مفهوم المواطنة:

لكل مصطلح بدايات وأصول معرفية، يتكون وينشأ في أحضانها، وهذا سر نمو المعرفة البشرية وتطورها، فقد أصبح مفهوم المواطنة يشكل ميدانا واسعا له تحدياته، ومتطلباته.

أ- المواطنة لغة:

      لا يوجد في معاجم اللغة العربية القديمة كلمة بترتيب الأحرف "م.و.أ.ط.ن.ة" بل توجد كلمة وطن: والوطن حسب "لسان العرب" « المنزل تقيم به، وهو موطن الإنسان ومحله، ومواطن مكة: مواقفها، وهو من ذلك وطن بالمكان وأوطن أقام. وأوطنه: اتخذه وطنا. يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا أي اتخذها محلا ومسكنا يقيم فيها [i]«  يتضح من هذا التعريف أن المفهوم اللغوي لكلمة المواطنة مفهوم اشتق من كلمة "وطن".

     يظهر من البحث الإتيمولوجي أنّ مصطلح «المواطنة: كلمة مستحدثة في اللغة العربية اختارها المعربون للتعبير بها عن كلمة politeia  اليونانية، citoyenneté الفرنسية وcitizenship الإنجليزية. وأوطنت الأرض ووطنتها توطينا واستوطنتها أي اتخذتها وطنا، ومنه أيضا الاستيطان»[ii] وبذلك فمفهوم المواطنة مجرد تعريب وصل إلى اللغة العربية في معان، ترجمة للتراث الغربي مع ملاحظة الفارق الاشتقاقي، الذي تُعطيه أحرف الزيادة في كلمة الاستيطان الذميمة؛ وما تحمله وتشي به من غصب واحتلال للأوطان بالقوة ،ذلك حال الصهاينة مع الفلسطنيين.

و يرى الباحث "هيثم مناع" أن التعريب المبتذل لكلمة "المواطنة" لم يوفها حقها من الدراسة والبحث والتنظير في عالمنا العربي يقول: إن إشكالية المواطنة  « تكمن في الدخول السهل لهذه الكلمة في اللغة اليومية الدارجة، فقلما استعملت بالمعنى العميق لها، وغالبا ما انحسر معناها في ذهن القائل والسامع بأبناء هذا الوطن، أتباع لقاعدة أو رعايا لسلطان الأمر الذي غيّب عن الواقع وأبعد عن الذهن ضرورة الحديث في مفهوم المواطنة وأهميته في بناء وعي حضاري إنساني جديد. »[iii] فالمواطنة غدت كغيرها من المفاهيم والمقولات الجاهزة التي نستوردها من دون تمحيص ولا تدقيق أو تعقل، هذا ما يبرر أن تبقى على الدوام مفهوما مفرغا من معناه، نردده في المناسبات دون أن يكون لنا شعور وجداني به.

ب-المواطنة اصطلاحا:

وقد ورد في المعجم الفلسفي لـــ "جميل صليبا" أن « المواطن citoyen , citizen واطن القوم عاش معهم في وطن واحد، ومنه المواطن، وهو الذي يتمتع بالحقوق التي يتمتع بها أبناء دولته أو مدينته ـ قال (آلان): الطاعة والمقاومة ضروريتان لكل مواطن، الأولى ضرورية لحفظ نظام المجتمع، والثانية ضرورية لصيانة الحرية وبقائها» [iv] ومنه فالمواطن هو الفاعلية التي ترسّخ فكرة المواطنة ،حيث يعمل على تجسيدها من خلال التمتع بالحقوق والقيام بالواجبات.

     في حين نجد الباحث "أحمد سعيفان" يفرّق بين «مواطن citoyen , citizen : صفة الشخص الذي يتمتع بكامل حقوقه المدنية والسياسية (التمتع بحق التصويت) في الدولة التي يحمل تابعيتها ومواطنةcitizenship ,  citoyenneté  : قانونيا: يمكن تحديدها بكونها التمتع بالحقوق المدنية المرتبطة بالجنسية»[v] .فالمواطن هو الشخص القانوني،الذي يتمتع بحق التصويت في الانتخابات السياسية، و حق الترشح، وكذا ممارسة الحريات العامة المتعلقة بالمشاركة السياسية، وتولي الوظائف العامة في أجهزة الدولة.



[i] ابن منظور،لسان العرب،دار صادر،لبنان،(ج15)،ص.239

[ii]  هيثم مناع، المواطنة في التاريخ العربي و الإسلامي، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان،مصر،1997،ص.5-8

[iii]  المرجع نفسه، ص.5-8

[iv]  جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، لبنان، (ج2)، 1982،ص.439

[v] أحمد سعيفان، قاموس المصطلحات السياسية والدستورية والدولية عربي –إنجليزي –فرنسي، مكتبة لبنان ناشرون، لبنان، (ط1)،2004،ص.377

Modifié le: Thursday 22 February 2024, 19:12