التراجيديا اليونانية و قواعدها
- مدخل إلى المسرح اليوناني
لقد كان لنشأة المسرح في بلاد اليونان علاقة بعقائدهم، (تعدد الآلهة)، حيث كانوا يقيمون حفلات لآلهتهم وأبطالهم، يفرحون لما نالهم من نعيم و يـحزنون لما أصابهم من شقاء، فهذا الغناء القصصي الذي كان ينشد أخذ يرتقي شيئا فشيئا حتى تحول إلى حوار تمثيلي، وقد كان الموضوع الرئيس لهذه الأشعار هو الإله ديونيزوس، أو (باخوس) إله النماء والخصب وبخاصة العنب والخمر، إذ اعتاد اليونانيون أن يقيموا له حفلين: أحدهما في أوائل الشتاء، بعد جني العنب وعصر الخمور، ويغلب عليه المرح وتنشد فيه الأناشيد الدينية، وتعقد حلقات الرقص، وتنطلق فيه الأغاني، ومن هذا النوع المرح نشأت الملهاة (الكوميديا)، والحفل الثاني في أوائل الربيع حيث تكون الكروم قد جفت وتجهمت الطبيعة، وهو حفل حزين ومنه نشأت المأساة (التراجيديا)، وتدوم هذه الاحتفالات ما يقارب الأسبوع ، إذ تنتخب مـجموعة من المسرحيات لتعرض وتعين الفائزة، وعادة ما يعرض كل مؤلف ثلاث مسرحيات، ولا تعاد المسرحيات القديمة إلا نادرا، وكان يعتقد أن الإله يشرف على هذه المباريات،
وقد أخذت طابعها الرسمي سنة 524 ق.م بالنسبة للتراجيديا، وسنة 488 ق.م بالنسبة للكوميديا.
ويعد "ثيسبيس" Thyspis" (525-456 ق م) أوّل من أدخل التمثيل إلى العرض، حيث كان لا يعدو بعض الرقص والأناشيد الجماعية، والأغاني الدينية، ثم مُثِّل "ديونيزوس" "Dionysos" فكانت الجوقة تشير وهو على خشبة مرتفعة، ثم أدخل الحوار بينه وبين الجوقة، ثم مثلت الشخصيات التي ترد في الأغانـــــــــي والأنــــــاشيد، فكان الممثلون يظهرون على هيـــــــئة البشر في نصفهم الأعلى وصورة الماعز في نصفهم الأسفل مرتدين أثناء أدائهم للأدوار المسرحية جلد هذا الحيوان المقدس عندهم، إذْ كان يُقدّم قربانا للإله .
وقد قلّـل الشاعر"أسخيليـوس""Eschyle" (525-456ق م) من دور الجـوقة وأناشيدها، وأعطى الحوار أكثر أهـمية، كما رفع عدد الـممثلين إلى(02) اثنيـن ،وبعده قـام "سوفوكليس" "Sophocle" ( 496-406 ق م) برفع عدد الممثلين إلى(03) ثلاثة، وأمر برسم المناظر، كما «يرجع إليه الفضل في أنّه جعل أفراد الجوقة (15)خمسة عشر فردا بعد أن كانوا اثني عشر.
و بذلك تكون المسرحية بنوعيها، (الملهاة والمأساة)، قد نشأت نشأة دينية، في نطاق هذه الاحتفالات المتمثلة في أناشيد دينية تتكون من مشاهد حوارية تتخللها أغنيات ينشدها الممثلون مع حركات راقصة بدائية متعاقبة تمثّلها مجموعة من الممثلين الراقصين المعروفة بالجوقة(*) (chorus) ، حين كانت تجري في أثينا مسابقات بين كتّاب المأساة.
