عرف الـمسرح الجزائري في ظل إرهاصات التحول الاجتماعي تطورا ملحوظا شمل العناصر الـمكونة للنص والعرض المسرحيين، إذ اتّجه العديد من الكُتّاب  إلى التعبير عن قضايا المجتمع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، بنظرة جديدة؛ بواسطة العودة إلى التراث الشعبي الزاخر بالأشكال التعبيرية الفلكلورية المؤثرة في الجماهير.

      إنّ العودة إلى التراث الشعبي تعني التأصيل وتحقيق الذات والهوية من خلال إحياء التراث وتكييفه فنيا وجماليا ليلائم الواقع " فكانت الحلقة شكلا تجريبيا استطاع من خلاله هؤلاء المسرحيون الرجوع بالكتابة المسرحية الجزائرية إلى منابعها الصافية بفضل عصرنة القوال والمداح للتعبير عن القضايا الراهنة.   و كانت بدايات هذا التوجه في الجزائر مع كوكبة من الفنانين الموهوبين أمثال رشيد قسنطيني و محي الدين بشطارزي و علي سلالي )علالو(، و بذلك تزامنت عملية البناء والتأسيس مع عملية التجديد والتجريب.

    ولعل أهم التجارب المسرحية التجريبية في الجزائر تلك التي قادها ولد عبد الرحمن كاكي(*)،الذي اعتمد على لغة مسرحية تستمد خصوصيتها من التراث المحلي، والاستفادة من الحلقة والمسرح التقليدي الشعبي كمشروع لبناء أسس و آفاق جديدة للمسرح الجزائري، ويعينه على الربط الإبداعي بين التراث الشفوي الشعبي كمرجع والمسرح المعاصر كإبداع فني والأخــذ  عن المؤثرات الأجنبية كمحاولة لإعطاء المسرح الجزائري مكانة هامة دون الانسلاخ عن الهوية الوطنية

اعتمد المداح في الحلقة، وهو فضاء العرض التمثيلي الشعبي ونقله إلى خشبة المسرح بعدما كان في الساحات العامة والأسواق الشعبية، ووظفه لسرد الحكاية الشعبية بشكل متقطع أشبه باللوحات المشتملة على بعض الأغاني الجماعية أو الفردية، والتعليق على الحدث أو مخاطبة الجمهور قصد إثارته وإجباره على المشاركة، مستغلا في ذلك معرفة المداح لعادات و معتقدات الجمهور ، كما عمل على استخدام أكسسوارات  تقليدية للمداح كالعصا والبرنوس والطبلة والإيقاع ، متأثرا ببريخت في مسرحه الملحمي. 

       إنّ حركة التجديد التي مارسها كاكي باستلهام  أشكال المسرح الشعبي التقليدي وتطويرها بإدخال تقنيات معاصرة، عكست تأثره بالشكل الملحمي و قد بدا واضحا في مسرحياته نذكر منها على سبيل التمثيل "القراب والصالحين" " كل واحد وحكمه" "بني كلوبون" التي استخدم فيها وسائل فنية بريختية مثل تقنية التغريب؛ من خلال  دعوة الجمهور إلى الاستفادة من الماضي لتطوير الحاضر، وهدم الجدار الرابع باستخدام الراوي

 



(*)- ولد عبد الرحمان كاكي 1934- 1995 ممثل وكاتب ومسرحي جزائري ولد في مستغانم. نما على حب التقاليد البدوية. كان عمه شغوفا بالموسيقى فكان يحضره معه عندما تقام حفلات المديح الديني التي يديرها المداح الكبير "الشيخ حمادة" انضم في صغره إلى إحدى الفرق الكشفية، ثم أصبح بعد ذلك جزءا من فرقة مصطفى بن عبد الله عام 1950، اشتغل  أستاذا للدراما ، كما أسس فرقة مسرحية سميت فرقة "الغراغوز" التي اتخذ فيها أسلوبا جديدا للمسرح يختلف عما كانت تقدمه الفرق المسرحية الفرنسية،  وذلك من خلال دمج المسرح بالواقع الثقافي والاجتماعي الجزائري.

اهتم الكاتب بالتراث في فترة مبكرة من حياته المسرحية.  من أشهر أعماله: "132 سنة"، "ديوان القراقوز"، "القراب والصالحين"، "شعب الليل"، "بني كلبون"، "كل واحد وحكمه"، "دار ربي" وغيرها من الإبداعات الأخرى التي زاوج فيها بين التأليف والإخراج

Modifié le: Friday 19 April 2024, 21:51