قصيدة النثــر:

  تمهيد: ظهرت في معترك الحداثة العربية وعلى مستوى التنظيري اتجاهات إديولوجية مختلفة حاولت الدفاع عن مبادئها التي رأت أنها هي الصالحة لقيام بنهضة عربية شاملة في الوطن العربي.

    وكان الصراع كبيرا في الدفاع عن الذات والهجوم على الآخر لأن الأمر يتعلق بقضية الوجود.

  *قصيدة النثر هي نتيجة هذا الصراع:

    في هذا السياق يجب النظر إلى اشكالية قصيدة النثر في النقد العربي المعاصر كونها ساحة من ساحات الصراع الفكري الهادف من أجل اثبات الذات وتحقيق الوجود، ولذلك وجدنا أن قصيدة النثر قد عملت على التميز بشكلها ولغتها باعتبارها شكلا من أشكال الشعر.   

  المفهوم والنشأة:

 تسمى بالفرنسية poeme enpose عبارة فرنسية الأصل نشأت في أواخر القرن الماضي لاسيما عند الشاعر بودلار وقد احتلت هذه القصيدة في الأدب الفرنسي في مكانها الطبيعي حيث مثلت أقوى وجه لثورة الفرنسية  التي انفجرت منذ قرن، وقد قامت الكاتبة الفرنسية سوزان بارنال لكتابة تاريخ شامل لقصيدة النثر بأنه من حيث هي شعر متميز بكتاب أصدرته عام1959. أما في الأدب العربي فكان أدنيس أول من كتب عن هذا الجنس الادبي في مجلة شعر اللبنانية العدد 14 عام 1960. فكان أول من سمى هذا الانتاج الشعري بقصيدة النثر التي تعرف على أنها عبارة عن جنس فني جيء به لاستكشاف القيم الشعرية الموجودة في لغة النثر. وهذا ما جعلنا نقول إن قصيدة النثر هي ذلك الشكل الفني الذي يسعى إلى التخلص من قيود نظام العروض في الشعر العربي والتحرر من الالتزام بالقواعد الموروثة من القصائد التقليدية. كما عرفها بعض الأدباء على أنها عبارة عن نص تهجيني يمتاز بانفتاحه على الشعر والسرد وعلى النثر الفني ويتسم بافتقاره للبنية الصوتية لأنه يمتلك ايقاع داخليا منفردا كما عرفتها سوزان بارنال "قطعة نثرية موجودة بما فيه الكفاية موحدة مضغوطة كقطعة بلور وخلق حر ليس له ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجا عن كل تحديث وشيء مضطرب في حالته  اللانهاية" أحمد برون قصيدة النثر العربية صفحة 57

  • أهم رواد قصيدة النثر: في الوطن العربي محمد الماغوط، اونسي الحاج، أدونيس، توفيق الصايع، محمد العفيفي المطر، رفعت سلام، حلمي سالم، يوسف الخال.
  • خصائص قصيدة النثر:

-        الابتعاد عن الوزن: لا تلتزم قصيدة النثر بالأوزان التقليدية المعروفة وقد صار الوزن ليس شرطا لبناء القصيدة.

-        عدم الالتزام بالقافية: تبتعد قصيدة النثر عن القافية الموحدة كما هي العادة في الشعر التقليدي.

-        الوحدة العضوية والموضوعية: إذ تتميز بالوحدة المتماسكة لا وجود لفجوات بين أجزائها والتأثير الذي تحدثه ينتج عنها بشكل كامل.

-        الحرية: وهذا يعني تحرر القصيدة من أنماط التفكير الجاهز والموروثة والتقليدية لأنها تعتمد على تفكير الشاعر نفسه.

-        البساطة: تعتمد قصيدة النثر على البساطة اللغوية في ألفاظها وتراكيبها.

-        الابتعاد عن الأسلوب الخطابة: تبتعد القصيدة النثرية عن أسلوب الخطابة والبهلوانية في البلاغة والصياغة.

-        الايجاز: لا تميل إلى تطويل الذي لا يميل إلى القصيدة التقليدية.

-        التكثيف: وهو طرح الأفكار كثيرة بجمل قليلة وبعيدة عن الحشو.

  الخلاصة:

ما يمكن استنتاجه من قصيدة النثر:

-        لقد كان الجدال على قصيدة النثر عنيفا جدا فالرفض كان منتقل عند البعض والحماس لها كان شديدا عند البعض الآخر.

