وظائف اللغة

 تمهيد

نجد إجماعا بين الوظيفيين على أن اللغة مهما تعددت وظائفها فإنها تعود إلى الاتصال بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بين الكائنات البشرية، وعلى الرغم من أن الاتصال بين البشر قد يحدث بوسائل أخرى غير لغوية؛ كالعلامات، ودق الطبول، والإشارات، والصفير، والخرائط، والرسوم إلى آخره، ورأوا أن هنالك نوعًا من الكلام ليس غرضه الاتصال، ولا يهدف إليه، وإنما يؤلف حدثًا بمجرد النطق به، مثل القرارات الإدارية، وأحكام المحاكم، وغيرها.

ولكن المتأمل بالفعل في اللغة يرى أن وظيفتها تتسع لأغراض أخرى غير الاتصال بل تتعداها إلى نقل الأفكار، مثل التأثير على الغير؛ كالخطباء الذين يعملون على تقوية علاقة الناس بخالقهم، والصحفيين، ورجال الإعلام الذين يدعون الناس إلى تأييد رأي سياسي معين، أو دعوة اجتماعية معينة، أو الترويج لشراء سلع أو بيعها إلى آخره، وغير ذلك، ولذا رأى كثير من العلماء أن أهم وأخطر وظائف اللغة الوظيفة الخاصة بالإقناع والتأثير على الآخرين، وذلك بسبب وسائل الإعلام والتواصل الجماهيرية المتوافرة في عصرنا الحاضر بشكل لم يسبق له مثيل من قبل،

وهكذا تتعدد المواقف وتتنوع الأنشطة التي يحتاج الفرد فيها إلى استخدام اللغة باختلاف البيئة، واختلاف المواقف الحياتية،

ولا ننس وظيفة اللغة في شقها المكتوب، إنها تستخدم في شكلها المكتوب لتدوين ما تريد من معاهدات، ووثائق، وتراث سواء كان هذا التراث أدبيًّا، أو علميًّا، أو فنيًّا، أو دينيًّا، أو قانونيًّا، ويُنقل هذا التراث إلى الأجيال، ثم تضاف إليه الأجيال ما تتوصل إليه عقولهم أيضًا؛ فيتكون من كل هذا ما يسمى بالحضارات، إن كثرة بني آدم في الأرض وتفرقهم فيها وذهابهم في أطرافها يقتضي منهم تسجيل اللغة بالكتابة حتى تتواصل الأجيال السابق منها باللاحق، وحتى يتواصل أبناء الجيل الواحد في أرض الله الواسعة، وينتقل أخبار بعضهم إلى بعض؛ إذ اللغة المنطوقة من الناحية الفيزيائية لا تدوم،

1- وظائف اللغة عند جاكبسون (محند الركيك، م س/ 116-117. بتصرف):  

نجد أن ياكبسون قد حصر وظائف اللغة في ست وظائف تقابلها ست عناصر للتواصل هي: مرسِل، ورسالة، مرسَل إليه، وسياق، واتصال، وشفرة (هذا ما يوضحه الشكل أدناه ولكل عنصر من هذه العناصر وظيفة خاصة به، وهي كالتالي: 

أ- الوظيفة التعبيرية للغة: (F.Conative (Donner Un Ordre)

وتسمى كذلك الوظيفة الإنشائية، حيث تسمح اللغة هنا للمرسل أن يعبّر عن أفكاره ومشاعره، أي أن يعبر، وتستعمل في هذه الوظيفة الأدوات اللغوية الآتية: ضمير المتكلم (منفصل أو متصل) أي اللغوية، أي أن كذا وكذا مثل: جاءت الأمطار...؛ وترتبط هذه الوظيفة بعنصر المرسل

ب- الوظيفة الافهامية: (F. Emotive (Traduire Une Emotion)

حيث تسمح اللغة هنا أن يطبّق المرسل إليه ما يريده المرسل، أي تسمح اللغة بإحداث تغيير وتأثير على حالة المتلقي سواء في الرأي أو في الفعل؛ ومن الوسائل اللغوية المستعملة هنا: ضمير المخاطب، الصيغ الطلبية (الفعل والترك)، أسلوب النداء....إلخ. مثل: تعال هنا. ترتبط هذه الوظيفة بعنصر المرسل إليه.   