أشكال المسرحية اليونانية: أخذ المسرح اليوناني نوعين أساسيين هما: التراجيديا و الكوميديا
1 التراجيديا : )المأساة (
نشأت التراجيديا اليونانية من الرقصات و الأغاني الديثرامبية، ثمّ أخذت تتطور تدريجيا حتّى صارت فنا قائما بذاته، فالـــــــــمأساة اليونانية منذ نشأتها استمدت موضوعاتها من الأساطير و الخرافات التيورثها اليونان عن
أسلافهم، و لكن شعراء المأساة لم يكتفوا بأسطورة ديونيـــــسوس وحدها بل تناولوا في مسرحياتهم كثيرا من الأساطير التي تدور حول الآلهة و أنصاف الآلهة و أبطال الخوارق.
وفي تعريفها اللغوي هي نسبة إلى اللفظتين اليونانيتين TRAGOS أي الماعز و OIDE أي أغنية، و المعنى اللغوي لهذه التسمية هو "أغنية الماعز" وفقا لأرجح التفسيرات، وسبب هذه التسمية يرجع إلى أنّ الجوقة القديمة في الأناشيد الديثرامبية التي نشأت منها التراجيديا كانت ترتدي جلد الــــــماعز على أساس أنّ المنشدين يمثلون دور الساتيري أتباع الإله ديونيسوس،(1) فاليونانيون ارتبطت حضارتهم كلّها بآلهتهم و اعتقاداتهم فالمنبت الأوّل للتراجيديا الإغريقية كان الدين الوثني.
تعريف التراجيديا
يعرف أرسطو المأساة بقوله: "هي محاكاة لفعل جاد وتام في ذاته له طول معين، في لغة ممتعة لأنّها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني، كل نوع يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية وتتم هذه المحاكاة في شكل درامي لا في شكل سردي و بأحداث تثير الشفقة و الخوف و بذلك يحدث التطهير". (2)
البناء الفني للتراجيديا اليونانية
يمكن رصد ملامح الشكل البنائي للتراجيديا اليونانية عبر مجموعة الأجزاء التي أشار إليها أرسطو في "فن الشعر" حيث قسم أرسطو الشكل البنائي للتراجيديا إلي :
- البرولوج : Prologos هو المدخل أو المقدمة، أي الجزء الذي يسبق دخول الجوقة لأول مرة على المسرح . وهى بمثابة المنظر الأول في المأساة ، وفيها يحاول الشاعر التراجيدي أن يمهد للحدث الذي يستعرضه في مسرحيته ، ويمكن أن تصاغ في صيغة (مونولوج) يلقيه ممثل واحد ، وأحياناً تكون في صيغة حوار بين ممثلين، وكان الشعراء يصورون في المقدمة شخصية من شخصيات المأساة وأحياناً يبدؤونها بوصف الحدث نفسه.
- بارودوس : Parodos و هي الأنشودة الافتتاحية للجوقة
- أيبيزدوس : Episodionالحدث الأوّل، و هو أول جزء حواري تمثيلي يقوم به الممثلون على الخشبة ، وفيه يتم الكشف عن أبعاد الشخصيات المسرحية والصراع الدائر بينها .
- ستازيمون : Stasimon الأغنية الثانية للجوقة بعد أن دخلت إلى الأوركسترا و استقرت فيها، و تكون غير مصحوبة بالرقص ، فكلمة "ستازيمون" تعنى في الأصل الوقوف. والغرض من هذا الجزء داخل العرض المسرحي هو التخفيف من حدة التوتر والانفعال لدى المشاهدين ، فهو يقلل من فزعهم أمام الفواجع التي تتناولها فصول المأساة ؛ من ناحية ؛ ومن ناحية أخرى تتيح الفرصة أمام الممثلين للاستعداد للمشهد التالي.
- أيبيزودوس : الحدث الثاني.
- ستازيمون : الأغنية الثانية.
- أيبيزودوس : الحدث الثالث.
- ستازيمون : الأغنية الثالثة.
