المحاضرة الثالثة فكرة التجاوز
الحداثة في كتابات الشعراء والنقاد العرب المعاصرين
تمهيد: إذا ما انتقلنا الى الساحة العربية المعاصرة فإننا نلتقي في اصوات تمثل الصوت المزدوج بين الجمع بين التنظير والابداع هذه الاصوات انبعثت أصدائها من رحم الخمسنيات فعملت على هندسة حداثتها الشعرية على رواب حداثة الشعراء الغربيين أمثال بودلير ورامبو وملارمية وإذا كان من غير الامكان على القبض مفهوم الحداثة عند الغرب في بيئتها الاصلية فإنه من الصعوبة حصر المفهوم عند العرب فقد اعتنق صوت الشاعر العربي أصوات الغربيين وتجلى ذلك في كتابات شعرائنا النقاد العرب أمثال محمد بنيس ويوسف الخال وعبد الوهاب البياتي وأدنيس أبو الحداثة الغربية.
ابرز رواد الحداثة العربية: يعد يوسف الخال رائد الحداثة الاولى في العالم العربي حيث عمل بعد عودته من هجرته الى أمريكا إلى بيروت التي سكنها كموطن بديل لبلده سوريا في تنظيم أول تجمع حداثي ضم طائفة من أصحاب التوجهات الماركسية والقومية والبحثية من أمثال أدونيس وزوجته خالدة سعيد ونذير العظمة وأنسي الحاج وشوقي أبو شقرا وأسعد الرزوق ومحمد الماغوط. يعرف يوسف الخال الحداثة بقوله: "الحداثة في الشعر ابداع وخروج به على ما سلف وهي لا ترتبط بزمن وكل ما في الامر أن جديدا ما قرأه على نظرتنا إلى الاشياء فانعكس في تعبير غير مألوف، والحداثة لا تكون اشكال تعبيرية شعرية معينة بل باتخاذ موقف.... حديث تجاه الحياة ومنها اتجاه القصيدة"
وهكذا نجد أن يوسف الخال يريد أن يقيم مصافحة بين التجربة الشعرية ووعي الشاعر من جهة وموضوع القصيدة والانسان والعالم من جهة أخرى شأنه في ذلك شارل بودلير وخالد بن سعيد.
أما عند الوهاب البياتي فقد قال "ان الحداثة هي ثورة على السلطة الابوية ويعني بالسلطة الابوية المستودع التراثي فكرا وأدبا ونقدا وسياسة"
أما الناقد المغربي محمد نبيس فيرى في كتابه الشعر العربي الحديث أن اتساع رقعة الشعر فان مصطلح الحداثة قدراته رحابة وهكذا تتخذ الحداثة البناسية صورة المسالم الذي يدعى المصالحة مع التراث والسير جنبا الى جنب، وما ذلك إلا حين من ميل الحداثة للانتشار في جسد التقليد وتفتيته واصابته بالوهن.
ويأتي أدونيس في طليعة الشعراء المنظرين للحداثة الشعرية في عالمنا العربي، إنه المسكون بهواجز الحداثة شعرا وتنظيرا.
خلاصة: النص الحداثي هو سؤال أبدي لم يكن بصيغة ماذا؟ بل هو دائما بصيغة كيف؟ وسؤال عن الكيفية هو في حد ذاته قلق دائم يسمو عن الاجابات الجاهزة ومن ثم كان التجريب محاولة لا تكتمل لتقديم اجابات أكثر نجاحا وهكذا ظلت الحداثة الشعرية منفتحة لا تنغلق على نفسها قط ولذلك تظل متميزة بتعددها وفوضاها الرائعة وتميزها بالتجدد اللانهائي محرومة وراضية بحرمانها من نعمة المواطن المستقرة في مملكة التقاليد الفنية الامر الذي يجعل التجريب والقلق والشك سمة من سماتها الضرورية.