طرق تعديل الدستور (في الجزائر)
تعريف :
يقصد بتعديل الدستور أو مراجعته إدخال تغيير جزئي على ما تضمنته وثيقته الأصلية من نصوص ومواد، وذلك بتغيير مضمون بعضها و/أو إلغاء بعضها الآخر، مع إمكانية إضافة لها أحكام جديدة لم تكن موجودة من قبل.
ملاحظة :
إذا كان هناك إجماع على أن الإلغاء الكلي للدستور لا يشكل تعديلا بل إنهاء له، كما حدث مثلا بالنسبة للدستور الجزائري لسنة 1976 عند الاستفتاء على دستور 1989، إلا أننا نعتقد وأن العبرة في التمييز بين الدستور الجديد ومجرد التعديل الدستوري ليست بعدم المساس بديباجة الدستور ومعظم مواده، وإنما هي بمدى إدخال تغييرات جوهرية على نواة الدستور الصلبة ألا وهي المواد المتعلقة بالسلطة من حيث تنظيمها وممارستها، ثم تليها المواد المكرسة للمبادئ العامة التي يؤمن بها المجتمع ويرى فيها أنها تعبر عن هويته وقيمه التي تربى عليها ويريد المحافظة عليها ونقلها للأجيال اللاحقة، ثم تليها وإن كان بدرجة أقل المواد المتعلقة بالحقوق والحريات التي أصبحت تشكل إرثا مشتركا لجميع المواطنين، وقلنا بدرجة أقل لأن هذه الحقوق والحريات، ما عدا الأساسية منها، لا تزال تعرف تطورات متلاحقة في المفاهيم والاستعمالات وحتى الإيديولوجيات. وما يؤكد هذا القول هو أن دستورا 1989 و1996 قد تفطنا لذلك باشتراطهما أن كل تعديل دستوري فيه مساس بهذه المسائل الثلاث كلها أو بعضها يجب عرضه على الشعب باعتبار السيادة والسلطة التأسيسية ملك له وحده. ولذا نجد مثلا بأن معظم الفقه الدستوري الجزائري، إن لم نقل كله، يرى بأن استفتاء 28 نوفمبر 1996 قد أسس لدستور جديد ولم يكن مجرد تعديل دستوري.
أساسي :
في الواقع يعتبر التعديل الدستوري ضروريا لأنه يسمح للدستور بأن يواكب ما يستجد في المجتمع من تطورات وظروف من جهة، ويسمح من جهة أخرى بالحفاظ على قدسية الدستور وسموه من خلال عدم إعطاء الفرصة للهيئات الحاكمة بتجاوزه في التطبيق بحجة عدم ملائمة قواعده، بالإضافة إلى تجنيب الدستور أي محاولة لتغييره عن طريق العنف. ولهذا نجد بأن معظم الدساتير تتضمن كيفية وإجراءات تعديلها، وإن كانت هناك فئة قليلة من الدساتير قد غفلت عن تنظيم والإشارة إلى مسألة تعديلها، إلا أن الرأي الراجح هو أنها تعدل من ذات الجهة التي وضعتها وبنفس الإجراءات التي اتبعت في ذلك. وأما ما ذهب إليه رجال الثورة الفرنسية من أن دساتيرها لا تقبل التعديل مطلقا لأنها تعكس حقائق عالمية خالدة قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، فإن التاريخ لم يؤيد ذلك أين خضعت الدساتير الفرنسية للتعديل، كما أن الفقهاء الفرنسيين لم يقروا بذلك لأنهم اعتبروا بأن الأمة هي صاحبة السيادة وطالمها هي كذلك فإنه يحق لها تغيير الدستور كلما شاءت.
تنبيه :
وقبل التطرق إلى طرق تعديل الدستور في الجزائر، فإننا ننبه بأن ثمة قيودا وضعها الدستور نفسه لضبط هذه العملية، وهي عبارة عن قيدين، هما:
القيد الزمني: والمتمثل في عدم إمكانية الشروع في إجراء التعديل الدستوري و/أو مواصلته في أوقات معينة. وهي بحسب المادة 194 من دستور 1976 الأوقات التي يكون فيها هناك مساس بسلامة التراب الوطني، وأما بحسب المادة 104 من دستور 1996 فإنهما الفترتين المنصوص عليهما في المادتين 102 و103.
القيد الموضوعي: والمتمثل في عدم جواز مساس أي تعديل دستوري ببعض أحكام الدستور. وهي بالتحديد تلك الواردة بالمادتين 195 من دستور 1976 و212 من دستور 1996.
نص قانوني :
المواد المنظمة لعملية التعديل الدستوري في ظل الدستور الجزائري الحالي لسنة 1996 هي:
المادة 208: « لرئيس الجمهورية حق المبادرة بالتعديل الدستوري، وبعد أن يصوت عليه المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة بنفس الصيغة حسب الشروط نفسها التي تطبق على نص تشريعي. يعرض التعديل على استفتاء الشعب خلال الخمسين (50) يوما الموالية لإقراره. يصدر رئيس الجمهورية التعديل الدستوري الذي صادق عليه الشعب »
.
