تمهيد:

يعتبر التقويم أحد المكونات الهامة في المنظومة التربوية والتي تتمثل في (التخطيط- التنفيذ- التقويم) ومداخلا أساسيا لتطويرها، فبواسطته يمكن التمييز بين نقاط القوة والضعف في كل مكون من مكوناتها، حيث تحتاج إلى التقويم لتشخيص الحاجات الفعلية, والتخطيط بصورة مناسبة ويعمل التقويم على مراقبة عملياتها وصولا إلى كشف مدى مطابقة المخرجات لما تم التخطيط له. تستند عملية التقويم على مجموعة عمليات متدرجة تسمح بتقويم موضوعي وهو الذي يكون من خلال قياس، وتقدير، وتقييم مختلف العمليات التي تسعى لتقويمها ثم يأتي التقويم كعملية تعزيز وإصلاح.

1- تعريف التقويم التربوي:

التقويم من مصدر الفعل قام, يقوم وقومه وقياما وقام انتصب، وقف واعتدل وقوم درأه أزال اعوجاجه وقوم المائل والمعوج: عدله ويقال في التعجب: ما أقومه ؟ أي ما أكثر اعتداله قوم الشيء أي عدله.

جاء في لسان العرب (ابن منظور،  1955، ص 495) قوم الشيء جعله يستقيم ويعتدل أي أزال اعوجاجه

كما جاء في معجم متن اللغة (رضا،1960 ، ص 684) قوم الشيء وزنه وقوم المتاع جعل له قيمة معلومة وقوم الشيء عدله وقوم درأه أزال اعوجاجه.

- يرى (بلوم،Bloom) أن التقويم: " مجموعة من العمليات المنظمة التي تبين إذا ما حدثت بالفعل تغيرات على مجموعة من المتعلمين مع تحديد المقررات ودرجة ذاك التغيير"(حثروبي،  ب س ،ص91).

من خلال تعريفه نكتشف أن التقويم عملية منهجية تكون بطريقة منظمة وتتضمن معلومات عن سمة معينة سواء كان ذلك بطريقة كيفية أو كمية. وتكون بطريقة متتابعة ومتسلسلة تهدف إلى تطوير العملية التعليمية.

- حسب  جلازر(djlazer,1963)  فالتقويم هو مسايرة التعلم والتفاعل مع المواقف التعليمية بدءا بتحديد الأهداف إلى غاية الحصول على المعلومات بواسطة القياس(السيد، 2001, ص158).

- التقويم عملية استخدام البيانات أو المعلومات التي يوفرها القياس وذلك من أجل إصدار أحكام وقرارات تتعلق بتحسين مردود العملية التعليمية.

- ويرى كلوسماير(Klausmeier، 1975 )أن التقويم يبني على ثلاث مراحل:

* تحديد وصياغة الأهداف التي تمثل المحكات لمقارنتها بالمعلومات المتحصل عليها.

*  الحصول على معلومات وبيانات على الظاهرة المعنية بواسطة القياس.

* كشف العلاقة بين البيانات والأهداف أو المحكات واتخاذ القرارات اللازمة.(النشواتي، 1998،ص599).

أما المفهوم الواسع للتقويم فيتضمن إصدار حكم على المتعلم مع الأخذ بعين الاعتبار قابلية هذا المتعلم  للتعلم، وكشف مختلف العمليات العقلية التي مارسها أثناء تعلمه، وميوله واتجاهاته العلمية ومهاراته العملية، ورغبته في العمل والتعلم وغير ذلك من العوامل المرتبطة بمحيطه والتي تؤثر على مستواه ونتائج تعلمه .

التقويم بوصفه عنصرا من عناصر المناهج هو التصحيح والتصويب وهو عملية تشمل على عمليات فرعية تؤدي إليها مثل: عملية التقييم بمعنى التثمين وعملية التشخيص بمعنى تحديد مظاهر القوة ومواطن الضعف وعملية القياس أي تكميم التقويم  وعملية المتابعة وعملية التغذية الراجعة وإصدار الحكم. (مرعي، 2000، ص 97)

يعرف التقويم أيضا انه عملية إعطاء ظاهرة معينة أو شيء مادي محسوس أو سلوك شخص قيمة محددة، عن طريق استخدام الأدوات الموضوعية الدقيقة وبالرجوع إلى معايير ثابتة.

