ٍ

ثالثا: المقاربات النظرية المفسرة للمقاولاتية:

1-  المقاربة الاقتصادية:[1]

لقد انصب تركيز هذا الاتجاه في تحديد الأنشطة و الوظائف الاقتصادية التي يؤديها المقاول ،" و يسعى هذا الاتجاه للإجابة عن التساؤلين التاليين: ما هو تأثير الأنشطة المقاولاتية على الاقتصاد؟ ما هي الظروف الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي تشجع المقاولاتية؟

كما تضمن هذا الاتجاه محاولات عديدة لتعريف المقاول ، مما أدى إلى تطور مفهوم المقاول عبر الزمن تماشيا و التحولات التي عرفها النظام الاقتصادي العالمي ، حيث استعملت كلمة المقاول لأول مرة سنة 1616 من طرف مونتكريتيان (Montchrétien) و كانت تعني الشخص الذي يوقع عقدا مع السلطة العمومية من أجل ضمان انجاز عمل ما ، أو مجموعة أعمال مختلفة.

ثم ظهرت بعد ذلك تعريفات أخرى للمقاول لتساير التغيرات الحاصلة في الأنشطة الاقتصادية و المناخ الاستثماري السائد ، يشير Richard Cantillion إلى أن المقاول هو كل شخص يدخل في معاملة تجارية لحسابه الخاص حيث تجري فيها عملية التبادل من أجل الربح و الاستثمار و الأموال.

و يشير Say إلى أن المقاول يحمل مجموعة من الصفات التي نادرا ما تجتمع لدى الأشخاص العاديين، و و كما تتصل وظيفته بالمخاطرة و لا تنفصل عنه إلى غاية فقدانه لثروته و شرفه

و لهذا يعتبر Say المقاول بأنه: الفاعل المحوري في عملية الإنتاج باعتباره المحدد للحاجات و الوسائل اللازمة لإشباعها، و الذي يقارن بين الهدف و الوسائل المتاحة له .....و الذي يكون حرصه على تحقيق هدفه أعلى من تلك التي لدى العمال و المقرضين الذين يعهدون له بالأموال.

و بذلك فإن Cantillion و Say يتفقان على أن المقاول هو الشخص المخاطر الذي يقوم باستثمار أمواله الخاصة، و يتخذ cantillon  عدم اليقين عنصرا أساسيا في تعريفه للمقاول ، كما يعرف أيضا المقاول و بغض النظر عن نشاطه سواء كان في المجال الزراعي، الحرفي، التجاري، أو غيرها من الميادين ، بأنه الشخص الذي يشتري أو يستأجر بسعر أكيد ليبيع أو ينتج بسعر غير أكيد.

بمعنى أن المقاول هو كل شخص يقوم باستثمار أمواله في شتى المجالات الاقتصادية و التجارية من أجل تحصيل الأرباح و تعظيم الفوائد ، متحملا بذلك كل المخاطر و الصعوبات التي قد تعترضه ، حيث يشتري و ينفق بأسعار أكيدة ليبيع أو يبادل بأسعار غير أكيدة و هو جوهر و أساس الفعل المقاولاتي.

كما نجد أن كل من Cantillon و Say اللذان ينتميان إلى المدرسة الفرنسية يميزان بين نوعين من المقاولين ، فالأول يتمثل في المقاول الذي يملك رؤوس الأموال و لا يحمل فكرة المشروع أو إنشاءه، و يختص بإقراض الأموال لأصحاب المشاريع مقابل الاستفادة من عوائد و أرباح مالية ، فهو بمثابة الممول و هو مايمكن الاصطلاح عليه بالرأسمالي ، أما النوع الثاني و هو المقاول الحامل لفكرة المشروع و المحفز لإنشائه و المتحمل للمخاطر التي قد تهدد مشروعه، و المتحمل للخسائر التي قد تطال أمواله الخاصة و المستدانة من الأطراف الممولة .

و لهذا فإن Say و Cantillon يتفقان على أنه: لا يشترط أن يكون المقاول شخصا ثريا إذ يمكنه اللجوء إلى الاقتراض من الآخرين ، و بذلك يفرق بين الرأسمالي الذي تتمثل مهمته في إقراض الأموال مقابل الحصول على مبلغ معين يعرف بالفائدة، و بين المقاول الذي يتحمل المخاطر التي يمكن أن تعرقل نجاح نشاطه الذي أسسه بأمواله الخاصة ، أو باللجوء إلى الاقتراض من ملاك رؤوس الأموال.

