظم أجهزة الإذاعة الصوتية و التلفزة ووكالة التصوير الإعلامي ووكالة الأنباء التابعة للقطاع العام في شكل مؤسسات عمومية ذات طابع صناعي وتجاري طبقا للمادتين 44 و47 من القانون رقم 88-01 المؤرخ في 12 جانفي 1988"، ما يعني احتكار الدولة للقطاع الإعلامي السمعي البصري، وهذا الاحتكار يعني سيطرتها على مخرجات هذا القطاع وتوظيفه لخدمة السلطة في معظم الأحيان، وآلية التحكم والمراقبة هذه تقيد حرية الصحافة، ويعد هذا القطاع قطاعا حساسا واستراتيجيا لأنه يحظى بأكبر نسبة من المشاهدين والمتلقين. 

3-استقلالية الصحفي: حدد قانون الإعلام الجديد المقصود بالصحفي المحترف من خلال نص المادة 28 والتي أشارت إلى أن "الصحفي المحترف هو كل شخص يتفرغ للبحث عن الأخبار وجمعها وانتقائها واستغلالها وتقديمها خلال نشاطه الصحافي الذي يتخذه مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسيا لدخله، وهذا عكس ما تضمنته المادة 35 من قانون 1982 التي نصت على أن الصحفي المحترف ينبغي أن يكون تابعا لوسائل الإعلام التابعة للدولة أو الحزب، وبذا يكون هذا القانون قد أسس لعهد جديد يقوم على استقلالية الصحفي عن التبعية لأجهزة الدولة والحزب، والاحتكام للمهنية فقط وهو ما تعكسه الماد 33 والتي نصت على أن: "تكون حقوق الصحافيين المحترفين في الأجهزة الإعلامية العمومية مستقلة عن الآراء السياسية والانتماءات النقابية، يكون التأهيل المهني المكتسب شرطا أساسيا للتعيين والترقية والتحويل شريطة أن يلتزم الصحافي بالخط العام للمؤسسة الإعلامية".

4- إنشاء مجلس أعلى للإعلام:حسب الباب السادس من قانون الإعلام 1990، أوكل تنظيم قطاع الإعلام إلى جهاز قائم بذاته يرتكز على المهنية بالدرجة الأولى وهو المجلس الأعلى للإعلام، فقد نصت المادة 59 على: "يحدث مجلس أعلى للإعلام وهو سلطة إدارية مستقلة ضابطة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي تتمثل مهمتها في السهر على احترام هذا القانون". وبالنظر إلى الصلاحيات الكثيرة المخولة إليه والتي أشارت إليها المواد من 59 إلى 76يكون قد عوض عمليا وزارة الإعلام والتي ألغيت لاحقا في تشكيلة حكومة 1991.

  على الرغم من الايجابيات الكثيرة التي جاء بها هذا القانون خاصة ما تعلق برفع احتكار الدولة لقطاع الإعلام إلا أن ما تضمنه الباب السابع من أحكام جزائية جعلته قانون عقوبات أكثر منه قانون إعلام، حيث أن عقوبة السجن قد تصل إلى غاية عشر سنوات وهذا تماشيا وطبيعة المخالفة المرتكبة.

4. تنظيم الصحافة المكتوبة في الجزائر

1.  تنظيم الصحافة المكتوبة وفقا لقانون الإعلام 1982.

وفقا لقانون 1982 تبنت الجزائر مبدأ الملكية العامة للصحف فقد نصت المادة2: " الحق في الإعلام حق أساسي تعمل الدولة على توفير إعلام كامل و موضوعي".

و عليه فقط نص هذا القانون على مجموعة من الشروط لإصدار الصحف و إنشاء المؤسسات الإعلامية على النحو التالي:

  يشرط الحصول على ترخيص من طرف الوزارة  الإعلام، لإصدار الصحف إذ نصت المادة 15 من قانون 82  أنه "يجب أن يصرح بالنشريات المتخصصة لدى وزارة الإعلام قصد اعتمادها و ذلك قبل 90 يوما من ظهور العدد الأول منها باستثناء نشريات الحزب و المنظمات الجماهيرية و الاتحادات المهنية و غيرها من النشريات التي يتم اعتمادها من حزب".

  تفرض الرقابة على الصحف الوطنية، إذ تنص المادة 19 / 82 "يجب على الناشرين أن يقدموا لوزارة الإعلام قصد المراقبة ما يلي: "حساب استثمار و حصيلة نشاط مؤسساتهم و قائمة بأسماء الصحافيين المستخدمين لديها كل سنة،  عدد النسخ المسحوبة و مبيعات كل عدد منها كل 3 أشهر".