- اكزودوس ( Exodos): وهو الجزء الأخير من التراجيديا غالباً ما كان ينتهي بأغنية الخروج التي ينشدها أفراد الجوقة أثناء خروجهم من المسرح، ويتم في هذا الجزء حل العقدة التي تكون قد بلغت ذروتها.(1)
أشهر كُتّاب التراجيديا اليونانية
1 أسخيلوس 456-525) Eschyle: ق م)
كانت مسرحياته تعالج العلاقة المتبادلة بين الإرادة الإلهية وبين السلوك الفردي للإنسان، منتصرا دائماللحق، استقى موضوعات مسرحيــاته من التراث
التاريخي وكان يسمي هذه الـــموضوعات" فتات من مائدة هوميروس"، و يروى أن الشاعر ألف حوالي 90 مسرحية، و يقول المؤرخون بأنه لم يبق إلا حوالي سبع مسرحيات(1) منها ثلاثية كاملة هي الأوراستيا ، نسبة إلى أوراست ابن )أجممنون( بطل اليونان في حرب ) طروادة ( وأخ )مليناس(.
2 سوفوکليس) Sophocle 966 - 440 ق م(:
هو من مدينة )كولون( في اليونان، و قد خلدها في مسرحيته "أوديب في كولون"، صورت مسرحياته مشكلات البشر و مصائرهم وكفاحهم، وهي تمتاز بالاستقلالية حتى و إن كان قد ألف الثلاثيات،فكل مسرحية مستقلةعن الأخرى
فنيا و موضـــوعيا، لقد أضاف سوفوكليس مــمثلا ثالثا مــما زاد في تطوير الحدث المسرحي و تشابك الأحداث وأصبح السلوك الإنساني يقدم من خلال صراع تراجيدي أكثر تعقيدا، و بعده لم يضف أي شاعر ممثلا آخر حتى العصر الحديث، كتب سوفوكليس 113 مسرحية، لم يبق منها إلا سبع، نال الجائزة الأولى في الحفلات الديونيسية، ثماني عشرة مرة، أما فلسفة مسرحياته وهو الشيء العظيم، الذي أوجده في الأدب اليوناني وفي التراجيديا بشكل خاص، هو شعور الإنسان بشخصيته ووجوده، وهنا يظهر الخلاف بين أسخيلوس وسوفوكليس، ففي قصص أسخيلوس نرى الإنسان ضعيفا، أمام إرادة وقوة الإله. أما سوفوكليس فقامت فلسفته في قصصه، على الإنسان الحر العامل المفكر، فنرى سوفوكليس يغير في المسرحية القديمة، فبدلا من أن يجعل الحرب أو الصراع بين الإرادة الإلهية وبين الإنسان، جعل الصراع بين إردتين من إرادات الإنسان ، وبذلك جعل الآلهة يديرون أمر البشر عن بعد، بمعنى أنه جعل الآلهة، تقضي في الصراع الذي نشب بين الإرادتين الإنسانيتين، ومن أشهر مسرحياته: "أنتجون"،"إلكترا" ،" أوديب ملكا".
3 يوريبيدس Euripides (484- 411ق م)
أكبر كُتَّاب التراجيديا اليونانية حداثة وواقعية فتميز بدقة تحليلاته النفسية وبإدخال عناصر ومشاهد دنيوية في ثنايا أعماله، باحـثا عن القوانين الأخلاقية حتى يستطيع التأثير في الجمهور، وصفه بعض المؤرخين بأنه كان انعزاليا مفتونا بالمعرفة، كان يعتكف في مغارة في إحدى الجزر يؤلف فيها، ومن جرأته أنه طرح قضية العبيد في المسرح ،حيث صور حياتهم تصويرا دقيقا، وقد كان يقف موقفا خاصا من الدين مخالفا لموقف )أسخيلوس( و )سوفوكليس( ، إذ كان يهاجم الآلهة، ويظهر ذلك مثلا من خلال إضافة عبارة )كما يقولون(لسخريته من الآلهة، أخذت الفضائل والرذائل الإنسانية،
حيزا كبيرا في كل مسرحية من مسرحياته. كتب اثنين وتسعين مسرحية، ولم يفز بالمسابقات إل أربع مرات في حياته، ومرة خامسة بعد موته(1)، من مسرحياته: أندروماك، لوريستيس، اليكترا...