في مقابل ذلك فأن رواد المدرسة الاقتصادية الكلاسيكية الانجليزية ، و على رأسهم أدام سميث و مارشال لا يقيمون هذا التفريق ، جيث نجد أعمال مارشال الذي يعتبر من أوائل الكتّاب الانجليز الذين اهتموا بالمقاول و ذلك في بداية القرن العشرين ، حيث تزامنت أعماله مع ظهور المؤسسات الكبرى التي شهدت انتسارا كبيرا في تلك الفترة ، و لذلك فهو يعتبر أن تحول الاقتصاد من الاعتماد على نظام الحرف الصغيرة ، التي يسيرها العمال أنفسهم إلى نظام المؤسسات الكبيرة المسيرة من طرف مقاولين رأسماليين ، يتطلب وجود رجال ذوي طاقات كبيرة ، تتمثل مهمتهم في تسيير الإنتاج بطريقة تؤدي إلى جعل الجهد المبذول يقدم أحسن نتيجة ممكنة من أجل إشباع الحاجات الإنسانية.

و عليه فإن وفرة رؤوس الأموال و امتلاكها ليس شرطا أساسيا حتى يكون الفرد مقاولا ، جيث يمكنه اللجوء إالى مصادر التمويل المختلفة لإنشاء مشروعه ، كون أساس و جوهر فعل المقاولة هو وجود شخص يحمل فكرة المشروع ، و له القدرة و الرغبة على تحقيقها و يتحمل المخاطر التي قد تواجهه.

أما J.Schumpeter فيرى أن المقاولين نوع خاص من الفاعلين ، إن الذي يدفع المقاول ليس المال ، و إنما الابتهاج بالخلق ، و الحلم بخلق امبراطورية ، و ما قارن ، أي أنهمختلف عن الرأسماليين أو رجال الأعمال الذين يسعون إلى تعظيم الأرباح و تراكم الثروة ، باعتبار أنه موجه بدوافع الابداع و التجديد و يجمل خصائص فريدة و سلوكات متميزة ، تجعله يسعى إلى الإنجاز و الابداع و احداث التغيير لكسر الروتين .

بالإضافة إلى ما سبق فإن Schumpeter يعتبر المقاول أنه المحور الذي حوله يدور كل شيء ، أي أنه الفاعل الرئيسي و المحوري في العملية الاقتصادية ، باعتباره المحرك و المنشط لها عن طريق احداث التغيير و كسر الروتين في عملية الإنتاج ، باستحدام الإبداع و ابتكار تقنيات جديدة: إنتاج سلع جديدة أو استحداث طريقة جديدة لإنتاج سلعة قديمة ، أو اكتشاف مصادر جديدة للموارد الأولية ، أو إعادة ترتيب و تنظيم فرع صناعي.

و بالتالي فإن دور المقاول يتمثل في إيجاد تركيبات جديدة لعوامل الإنتاج من خلال : صنع منتج جديد، استعمال طريقة جديدة في الإنتاج ، اكتشاف قنوات توزيع جديدة ، اكتشاف مصادر جديدة للموارد الأولية أو نصف مصنعة ، إنشاء تنظيمات جديدة للأعمال.

و من خلال هذه العناصر التي أوردها Schumpeter نفهم مدى التغير و التحول الحاصل في مفهوم المقاول من الشخص المغامر الذي يسعى إلى تعظيم الأرباح ، إلى الشخص المبدع و المطور الساعي إلى إحداث تغييرات و تجديدات ، عن طريق إيجاد تركيبات و تنظيمات جديدة لعوامل الإنتاج ، بهدف كسر الروتين و تحقيق النجاح و التميز على مختلف الأصعدة التنظيمية و التمويلية و الإنتاجية ، مما يجعل منه كفاعل اقتصادي يسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية للمجتمع ، كما يميز Schumpeter أيضا بين كل من المقاول و المسير فإذا كان المقاول ينتج عندما يقوم شخص باستغلال فرص ربح غير مستغلة ، فالمسير يسعى للرفع من فعالية طرق الإنتاج إلى أقصى حد ممكن ، و ذلك بتعظيم كمية المخرجات انطلاقا من مستوى معين من المدخلات .

