طرق إنهاء الدستور
تعريف :
يقصد بإنهاء الدستور وضع حد لآثاره نهائيا مما لا يسمح بإمكانية العمل مجددا بجميع ما تضمنه من أحكام في المستقبل؛ أي بمعنى إلغائه وإخراجه من حيز النفاذ.
أساسي :
إنهاء الدستور أو إلغاؤه يختلف عن ما يسمى وقف أو تعليق العمل بالدستور الذي يلجأ إليه بشكل مؤقت في ظروف يكون فيها من العسير جدا الإبقاء على الدستور ساري النفاذ نظرا لأن الدولة تكون مهددة في كيانها ووجودها مما يضطر الدستور نفسه إلى تجميع كل السلطات بيد رئيس الدولة لتمكينه من مجابهة ما قد يواجه البلاد من مخاطر وتجاوزها، وإلى تعليق العمل به، ولكن عند انتهاء الأزمة يتعين استئناف العمل بأحكام الدستور. ونظرا لخطورة هذا الإجراء على الدولة من جميع النواحي، فإن الدساتير الجزائرية لم تبح اللجوء إليه إلا في أخطر حالة يمكن أن تعرفها الدولة وهي حالة الحرب؛ بحيث أكدت المواد 123 من دستور 1976، 90 من دستور 1989، و110 من دستور 1996 على أنه يوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب، ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات في الدولة.
إضافة :
هناك أيضا ما يسمى بتعطيل الدستور، والذي يعني عدم العمل بأحكام ونصوص الدستور نظرا لأنها لم تعد صالحة للتطبيق إذا تجاوزها الزمن ولم يتدخل المؤسس الدستوري لتعديلها، أو نظرا لأن الدولة تعرف أزمة خطيرة يعجز خلالها الدستور عن تقديم ما يعالجها أو يسمح بتجازوها فيتم تعطيل العمل بأحكامه كمرحلة انتقالية لتحديد الموقف منه بالنسبة للمستقبل؛ بمعنى تحديد: هل يكتفى بإدخال تعديلات عليه أم أن ذلك لا يكفي لوجوب إلغائه واستبداله بدستور جديد. وعليه، فهذا التعطيل الفعلي للدستور عادة ما يكون في ذاته ضرورة ملحة أكثر منه انتهاكا للدستور أو مخالفة له. وفي الواقع لقد عرفت الجزائر هذا التعطيل الفعلي لأحكام الدستور (دستور1989) فيما أصبح يعرف بأزمة التسعينات؛ أين دخلت البلاد بعد استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد في 11 يناير 1991 في فراغ مؤسساتي خطير نتيجة لحل الرئيس للمجلس الشعبي الوطني من قبل استقالته. ونظرا لأن دستور 1989 لم يكن يتضمن حلولا لهكذا أزمة فقد تم تعطيل العمل به فعليا، أين استحدثت مؤسسات حكم أخرى بعيدا عن أحكامه ونصوصه تولت هي تسيير البلاد خلال مرحلة انتقالية استمرت إلى غاية تبني دستور 1996 الذي وضع حدا لها، لتعود بذلك الدولة إلى العمل بالأحكام الدستورية من جديد.
وعلى كل، فإن الطرق التي يتم بواسطتها إنهاء الدستور تنقسم من حيث طبيعة الظروف التي يتم فيها إلى نوعين، هما: الطريقة العادية والطريقة غير العادية.
الطريقة العادية لإنهاء الدستور
وهي الطريقة التي يكون فيها إلغاء الدستور وإنهاء العمل بأحكامه قد تما في هدوء ومن غير عنف ولا إكراه نتيجة استعمال القوة أو التلويح باستعمالها. وإنما قد يكون كل ما في الأمر أن السلطات تبادر عن طواعية إما من تلقاء نفسها أو بناء على دعوات توجه إليها إلى إنهاء الدستور القائم واستبداله بدستور جديد يؤمل فيه يكون أقرب من الآخر إلى مسايرة طموحات الشعب وآماله في الرقي والتطور.
