ترجمة ابن الأثير:

- هو نصر الله بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، أبو الفتح، ضياء الدين، المعروف بابن الأثير الكاتب 558-637هـ/1163-1239م، وزير من العلماء الكتاب المترسلين.

- ولد في جزيرة ابن عمر سنة 558هـ، وبها نشأ صدراً من حياته، وتلقى بها بعض معارفه الأولية، ثم انتقل مع أسرته إلى الموصل ،وفيها أكمل مع أخويه مجد الدين أبي السعادات وعز الدين علي بن الأثير الجزري طلب العلم والتفقه على كبار علمائها، فحفظ القرآن، وسمع الحديث، وأقبل على العربية واللغات والشعر حتى برع في الأدبيات.

- تولى في سنة 587هـ الوزارة للسلطان صلاح الدين، ثم انتقل بعد ذلك إلى دمشق، فتولاها لابنه الملك الأفضل بن صلاح الدين، إلا أنه بعد مدة قصيرة غادرها مستخفياً بعد أن ساءت علاقته به، فانتقل إلى خدمة أخيه الملك الظاهر غازي صاحب حلب سنة 607ه. ولم تطل إقامته فيها. عاد إلى الموصل، وكتب الإنشاء لصاحبها محمود بن عز الدين مسعود، فبعثه رسولا في أواخر أيامه إلى الخليفة في بغداد، فمات هناك.

- مصنفاته: المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر / الوشي المرقوم في حل المنظوم / كفاية الطالب في نقد كلام الشاعر والكاتب / المفتاح المنشأ لحديقة الإنشا / المعاني المخترعة في صناعة الإنشاء / الجامع الكبير في صناعة المنظوم والمنثور / البرهان في علم البيان.

- توفي سنة 637ه ببغداد، وقد توجه إليها رسولًا من جهة صاحب الموصل، وصُلِّيَ عليه من الغد بجامع القصر، ودفن بمقابر قريش.

  أجناس الخطاب النثري:

 لقد رصد ابن الأثير للخطاب النثري أجناسًا، نلمس فيها المشهد النثري العربي القديم الذي يزاوج بين صبغة الشفهية والكتابية، ويمزج بين الخطاب النثري الذي يمثل البداوة وعلى رأسه الخطابة، والخطاب النثري ذي الصبغة الكتابية الذي يمثل الحضارة، وعلى رأس أجناسه فن الكتابة الرسائل.

- فن الخطابة: تأتي الخطابة على رأس الأجناس ذات الصبغة الشفهية التي عرفها ابن الأثير، فهو يشير إلى ورود ضرب "من الترصيع" في الخطب التي أنشأها الشيخ الخطيب عبد الرحيم بن نباتة -رحمه الله- منتقدا أول خطبه التي قال فيها: "الحمد لله عاقد أزمة الأمور بعزائم أمره، وحاصد أئمة الغُرور بقواصم مَكْرِه، وموفق عبيده لمغانم ذكره، ومحقق مواعيده بلوازم شكره" بقوله: "فالألفاظ التي جاءت في الفصلين الأولين متساوية وزنا وقافية، والتي جاءت في الفصلين الآخرين فيها تخالف في الوزن، فإن "مواعيد" تخالف وزن "عبيد"، ولا تخالف قافيتها التي هي الدال". إنّه نقد بنيوي يرتكز على نص الخطاب النثري من أجل الكشف على سر الفصاحة والبلاغة، فالتناسب في الفصلين الأولين كان سببًا في بلاغة الخطبة وفصاحة ألفاظها.

- فن المقامة: ولقد أشار ابن الأثير إلى فن المقامات في معرض حديثه عن التفاوت في الصناعة الواحدة من الكلام المنثور، والذي قال فيه عن حدّها أنّ "مدارها جميعًا حكاية تخرج إلى مخلص"، ولقد انتقد ابن الأثير أسلوب صاحب المقامات الذي أبدع في هذا الفن قائلاً: "على أن الحريري قد كتب في أثناء مقاماته رقاعًا في مواضع عدة، فجاء بها منحطة عن كلامه في حكاية المقامات، لا بل جاء بالغثِّ البارد الذي لا نسبة له إلى باقي كلامه فيها".  وكذلك وجه سهام نقده إلى حجم المقامة مقارنة بالمكاتبات (=الرسائل) بقوله: "كل جزء منها أكبر من مقامات الحريري"، ولعل هذا الانتقاد الذي اتجه نوعا ما إلى التجريح إلى جانب ميل ابن الأثير وتفضيله للرسالة بكل خواصها هو ما جعل بعض النقاد يعتقدون أن ابن الأثير قد تنقص من المقامات الحريرية وازدراها، جانحا إلى أنها صورة موضوعة في قوالب حكايات، مبنية على مبدأ ومقطع بخلاف الكتابة، فإن أهوالها لا متناهية" .

- القصص: وقد أشار ابن الأثير بشكل سريع للقصة في معرض حديثه عن تحويل الكلام النثري إلى بنية رسالية، فانظر كيف فعلت في هاتين القصتين؟ وكيف أوردتها في الغرض الذي قصدته وكذا "في سقيفة بني ساعدة والقصة المشهورة، وكذلك في حديثه عن حل معاني آيات القرآن الكريم ذكر قصة يوسف. "لأنها قصة مفردة برأسها، وفيها معان كثيرة، كما أورد قصة إبراهيم وذبح ولده، وإن كانت مجرد أخبار ذات طابع قصصي فهي تدخل في جنس القصة.

