ترجمة الجاحظ:

- أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب بن فزارة الليثي الكناني البصري776] م-868م]، أديب عربى كان من كبار أئمة الأدب فى العصر العباسىي. وُلدَ فى البصرة، وتوفي فيها. قد اختلف في أصله، فرجّح البعض أنه عربي من كنانة، ورجّح البعض الآخر أن أصله يرجع للزنج، وأن جده كان مولىً لأحد رجال بني كنانة، وذلك من أجل بشرته السمراء.

- نشأ فقيرا، وكان دميما قبيحا جاحظ العينين عرف بخفة الروح، وميله إلى الهزل والفكاهة، فكانت كتاباته على اختلاف مواضيعها لا تخلو من الهزل والتهكم. طلب العلم فى سن مبكر، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، كان يبيع السمك والخبز فى النهار، ويؤجر دكاكين الوراقين فى الليل، ليقضي ليله في المطالعة..

- عاصر 12 خليفة عباسيا، هم: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله.

- أخذ علوم اللغة العربية وآدابها على أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وعلم الكلام على يد إبراهيم النظام البصري.

- اتصل بالثقافات الأعجمية، كالفارسية، واليونانية، والهندية عن طريق قراءة المترجمات أو مناقشة المترجمين أنفسهم, كحنين بن إسحق وسلمويه.

- ترك مجموعة من الكتب: البيان والتبيين  - كتاب الحيوان - البخلاء - المحاسن والاضداد - البرصان والعرجان - التاج فى أخلاق الملوك – الرسائل: حققها محمد عبد السلام هارون.

 البيان والتبيين:

لا نكاد نتقدم بعد الربع الأول من القرن الثالث الهجرى حتى يتجرد معتزلي كبير -هو الجاحظ  المتوفى سنة 255  للهجرة- لدرس شؤون البيان والبلاغة، فيؤلف كتابه (البيان والتبيين) فى أربعة مجلدات كبار، جامعاً فيه ملاحظات العرب البيانية وبعض ملاحظات الأجانب، وسجل كثيراً من ملاحظات معاصريه وخاصة المعتزلة.

● نراه يطيل الوقوف عند ما أثاره بشر بن المعتمر من صفات الألفاظ والمعاني، ووجوب مطابقة الكلام لسامعيه، من ذلك قوله في المطابقة وتفاوت الكلام بتفاوت من يلقى إليهم. يقول:

"وكما لا ينبغى أن يكون اللفظ عامياً وساقطا سوقياً، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريباً وحشياً، إلا أن يكون المتكلم بدويا أعرابيا، فإن الوحشي من الكلام يفهمه الوحشي من الناس، كما يفهم السوقي رطانة السوقي. وكلام الناس في طبقات كما أن الناس أنفسهم فى طبقات، فمن الكلام الجزل والسخيف والمليح والحسن والقبيح والسمج والخفيف والثقيل، وكله عربي، وبكل قد تكلموا.." 

والجاحظ بذلك يؤكد فكرة بشر فى المطابقة، غير أنه يمدها من طرف آخر غير طرف من يتوجه بخطابه إلى أصناف المتكلمين من المعتزلة وغيرهم ممن وقف عندهم بشر، إذ أخذ يطبقها على البدو في كلامهم وما يجري فيه من لفظ غريب، بل لقد مضى يقول إن سخيف المعانى إنما يشاكله سخيف الألفاظ". فالعبرة بالمعنى والمقام وأحوال المستمعين النفسية، لا بالألفاظ من حيث هي في ذاتها. وكأنما حسنها إضافي، وهو حسن على المعاني من جهة، وعلى أحوال السامعين من جهة ثانية، ومدى مشاكلتها لذلك جميعه، وضرب مثلا بالنوادر، وأنه لا يصح أن تغير عن صورتها التي أديت فيها أداء يتفق ومن وجهت إليه من البدو أو العامة، يقول:

"ومتى سمعت -حفظك الله- بنادرة من كلام الأعراب، فإياك أن تحكيها إلا مع إعرابها ومخارج ألفاظها، فإنك إن غيّرتها بأن تلحن في إعرابها، وأخرجتها مخارج كلام المولدين والبلديين، خرجت من تلك الحكاية وعليك فضل كبير، وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، وملحة من ملح الحشوة والطغام، فإياك أن تستعمل فيها الإعراب، أو تتخير لها لفظاً حسناً، أو تجعل لها من فيك مخرجاً سريا، فإن ذلك يفسد الإمتاع بها، ويخرجها من صورتها ومن الذي أريدت له، ويذهب استطابتهم إياها، واستملاحهم لها"

