إلى جانب شرط الأهلية يشترط المشرع لصحة العقد أن تكون ارادة كل متعاقد خالية من عيوب الإرادة. وعيوب الارادة هي: الغلط، والتدليس، والإكراه، والاستغلال.

أولا- الغلط

هو وهم، يقوم في ذهن الشخص يحمله على اعتقاد غير الواقع. أي اعتقاد خاطئ يقوم في ذهن المتعاقد، فيدفعه إلى التعاقد. فإذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، جاز له أن يطلب إبطال العقد، إن كان المتعاقد الآخر، قد وقع، مثله، في هذا الغلط، أو كان على علم به، أو كان من السهل عليه أن يتبينه. ومعنى ذلك أن الغلط لا يؤدي إلى إبطال العقد إذا تعذر على الذي وقع في الغلط إثبات أن الغلط كان مشتركاً أو كان المتعاقد الآخر يعلم به، أو يسهل عليه العلم به. ولا يؤثر في صحة العقد مجرد الغلط في الحساب، ولا غلطات القلم. ولكن، يجب تصحيح الغلط، وليس لمن وقع في غلط، أن يتمسك به على وجه يتعارض مع ما يقضي به حسن النية. ويبقى بالأخص ملزماً بالعقد، الذي قصد إبرامه، إذا أظهر الطرف الآخر استعداده لتنفيذ هذا العقد. وعلى ذلك يظل من يشتري شيئاً معتقداً غلطاً أن له قيمة أثرية، مرتبطاً بعقد البيع، إذا عرض البائع استعداداً لأن يسلمه نفس الشيء الذي انصرفت نيته إلى شرائه.

والغلط في القانون كالغلط في الواقع يؤدي إلى بطلان العقد بطلاناً نسبياً إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع. فإذا كان الغلط في القانون جوهرياً وتناول قاعدة قانونية لا تتصل بالنظام العام فيمكن التمسك به لإبطال العقد، ومن الغلط في القانون أن يبيع شخص نصيبه في التركة معتقداً أنه يرث الربع في حين أنه يرث الثلث.

أما الغلط في القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام فلا يؤثر على صحة العقد فلو أجر مالك أرض زراعية بأكثر من سبعة أمثال الضريبة المفروضة عليها جهلاً منه بالقاعدة القانونية المقررة في هذا الشأن، فإن الأجرة تُخفض إلى الحّد القانوني، ولا يجوز للمالك طلب إبطال العقد لغلطة في القانون، كما كان في قانون إيجارات الأراضي الزراعية قبل تعديله. وعلى من يدّعي أن إرادته معيبة بالغلط، أن يثبت هذا الغلط، الذي وقع فيه، وإثبات الغلط يكون بكافة سُبُل الإثبات.

ثانيا- التدليس

هو إيهام الشخص بغير الحقيقة، بقصد حمْله على التعاقد.

ويجوز إبطال العقد، للتدليس، إذا كانت الحيل، التي لجأ إليها أحد المتعاقدين، أو نائب عنه، من الجسامة، أنه لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد. ويُعَدّ تدليساً السكوت، عمداً، عن واقعة أو ملابسة، إذا ثبت أن المدلَّس عليه، ما كان ليبرم العقد، لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة.

وظاهر من هذا التعريف أن التدليس لا يعتبر عيباً مستقلاً من عيوب الرضا، بل هو علة تعيب آخر، وهذا العيب هو الغلط. ذلك أن الغلط إمَّا أن يكون تلقائياً أي ينزلق إليه الشخص من تلقاء نفسه وإما أن يكون مستثاراً، أي تثيره في الذهن الحِّيل التي استعملها المتعاقد الأخر، وفي الحالتين يكون العقد قابلاً للإبطال للغلط.

وللتدليس ثلاثة عناصر هي:

 استعمال وسائل احتيالية.

نية التضليل ( للوصول إلى غرض غير مشروع ).

أن تكون الحيلة مؤثرة أي تحمل على التعاقد.

العنصر الأول وتتخذ الحيل المستعملة في التدليس صوراً شتى، تختلف باختلاف حالة العاقد المدَلّس عليه. ولذا فالمعيار فيها ذاتياً. فكل إخفاء لواقعة لها أهميتها في التعاقد سواءً كان ذلك بطريق إيجابي وهو الكذب، أو بطريق سلبي وهو الكتمان تعتبر تدلساً مفسداً للرضا متى اكتملت فيه العناصر المكونة للتدليس.