 لامتهان الصحافة يشترط الحصول على ترخيص من طرف الإدارة، و ذلك وفقا للمادة 36/82 التي تنص على:" يمكن للأشخاص المنصوص عليهم في المادتين 33و 34 أعلاه أن يستفيدوا صفة الصحافي المحترف و التمتع بالحقوق المرتبطة بالمهنة الصحافية إذا كانت بحوزتهم بطاقة هوية مهنية وطنية."

يتولى توقيع الجزاءات و العقوبات السلطة الإدارية و القضائية، إذ تنص المادة 102/ 80 "أنه لا يجوز رفع دعوى قضائية على الصحافي إلا بعد التأكيد الهيئة المعنية بالحزب أو وزارة الإعلام من صحة التهمة، غير أنه يجوز رفع دعوى قضائية في ظرف 30 يوما ابتداء من تاريخ تقديم التظلم في حالة عدم اقتناع الطرف أو الأطراف صاحبة الدعوة بقرار الهيئة المشار إليها في الفترة السابقة أو إذا لم تفصل هذه الهيئة في موضوع التظلم الموجه إليها." 

2. تنظيم الصحافة المكتوبة وفقا قانون الإعلام 1990في الجزائر

   تتبنى الجزائر الملكية المختلطة و حدد ذلك في المادة04من قانون الإعلام 1990 التي تنص على:"يمارس الإعلام بحرية خصوصا من خلال ما يأتي:

-  عناوين الإعلام و أجهزته في القطاع العام.

-  العناوين و الأجهزة التي تنشئها الجمعيات ذات الطابع السياسي.

-  العناوين و الأجهزة التي ينشئها الأشخاص الطبيعيون المعنويون الخاضعين للقانون الجزائري.

-   و يمارس من خلال أي سند اتصال كتابي أو إذاعي أو تلفزي.

  يشترط الحصول على الترخيص من طرف الإدارة، فقد نصت المادة 14/90 على" إصدار نشرية الدورية حر غير أنه يشترط لتسجيله و رقابة صحته، تقديم تصريح مسبق في ظرف لا يقل عن 30 يوما من صدور  العدد الأول بتسجيل التصريح لدى وكيل الجمهورية المختص إقليميا بمكان صدور النشرية و يقدم التصريح في ورق مختوم يوقعه مدير النشرية و يسلم له وصل بذلك في حين يجب أن يشتمل الوصل على المعلومات المتعلقة بهوية الناشر و الطابع و مواصفات النشرية."

  يجب على من يرغب في العمل كصحفي أن يحرص على رخصة من طرف الدولة فقد نصت المادة 30/90 أنه" يحدد المجلس الأعلى للإعلام شروط تسليم بطاقة الصحفي المحترف والجهة التي تصدرها و مدة صلاحيتها و كيفية إلغائها و وسائل الطعن في ذلك."

  مدة العضوية 6 سنوات غير قابلة للإلغاء و التجديد، و يجدد ثلث المجلس كل سنتين، عدا رئيس المجلس الذي تستمر عضويته طوال الفترة كلها و تمثلت مهامه وفقا للمادة 59 فيما يلي:

  تفرض الرقابة على الصحف الأجنبية، فقد نصت المادة 57/90 على أنه " يخضع استراد النشرية الدورية الأجنبية و توزيعها عبر التراب الوطني لرخصة مسبقة تسلمها الإدارة المختصة بعد استشارة المجلس الأعلى للإعلام، كما يخضع استيراد الهيئات الأجنبية و البعثات الدبلوماسية لنشريات دورية مخصصة للتوزيع المجاني لرخصة مسبقة تسلمها الإدارة المختصة."

   استراد الصحف يخضع للرقابة، وفقا للمادة 57/90 إذ تتولى كل من السلطة الإدارية و القضائية توقيع العقوبات و الجزاءات تتولى المتابعة و المراقبة .

    تشكيل المجلس الأعلى للإعلام، حيث نصت المادة 59بأنه "...سلطة إدارية مستقلة ضابطة تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و تتمثل مهمتها في السهر على احترام أحكام هذا القانون. و يتكون من 12 عضوا رئيس المجلس و 2 يعينهما رئيس الجمهورية و 3 أعضاء يعينهم رئيس المجلس الوطني و 6 أعضاء منتخبين بأغلبية المطلقة و هم من بين الصحفيين المحترفين في قطاعات التلفزيون و الإذاعة و الصحافة المكتوبة شرط أن تكون لهم خبرة 15 سنة فما فوق.

-  يبين بدقة كيفيات تطبيق حقوق العبير عن مختلف تيارات الآراء.

-  يضمن استقلال أجهزة القطاع العام للبث الإذاعي الصوتي و التلفزي و حياده و استقلالية كل مهن القطاع.