واستخدام مصطلح التقويم في التربية يعني: تلك الإجراءات المترابطة التي تهدف إلى معرفة مدى النجاح أو الإخفاق في تحقيق الأهداف التربوية أو صمم ذلك المنهج ومن ثم يحدد نقاط الضعف و القوة تمهيدا لعملية التحسين المستمرة.( حمادات،2007، ص ص302- 303)

التقويم هو جزء متكامل من العملية التعليمية يؤثر في كل جوانبها, ويتأثر بها وإذا كانت التربية تهدف إلى تحقيق النمو المتكامل للمتعلمين فإن التقويم التربوي يعتبر مؤشرا  في تقدير مدى كفاءة المناهج الدراسة ومحتوياتها وأساليب تدريسها لإحداث هذا التكامل.( منسى،2003،ص18)

يؤكد( روبرت ثووندايك ) أن عملية التقويم هي عملية متكاملة يتم فيها تحديد أهداف جانب من جوانب التربية وتقرير الدرجة التي يتم فيها تحقيق هذه الأهداف .

إنه من الخطأ ربط مفهوم التقويم بالحكم النهائي على التلميذ من خلال المخرجات التربوية التي يظهرها. بل التقويم يبحث في مدى حدوث التغيرات المرغوبة، ومدى استعداد التلاميذ لإحداث هذه التغيرات، وتوفر الدافعية اللازمة لذلك. ويستعمل كتعزيز للتلاميذ لتوفير الدافعية اللازمة للتعلم, وتسمح التغذية الراجعة فيه على اكتشاف ما إذا تم تغير في السلوك التعليمي للتلاميذ، وفي هذا الصدد عبر كل من  مايجر، سيمورارد"(Mager et M.N.Simorarde)  التقويم...التصحيح...التنقيط عندما أسمع كلمة تقويم أخرج قلما أحمر...الجميع يريد النقاط ، الإدارة...الآباء...التلاميذ...التقويم أيضا هذا التلميذ حسن...هذا منتبه...أو خجول جدا.(محمد، شارف وسرير خالدي، 1995،ص86)

الملاحظ من خلال هذا أنه يوضح بصورة كبيرة المهام الحقيقية للتقويم وهي التي تسعى دائما لتعديل العملية التعليمية وإحداث التغيرات الفعلية مع المساهمة في تعديل الظروف المحيطة باعتبار العملية التعليمية نسق صغير ينشط ضمن نسق كلي.

إن التقويم يتماشى مع كل مراحل العملية التعليمية من مدخلات إلى تنفيذ العمليات, وصولا إلى المخرجات. هذا ما يجعل العملية التقويمية منظمة، هادفة تسعى إلى الحصول على قرارات دقيقة وأسلوب لتطوير الممارسات البيداغوجية والاستفادة منه لغرض التطوير والعلاج .

2-  المفاهيم المرتبطة بالتقويم:

يرتبط مفهوم التقويم بعدة مفاهيم باعتباره العملية الختامية التي يكون فيها إصدار الحكم والتعديل ولا يكون ذلك إلا عند قياس واختبار وتقدير درجة التلميذ ومدى ارتباط مخرجاته بالمحكات الموضوعة.

2-1-القياس:

من الفعل الثلاثي قاس أيقدر بطريقة كيفية وهذا باللجوء إلى أداة معينة:

-نقدر بطريقة كمية درجة الحرارة بالتيرمومتر.

-نقدر بطريقة كمية درجة التحصيل الدراسي بالاختبار.

القياس هو تمثيل لظاهرة معينة بالأرقام أو تحديد كمية ما يوجد في هذه الظاهرة من الخاصية, أو السمة التي يريد المقوم دراستها وتقويمها. لهذا فالقياس من الخطوات الأولى التي تسبق التقويم باعتبار المدرس يبحث عن جمع المعلومات وكشف مستوى التلاميذ أولا، هذا ما يجعله قادرا على تحويل الظاهرة التربوية إلى بيانات كمية.

عرفه كير لنجر ( 1981Kerlinger,) بأنه نسب الأرقام إلى الأشياء أو الأحداث وفقا لقواعد معينة.(نقادي،1993 ،ص04)

 القياس هو القيمة الرقمية التي تمنح للظاهرة وتمكن المقوم من جمع البيانات وترتيبها وتصنيفها  ووصفها بطريقة كيفية توضح له درجة دنوه أو ابتعاده عن المقدار الحقيقي الذي يرغب في تحقيقه  .

في حين حاول  كرونباخ( Gronbach ,1961)إعطاء مفهوم أكثر دقة للقياس حين عرفه بـ: " العملية المنهجية المحددة التي يمكن من خلالها التعرف على كمية ما يوجد في الشيء المقيس من السمة أو الخاصية التي تقيسها"(ابولبدة،1985،ص14).

القياس في الظواهر النفسية أو التربوية هو الحصول على تقدير أو قيمة رقمية للظواهر، فنقيس درجة الذكاء من خلال مقاييس الذكاء (اختبار بينيه مثلا) والتحصيل الدراسي من خلال اختبارات مقاليه أو موضوعية.(علي احمد وسالم،2004،ص ص17-18).