● نراه يتوسع في الحديث عن الإطناب والإيجاز ومواضعهما، من ذلك حديثه عن الترداد والتكرار فى القصص القرآني ومواعظ الوعاظ، يقول: "وجملة القول في الترداد أنه ليس فيه حد ينتهى إليه ولا يؤتى على وصفه، وإنما ذلك على المستمعين ومن يحضره (الخطيب) من العوام والخواص. وقد رأينا الله -عز وجل- ردَّدَ ذكر قصة موسى وهود وهارون وشعيب وإبراهيم ولوط وعاد وثمود، وكذلك ذِكْرَ الجنة والنار وأمورٍ كثيرة، لأنه خاطب جميع الامم من العرب وأصناف العجم يعيب وأكثرهم عييٌّ غافل أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب . وأما أحاديث القصص والرقة (الموعظة) فإني لم أر أحداً يعيب ذلك. وما سمعنا بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الألفاظ وترداد المعانى عِيّاً" (البيان والتبيين، ص01، ص105). وبينما نراه يرتضي الإطناب في الخطابة، نراه لا يرتضيه فى الرسائل، وقد وقف في (بيانه) ينوه بجعفر بن يحيى البرمكي وإيجازه في رسائله 

● وأكثر في (بيانه) من الحديث عن جزالة الألفاظ وفخامتها، ورقتها وعذوبتها، وخفتها وسهولتها، ونشر ذلك في كل جانب من الكتاب، وكأنما رأى من تتمة الكلام عن صفاتها أن يعرض لحروفها التي هي جوهرها، ملاحظا أن منها ما لا يقترن بعضه إلى بعض في الكلام، وأيضًا فإنه عرض لتلاقي الكلمة مع الكلمة، ملاحظاً أن من الألفاظ ما يتنافر بعضه من بعض، حتى لقد شبهها بعض معاصريه بأولاد العلات، ويطيل الوقوف إزاء بعض أشعار يشتد فيها التنافر بين ألفاظها، لينكشف للقارئ ما فيها من ثقل ومئونة على اللسان، لأن الكلمة لم تقرن إلى أختها، ولم يُجمَع لها ما ينعقد معها في سلكها (البيان والتبيين، ج01، ص34). وأداه الوقوف عند أصوات الألفاظ إلى الإطالة فيما يعتري اللسان من لثغات ولكنات.

● ونراه يتنبه في دقة إلى مواقع الألفاظ في الذكر الحكيم، وكيف أن الكلمة المرادفة لأخرى لا يصح أن تستخدم مكانها، بل إن صيغة لكلمة ينبغى أن لا تتغير، وأن تظل على صورتها من الإفراد أو الجمع، أيضا فإن الكلمات كأفراد الأسرة، أو على الأقل منها ما تقوم بينها واشجة الرحم، يقول:

"وقد يستخف الناس ألفاظاً ويستعملونها وغيرها أحق بذلك منها، ألا ترى أن الله -تبارك وتعالى- لم يذكر في القرآن الجوع إلا فى موضع العقاب، أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون الشغب ويذكرون الجوع في حال القدرة والسلامة. وكذلك ذكر المطر؛ لأنك لا تجد القرآن يتلفظ به إلا في موضع الانتقام. والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وبين ذكر الغيث. ولفظ القرآن الذي عليه نزل أنه إذا ذَكَرَ الأبصار لم يقل الأسماع، وإذا ذكر سبع سموات لم يقل الأرضين، ألا تراه لا يجمع الأرض أرضين، ولا السَّمْعَ أسماعا. والجاري على أفواه العامة غير ذلك، لا يتفقدون من الألفاظ ما هو أحق بالذكر وأولى بالاستعمال. وفي القرآن معان لا تكاد تفترق مثل الصلاة والزكاة، والجوع والخوف، والجنة والنار، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس" 

● وأكثر من الحديث عن حسن الصوغ، وكمال التركيب، ودقة تأليف اللفظ، وجمال نظمه، وأدَّاهُ شغفه بجودة اللفظ وحسنه وبهائه إلى أن قدمه على المعنى، يقول:

"المعاني مطروحة فى الطريق، يعرفها العجمي والعربي، والبدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن، وتخير اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحة الطبع، وجودة السبك، وإنما الشعر صياغة وضرب من التصوير" .

وتعريفه للشعر على هذا النحو يدل على أنه كان يدخل التصوير وما يطوى فيه من أخيلة في الصياغة واللفظ. وقد يكون في ذلك ما يخفف حدة الظن بأنه قدم الألفاظ من حيث هي على المعانى، إنما كان يريد الأسلوب بمعنى أوسع من رصف الألفاظ، إذ أدخل فيه الأخيلة والتصاوير. وكأنما أحس في عمق أن المعاني وحدها لا تكون الكلام البليغ، فهؤلاء المترجمون ينقلون معاني دقيقة لفلاسفة اليونان، ومع ذلك لا يمكن أن يتصف كلامهم ولا ما نقلوه بالبلاغة. فكلامهم يحمل معاني صحيحة، ولكن ينقصها حائط البلاغة العتيد من حسن السبك، وجمال الرصف والنظم. وأداه إحساسه العميق بروعة النظم، وما يكسبه الكلام من الماء والرونق والحيوية والنضرة والروعة، إلى أن يصيح في معاصريه إن إعجاز القرآن الكريم في نظمه، وألف في ذلك كتاباً سقط من يد الزمن، وكرر في مواضع من كتاباته هذا الرأى من مثل قوله:

"في كتابنا المنزَّل الذي يدلنا على أنه صدقٌ نظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد". على أنه لم يُسقط المعاني جملة، فقد كان يرى رأى العتابي من أنها تحل من الألفاظ محل الروح من البدن .

Modifié le: Wednesday 14 December 2022, 07:13