-   يسهر على تشجيع و تدعيم النشر و البث باللغة العربية بكل الوسائل الملائمة.

-   يسهر على إتقان التبليغ، و الدفاع عن الثقافة الوطنية بمختلف أشكالها و يروجها لا سيما في مجال الإنتاج و نشر المؤلفات.

-  يسهر على شفافية القواعد الاقتصادية  في سير الأنشطة الإعلام.

-  يتقي بقراراته تمركز العناوين و الأجهزة تحت التأثير المالي و السياسي و الإيديولوجي لمالك واحد.

-  يحدد بقراراته شروط إعداد النصوص و الحصص المتعلقة بالحملات الانتخابية و إصدارها و إنتاجها و برمجتها و نشرها.

يبدي الرأي في النزاعات المتعلقة بحرية التعبير  و التفكير التي تقع بين مديري الأجهزة الإعلامية  و مساعديهم قصد التحكيم  فيها بالتراضي. 

إلا أنه تم تجميد المجلس الأعلى للإعلام و هذا لأسباب أمنية و سياسية بالدرجة الأولى و هذا بعد دخول الجزائر حالة الطوارئ في 9 فيفري 1992 الأمر الذي انجر عنه تجميد المادة 14/90 و هذا بسبب الانتشار الكبير للنشريات التي كانت تتطرق للأمور السياسية و تسريب بعض المعلومات الأمنية التي تهدد مصالح الدولة في تلك المرحلة المتوترة 

3. تنظيم الصحافة المكتوبة وفقا لقانون الإعلام 2012 في الجزائر

يتم الحصول على ترخيص مسبق لإصدار النشرية من قبل سلطة الضبط،فقد نصت المادة 11: "أن إصدار كل نشرية دورية يتم بحرية  يخضع إصدار كل نشرية دورية لإجراءات التسجيل و مراقبة صحة المعلومات، بإيداع تصريح مسبق موقع من طرف المدير مسؤول النشرية، لدى سلطة ضبط الصحافة المكتوبة المنصوص عليها في هذا القانون"

الحصول على ترخيص إصدار و استراد النشريات الأجنبية من طرف وزارة الشؤون الخارجي،إذ تنص المادة 38من قانون الإعلام 2012:"يخضع استراد أو إصدار النشريات الدورية من قبل الهيئات الأجنبية و البعثات الدبلوماسية الموجهة للتوزيع المجاني إلى ترخيص من الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية."

إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، إذ نصت على ذلك المادة 40من هذا القانون أن "تنشأ سلطة ضبط الصحافة المكتوبة، و هي سلطة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المعنوي و تتولى بهذه الصفة و على الخصوص ما يأتي:

-   تشجيع التعددية الإعلامية.

-   السهر على نشر و توزيع الإعلام المكتوي عبر كامل التراب الوطني.

-   السهر على جودة الرسائل الإعلامية و ترقية الثقافة الوطنية و إبرازها بجميع أشكالها.

-   السهر على شفافية القواعد الاقتصادية و سير المؤسسات الناشرة.

-   السهر على تشجيع و تدعيم النشر باللغتين الوطنيتين بكل الوسائل الملائمة.

 و تتشكل سلطة ضبط الصحافة المكتوبة وفقا للمادة 50 من 14 عضوا يعينون بمرسوم رئاسي على النحو الآتي:

-   3 أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية و من بينهم رئيس سلطة الضبط.

-  عضوان غير برلمانيين يقترحهما رئيس المجلس الشعبي الوطني.

-  عضوان غير برلمانيين يقترحهما رئيس مجلس الأمة.

سبعة أعضاء ينتخبون بالأغلبية المطلقة من بين الصحفيين المحترفين الذين يثبتون 15 سنة على الأقل من الخبرة المهنية. 

5. تنظيم السمعي البصري في الجزائر

1.  تنظيم السمعي البصري في قانون الإعلام 1982:

 نظرا لعرض جل مواد قانون الإعلام 1982،يبدو أنه قانون جاء لتنظيم قطاع المطبوعات و الصحافة المكتوبة و لم يتعرض إلى الوسائل السمعية البصرية سوى ضمن إطار عام و فضفاض و كان المشروع يلحق مصطلح السمعي البصري نظرا لحساسية المؤسسات السمعية البصرية و خاصة التلفزيون.

