خامسا: نشأة و تطور الفكر المقاولاتي في الجزائر:

عرف المجتمع الجزائري تحولات كثيرة بعد فترة الاستقلال,و بالرغم من الفراغ التنظيمي و القانوني الذي شهدته المؤسسات الإقتصادية آنذاك بسبب خروج المستعمر و ترك المؤسسات فارغة من العمّال بالإضافة إالى هجرة بعض العمال الجزائريين , كل هذاجعل النظام الجزائري يدخل مرحلة سميت بمرحلة التسيير الذاتي لتغطية هذا الفراغ, و هذا من خلال اكتساب البعض للخبرات ممن كانوا يشتغلون في المؤسسات مع المستعمر الفرنسي , ما جعلهم يكتسبون الخبرة الكافية في العمل داخل المؤسسات الصناعية في فترة ما بعد الاستقلال, و هو ما يعتبر مكسب للجزائر و الجزائريين حيث و بالاعتماد على خبراتهم في اعادة تشغيل هذه المؤسسات ساهم بشكل أو بآخر في اخراج البلاد من أزمة اقتصادية و اجتماعية كانت عل وشك الوقوع فيها البلاد آنذاك.

و في مرحلة السبعينات تميّز المجتمع آنذاك بانتهاج النهج لاشتراكي و الاعتماد الكلي على [1]المؤسسات العمومية, و هذا راجع إلى تدخل الدولة من خلال التأميم و إنشاء الشركة الوطنية جعل منها الفاعل الوحيد في المشروع التنموي و جعل من العلاقات الاجتماعية و الصناعية علاقات مغتربة بين الفلاح و بين الارض, و بين العمال و رأس المال, مما استدعى الأمر الى تبني فكر التسيير الاشتراكي الذي يهدف الى ردّ الاعتبار للعمال من خلال إعادة تنظيم علاقاتهم مع المسيرين من خلال مشاركتهم في التسيير  الى جانب دورهم كمنتجين, و تحديد أساليب و تقنيات لتسيير المؤسسات, أين تم إنشاء المؤسسات الكبيرة الحجم و الثقيلة الوزن مثل (سوناطراك، سوناكوم، سونالغاز و غيرها) ،و هو ما يطلق عليه بالاقتصاد الثقيل ،في المقابل كان القطاع الخاص-من حرف ذات طابع عائلي-يشهد في هذه المرحلة تهميش كبير نظرا لسياسة الدول آنذاك التي كانت تهتم بشكل كبير بالتصنيع الثقيل بالدرجة الأولى، مما جعل من نشاط الصناعة التقليدية يعرف تراجع كبير في هذه الفترة.

و بالتالي فقد ظل االمقاول الجزائري مهمش بتهميش القطاع الخاص إلى غاية بداية الثمانينات،عندما عمدت الدولة الجزائرية إلى تقديم الدعم الاقتصادي الحرّ فبدأ الاهتمام بالقطاع الخاص تدريجيا ، و هذامن خلال صدور مجموعة من القوانين و التشريعات هدفت لإدماج الاقتصاد الجزائري باقتصاد السوق من سنة (1982م إلى 1988م) حيث سمحت هذه القوانين بمشاركة القطاع الخاص في تنمية الاقتصاد الوطني، و هو ما يعتبر فرصة كبيرة لإخراج الموروث الثقافي إلى السوق الذي عرف تهميش في السنوات السابقة ، و مع ذلك بقي المجتمع الجزائري محافظا و متمسكا ووفيا للموروث الثقافي الجزائري من حرف و صناعات تقليدية ليعرف طريق النور من جديد ، و هذا من خلال قانون (82-11)المتعلّق بالاستثمار ،إنشاء الديوان التوجيهي للمتابعة و التنسيق للاستثمار الخاص سنة 1983م، فتح الغرفة الوطنية للتجارة حاصة بالمقاولين الخواص 1987 ، إعادة هيكلة الاقتصاد و الدخول في اقتصاد السوق 1988م.

و في نهاية الثمانينات و مع انهيار الاشتراكية بدأ ضغط المؤسسات المالية الدولية على الاقتصاد الجزائري،فأدى إلى غلق الكثير من المؤسسات العامة و توسع القطاع الخاص ، و لكن ضمن شروط فرضها القانون (90-10) في مجال الاسثمار على اقتصاد السوق فأدى إلى توقف نشاط العديد من المقاولين عن عملهم من جهة ، ووجود صعوبة في إنشاء مؤسسات خاصة جديدة من جهة أخرى .

 و تتمثل هذه السياسة في تنظيم قواعد اقتصاد السوق ،و تنظم سوق الصرف ، و حركة رؤؤس الاموال ، و إعاذة هيكلة النظام المصرفي بالجزائر ، و إعادة تنظيم البنوك التجارية ، بالاضافة إلى دورها في تمويل استثمارات المؤسسات و تحديد مهام البنك المركزي (بنك الجزائر).

و مايميز هذه الفترة هو استثمار القطاع الخاص نشاطات خدماتية لا تتطلب أموال ضخمة و مخاطرها محدودة ، كما تميزت هذه الفترة بأزمة خطيرة في البلاد (أزمة العشرية السوداء) أين كادت أن تفقد الدولة سيادتها في ظل مناخ ساده العنف و التخريب ،و هو ما نتج عنه تفشي ظاهرة البطالة بشكل كبير من جهة و البطالين دون المستوى الجامعي من جهة أحرى و هو ما جعل الدولة الجزائرية تفكر و تدبر في إيجاد الحلول للتقليل من نسبة البطالة آنذاك و إلى يومنا هذا ،التي تتناسب مع محتلف الفئات سواء من الناحية العمرية ،أو من ناحية المستوى التعليمي من جهة أخرى أين تم اخراج بعدها مجموعة من البرامج فيإطار مكافح ة ظاهرة البطالة التي شهدت انتشار كبير في تلك لفترة ، تشجع على الخصخصة و العمل الحرّ،من بينهما قوانين الاستثمار و القروض المصغرة ، مما نتج عنه ظهور العديد من الهيئات التي تدعم انشاء المؤسسات و تتمثل هذه البرامج باختصار في :

الصندوق الوطني للتأمين على البطالة (CNAC) في جويلية  سنة 1994م ، الوكالة الوطنية للتنمية الاجتماعية (ADS) في جوان 1996م ،وكالة دعم و تشغيل الشباب (ANSEJ) في جويلية 1996م  الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار 2001م ، و من خلال هذه البرامج بالإضافة إلى دور مديرية المؤسسة الصغيرة و المتوسطة هدفت الدولة إلى الحدّ من هذه الظاهرة بإيجاد فرص عمل رسمية خاصة أن نسبة الشغل في القطاع الخاص (غير رسمية) في ارتفاع ، و من هنا فقد عرف المقاول الجزائري العودة من جديد و بقوة لاقتصاد السوق إلى يومنا هذا. [2]



[1] )-زينب شنوف:"تشكل الهوية الجماعية عند المقاولين الشباب"أطروحة دكتوراه في علم اجتماع الإدارة و العمل، قسم علم اجتماع ،جامعة بسكرة ، 2013-2017 (ص82-83).

[2] )-زينب شنوف ، مرجع سابق ص (83-84)

Modifié le: Friday 19 May 2023, 19:36