 - التوقيعات: ولقد التفت ابن الأثير إلى جنس نثري يمثل الإيجاز في الكتابة في أعلى درجات كثافتها وثرائها، حتى أن جعفر بن يحي البرمكي أوصى به للكتاب، فقال: "وإن استطعتم أن تكون كتبكم توقيعات فافعلوا". ونجد ابن الأثير كتب توقيعا افتتحه بخبر نبوي، وقد أشار إليه من باب التمثيل والاستشهاد عن حسن المبادئ والافتتاحات (المطلع) لإدراكه أهميته الفنّية في قوله: "وهو توقيع كتبته لولد رجل من أصحاب السلطان، وتوفي والده ونقل ما كان باسمه إليه فقلت..." فقد أدرك ابن الأثير جنس التوقيعات "وهي عبارات موجزة بليغة تعود ملوك الفرس ووزراؤهم أن يُوقعوا بها على ما يقدم عليهم من تظلمات الأفراد في الرعيّة وشكاواهم، وحاكاهم خلفاء بني العباس ووزراؤهم في هذا الصنيع، وكانت تشيع في الناس، ويكتبها الكتاب ويتحفظونها، وسموها بالرقاع تشبيها لها برقاع الثياب".

- الأمثال: إذا تصفحنا (المثل السائر) بحثا عن حد للمثل نجد ابن الأثير يقول إنه "القول الوجيز المرسل ليعمل عليه" كالرموز والإشارات التي يلوح بها على المعاني تلويحا، وقد أشار ابن الأثير في باب معرفة أمثال العرب وأيامهم أنه لا يقتضي معرفة كل الأمثال الواردة عندهم، "فإنه منها ما يحسن استعماله، كما أنّ من ألفاظهم أيضا ما لا يحسن استعماله".
كما ألمح ابن الأثير إلى المقال، فقال: "فهو يُدير هذا في معركة المقال، وهذا في معركة الطراد". وهذا كان ضمن كتاب له إلى بعض الإخوان من أهل الكتابة، ولكنه قصد به الكلام بصفة عامة.

بناء الخطاب النثري وطرق كتابته:

أدرج ابن الأثير في مقدمة كتابه (المثل السائر) خمسة أركان لا بد من إيداعها في كل كتاب بلاغي ذي شأن خمسة، وهذه الأركان هي أصول فنّية لكتابة الخطاب النثري، وتتعلق بالكتاب نفسه الذي الذي يكتبه الكاتب (= الناثر):

- الركن الأول: أن يكون مطلع الكتاب عليه جدة ورشاقة، فإن الكاتب من أجاد المطلع والمقطع، أو يكون مبنيا على مقصد الكتاب، فإنّ المطلع إذا جاء رشيقا استحوذ على لب القارئ واستماله من أول وهلة، ولهذا باب سماه ابن الأثير "باب المبادئ والافتتاحات".

 - الركن الثاني: أن يكون الدعاء المودَعُ في صدر الكتاب مشتقا من المعنى الذي بني عليه الكتاب، وهو مما يدل على حذاقة الكاتب وفطنته، لأنه بمراعاة المقام أو السياق الذي يحيط بالخطاب من بداية الدعاء سيضمن التأثير في المتلقي، وهو نفسه عمد إليه في مكاتباته.

- الركن الثالث: أن يكون خروج الكاتب من معنى إلى معنى برابطة لتكون رقاب المعاني آخذة بعضها ببعض، ولا تكون مقتضبة، بحيث لا يجد القارئ فجوات فكرية في الكتاب، وذلك ما يسمى باب التخلص والاقتضاب؛ فالتخلص هو أن يأخذ مؤلف الكلام في معنى من المعاني، فبينا هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره، وجعل الأول سببا إليه، فيستأنف الكلام من غير أن يقطعه، والاقتضاب ضد التخلص .

- الركن الرابع: أن تكون ألفاظ الكتاب (= الرسالة) غير مخلولقة الاستعمال، ولا يريد ابن الأثير بذلك أن تكون ألفاظه غريبة، فإن ذلك عيب فاحش، بل يريد أن تكون الألفاظ غير المستعملة مسبوكة سبكا (=النظم) غريبا (=مُحكمًا)، يتوهم قراؤها أنها غير ما في أيدي الناس وإن كانت هي التي يستعملها الناس.

- الركن الخامس: أن لا يخلو الكتاب -أي الخطاب النشري- من معنى من معاني القرآن الكريم والأخبار النبوية، فإنها معدن الفصاحة والبلاغة، ويشير ابن الأثير إلى أن حل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أحسن من إيرادها على وجه التضمين، ويخص هذا الركن بقوله: "وهذا الركن يختص بالكاتب دون الشاعر، لأن الشاعر لا يلزمه ذلك، إذ الشعر أكثره مدائح".

Modifié le: Wednesday 14 December 2022, 07:35