العنصر الثاني نيّة التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع، فإذا انتفت نية التضليل فلا تدليس، كما هو الشأن فيما يصدر من الباعة من انتحال أحسن الأوصاف لسلعهم بقصد ترويجها فهذا من قبيل الكذب الذي لا أثر له على صحة العقد، ولكن لو وقع المتعاقد الآخر في غلط نتيجة لهذا العمل فيبطل العقد للغلط لا للتدليس. أمّا إذا كان الغرض من التضليل مشروعاً فلا تدليس كما لو استعمل المودع ـ وقد تبين له أن المودع عنده غير أمين ـ طرقاً احتيالية للحصول على إقرار منه بالوديعة.

العنصر الثالث أن تكون الحيلة مؤثرة أي أن تبلغ من الجسامة حداً يعتبر دافعاً للمتعاقد على التعاقد. وجسامة الحيلة يرجع فيها إلى معيار ذاتي لأنها تتوقف على حالة المدلس عليه، إذ من الناس من يصعب خداعه، ومنهم من يسهل غشه. ويلاحظ أنه إذا تم العقد بين أكثر من شخصين كعقد شركة مثلاً، وكان موضوعه غير قابل للانقسام فانه يمتنع على العاقد المدّلس عليه طلب، أبطال العقد، متى كان باقي المتعاقدين بمعزل عن هذا التدليس، ولا يستطيعون العلم به، ويقتصر حقه والحالة هذه على طلب التعويض ممن صدر منه التدليس.

ثالثا- الإكراه

الإكراه هو ضغط، يتعرض له أحد المتعاقدين، يولّد في نفسه رهبة، تدفعه إلى التعاقد. والإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلاّ بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قِبَل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً.

وهذا هو الإكراه المفسد للرضا وهو يختلف عن الاكراه المعدم للرضا والذي يترتب عليه بطلان العقد بطلاناً أصلياً، كما لو أمسك المكرِه بيد المكرَه والقلم فيها للتوقيع على العقد حيث لا يمكن القول حينئذٍ بوجود الإرادة بعكس الإكراه المفسد للرضا فالإرادة موجودة وإن لم تكن مختارة. وإذا صدر الإكراه من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المكره أن يطلب إبطال العقد ما لم يثبت أن المتعاقد الآخر كان يعلم أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بهذا الإكراه. والإكراه يكون مشروعاً أو غير مشروع بحسب الغرض منه. فإذا كان الغرض من الإكراه مشروعاً فانه لا يفسد العقد سواء كانت وسيلة الإكراه مشروعة أو غير مشروعة. كل هذا بشرط ألاّ تصل الوسيلة غير المشروعة على درجة الجريمة المعاقب عليها.

رابعا- الاستغلال

هو أن ينتهز شخص في شخص آخر طيشا بينا أو هوى جامح كي يبرم معه عقدا يحوي غبنا فاحشا.

فإذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر، وتبيّن أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلاّ لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً، جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد.

وعدم التعادل يكون عادة في العقود المحددة، إلا أنه أيضاً قد يكون كذلك في العقود الاحتمالية إذا كان احتمال الخسارة في جانب أحد الطرفين يرجح كثيراً على احتمال الربح. وذلك متى اجتمع في العقد الاحتمالي معنى الإفراط ومعنى استغلال العاقد. كما في بيع عقار مقابل إيراد مرتب لمدى حياه البائع، إذا كان احتمال وفاة البائع قريبة الحدوث بسبب كبر السن وضعف الصحة وتفاقم العلة.

والاستغلال كما يقع في عقود المعاوضات سواء أكانت محددة أم احتمالية، قد يقع كذلك في أعمال التبرعات سواء أكانت عقوداً كالهبة أم أعمال قانونية صادرة من جانب واحد كالوصية. ويقصد بالطيش البيّن: هو عدم البصر بالأمور وقلة المبالاة بعواقب الأعمال أو هو الاهتمام بالمنافع الحالة وإغفال المضار المستقبلية وعلى هذا فهو مرض يصيب الأشخاص الطبيعية دون الأشخاص المعنوية. والهوى الجامح: هو رغبة شديدة تقوم في نفس الشخص ولو لم يكن معروفاً بالطيش، تفقده دون أن يدري سلامة الحكم على أعمال معينة هي موضوع هذه الرغبة. وأيما كان نوع النقص الذي يعاني منه المغبون فإنه يجب أن يكون معلوماً من الطرف الآخر، وأن يقصد استغلاله لصالحه.

وجزاء الاستغلال يتمثل في أحد أمرين هما: القابلية للإبطال أو إنقاص التزامات المتعاقد المغبون.

وللاستغلال عنصران:

1. العنصر المادي: وهو عدم التعادل، أو انعدام المقابل في العقد، ولا بد أن يكون هذا الغبن فاحشاً.

2. العنصر النفسي: وهو وجود ضعف معيّن لدى المتعاقد المغبون، واستغلال المتعاقد الآخر هذا الضعف. ويمكن إثبات الاستغلال في العقود بجميع وسائل الإثبات.

Modifié le: Saturday 13 May 2017, 14:55