بمعنى أن المقاول يختلف عن المسير من حيث الوظيفة و الهدف ، فالأول يتميز بخاصية القدرة على تحديد و اقتناص فرص العمل غير المستغلة و السبق إلى استغلالها قبل غيره ، في ظروف تتسم بارتفاع نسبة المخاطرة ، على عكس المسير الذي يرتكز دوره بشكل أساسي على تحسين طرق الأداء لتحقيق الكفاية الإنتاجية ، في ظروف و معطيات بيئية تتسم بالاستقرار و الوضوح على العموم .

في حين يعتبر(1945) Hayek المقاول : هو الشخص الذي يقوم بالتخطيط و التنسيق للموارد بالاعتماد على المعارف و المعلومات المستقات من جميع المصادر، و يلح مثله مثل (1973) Kirzner على دوره في اكتساب و استخدام المعلومات للاستجابة لمختلف التغيرات و الاستفادة من الفرص.

نفهم من تعريف Hayek أن المقاول شخص استراتيجي يعتمد في أنشطته المقاولاتية على المعارف و المعلومات التي يستقيها من المصادر المختلفة ، كالشبكات الاجتماعية و شبكة المتعاملين عن حالة الأسواق و المنافسين، و على ضوئها يقوم بوضع الخطط و الاستراتيجيات المختلفة التي تمكنه من تحديد الفرص و استغلالها.

 

2- المقاربة السلوكية:[2]

استخرج Mc Clelland بعدين أساسيين يحددان سلوك المقاول، الحاجة للإنجاز و الحاجة للسلطة : الأولى تدفع الفرد إلى أن يكون  مسؤولا عن حل مشاكله و كنتيجة ثباته على الأهداف المشكلة حتى تنمو ، أما الثانية و هي الحاجة للشلطة أقل دراسة:" المرور على إرادة واضحة لشغل مكان مسيطر داخل النظام.

أشار (Michel Palmer 1987) أن الأشحاص لهم حاجة قوية لإنجاز مقارنة بالآخرين الذين لهم حوافز ضعيفة في هذا الإطار، خصائصهم في تفصيل المهام التي تتميز بالمخاطرة هي التي تحركهم ، إنه عمل كثيف جدا بالانشغالات التي تتطلب قوة ذهنية كبيرة.

 عادوا إلى مرحلة الأوضاع الخاصة، (Ray H Rosenanet et Meyer Friendmam 1974) و عزلوا "المتغيرA" الموافق لإنشاء المؤسسات.

"المتغيرA" هو مجموعة معقدة من الحركات و الانفعالات التي يمكن إيجادها عن الأشخاص الذين يعيشون بطريقة ثابتة و عنيفة صراع داخلي شخصي من أجل تحقيق أكبر قدر من الأشياء في أقل وقت ممكن.

في دراسة أجريت سنة 1992 قام بها باحثين حول منشئ المؤسسات Paul Rasse et denis Pariost استخرجوا ثلاث قيم رئيسية يمكن ايجادها غالبا في ضوء الاكتشافات الميدانية في مركز المقاولين Lyon EM.

-    الرغبة في التفسير و التحقيق.

-    الحاجة إلى الاستقلالية و الحرية.

-    الميل للمقاولة و التسيير.

المقاول في الواقع هو محقق المشاريع يبحث بشكل مستمر على طرق جديدة للتنمية ، فهو يتميز بالقيادة ، القدرة على المراقبة ، على تقييم بيئتهم من خلال أعمالهم الخاصة لا يستطيعون تحمل المخاطرة المرتبطة بإنشاء المؤسسات.

-    تفضيل الدخول في وضعيات تسمح لهم بالحصول على الإحساس بالإنجاز، عدم التحفز فقط بواسطة العوائد المالية ، الحصول على أحسن النتائج في الحالات التي تمنح تقييم إيجابي و دقيق و في الأخير الرغبة في التفكير طويل الأجل هي مميزات نفسية توجد عموما عند منشئ المؤسسات.