المادة 209: « يصبح القانون الذي يتضمن مشروع التعديل الدستوري لاغيا، إذا رفضه الشعب. ولا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال الفترة التشريعية »
.
المادة 210: « إذا ارتأى المجلس الدستوري أن مشروع أي تعديل دستوري لا يمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية، وعلل رأيه، أمكن رئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي، متى أحرز ثلاثة أرباع (3/4) أصوات أعضاء غرفتي البرلمان »
.
المادة 211 : « يمكن ثلاثة أرباع (3/4) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعين معا، أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الاستفتاء الشعبي. ويصدره في حالة الموافقة عليه »
.
المادة 212 : « لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس: »
« الطابع الجمهوري للدولة، »
« النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية، »
« الإسلام باعتباره دين الدولـة، »
« العربية باعتبارها اللغة الوطنية والرسمية، »
« الحريات الأساسية وحقوق الإنسان والمواطن، »
« سلامة التراب الوطني ووحدتـه، »
« العلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية، »
« إعادة انتخاب رئيس الجمهورية مرة واحدة فقط »
.
وفيما يلي نتناول طرق تعديل الدستور التي اتبعت في الجزائر
تذكير :
لقد عرف الدستور الجزائري لسنة 1996 الذي صادق عليه الشعب في استفتاء 28 نوفمبر 1996 ثلاث (03) تعديلات، وهي على التوالي:
تعديل 2002 المؤرخ في 10 أبريل 2002.
تعديل 2008 المؤرخ في 15 نوفمبر 2008.
تعديل 2016 المؤرخ في 06 مارس 2016.
الطريقة الوجوبية لتعديل الدستور
بادئ ذي بدء يجب الإشارة إلى أن المقصود بالطريقة الوجوبية ليس وجوب إجراء التعديل الدستوري في حد ذاته، وذلك لأن الدستور يمنح من حيث المبدأ للجهة التي خولها حق المبادرة بالتعديل الدستوري سلطة تقديرية واسعة في استخدام هذا الحق من عدمه، وإنما المقصود هو أن الطريقة التي حددها الدستور للإقرار النهائي لمشروع التعديل هي التي واجبة الاتباع في هذه الحالة.
بالرجوع إلى الدساتير الجزائرية المتعاقبة نجد بأن هناك مراحل تسبق عملية الإقرار النهائي لتعديل الدستور، والتي يمكن إيجازها فيما يلي:
مرحلة المبادرة بالتعديل الدستوري: وهي أولى مراحل التعديل الدستور في الجزائر. وقد أعطي حق المبادرة بالتعديل الدستوري في دستور 1963 إلى كل من رئيس الجمهورية والأغلبية المطلقة لنواب المجلس الوطني (المادة 71)، وأعطي في دستوري 1976 و1989 إلى رئيس الجمهورية وحده (المادتين 191 و163 على الترتيب)، في حين قد أعطي في دستور 1996 إلى كل من رئيس الجمهورية وثلاثة أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا (المادتين 208 و211)
مرحلة تصويت البرلمان على مشروع القانون المتضمن التعديل الدستوري: باعتبار أن الدستور (وتعديله) يعد في المقام الأخير قانونا فإنه يجب أن تطبق بشأنه على الأقل نفس الشروط التي تطبق على النصوص التشريعية، ما لم ينص الدستور على خلاف ذلك. وهذا مثل المادة 72 من دستور 1963 التي نصت على أنه:( يتضمن إجراء تعديل الدستور، تلاوتين وتصويتين بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس الوطني يفصل بينهما شهرين ) أما دستورا 1989 (المادة 165) و1996 (المادة 208) فقد نصا على أن البرلمان يصوت عليه حسب الشروط نفسها التي تطبق النص التشريعي. بينما دستور 1976 لم ينص إطلاقا على هذه المرحلة من التعديل الدستوري.
مرحلة عرض مشروع التعديل الدستوري على المجلس الدستوري لإبداء رأيه فيه: بالنسبة إلى دستوري 1989 (المادة 164) و1996 (المادة 210) تعد هذه المرحلة حاسمة لتحديد الطريقة التي يمكن بواسطتها إقرار نص التعديل نهائيا بعد إقراره أوليا من البرلمان. أما بالنسبة إلى دستور 1963 فإنه لم ينص على وجوب عرض مشروع التعديل الدستوري على المجلس الدستوري رغم أنه قد نص على إنشائه. بينما عدم نص دستور 1976 على هذه المرحلة فهو منطقي وله ما يبرره، وهو أنه لم يتضمن النص أصلا على إنشاء مجلس دستوري.