وإنهاء الدستور بشكل عادي يختلف بحسب ما إذا كان الدستور عرفيا أو مكتوبا. وذلك لأن إنهاء الدستور العرفي لا يطرح من حيث المبدأ صعوبات على أرض الواقع، وهذا لأنه يكون في حكم الملغى إذا ما حل عرف جديد محل العرف القديم، أو إذا وضع دستور جديد مكتوب، أو إذا أصدر البرلمان قوانين عادية تلغي العرف الدستوري. وكما نلاحظ فالدستور العرفي عادة ما يلغى وينهى العمل به في ظروف عادية وبطريقة قانونية. وأما بالنسبة للدستور المكتوب فالأمر يختلف بالنسبة للدستور المرن عنه بالنسبة للدستور الجامد. فالدستور المرن لا يطرح إشكالات عملية في إنهائه لأنه عادة ما يكون ذلك بشكل عادي وبطريقة قانونية من طرف البرلمان الذي يتدخل لوضع حد نهائي للدستور من خلال إلغائه له بشكل صريح أو ضمني بموجب قوانين عادية. والذي طرح إشكالات فقهية وعملية في إنهائه هو الدستور الجامد، وذلك لأن المبدأ في هذا النوع من الدساتير هو أنه لا يشير إلى إمكانية إلغائه إلا في حالات نادرة كالدستور السويسري والدستور الفرنسي لسنة 1875 مثلا. وإذا كانت غالبية الفقه ترى بعدم جواز إلغاء السلطة التأسيسية الفرعية للدستور في هذه الحالة، وذلك لكون مهمتها محصورة في إلغاء بعض مواده فقط، وهذا عند مباشرتها لسلطتها في التعديل، فإن الواقع يثبت عدم تقيد السلطة التأسيسية الفرعية بذلك، وهو ما يظهر جليا مثلا بالنسبة إلى إلغاء دستور 1976 عن طريق دستور 1989 الذي كان يرى فيه البعض مجرد تعديل دستوري، لكن الفقه الدستوري الجزائري يرى فيه بالإجماع دستورا جديدا قائما بذاته وليس مجرد تعديل كما ذهبت بعض وجهات النظر السياسية. وللحفاظ على سمو الدستور وشرعية أعمال السلطات العمومية في الدولة، فإن هناك من الفقه من يرى بأنه يتعين أن يتم إنهاء الدستور الجامد عن طريق وضع دستور جديد يحل محل الدستور القديم بأحد طرق وضع الدساتير السابق ذكرها.
الطرق غير العادية إنهاء الدستور
وهي الطريقة التي يمارس فيها لإلغاء الدستور وإنهائه الضغط والإكراه غير السلميين، بل وقد يصل الأمر إلى حد استعمال القوة والعنف أو التهديد باستعمالهما. وعليه، فعملية إنهاء الدستور في هذه الحالة تتم في ظروف غير عادية ونتيجة لأساليب غير قانونية.
ومن بين أهم الطرق غير العادية لإنهاء الدستور، نجــد:
الثـورة: يمكن تعريفها بأنها حدث جلل يتولى عادة التخطيط له والإشراف عليه قيادة مهيأة لاستلام زمام الحكم في البلاد في حالة نجاحها، ولأجل تحقيق ذلك تلجأ بما لها من وسائل إلى إثارة الشعب (أو معظمه) ضد النظام القائم لإسقاطه وتغييره تغييرا جذريا، وهذا كله بهدف إقامة نظام جديد في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وعليه، فالهدف من الثورة ليس تعديل أو إصلاح النظام القائم وإنما القضاء عليه وإحلال نظام آخر كبديل له. ولذلك فمن الطبيعي جدا أن يؤدي نجاح الثورة إلى إنهاء الدستور القائم وإسقاطه في التطبيق بشكل آلي دونما الحاجة إلى وجود نص يدل على ذلك. ومن أمثلة الثورات في العالم: الثورة الروسية 1917، الثورة المصرية 1952، والثورة الإيرانية 1979.
هذا وتجدر الإشارة إلى أنه يوجد إلى جانب الثورة ما يعرف بالانتفاضة أو التمرد الشعبي، والذي يتميز في الغالب بكونه فجائي وغير متوقع، وبكونه غير مؤطر أو مهيكل على الأقل في بداياته التي تكون عادة في شكل احتجاج على مشاكل محددة ثم يتطور الاحتجاج إلى تمرد وقد يتحول إلى ثورة مما قد يؤدي إلى الرفع في سقف المطالب الشعبية التي يمكن أن تصل إلى الدعوة بتعديل النظام القائم كليا أو جزئيا. أبرز أمثلتها في الجزائر هي أحداث أكتوبر 1988. كما ويمكن اعتبار ما عرفته مؤخرا بعض الدول العربية كتونس ومصر من هذا القبيل.
الانقلاب: وهو عبارة عن عمل يقوم به ذوي النفوذ في السلطة، مدنية كانت أم عسكرية، لإجبار متولي الحكم (والجناح المحسوب عليه) على التنحي بشكل أو بآخر. وفي الواقع إن الانقلاب عادة ما يرتبط بالخيانة واستعمال الإكراه المستند إلى القوة بكل معانيها (قوة السلاح، قوة الحزب، قوة المال، قوة الإعلام، قوة التاريخ، قوة الدعم الخارجي...) وبالتالي، فالانقلاب لا يعتمد في بدايته ومضمونه على الشعب، وإن كان يعمل فيما بعد إلى محاولة كسب وده حتى يحظى بالشرعية، ومن ثم يتمكن القائمون به من البقاء في السلطة والاستمرار في ممارستها. وفيما يخص أثر الانقلاب في إنهاء الدستور القائم، فإن نجاح الانقلاب وعلى خلاف الثورة لا يؤدي بالضرورة إلى إسقاط الدستور وإنهاء العمل به، وإنما يتوقف الأمر على موقف الحكام الجدد منه، وإن كان في الغالب هذا الدستور يعد ملغا بقوة الواقع.
ملاحظة :
إن الأصل في إنهاء الدستور أنه يؤثر في طبيعة النظام السياسي ومؤسساته، وليس في وجود الدولة وبقائها إلا في حالات نادرة أين يكون له تأثير، وهذا إذا تعلق الأمر مثلا بإنهاء الدساتير الاتحادية التي هي من مقومات الدول الفيدرالية ولازمة لبقائها وضمان استمرار وجودها.