بالنسبة لتحمل المخاطرة فهو يعود قبل كل شىء لأسباب غير موضوعية مرتبطة بصور المقاول الناتجة عن المحيط الإجتماعي و الإقتصادي التي يقدم فيها هذه المؤسسة و كذلك بقدرته على النجاح.

هنالك أربع أنواع كبرى للمخاطرة تتكرر عادة بالنسبة للمقاولين حسب Justin G Langeneker et Carlos W Moor هي : المخطر المالي ، المخطر المهني، المخطر العائلي ، المخطر البدني.

في اهتمام أكثر موضوعية يظهر من المهم التحديد بأن تحليل الحالة النفسية لا تعطي معنى حقيقي في فرضية الالتزام المقالاتي الإرادي المتمحور حول التنمية ، في هذا الإطار نتابع بموقع « Andre Letowsk » مراقب ANCE (1992) " كيفية توضيح و تحليل حقائق إنشاء المؤسسات " حيث قام بالرجوع إلى منطق الإدماج الاجتماعي عن طريق إنشاء المؤسسات المتعلقة حسب أقواله 70% من أصحاب المؤسسات الجدد ، هؤلاء الأشخاص هم في البداية يبحثون عن عمل ، و الحصول على عائد كان كاف للبقاء على قيد الحياة هم و عائلاتهم ، فهم يفتقدون إلى القيام بتحاليل و تصورات متعلقة بالمقاولاتية.

 في النهاية نستطيع الجزم أن دراسة الخصائص النفسية لا تعتبر مقبولة كليا، فإذا استطعنا التحقق مما إذا كان الشخص يمتلك الخصائص و الصفات التي يمتاز بها المقاولون عموما ، سوف يكون من الخيال أو الوهم الحصول على استنتاجات حول إمكانية نجاحهم كمقاولين.

نستنتج مع (1997) LJ Fillion بالقول أن المقاول هو إنسان اجتماعي و هو ابن بيئته ، الكثير من الباحثين أظهروا أن المقاولين يكتسبون مميزات حسب الزمان و المكان الذين نشأوا فيه و عليه فإن الثقافة ، العادات، حاجات المنطقة تحدد السلوكات.

مقاربة السمات ترتكز على الفرد المقاول و من خلال علماء التسيير (الإدارة) سوف يكملون هذه النظرة بإدماج المحيط و بالأخص التنظيم.

 

 

2-     المقاربة الفردية:[3]

ركزت هذه المقاربة على الجانب النفسي الاجتماعي للمقاول، إذ حاولت تفسير سلوكه و التنبؤ به من خلال سماته النفسية و خصائصه الشخصية.

و يعتبر Max Weber من بين الأوائل الذين اهتموا بذلك، إذ استند في تفسيره على نظام القيم، غير أن من أعطى الانطلاقة لعلوم السلوك الخاصة بالمقاولين هو من دون شك.McClelland

و قد برزت هذه المقاربة في سنوات الستينات (1961) إثر بروز كتاب " المجتمع المنجز " لمؤلفه McClelland  ، الذي تساءل عن السبب وراء تقدم و ازدهار المجتمعات ، فمن خلال الدراسة التي أجراها McClelland، خلص إلى أن ما يفسر تطور المجتمعات هو أساسا الحاجة للسلطة و الحاجة للإنجاز التي ربطها بالمقاول، فالمقاول في نظره يتميز بحاجة إنجاز عالية ، هذا و أشار McClelland إلى أن الإنسان هو نتاج اجتماعي ، حيث تتأثر شخصيته بالبيئة الثقافية التي يعيش فيها عن طريق التنشئة الاجتماعية أي عن طريق المعايشة في الأسرة أو المجتمع أو المدرسة.

و عموما الفكرة التي يستند عليها McClelland هي أن الأفراد يقلدون سلوكات نماذجهم ، و هي ما عبر عنه بفكرة أن الأشخاص يعيدون إنتاج نماذجهم الخاصة، و هذا كلما زاد عدد المقاولين كلما زاد اختيار الأفراد للمقاولة كمسار مهني.

فبالإضافة إلى الحاجة للانجاز هناك موضع التحكم الداخلي ل Rotter (1996) ، فبالنسبة له المقاولون الناجحون هم ذوي مستوى تحكم داخلي مرتفع.