مرحلة الإقرار النهائي لنص التعديل الدستوري: سنكتفي هنا بتحديد الطريقة الوجوبية التي يتعين احترامها والامتثال لها في إقرار وثيقة التعديل الدستوري نهائيا. وهذه الطريقة تتمثل في وجوب عرض نص التعديل الدستوري على:
مصادقة الشعب عن طريق الاستفتاء الشعبي، وهذا في كل الأحوال بالنسبة إلى دستور 1963 (المادة 73).
مصادقة المجلس الشعبي الوطني، في كل الأحوال، لكي يوافق عليه بأغلبية ثلثي (3/2) أعضائه، وإذا تعلق التعديل بالأحكام الخاصة بتعديل الدستور في ذاتها فإن المجلس الشعبي الوطني لا يقره إلا بأغلبية ثلاثة أرباع (4/3) أعضائه، وهذا بالنسبة لدستور 1976 (المادتين 192 و193 على الترتيب) وتجدر الإشارة هنا إلى أنه إلى وبالرغم من أن دستور 1976 لم يتضمن نصا صريحا على إمكانية عرض مشاريع التعديل الدستوري على الاستفتاء الشعبي، إلا أنه في الواقع قد تم اعتماده في مناسبتين، الأولى كانت في استفتاء 03 نوفمبر 1988، والثانية كانت في استفتاء 23 فبراير 1989، وهما ما طرح آنذاك شكوكا حول مدى دستورية هذا الإجراء، وإن كان قد تم الاستناد إلى 111 من الدستور (1976) التي تخول لرئيس الجمهورية أن يعمد لاستفتاء الشعب في كل القضايا ذات الأهمية الوطنية، وذلك للقول بدستورية القيام بهذين الاستفتائين.
مصادقة الشعب في استفتاء شعبي، وهذا متى ارتأى المجلس الدستوري في رأي معلل بأن نص التعديل يمس بأي كيفية بأحد أو بكل ما أوردته المادة 164 من دستور 1989 والمادة 210 من دستور 1996، وهي: المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، والتوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. وعليه فرئيس الجمهورية أو البرلمان، بحسب الحالة، ليسا مخيرين في هذه الفرضية بخصوص اللجوء إلى الاستفتاء من عدمه، وإنما يجب عرض نص التعديل على الاستفتاء الشعبي في ظرف خمس وأربعين (المادة 165 من دستور 1989) أو في ظرف خمسين يوما (المادة 208 من دستور 1996) من إقرار البرلمان له من أجل إقراره نهائيا لأن المجلس الدستوري رأى فيه مساسا بأحد تلك المسائل الثلاث أو كلها. وللإشارة، فإن التعديل الذي يرفضه الشعب يعتبر لاغيا، ولا يمكن عرضه من جديد على الشعب خلال نفس الفترة التشريعية (المادتين 166 من دستور 1989 و209 من دستور 1996)
مرحلة إصدار نص التعديل الدستوري بعد إقراره نهائيا: وهي آخر مرحلة حتى يصبح نص التعديل الدستوري ساري النفاذ وصالحا للتطبيق في الميدان؛ بحيث يتدخل رئيس الجمهورية لإصداره:
خلال مدة ثمانية (08) أيام الموالية لتاريخ الاستفتاء (المادة 74 من دستور 1963)
بحسب المواد: 196 من دستور 1976، 163 و167 من دستور 1989، و208 من دستور 1996.
الطريقة التقديرية لتعديل الدستور
نصت كل من المادتين 164 من دستور 1989 و210 من دستور 1996 على أنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يصدر القانون الذي يتضمن التعديل الدستوري مباشرة دون أن يعرضه على الاستفتاء الشعبي متى أحرز على ثلاثة أرباع (4/3) أصوات أعضاء البرلمان، وهذا إذا جاء رأي المجلس الدستوري يصب في اتجاه عدم مساس هذا التعديل البتة بالمبادئ العامة للمجتمع الجزائري وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، وعدم مساسه كذلك بأي كيفية كانت التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد نصت المادة 211 من دستور 1996 على أنه يمكن لثلاثة أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا أن يبادروا باقتراح تعديل الدستور على رئيس الجمهورية الذي يمكنه عرضه على الاستفتاء الشعبي.
وعليه، فرئيس الجمهورية في هذين الفرضيتين ليس مجبرا على اللجوء ولا على عدم اللجوء إلى الاستفتاء الشعبي، بل إن له كامل السلطة التقديرية والاختيار في اللجوء إليه أو اللجوء بدلا عنه إلى البرلمان، بل ويمكنه اللجوء إلى البرلمان في المقام الأول، فإذا لم يحصل على الأغلبية المطلوبة فلا مانع من الناحية الدستورية ليعيد طرح نفس التعديل على استفتاء الشعب، وهذا في الفرضية الأولى، أما في الفرضية الثانية المتعلقة بمبادرة البرلمان فرئيس الجمهورية مخير كذلك بين عرضها على الاستفتاء الشعبي وبين إصداره لها مباشرة لأن الأغلبية المطلوبة متوافرة هنا، وهي ثلاث أرباع (4/3) أعضاء غرفتي البرلمان المجتمعتين معا.