-        تعد قصيدة النثر عند رأي الكثيرين هي نتيجة سلسلة طويلة في بناء الشعر والنثر العربيين.

-        قصيدة النثر تشكل تجريبة  يتخذ من اللغة الشعرية مركبا يسافر به في مجاهيل جمالية غريبة عن المألوف وهذا ما جعل من قصيدة النثر سوى رد فعل جماليا على ما هو قائم ومترسخ جماليا.

     وعلى الرغم من كل ما كتب عن قصيدة النثر وقضاياها الشائكة فإننا نعتقد أن الكلام عنها لم يستنفذ بعد إنه من السابق لأوانه القول باستقرار قصيدة النثر شكلا قائما بذاته مستقرا لحدود والمعالم ولا يشفع هذا الكلام الهائل من قصائد النثر في العالم العربي أن نذهب، مذهب الطمأنينة إزاء هذه القصيدة لأنها لا تزال بحاجة إلى الدراسة والغربلة والتمييز. وقصيدة النثر العربية لا تزال تبحث عن شكلها المميز وفي سبيل الوصول إلى ذلك الشكل ما زالت تعتمد على التجريد كأدوات فنية تراها نقدية نحو تحقيق هويتها الخاصة.

                قــصيـــدة الــــومــضــة:

       تعريف قصيدة الومضة (مفهوما): قصيدة الومضة له أشكال مختلفة يعبر عن روح العصر تشتمل على الصورة الشعرية المعقدة والجمل الموحية المكثفة التي تحيل على معاني متعددة. وهي قصيدة قصيرة مكثفة وموجدة تتركز أثرا يشبه وميض (البرق).

       قصيدة الومضة اصطلاحا: تعرف الومضة اصطلاحا بعدة اليات منها، قصيدة التوقيعة يقول عز الدين مصرع "هي قصيدة قصيرة مكثفة تتضمن حالة مفارقة شعرية نهاشيه ولها ختام مدهش مفتوح أو قاطع حاسم وقد تكون قصيدة طويلة إلى حد معين وتكون قصيدة التوقعية إذا التزمت الكثافة والمفارقة والومضة والقفلة المتقنة" حفناوي بعلي شعر التوقيع عز الدين مناصرة الصفحة 3.

 ومن التسميات التي سميت بقصيدة الومضة:

  • ·       قصيدة الدفقة: يميل بعض الدارسين إلى هذه التسمية يقول أحد الباحثين "القصيدة التي تقترب في كثافتها وشدة اختزالها من الدفقة الشعورية الأولى للمرئي تبقى القصيدة الأصعب منال والأكثر فنا وجمالا" فيصل صالح القيصري بنية القصيدة في الشعر عز الدين مناصرة الصفحة 83.
  • ·       قصيدة اللمحة: ربما تكون هذه التسمية مأخوذة من تراثنا النقدي والبلاغي ان سبق أن نقل عن القدامى وصفهم للبلاغة بأنها لمحة دالة بمعنى أن لها حجمها المضغوط إلى حد بعيد تبدوا وكأنها كلمة واحدة موجزة تومئ وتوحي وتبقى قابلة أو مفتوحة على عدد غير محدد من القراءات.
  • ·       قصيدة برقية: وهي التي تشير إلى حرص على إصرار مقولة بأقصى البرق والبرق أحدها وهي الوجه الآخر للتوقيعات المستمدة من التراث العربي.
  • ·       قصيدة اللقطة: وهي مأخوذة من الفن السنيما والتلفزيون والتصوير الأوتوغراف يدل على الحالة الواحدة وعدم الافاضة.
  • ·       قصيدة مكثفة: ويطلق عليها أدونيس هذا الاسم وتشير على الاختصار الشديد مع الايحاء.

   ملاحظة: تعدد التسميات راجع إلى المنهج الذي اختاره الشاعر في بناء القصيدة القصيرة.

      يقول نزار قباني:

لو أن عصفور بحاجة إلى تصريح من وزير الداخلية

ليطير....

ولو أن كل سمكة بحاجة إلى تأشيرة خروج

لتسافر...

لانقرضت الأسماك والعصافير...

     يقول أحمد مطر:

ليس في الناس أمان

ليس للناس أمان

نصفهم يعمل شرطيا لدى الحاكم

والنصف مدان!

 

ويقول في قصيدة أمام الأسوار:

احتمالان أمام الشاعر الحر

إذا واجه أسوار السكوت

احتمالان:

فأما أن يموت

أو يموت!

 

Modifié le: Monday 22 January 2024, 14:30