ينطلق القياس من طرق محددة ومنظمة كما يستند إلى التعبير الكمي عن الظاهرة باعتبار الرقم أكثر دقة من التعبير الكيفي.ويستعمل القياس في التقويم لتحقيق عدة أغراض حددها ستفنس ( Stevens ,1946 ) في أربعة وهي:

-تصنيف البيانات ووضعها في فئات ومجموعات وأنواع لكل مجموعة أو فئة سمة تميزها.

-ترتيب البيانات وذلك بتحديد الوضعيات الحقيقية للأفراد أو الشيء المقاس .

-وصف البيانات وصفا كميا وتحديد الفروق الكامنة بينها.

-مقارنة البيانات بوحدات تشابهها والبحث عن عدد الوحدات التي تتشكل منه( نقادى،1993، ص 6).

يختلف القياس عن التقويم بكون القياس عملية أولية تسبق التقويم حيث بعد تحويل القياس إلى تقدير كيفي ثم اللجوء إلى التقييم.

يسمح القياس بتقديم بيانات تسمح بالحكم عليها ثم اتخاذ القرارات المناسبة بالإصلاح وهو التقويم(جامل،2014،ص49).

2-2-التقدير: إنه الخطوة التمهيدية التي تكون قبل إصدار الحكم التقييمي لأنه يكون بعد الحصول على النتائج المستمدة من عملية القياس وتنطوي عملية التقدير على مقارنة البيانات الكمية المتحصل عليها من إجراء عملية القياس ببيانات معيارية ومعرفة درجة دنو أو ابتعاد تلك البيانات التي تمثل السلوك التعليمي للتلاميذ عن معايير كان من اللازم الوصول إليها وتحقيقها من خلال العملية التعليمية(الفاربي،1994,ص118)

2-3- الاختبار: الاختبار أداة منظمة يعتمد عليها القياس و ترى( أناستزي, Anastasi) أن الاختبار في جوهره قياسا موضوعيا لعينة من السلوك. في حين يرى "كرومباخ (1961,Gronbach) أن الاختبار عملية منتظمة لمقارنة سلوك شخصين أو أكثر(نقادى،1993،ص 10)

 فالاختبار أداة من الأدوات التي يعتمد عليها القياس، أو عبارة عن مجموعة من الأسئلة التي تصاغ انطلاقا من الأهداف المراد الوصول إليها, وتتسم الاختبارات بخاصية الكمية والقيمية أي بإعطاء التقدير الكمي والكيفي للتلميذ بعد إنجازه لعمل بطريقة مكتوبة أو شفوية, أو بالقيام بعمل تطبيقي ومنها يمكن تقويم قدراته ومعارفه بصورة جيدة ويفرق كل من ( تورندايك  وهاجن" Thorndike et hagen " ) ين كل من الاختبار والامتحان حيث يعتبران أن الاختبارات مقننة ويمكن الاعتماد عليها في كثير من المؤسسات التربوية في نفس المستوى, ويمكن معالجتها بطرق إحصائية واكتشاف معاملي السهولة والصعوبة فيها, ومعالجتها من أثر التخمين في حين أن الامتحانات غير مقننة ولا يتجاوز حدود استعمالها المدرسة أو القسم (صالح أحمد مراد ، 2002،ص44).

2—4 - التقييم: يكون التقييم بإعطاء قيمة أو تقدير للأشياء أو الموضوعات أو الأفكار ويكون حسب ( كرثوول , Krathoul) عندما يظهر المتعلم درجة كافية من الاتساق في المواقف الملائمة مما يمنح القدرة اللازمة للمقوم على اكتشاف درجة وجود قيمة معينة, ويعني التقييم تقرير وتحديد قيمة الشيء أو أهميته بواسطة التثمين. و اختلف الباحثون في ميدان التربية حول استعمال الكلمة حيث يرى البعض منهم أن أصل حرف " الياي" الوارد في كلمة تقييم هو " واو" باعتبار كلمة تقويم هو الأصل اللغوي لكلمة تقييم. ولكن الشيء الملاحظ هو أن كلمة تقويم أعم وأشمل فهي لا تكتفي بتثمين الشيء وتبيان قيمته, بل تتعداه إلى إصدار الحكم والتعديل، ومن هنا يظهر أن التقييم هو تحديد قيمة الشيء أو الموضوع وإعطاء الوصف الكمي والكيفي لهما.(حمدان، 2001,ص24)

بعد التعرض إلى مختلف العمليات المسايرة للتقويم,يوضح الشكل التالي طبيعة العلاقة التي تربطها.

Evaluation   التقويم

 

 

Assessment التقييم

 

 

 

 


Measuremant القياس

إصلاح مواطن الضعف وتعديلها نحو الأفضل

التقدير الكمي والكيفي وتحديد قيمة الأشياء و إصدار الحكم عليها

وضع الظاهرة المقاسة في صورة كمية للحكم عليها بالاعتماد على أساليب و أدوات .

 

Modifié le: Saturday 20 May 2023, 17:03