القومية والوطنية:  

   نعني بكلمة قومية/ Nationalisme هنا، "مجموعة من المبادئ السياسية والاجتماعية والتاريخية والأخلاقية والثقافية التي يتميز بها شعب معين، تجمعه مصالح مادية ومعنوية مشتركة، سعيا للحفاظ على السيادة والخصوصية والاستقلالية. "وبناء على هذا التعريف، فالقومية ترتكز على عناصر أساسية أهمها: الوطن، الدين، اللغة، التاريخ، الثقافة، وحدة المصير... وقد لاحظنا في المواضيع السابقة اتجاه الشعراء العرب عامة إلى الدفاع عن مبادئ الثورة الجزائرية، ومساندتها ودعم مسيرتها، كما أقررنا بقداسة القضية الفلسطينية عند كل عربي مسلم.. ومن هنا يتجلى البعد القومي في الشعر العربي...

    أمّا كلمة ]وطني[ فمعناها: الانتماء الروحي إلى حيز معين، سواء تم تحديده ماديا كالانتماء الجغرافي ]أنا جزائري[، أو معنويا، كالانتماءات العقائدية والدينية والثقافية...إلخ، ]أنا عربي[، ]أنا مسلم[. وقد تشكل هذا الانتماء إلى الوطن، عن طريق الإيمان بكونه الرحم الحاوي والبيئة المنشئة، أي أنّه البداية والنهاية مما يفضي إلى حتمية استحالة التنازل عنه. ومن هنا يظهر التداخل الواضح بين الوطنية والقومية استنادا إلى التداخلات الممكنة في إطار علاقة الجزء بالكلّ.

أهمية دراسة البعد الوطني والقومي: يمكننا الوقوف على أبعاد الشعر الوطني والقومي من خلال قياس مدى التميز والخصوصية، والصمود في وجه الآخر المناقض لثوابتنا، كما ينمي لدينا هذا البعد، الشعور بالقوّة السحرية الخارقة للضمير "نحن"/ روح الجماعة، للقضاء على الفكر الأحادي التعبدي وتشجيع حوافز الانتماء إلى المجموعة.

أهم مواضيع الشعر الوطني والقومي:

1.    الوطن: ونمثل لذلك بالأبيات التي أرسلها أحمد شوقي لصديقه حافظ إبراهيم وهو في منفاه في اسبانيا، التي مطلعها: يا ساكني مصر إنّا لا نزال على/ عهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا = التمسك بالوطنية في أحلك الظروف. ومثل قصيدة حافظ إبراهيم "مصر تتحدث عن نفسها"= التغني بأمجاد الوطن، أو قول توفيق زياد: "مثلما كنت ستبقى يا وطن/ حاضرا في ورق الدفلى/ وعطر الياسمين،/ حاضرا في التين، والزيتون/ في طور سنين= حب الوطن والدين، كما يمكن أن نمثل لهذا الاتجاه بكتابات "الزهاوي- شاعر القومية العربية، والرصافي – شاعر الثورة العراقية، ومفدي زكريا- شاعر الثورة الجزائرية، ومحمود درويش- أب القضية الفلسطينية... ونزار قباني، وسليمان العيسى شاعرا القومية العربية، وشعراء آخرون كثيرون جدا.  

2.    اللغة: مثل ما كتبه "حافظ إبراهيم"، في قصيدة "اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها" 1903/ في 23 بيتا، وما كتبه "خليل مرغم بك" في قصيدة "وا عربيتاه"، ومثل قصيدة "ليلى"  للشاعر "قسطاكي الحمصي" التي تتناول موضوع اللغة العربية، وتعكس حبّ هذه اللغة والغيرة عليها. وكقول محمود درويش: "سجل أنا عربي/ ورقم بطاقتي خمسون ألف.

3.    الدين: كقول شوقي: "واخفض جناحك في الأرض التي حملت/ موسى رضيعا وعيسى الطهر منفطما. حيث تستمد قداسة الأرض، من كونها مهدا للديانات السماوية. 

-       هذا بالإضافة إلى مواضيع أخرى، سياسية وثقافية واجتماعية وتاريخية واقتصادية متنوعة.