و يوجد خصائص و سمات أخرى نسبت للمقاول، نذكر منها:[4]

-    الثقة بالنفس          – مواجهة الغموض و عدم التأكد

-    القيادة                - الاستقلالية

-    الإبداع               - المبادرة

-    الطاقة               - المرونة

-    المثابرة              - التفاءل

-    التعلم               – تحمل المخاطر

وجهت العديد من الانتقادات لنظرية McClelland من بينها أنها بسيطة كونها ترتكز في تفسير السلوكات على عاملين ، في حين لا يمكن تفسير ظاهرة معقدة كظاهرة المقاولة بالرجوع إلى عامل واحد أو اثنين ، و في نفس المعنى يشير لBrockaux (1982) إلى أنه " من الصعب تفسير إنشاء مؤسسة أو نجاح مقاول من خلال الحاجة للانجاز فقط ".

حاول الباحثون ضمن هذا التيار و لسنوات تمييز المقاولين عن غير المقاولين ، لكن و كما هو معروف فأحيانا تكون الاختلافات بين المقاولين أنفسهم أكبر مما هي عليه في حالة مقارنة المقاولين بغير المقاولين ، إذا و كما يبدو فإنه لا بوجد مقاول مثالي.

 

3-   المقاربة الإجتماعية:[5]

المقاولاتية الاجتماعية حاضرة في الأدبيات الغربية لدى كل من Brouard et Shulman 2006 et Larivet 2009 Neubaum ، و أيضا هناك وعي حول تعدد أبعد هذاالمفهوم و احتوائه لزاويتين أو جانبين: المقاولاتية و المجتمع.

فحسب كل من Predo et Mclean فإن الزاوية الأولى " المقاولاتية" تتصل ببداية الأنشطة و خلق القيمة للمقاول و للمجتمع ، فالمقاول يستخدم الابتكار، التجديد، لتحديد فرص الأعمال ، و ينظم الموارد المتاحة له لتحقيق الأهداف المحددة.

أما الزاوية الثانية حسب (Tan et Brickerhoff) فتتصل بالمهمة الاجتماعية و التي توضح العناصر الرئيسية التي تميز المقاولاتية الاجتماعية عن المقاولاتية الكلاسيكية ، و من دون هذه المهمة لا تكون في الحقيقة مقاولاتية اجتماعية ، و هذه المهمة الاجتماعية في بعض الأحيان مدمجة في مهمة اقتصادية ، تقوم المقاولة الاجتماعية بدور الفاعل في التغيير الاجتماعي بطريقة عقلانية واعية و بشكل تطوعي و غير عشوائي.

لكن أساس المقاولة الاجتماعية هي وجود المقاول الاجتماعي الذي يتسم حسب M.Grannovetter بخصائص شخصية فريدة تميزه عن باقي الأفراد و خصائص اجتماعية تتمثل في التضامن و روح العمل الجماعي و التعاون ، بالإضافة إلى خصائص ثقافية مثل القيم و تأثيرها على الفعل المقاولاتي.

و بالتالي فإن المقاولة الاجتماعية هي مجموعة من الأنشطة و عمليات الإنشاء الساعية لتحقيق الربح و تعظيم الفوائد ، و في نفس الوقت إلى تدعيم القيمة الاجتماعية ، أي أن المقاولة الاجتماعية تسعى إلى خلق قيمة اقتصادية و اجتماعية جديدة معا في الوقت نفسه و ذلك عن طريق دمج المقاولين للأهداف الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية في أنشطتهم و السعي لتحقيقها ، بما يعود بالفائدة لجميع الأطراف المساهمة و الفاعلة و الحاضنة.

و مما سبق يمكن القول أن المقاول لم يعد ذلك الشخص المخاطرة، الذي يقوم بتركيبات لوسائل الإنتاج من أجل تحقيق الفوائد و تعظيم الأرباح الشخصية فقط، بل أصبح بمثابة الفاعل الاقتصادي و الاجتماعي الذي يسعى إلى الاستفادة من خبرات جميع شركائه ، و يحرص على تنميتها و يملك رؤية واضحة ، و هدفه هو تحقيق المصالحة العامة من خلال الموازنة بين المصالح الاقتصادية و الاجتماعية.