3- الوظيفة المرجعية: (F. Référentielle (Donner Une Information)

تسمح اللغة عبر هذه الوظيفة بمعرفة ظروف الرسالة والتواصل بين المرسل والمرسل إليه ومناسبة، ووضعية هذا التواصل؛ مثل:الجو جميل. فالسياق هنا حالة لغوية أكثر من أداة لغوية. ترتبط هذه الوظيفة بعنصر السّياق.

4- الوظيفة الشعرية:  (F. Poétique (Rechercher L'esthétique))

اللغة هنا تركز على بنية الرسالة وموضوعها وجماليتها، بمعنى أن اللغة تبرز قيمة الكلمات والأصوات والتراكيب مكسبة إياها شيئا إضافيا. ومن الأدوات اللغوية المستعملة هنا طرق اللّعب باللغة كالأمثال والحكم، والشعارات والإشهار. مثل: موبليس تدهس الأسعار. وغير ذلك من أساليب السجع في الكلام. ترتبط هذه الوظيفة بعنصر الرسالة

5 -الوظيفة التنبهية:  (F. Phatique (Maintenir Le Contact))

حيث تسمح اللغة هنا بإقامة التواصل والحفاظ عليه من أجل التمهيد للمقصد الحقيقي من التواصل؛ ومن الوسائل اللغوية المستعملة هنا مختلف الأساليب الفنية التي توفرها الرغبة في إنشاء حالة تواصل والمحافظة عليها تمهيدا للدخول في الغرض الأساس من التواصل. (مثال: الحديث الذي يقال في الهاتف تمهيدا لغرض ضبط موعد عند الطبيب). ترتبط هذه الوظيفة بعنصر الاتصال.

6 –وظيفة ماوراء اللغة (ميتا لغوية/ F. Métalinguistique (Réguler Son Propre Discours)

اللغة هنا ترتبط بعمليات الشرح و الإبانة التي تتخلل التواصل في الكلام حيث ترمي إلى تحقيق درجة قصوى من التمثل لدى المستمع بحيث يكون في الموجة نقسها التي يوجد فيها المرسل صوتا وتركيبا ودلالة ومعجما. مثال: استعمال المرسل اللغة التي يفهمها المرسل إليه ترتبط هذه الوظيفة بعنصر الشفرة

ملاحظة:

- لا قيمة لوظيفة ما دون اتصالها بالوظائف الأخرى.

 - ووضعت هذه الوظائف من أجل الوصول إلى درجة عليا من التواصل.

ويمكن أن نمثل بيانيا عوامل التواصل اللفظي هذه غيرِ القابلةِ للتصرف كما يأتي: في هذه الخطاطة:

 

سياق

 

مرسِل

رسالـة

مرسَل إليه 

 

شفرة

 

 

اتصال

 

ويوَلِّد كلُّ عامل من هذه العوامل الستة وظيفةً لسانية مختلفة» (رومان جاكبسون، 1963/ 213-124)، ثمّ يقول جاكوبسون، بعد أن وصف وظائف اللغة الستةَ الأساسَ في التواصل اللفظي: «يمكننا إكمال الرسم البياني للستة الفاعلين الأساسِ برسم بياني موافق للوظائف (م ن/ 219-220):

 

سياقية(مرجعية)

 

تعبيرية

شعرية

 إفهامية

 

ماوراء اللغة 

 

 

إنتباهية»

 

 

آخر تعديل: Thursday، 15 June 2023، 9:58 AM