الالتزام هو الشعور العميق بالمسؤولية اتجاه موضوع أو قضية أو مبدأ أو فكرة، أو شيء ما، وهو في الأساس شعور نابع من الذات، ترسخه قناعات وثقافات ومبادئ واتجاهات خاصة، تملي على صاحبه الصدق واليقين اللذان يفضيان به إلى تملك قوّة خارقة ورغبة مستميتة في الدفاع عن ذلك الموضوع أو المبدأ أو الشيء...   سعيا للتغيير أو التطوير أو التمكين.

مظاهر الالتزام:

ü     محاربة السلبية، ونشر الأفكار الايجابية الهادفة والمفيدة.

ü     تبني القضايا الإنسانية المختلفة ذات القيم المعرفية والمادية والمعنوية والفنية والجمالية الراقية .

ü     السعي لإيجاد الحلول الفعالة  (للقضايا والأزمات والمشاكل الجماعية) ذات الطابع الإنساني الراقي.

ü     التعبير عن  الشخصية والهوية الجماعية و تمجيد روح الانتماء، في إطار الاعتراف بالآخر  ومحاورته. 

ü     محاربة الظلم وتمجيد الحرية والعدل والحق...

شروط الالتزام:

ü     معايشة التجارب والقضايا.

ü     التحلي بالصدق  و تقديس الحرية.

ü     الإيمان بمسؤولية الدفاع عن الثوابت الحقوق الوطنية.

أهمية الالتزام:

ü     ترسيخ القيم المثلى.

ü     الحفاظ على تميز الشخصية ورسم ملامح خاصة للهوية/ صورة الجماعة _ مميزات الأنا.

ü     كشف براثن الفساد، وتعرية الحقيقة والبحث عن حلول فعلية للمشاكل والقضايا العالقة.

أنواع الالتزام:

1.    الالتزام بالقضايا الإنسانية: ويمكن أن نمثل له بالإحساس بمعاناة الآخرين، مثل قصيدة "الجرادة الذهبية" من ديوان "الموت في الحياة"- مهداة لفلسطين: "أبعث حيا بعد ألف عام/ في ساحة الإعدام/  وفي خيام اللاجئين ومقاهي مدن العالم دون وطن أو بيت/  نجوت من مذابح المغول/ عبرت ألف سور/ رأيت في مزابل الشرق وفي أسواقه الملوك/ عادوا بتيجان من الورق/  من رحلة الضياع والقلق/ ...... رأيت بؤس الشرق ونجمة الميلاد في دمشق/ رأيت مجد فقراء الأرض في الفيتنام،/وفي خيام اللاجئين سيد الآلام/ منتظرا خيل صلاح الدين/ وصيحة الفرسان في حطين.

      وهنا تصوير ومشاركة لمعاناة الشعوب واللاجئين، وانتشار الفقر اثر الاستعمار الغاشم، واستنكار لكل ذلك. ويقول درويش:  "هنا/ عند منحدرات التلال/ أمام الغروب، وفوهة الوقت/ قرب بساتين مقطوعة الظل/ نفعل ما يفعل السجناء/ وما يفعل العاطلون عن العمل/ نربي الأمل... "  فالشاعر  يحس بمرارة ما يعانيه الإنسان السجين/ (يتوق إلى الحرية)، والعاطل عن العمل/ (يقتله الفراغ وتنهشه الحاجة)، ويعقد مقارنة بين هؤلاء وبين حالة الحرب والحصار والدمار، ليعلن النتيجة النهائية للمصير الحتمي للجميع، وهي عبارة ( نربي الأمل)/ تحويل الضعف إلى قوّة/كسر أفق التوقع

       ويمكن التمثيل للالتزام الانساني  بالحنين إلى الأصل، قال درويش: "أحن إلى خبز أمي/ وقهوة أمي/ ولمسة أمي/ وتكبر فيا الطفولة / يوما على صدر أمي/ وأعشق عمري لأني / إذا مت/ أخجل من دمع أمي." فالحنين إلى الأم هنا هو تصوير بارع لشدة الحنين إلى الوطن، والوطن أكبر وأعظم أم للإنسان. كما يتجلى هذا الالتزام بوضوح أكبر من خلال قيمة الوفاء، قال درويش:  "لو يذكر الزيتون غارسه/ لصار الزيت دمعا/ يا حكمة الأجداد/  لو من لحمنا نعطيك درعا/ الأرض والفلاح، والاصرار/  قل لي  كيف تقهر/ هذه الأقاليم الثلاثة، كيف تقهر؟؟"

2. الالتزام بالقضايا السياسية: ونمثل لذلك بقصيدة "المدينة"/ ديوان" الكلاب الميتة" يقول البياتي:"وعندما تعرت المدينة/ رأيت في عيونها الحزينة/ مباذل الساسة واللصوص والبيادق/ رأيت في عيونها الطفولة اليتيمة/ ضائعة تبحث في المزابل/ عن عظمة/ عن قمر يموت/ فوق جثث المنازل/ رأيت إنسان الغد المعروض في واجهة المخاذل/ وقطع النقود والمداخن/ مجللا بالحزن والسواد/ مكبلا يبصق في عيونه الشرطي/ واللوطي والقواد/ رأيت في عيونها الحزينة/ حدائق الرماد.

  حيث اعتمدت هذه القصيدة على ظاهرة (التكرار/ الفعل ]رأيت – 5مرات[) وهي وسيلة أسلوبية ساعدت على التأكيد على المعنى وتمكنت من الكشف عن الحقيقة المرّة، التي آل إليها الشعب، جراء تخاذل الساسة وسوء تسييرهم، كتفاقم أزمة الفقر والجوع، وتكريس سياسة الإذلال والاحتقار، وتقهقر قيمة الإنسان وكرامته.