جدول رقم (02): يوضح خصائص كل من المقاول الاجتماعي و المقاول الاقتصادي

  المقاولون الاقتصاديون

  المقاولون الاجتماعيون

 

 الخبرات و القدرات الشخصية

  الخبرات الجماعية

   القوى

 الأرباح المالية

  تنمية القدرات

    التوجهات

  قصيرة المدى

 طويلة المدى

   الرؤية

  غير محددة

 محددة برؤية

   كمية الإنتاج و

  الخدمات

  الربح هو الغاية

 الربح وسيلة

   الأرباح

 

  توزيعها على المسهمين

 اعادة استثمارها

 الأصول الشخصية

  و أصول المستثمرين

فعالية التنظيم، الصورة،

الثقة

   المخاطر

 تابع لرب العمل و لتوجيهاته

  جعل التنظيم غير تابع

  للمانحين

  الاستقلالية

Source : Sophie Brouard : Ouafasakka[6]

 

4-    المقاربة العملياتية:[7]

هذه المقاربة أظهرت القيود المفروضة على المقاربة السابقة ، و اقترحت الاهتمام بماذا يفعل المقاول، و ليس شخصه ، حيث تعدد و تنوع المقاولين و المقاولات و مشاريعهم عبئ العديد من الباحثين لدراسة المسار المقاولاتي هذا الأخير يمكن تعريفه كما يلي: " المسار المقاولاتي يتضمن جميعا الوظائف و النشاطات و الأفعال المتضمنة لإدراك الفرص و إنشاء المؤسسة التي تلحق بها"، من خلال هذا التعريف نلاحظ تصورين اثنين، الأول يتعلق بالظهور التنظيمي (إنشاء المؤسسة) و الثاني المتعلق بالفرصة المقاولاتية (فرصة الأعمال)، فالظهور المقاولاتي يتعلق بتصور GARTNER  الذي يعتبر المقاولة ظاهرة ترتكز على إنشاء و تنظيم مؤسسات جديدة، كما أن النموذج التفاعلي المتبنى من قبل Gartner يتكون من أربعة أبعاد: البيئة، الأفراد، المسار و التنظيم.

أما Venkatarman الذي يدافع عن فكرة "فرصة الأعمال" فهو يختلف عن وجهة النظر المتعلقة بالظهور التنظيمي ل Gartner و ذلك بدلا من بروز أو ظهور تنظيم جديد فإنه يركز على ظهور نشاطات اقتصادية جديدة، علاوة على ذلك، فإن معظم الدراسات تركز على العوامل البيئية و الاجتماعية و الخصائص الفردية لتفسير السلوك المقاولاتي ، لأن التفاعل الديناميكي لهذه العناصر يسهم في تفعيل المسار المقاولاتي بظهور نشاط ابتكاري جديد من عدمه.

كتقييم لهذه المقاربة ، فإنه حتى و لو كان طرحها حديثا نسبيا مقارنة بسابقتيها فلا يمكننا حصر الظاهرة المقاولاتية في المسار المقاولاتي و تتبع مراحله ، ففي هذا الصدد نستدل بالنموذج السوسيولوجي الجديد ، من خلال رؤيته الموسعة للمسار المقاولاتي و المركز على العوامل السوسيو اقتصادية  و النفسية و الثقافية ، و نظرته إلى المقاولة من خلال طابعها السوسيولوجي و الذي يخضع للعوامل التاريخية و الاجتماعية و الهيكلية و الثقافية لمجتمع معين ، عكس النظرة الاقتصادية الأحادية ، إذن دافع الربح مثلا لدى المقاول هو عبارة عن دافعية ثقافية خاصة و مؤسسة و ليس عبارة عن ميل فطري للربح، هذه وجهة نظر بديلة تعترف بالطابع المتعدد الأبعاد لظاهرة المقاولة و خلق المؤسسة من جهة و كذلك اجتماعوية هذه الأخيرة ،  فالأبحاث في هذا الإطار يمكن أن نقسمها إلى اتجاهين مختلفين ، الأول ما يسمى بالاتجاه الحتمي و فقا للإيدولوجية ، الثقافة و الهياكل الاجتماعية، نجد من بين ممثليه أطروحة ماكس فيبر " الأخلاق البروتستانتية و روح الرأسمالية" و أطروحة Gary Tribou "المقاول المسلم" أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه الإرادي و فقا لقرار الفرد لاستغلال فرصة الأعمال.

