المواطنة والمفاهيم المتاخمة لها :

     لا نستطيع إدراك المفهوم بصورة منعزلة، وإنّما بربطه بغيره، لذا، نرى أنّ المواطنة تدور في فلك مصطلحات تقترب منها أو تختلف عنها:كالأمة والقومية والدولة والجنسية .

1-1 الأمة : تعود كلمة الأمة في الأصل إلى« كلمة nasci اللاتينية (يولد) من خلال nationem (توليد أو أرومة)،  وكان استعمالها الأول يشير إلى تجمع متميز من الناس يجمع أواصرهم نسب أو تاريخ مشترك، الأمة جماعات تتخيل بوصفها جماعات ذات سيادة، تلتزم بتراث مشترك، والتجارب الدنيوية للعضوية المشتركة (اللغة،الطقوس،التقاليد،العملة، الضرائب،الجرائد...)»[i] فالأمة هنا هي ذلك الجمع من الناس الذين تربطهم أواصر النسب، والتاريخ، ومن ثمة، «جاءت الحداثة بالدولة الأمة بوصفها الوحدة الاجتماعية التي توحد الناس أساسًا بواسطة روابط مدنية قائمة على الحقوق المدنية السياسية والاجتماعية للمواطنة»[ii]فسمعنا بالأمة الجرمانية التي أقيمت على أواصر اللّغة والجنس الآري، ونحلم بالأمة العربية المتوحدة ذات اللّغة والأرومة والتاريخ المشترك .

1-2القومية :بدأت القومية في الظهور كظاهرة مميزة في القرن التاسع عشر، أين بزغت مع « ظهور بوادر الثورة الفرنسية وقد كانت الحركة الرومانسية بمثابة حركة تمرد على العقلانية وقد رأت ضرورة اتحاد الفرد في قوى خارجية بغض النظر عن قوى الفرد الداخلية تمثلت في أعمال:جوته، هوجو،روسو»[iii] . هذا فيما تعلق بسيرورة المفهوم التاريخية ومحضنه الأدبي والفلسفي، إذ أنّ خير من يتكلم عن القومية ويناشدها هم الأدباء الذين يدركونها بمشاعرهم وكلماتهم، أما مفهوم القومية فيعني «الرابطة التي تربط أبناء الأمة الواحدة، في الوطن الواحد، وتولِّد تلك الرابطة عند أبناء الأمة الواحدة شعورا بأن ثمة ما يجمعهم إلى بعضهم ليكونوا أمة واحدة»[iv] وهذا التعريف لا يفرق بين الدولة والقومية ويجعلهما مفهومين ملتبسين، وإن كنا نرى أنّ القومية هي نتيجة للأمة الواحدة، والأمة هي مجموعة دول، هي أكبر من حد الدولة بالمفهوم السياسي، وعليه فالقومية والوعي بها يمكّن من «صلة الوصل والدمج الداخلي والخارجي »[v] واستثمارها كقيمة لدى الطفل والفرد العربي  في عالمنا الذي سيشجع حتما ويعضد فكرة الانتماء.

1-3الدولة :هي «صورة من صور الجماعات السياسية التي لم توجد وجودا عفويا، وإنما جاء وجودها كظاهرة إنسانية متطورة نتيجة تواكب إرادات مختلفة الطبائع، ومتباينة الآثار. تتكون من عناصر حية واعية، وأجهزة أوجدها الإنسان لتلبي حاجاته بوسائل مختلفة»[vi]، وإن اختلفنا مع هذا التعريف الذي يقرّ بإحدى نظريات نشأة الدولة ويلغي غيرها، فإننا نؤكد معه على طابع النظام السياسي وما ينجر من استقلال واعتراف دولي، وتتكون الدولة من ثلاثة عناصر: إقليم وشعب وسلطة سياسية، عليها تتحدد الأفكار والقيم المدنية، وبغيابها يزول النظام .

1-4الجنسية: هي » رابطة سياسية وقانونية بين الفرد والدولة تترجم وحدة الشعور الوطني بين الفرد والجماعة السياسية وهي رابطة بين الفرد والدولة باعتبارها وحدة سياسية، كما تميز بين الوطني والأجنبي»[vii] فالجنسية هي علامة تميّز و مؤشر تمنحه الدولة لمواطنيها.الذين يترجمون عاطفة حب الوطن والخير للبلد، بحمل الجنسية والولاء لمصالح الوطن،  فقد تجردهم الدولة بسلطانها منها،ويصبحون عدمي الجنسية.

1-5المجتمع المدني :« ليس المجتمع المدني الجمعيات والمؤسسات التي تمارس أنشطة مختلفة داخل الدولة، بل هي المؤسسات التي تمارس عملا محددا ينطلق من قواعد فكرية محددة ويخدم رؤية عقدية معينة تربط وجود المؤسسات بتحقيق أغراض معينة في الدولة، بحيث يصبح المجتمع المدني العصا السحرية التي تُستخدم لحل العديد من المسائل السياسية، المجتمع المدني أداة للتقليل من حدة المشاكل الناجمة عن إعادة هيكلة الدولة وخصخصة قطاعاتها »[viii]يظهر من خلال هذا الطرح أنّ المجتمع المدني هو البناء المنظم الأقرب للمجتمع والمواطن، لأنّه يعرف مشاكله ويتعرف على آلامه وآماله، ويمكنه أن يهيكل أفراده ويغرس فيهم القيم والمبادئ التي يتبناها بكلّ يسر ومرونة، مقارنة بالساسة الذين يقيمون في برجهم العاجي لا يخرجون إلاّ أيام الانتخابات لاستجداء الأصوات.

    يظهر من خلال هذه المراجعة المفهومية، لمختلف التواشجات أنّ مفهوم المواطنة يتعالق مع بنيات كبرى تصل إلى القومية والأمة وأخرى تمرّ بالدولة، لتستقرّ عمليا وواقعيا مع المجتمع المدني.



[i] طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع،تر:سعيد الغانمي،مركز دراسات الوحدة العربية،لبنان،(ط1)،2010، ص.114-117

[ii]  ريتشارد مينش، الأمة والمواطنة في عصر العولمة (من روابط وهويات قومية إلى أخرى متحولة)، تر:عباس عباس،منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، 2010،ص.7

[iii]  أحمد جمال ظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، دار الكندي للنشر والتوزيع،الأردن،(ط2)،1996،ص.199-201

[iv]  علي عباس مراد،عامر حسن فياض،القومية والأمة مدخل إلى الفكر السياسي القومي،العربي للنشر والتوزيع،مصر،(ط1)،2017،ص.41

[v]  ريتشارد مينش، المرجع السابق، ص.15

[vi] نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري،دار الثقافة للنشر والتوزيع،(د.ب)،2011،ص.11

[vii]  أحمد عبد الحميد عشوش، القانون الدولي الخاص،مصر،  ص.6-7.متاح على الرابط : http://olc.bu.edu.eg/olc/images/422.pdf

[viii]  محمد أحمد علي مفتي، مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية –دراسة تحليلية نقدية-،مجلة البيان، السعودية، ص.14-15

Modifié le: Sunday 21 April 2024, 23:33