قال السياب: "أتسير وحدك في الظلام؟/ أتسير والأشباح تعترض الطريق بلا رفيق؟/ فأجبتها، والذئب يعوي من بعيد، من بعيد/ أنا سوف أمضي باحثا عنها، سألقاها هناك/ عند السراب، وسوف أبني مخدعين لنا هناك/ قالت - ورجع ما تبوح به الصدى/ أنا من تريد.  وهو يناشد (الحرية المسلوبة)، فالعاشقة توحي ب(الوطن/ الأرض المسلوبة). 

3. الالتزام بالقضايا الاجتماعية: ونمثلها بـتصوير مظاهر الفقر  واستنكار مخلفاته: قال البياتي: "من القاع أناديك، لساني جف واحترقت/ أهذا أنت يا فقري/ بلا وجه بلا وطن أتتركني؟/ صغار آه قد كنا، وقد كان.../ لو أنّ الفقر إنسان/ إذن لقتلته وشربت من دمه/ لو أنّ ال     فقر إنسان." ونقف هنا على  تناص ديني مع قول الإمام علي : "لو كان الفقر رجلا لقتلته." كما يمكن التمثيل لذلك بالانشغال بقضية حقوق المرأة: كقول أبو القاسم خمار: "يا قوم ... إنّ بناتكم أمثالكم/  في الحسّ والوجدان والأفكار/ فدعوا الفتاة تشق نهج نضالها/ مثل الرجال قوية الآثار/ ودعوا الفتاة لعلمها لضميرها/ لا للأسى والكبت والإنذار."

أو بقضية التقهقر الاجتماعي العام: قال البياتي: "آه من عصر المماليك الجديد/ ومن الصمت/ ومن بوقات أشباه الرجال الميتين/ من كهوف العالم السفلي."

 ونقف هنا -أيضا- على تناص آخر مع خطبة  الإمام علي: "يا أشباه الرجال، ولا رجال، ويا أحلام الأطفال، وعقول ربات الحجال..." مما يمنح الرأي تأييدا، وقوة، فيجلي المعنى المراد ويكشف سلبيات الموقف، بغرض تقويم الوضع السائد.

4.الالتزام بالقضايا الدينية ونمثل له بقول زيدان حسين: "وهم عرب/ لأنّ جلدي جلدهم/ ووخزة التيار لم تدم الخشب/ فاقرأ على حكامهم/ تبت يدا أبي لهبب."

فالشاعر يصدر  من خلال قوله هذا، حكما على الحكام يفضي إلى (جمعهم بين الجهل والكفر/ أبا لهب)، مما يؤول بهم إلى جزاء قطعي وهو "سيصلى نارا ذات لهب" التي يستحضرها ذهن المتلقي/ المسلم آليا، بمعنى أنهم مسئولون عن الأمانة التي خانوها وسيردون إلى بارئهم فيجزون ما كانوا يفعلون. 

      ويقول في موضع آخر: "فلا تحزن إذا عم السكوت/ فإن الغيم بالتقوى يفوت/ويونس ضاق في قوم أضلوا/ فأبلغ خكمة وسما الثبوت/ فيضجر من عشيرته ازورارا/ ليصبح آية للناس،حوت/ فصوب من هدى الإيمان رمحا/ كأن ليونس التسبيح قوت."

فالشاعر هنا، كذلك، يبني أفكاره على قاعدة متينة، وهي "التناص الديني"  حيث استحضر "قصة يونس -عليه السلام- ليبرهن على أنّ قوّة الإيمان بالشيء، تفضي إلى اندلاع المعجزات الخارقة، مبتدءا بعبارة "فلا تحزن إذا عم السكوت." التي تومئ إلى أنه من الخطأ أن نصدر أحكاما عشوائية انطلاقا من وضع معين، بل من الأجدر أن نؤمن بقوتنا وإرادتنا، وبذلك ستتحقق معجزة الانتصار.

يقول سميح القاسم:  "وأعوذ بالله الرحيم/ من شر ما خلقت يداه/ وأعوذ بالشر الرجيم/ من شرّ ما خلقت يداه."

5.الالتزام بالقضايا الوطنية ونمثل لها بالدعوة للثورة: يقول أبو القاسم خمار: "يا فتى العرب، ويا نسل الكرام/إنّ في عينيك ألوان الضرام/كيف أدعوك ولا تبدي كلام؟/هل نذرت الصوم عن ردّ الجواب/والخطاب؟"

ويقول في قصيدة أخرى:  "يا أمتي أبشري بالطلب/ ويا رايتي رفرفي في طرب/لقد جاء يوم العلا حافلا/ إليك بأسد الوغى والأدب/ شباب ينادي لتحيا العرب."

 مقارنة المعنى في النصين تبدي التذبذب في ردة فعل الشباب العربي، بين الظهور وتلبية النداء، وبين السكوت والصمت الرهيب. ومن هنا يتجلى صدق التجربة الشعرية، في شعر الالتزام وخضوعها للواقع الظرفي، والسيرورة الاجتماعية للشعوب.

ملاحظة: هناك قضايا أخرى كثيرة، تمثل التزام الشاعر، مثل العادات والتقاليد، وقضايا الثقافة، والمعتقدات الشعبية، والنزاعات القبلية...إلخ.


 

Modifié le: Wednesday 24 April 2024, 19:27