اقترح Bygrave 1989 ثم 1991 Bygrave et Hofer ، مفهوم نهائي C يستند على شرطين B، A:[8]

A: الحدث المقاولاتي يمثل إنشاء منظمة جديدة من أجل استغلالها.

B: المسار المقاولاتية تحتوي على كل الوظائف : النشاطات و الأفعال المرتبطة باقتناص الفرصة و إنشاء منظمة من أجل استغلالها.

C: المقاول هو الشخص الذي يقتنص الفرص و الذي ينشء منظمة من أجل استغلالها.

قام Bygrave et HOFER1991 بتغيير التوجهات و اقترحو بعض الأسئلة المفتاحية في مجال المقاولاتية و التي تظهر في الجدول الموالي:

 

 

 

 

 

جدول رقم (03): يوضح الأسئلة المفتاحية في مجال المقاولاتية حسب Bygrave et Hofer

التركيز على المسار المقاولاتي

التركيز على المقاول

من هم القادرون على اقتناص الفرص بشكل

 فعال و عملي؟

من هم الذين سيصبحون مقاولين؟

ما هي المهام الأساسية من أجل إنشاء مؤسسة؟

لماذا يصبحون مقاولين ؟

ما هو القدر الذي تكون فيه هذه المهام مختلفة عن تلك المساعدة على التسيير بنجاح؟

ما هي مميزات المقاولين الناجحين؟

ما هي السمات المميزة للمقاول في هذه العملية؟

ما هي مميزات المقاولين الفاشلين؟

المصدر: محمد قوجيل، مطبوعة في مقياس المقاولاتية،كلية العلوم الاقتصادية ة التجارية

و علوم التسيير، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2016-2017.[9]



[1])- عبد الرزاق منيش "دور النسق الاجتماعي في تنمية المسؤولية الاجتماعية لدى الشباب المقاولين"، أطروحة دكتوراه في علم اجتماع تنظيم و عمل، قسم علم الاجتماع ، جامعة محمد لمين دباغين سطيف2، (2017-2018) ص(من 111 إلى 116).  

 

[2] )-  محمد قوجيل، مطبوعة في مقياس المقاولاتية،كلية العلوم الاقتصادية ة التجارية و علوم التسيير، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، الجزائر، 2016-2017 ص(7-8).

[3])- قايدي أمينة:" تطور التوجه المقاولاتي للطلبة الجامعيين"أطروحة دكتوراه في تخصص تسيير المؤسسات، كلية العلوم الاقتصادية ، العلوم التجارية و علوم التسيير، جامعة مصطفى إسطمبولي معسكر،2016-2017 ص(من 10 إلى 12).

 

[4])-Louis Jacque Filion, Le champ de l’entrepreneuriat :historique , évolution,tendances,Revue internationale P.M.E :économie et gestion de la petite et moyenne entreprise , vol ,10, n°2 ,1997 p137.

 

[5] )- عبد الرزاق منيش، مرجع سابق ، ص(من24 إلى 126).

[6]( - Sophie Brouard : Ouafa Sakka : Entrepreneuriat social et participation citoyenne, revue Canadienne de recherche sur les OSBL et l’économie sociale, vol,1,n°1,automne/Fall2010,p59.

 

[7] )- بدراوي سفيان:ثقافة المقاولة لدى الشباب الجزائري المقاول"، أطروحة دكتوراه، في علم اجتماع التنمية البشرية، قسم العلوم الاجتماعية، جامعة أبي بكر بلقايد-تلمسان-(2014-2015)، ص(32-33).

[8] )- بيبي وليد، عمار فاروق غربي، عفاف حمادي:"دراسة تجريبية على عينة من لمؤسسات الصغيرة و المتوسطة الجديدة بالجزائر"،  مجلة المالية و حوكمة الشركات، المجلد01، العدد01،(جوان2017)،ص(8-9).

[9] ) محمد قوجيل، مرجع سابق، ص(10).

Modifié le: Friday 19 May 2023, 19:09