أهم خصائص الشعر الوطني والقومي:

ü     التعلق بالثوابت.  

ü     تقديس الهوية.

ü     تمييز ثقافة الأنا عن ثقافة الآخر.

مثال: سؤال الهوية عند محمود درويش:

يقول محمود درويش:

" من أنا لأقول لكم/ ما أقول لكم/ كان يمكن أن لا أكون أنا/ كان يمكن أن لا أكون هنا."

"من أنا؟" سؤال يتردد عند الشاعر، وربما لم يكن سؤالا استنكاريا بقدر ما كان سؤال هوية، حول الكيان الإنساني، من خلال تجربة فردية أصيلة. فدرويش ظلّ عبر نتاجه الشعري يعرف أناه: (أنا عربي، أنا أحمد العربي...)، لقد كانت الهوية معروفة في أزمنة النضال الكبرى، وكان الوجه محفورا في ذاكرة قومية تأبى أن تطمس(...) أماّ الآن فالهوية أصبحت سؤالا. إنّنا ومن خلال قراءتنا لنص درويش هذا نعثر على أنساق ثقافية سلبية متجذرة في الذات: تمزق على مستوى العلاقات الاجتماعية، تهميش وإقصاء، استبداد، حصار، تمزق الهوية...

 يقول أيضا: " وأنظر نحو نفسي في المرايا/ هل أنا هو؟/هل أؤدي جيدا دوري في الفصل الأخير؟/    هل قرأت المسرحية قبل هذا العرض أم فرضت عليّ؟/ هل أنا من يؤدي الدور؟/ أم أنّ الضحية غيرت أقوالها/ لتعيش ما بعد الحداثة/ بعدما انحرف المؤلف عن سياق النص/ وانصرف الممثل والشهود..

ويعيدنا السؤال "هل أنا هو؟" إلى أسئلة التعثر التاريخي لهوية عربية فلسطينية، يحيلها إلى ذلك الشرخ الذي انتاب الذات العربية، والتي هي ذات مجردة من الفاعلية بفعل المستبد، ينطلق من خلالها الآخر من موقع الفكر الذي يكرس العنصرية في التعامل مع العربي. ذات وإن جردت من كل شيء، فقد استعصى تجريدها من الإرادة، والتمسك بكينونتها، فتكرار السؤال نفسه هنا، يحمل معنى ملحا، يتوجب على الشاعر تأكيده، وهو معنى الانتماء، الهوية، الكينونة.. من أكون؟ سؤال يصدر من ذات مشوشة تكالب عليها الطمس والاستعمار.  

يضيف الشاعر:

"وأنا قرب حريتي/ وغدي في يدي/ سأولد عما قليل/ وأختار لاسمي حروفا من اللازورد. "

وفي موضع آخر:

"سأكون يوما طائرا/ وأسلّ من عدمي وجودي كلما/ احترق الجناحان/ انطلقت من الحقيقة وانبعثت من الرماد. "

-       البعث من جديد فكرة الامتداد إلى ما لا نهاية، الإيمان بالوجود، معاني كثيرة، عميقة، سرمدية، تشكل مركزا للقضية الفلسطينية، إنه حوار مع الذات، وتقرير للمصير: (سأولد عمّا قليل/ أسلّ من عدمي وجودي/انطلقت من الحقيقة/ انبعثت من السراب)، إنّها أفعال أسطورية، خارقة تمدّ الشاعر بالقوة التي يستحيل أن تهزم.

ومن هنا نستنتج أنّ الشعر القومي لم يكن وليد يومنا هذا، فجذوره تمتد للبدايات الأولى للأدب، إلاّ أنّه تكاثف وتكاثر في القرن العشرين، ردا على تأزم سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي حاد. لم تشهده العصور السابقة. خاصة وأنه شكل استجابة للنزعات القومية المختلفة (الرد على النزعات القومية الضيقة، الرد على الحركات التقدمية التحررية، النزعة الدينية...).وهذا ما يمنحه بعدا مميزا وهو ارتباطه بالوعي والهوية الإنسانية.



 

 

Modifié le: Wednesday 24 April 2024, 19:18