2. تنظيم السمعي البصري وفقا لقانون الإعلام 1990:

 جاء قانون الإعلام 1990 للاهتمام أكثر بقطاع الصحافة المكتوبة دون قطاع السمعي البصري إلا أن هناك استثناء في هذا القانون وجود المجلس الأعلى للإعلام الذي سببق ذكره و الذي كان له مهم هامة اتجاه السمعي البصري من خلال ضمان استقلالية القطاع العم للبث الإذاعي الصوتي  و التلفزيوني و حياده و استقلالية كل مهنة من مهن القطاع، إذن فقانون الإعلام 1990 شأنه في ذلك شأن قانون 1982 في التعامل مع حذر مع قطاع السمعي البصري رغم أهميته و تأثيره.

3.تنظيم السمعي البصري وفقا لقانون 2012:

جاء قانون الإعلام 2012 لتنظيم قطاع السمعي البصري و الذي كان نقلة لهذا القطاع و توضيح أكثر كيفية تنظيمه و قد تضمن هذا القانون ما يلي:

  •  المشهد الإعلامي منذ 2012 : على خلاف المشهد الإعلامي مطلع التسعينات من القرن الماضي أين ظهر جليا التغيير، فإنه ومنذ تجسيد الإصلاحات الجديدة في مجال الإعلام لا نكاد نلمس التغيير خاصة في الصحافة المكتوبة حيث أن قانون 2012 لم يضف لها الكثير باستثناء التأكيد على حقوق الصحفي وإلغاء تجريم جنحة الصحافة،فلم نعد نسمع عن توقيف أو محاكمة صحفي وإن تواصلت عملية توقيف الصحف بين الحين والآخر بمبرر عدم دفع المستحقات المترتبة على هذه الصحف تجاه المطابع، بل الأكثر من ذلك أن سلطة ضبط الصحافة المكتوبة لم تنشأ إلى غاية اليوم.

أما فيما يتعلق بقطاع السمعي البصري فإنه وعلى الرغم من تأخر صدور المراسيم التنفيذية التي من شأنها السماح بإنشاء قنوات تلفزبة أو إذاعية وكذا عدم تنصيب سلطة ضبط السمعي البصري التي تعود لها صلاحية وضع دفتر الشروط إلا أنه سجل انفجار كبير في عدد القنوات التلفزية والتي تبث برامجها من الخارج أو بصفة غير قانونية من الجزائر، وفي هذا الشأن أشار رئيس سلطة ضبط السمعي البصري السيد ميلود شرفي إلى أن الوزارة بالتعاون مع سلطة الضبط تعكف على تحضير نصوص تطبيقية لتقنين القطاع السمعي البصري الذي يعرف فوضى وغموض في تسييره،إذ شدد على ضرورة وضع حد للفوضى والغموض الذي يشو بتسيير القنوات التلفزيونية الخاصة مشير إلى أن 45 قناة تلفزيونية خاصة تبث برامجها بالجزائر من بينها 5 قنوات فقط تعمل بطريقة شرعية ومرخصة أما البقية فتبث عبر منصات خارجية ولا بد من تقنينها لوضعها تحت طائلة القانون الجزائري، وأضاف قائلا بأن هناك أكثر من 20 قناة تبث برامجها وأكثر من 5 في طريق التأسيس تتسابق للظفر بحق البث من الجزائر عن طريق البث الإذاعي و التلفزي، وهذه الأخيرة لا تسمح طاقة استيعابها إلا ببث برامج 13 قناة فقط حسب ما أعلنته وزارة الاتصال،وإذا استثنينا القنوات التلفزيونية العمومية الخمس التي تبث بصفة رسمية من الجزائر، فإن التي قد يسمح لها بالبث من الداخل لن يتجاوز عددها ثماني قنوات فقط.

تجدر الإشارة إلى أن معظم القنوات السمعية البصرية الناشئة لم يبادر بها مهنيون من محترفي النشاط السمعي البصري مثلما كان عليه الأمر مع الصحافة المكتوبة مع بداية التعددية الإعلامية، حيث بادر رجال المهنة بإنشاء صحف مستقلة أو جرائد خاصة قادمين إليها من صحافة القطاع العمومي بل أن المبادرين بالقنوات التلفزيونية الخاصة أو المستقلة قدموا إليها من الصحافة المكتوبة، حيث نجد قنوات الشروق التلفزيونية والإذاعية، قناة الخبر، قناة النهار، الجزائر نيوز، والهداف، وكأن الجرائد الورقية قد تطورت إلى قنوات تلفزيونية، إضافة إلى هيئات أخرى مستقلة لا علاقة لها تماما بقطاع الإعلام، وهذا يتعارض والمادة 19 من القانون المتعلقة بالشروط الواجب توفرها في الأشخاص المؤهلين لإنشاء خدمات الاتصال السمعي البصري وإن كانت موضوعاتية، والتي تنص على أن يكون ضمن المساهمين صحافيون محترفون وأشخاص مهنيون.